هل يتجاوز فرقاء السودان انسداد الأفق السياسي؟
تاريخ النشر: 3rd, November 2024 GMT
الخرطوم- بعد 18 شهرا من اندلاع الحرب في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع، لم يتغير المشهد السياسي في البلاد ولم يحدث تحول كبير في الخريطة السياسية، واستمرت حالة الاستقطاب والانقسام السياسي، مما يهدد بإطالة أمد القتال وتكريس شمولية عسكرية، حسب مراقبين.
وتوتر المشهد منذ توقيع اتفاق إطار بين أطراف سياسية ومدنية أبرزها قوى الحرية والتغيير-المجلس المركزي والمكون العسكري، في ديسمبر/كانون الأول 2022، قبل أن يرفض الجيش توقيع الاتفاق النهائي ويتمسك الدعم السريع به، فانقسمت القوى وتبادلت الاتهامات وحمّل قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي" اتفاق الإطار مسؤولية اندلاع الحرب.
وبعد الحرب دخلت قوى الحرية والتغيير-المجلس المركزي، التي كانت تمثل الائتلاف الحاكم، في تحالف جديد مع قوى مدنية في أكتوبر/تشرين الأول 2023، وتأسست تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية "تقدم"، واختارت رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك رئيسا للتحالف وأعلن الحياد وتعهد بالوساطة بين طرفي النزاع لوقف الحرب.
مساع متعثرةوتبنى الكيان الجديد موقفا مثيرا للجدل حينما وقع حمدوك و"حميدتي" إعلان مبادئ بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا في يناير/كانون الثاني الماضي، الأمر الذي اعتبره خصوم تنسيقية "تقدم" تحالفا بين الطرفين.
وفي الجانب الآخر، تبنت كتل سياسية أخرى موقفا مساندا للجيش ضمت قوى الحرية والتغيير-الكتلة الديمقراطية، بزعامة جعفر الميرغني، وقوى التراضي الوطني برئاسة مبارك الفاضل المهدي، وتنسيقية القوى الوطنية، وقوى الحراك الوطني برئاسة التجاني السيسي.
كما تبنى تكتل آخر موقفا مغايرا قبل الحرب ولا يزال، حيث أعلنت 10 أجسام سودانية أبرزها الحزب الشيوعي وجناح في تجمع المهنيين، في يوليو/تموز 2022، عن تكتل سياسي جديد لإسقاط النظام باسم "تحالف قوى التغيير الجذري".
وبعد عجز الفرقاء من القوى السياسية والمدنية عن عقد لقاء لتحقيق توافق بشأن الأوضاع في بلادهم وتجاوز الأزمة، دعت القاهرة إلى مؤتمر، في يوليو/تموز الماضي، لبحث الأزمة ووقف الحرب والتحضير للمسار السياسي شاركت فيه -لأول مرة- غالبية الأطراف المتنافرة في المشهد، وصدر بيان تحفظت عليه بعض التيارات.
ثم دعا الاتحاد الأفريقي الفرقاء إلى مؤتمر في أديس أبابا بعد أسبوعين من لقاء القاهرة لمناقشة التحضير للعملية السياسية، شاركت فيه القوى المساندة للجيش وقاطعته قوى تحالف "تقدم" التي عقد لها الاتحاد اجتماعا منفصلا في أغسطس/آب الماضي.
مسؤولية القوىمن جانبه، يرى الناطق باسم تنسيقية "تقدم" بكري الجاك أن السبب الجوهري في انسداد الأفق السياسي هو تعثر الوساطة ورفض أطراف الحرب خيار التفاوض كحل سياسي شامل، رغم فشل الحل العسكري وعدم قدرة أي طرف على تحقيق انتصار كامل، وحذر من اتباع الحرب "منحى اقتتال على أساس العرق والإثنية".
وحسب حديث الجاك للجزيرة نت، فإن جل القوى المدنية تتفق على وحدة السودان وإيقاف الحرب وحماية المدنيين وفتح ممرات آمنة للمساعدات الإنسانية، وعلى الحوار للتوافق على ثوابت وطنية مثل المواطنة المتساوية والحكم المدني ووقوف الدولة على مسافة واحدة من الأديان والثقافات ورفض مبدأ استغلال العقيدة في السياسة.
وعن فرص حوار سوداني لتحقيق توافق وطني، يقول إنه مع الاستقطاب والانقسام الحاد حاليا، فإن الحوار لن يغير في المواقف لأن ثمة قوى تصر على تعريف الحرب على أنها عدوان خارجي ضد الدولة وتهمل العوامل الداخلية، وسيكون تصورها للحل هو استمرار الحرب حتى الانتصار و"هو طريق مجرب".
ويتطلب وقف الحرب كتلة مدنية وسياسية من المؤمنين بذلك، وبدء الحوار من أطراف متوافقة على مبادئ واضحة، أما موضوع تقرير مستقبل السودان سياسيا فهو حوار يمكن أن يتم بالضرورة للجميع في مراحل مختلفة عقب إيقاف الحرب، وفقا للجاك.
في المقابل، يقول المتحدث باسم قوى الحرية-الكتلة الديمقراطية محمد زكريا إن السبب الأساسي لانسداد الأفق السياسي هو اختلاف مواقف القوى المدنية من الحرب بين تيار وطني تقوده الكتلة الديمقراطية، وأخرى ترى أن الحرب عبارة عن تمرد لفصيل يتبع القوات المسلحة يشن حربا ضد الشعب، ومن يتحمل مسؤولية الانسداد هي المجموعات التي توفر غطاء سياسيا للدعم السريع وتراهن على بندقيته للعودة إلى السلطة.
ويوضح للجزيرة نت أن التيار الثاني هو تحالف "تقدم" الذي يرى أن الحرب بين طرفين ويتحالف سياسيا مع الطرف المتمرد على الدولة السودانية، وإن ادعى الحياد في خطابه العام، إلا أن مواقفه تتماهى مع قوات الدعم السريع التي يربطها به اتفاق رسمي موقع بأديس أبابا.
وهناك تيار ثالث اختار لنفسه موقعا وسطا بين التيارين لا هو داعم للجيش ولا هو متحالف مع الدعم السريع مثل تحالف قوى التغيير الجذري الذي يتزعمه الحزب الشيوعي، بجانب حزب البعث العربي الاشتراكي، حسب زكريا.
أولويةوباعتقاد المتحدث زكريا، فإن الأولوية الآن هي الحفاظ على كيان الدولة قبل الديمقراطية، والمدخل لذلك عبر حسم التمرد وتحقيق الأمن والاستقرار، وإن الحديث عن انتخابات أو انتقال ديمقراطي في ظل الحرب الجارية والانتهاكات يُعتبر "ترفا سياسيا والسودان مهدد في وجوده ووحدته".
ويرى أنه لا يمكن الخروج من الأزمة الراهنة إلا بتحقيق الأمن ومن ثم إجراء حوار سوداني-سوداني شفاف لا يستثني أحدا للتوافق على مشروع وطني ومبادئ إدارة الفترة الانتقالية، والتأسيس لديمقراطية مستدامة وسلام شامل وحكم راشد.
بدوره، يعتقد المحلل ورئيس تحرير صحيفة "التيار" عثمان ميرغني أن أسباب انغلاق الأفق السياسي ملازمة للمكونات السياسية منذ سنوات طويلة، وناتجة عن عدم قدرتها على الفعل وإفراطها في التعويل على ردود الأفعال، وأن جذور الوضع الراهن تمتد للأيام الأولى بعد انتصار الثورة في أبريل/نيسان 2019، و"الوقوع في فخ شراكة مع المكون العسكري ثبت لاحقا أنها إزاحة متدرجة للقوى التي صنعت الثورة".
ويقول للجزيرة نت إن القوى السياسية منقسمة على جانبي بندقيتي الجيش والدعم السريع، وكان ظنُّها أن الحسم النهائي -قبل الحرب- سترجحه الكفة الأقوى، ولكن بعد أن اندلعت الحرب وطالت لم تستطع هذه القوى أن تمسك بزمام الفعل ولا تزال ترزح تحت الارتهان لرد الفعل الذي يتولاه العسكريون من الجانبين.
وبشأن فرص التوافق الوطني، يرى المتحدث أنه ممكن إذا ارتفع وعي الساسة بدورهم الوطني وانخفضت طموحاتهم الشخصية والحزبية في كسب المغانم، مع ترتيب الأولويات ليكون إنهاء الحرب فوق كل الخلافات، ثم تكوين مفاهيم مواكبة لبناء الدولة الجديدة ومؤسساتها بصورة تستهدف أعلى مكسب وطني وليس المكاسب الحزبية الضيقة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الأفق السیاسی الدعم السریع قوى الحریة
إقرأ أيضاً:
مكاسب الجيش في العاصمة… هل تُنهي حرب السودان؟ توقعات بأن تنتقل المعارك منها إلى غرب البلاد
كمبالا: أحمد يونس: الشرق الأوسط: قبل معارك منطقة «جبل موية» بولاية سنار جنوب شرقي السودان خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لم تكن «قوات الدعم السريع» قد خسرت معركة كبيرة منذ بداية الحرب في أبريل (نيسان) 2023.
لكن خسائرها توالت بعد استعادة الجيش تلك المنطقة الاستراتيجية، وتراجعت مناطق سيطرتها تدريجياً في وسط وشرق البلاد، كما أصبح وجودها في العاصمة الخرطوم مهدداً. فهل تعني انتصارات الجيش بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، وتراجعات «الدعم السريع» بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، أن حرب «الجنرالَين» على وشك الانتهاء؟
يؤكد الجيش أنه حقق انتصارات كبيرة وألحق هزائم فادحة بـ«قوات الدعم السريع»، متوعداً باستمرار الحرب حتى القضاء عليها تماماً. من جانبها، تنفي «قوات الدعم السريع» تعرضها لهزائم، وتؤكد أنها انسحبت من المناطق التي دخلها الجيش من دون معارك، وذلك بسبب «تكتيكات قتالية جديدة»، مشيرة إلى عدم استطاعة الجيش توثيق الخسائر الكبيرة في الأرواح والعتاد التي يتحدث عنها.
ولُحظ أن «قوات الدعم السريع» المنسحبة تتوجه إلى إقليمي دارفور وكردفان حيث الحاضنة الاجتماعية لتلك القوات، فيما يقول متحدثون باسمها إن «المناطق التي انسحبنا منها، انتزعناها من الجيش انتزاعاً في الأشهر الأولى من الحرب. احتفظنا بها لأكثر من عام ونصف العام، ثم تركناها برغبتنا، ونستطيع انتزاعها مرة أخرى متى ما أردنا ذلك». لكن مؤيدي الجيش يرون أن المعركة أوشكت على النهاية، بينما يؤكد مراقبون مستقلون أن «نهاية الحرب لا تزال بعيدة».
استراتيجية جديدة
ويقول المحلل السياسي، الجميل الفاضل، إن تقدم الجيش ليس سوى «جولة من جولات الحرب التي لا تبدو لها نهاية قريبة»، موضحاً أنه «من المتوقع أن تتخذ الحرب طابعاً أكثر عنفاً ودموية، لكن ليس في المناطق التي استردها الجيش، بل في مناطق رخوة في خاصرة الحاضنة الشعبية للجيش».
وأشار الفاضل إلى التصريح الأخير من قائد «قوات الدعم السريع»، محمد حمدان دقلو، الذي طالب فيه قواته بعدم التأثر بفقدان بعض المناطق مؤخراً، وأنه ينبغي عليهم التركيز على مناطق جديدة سيسيطرون عليها. وأضاف الفاضل: «يبدو أن (قوات الدعم السريع) ستتبع استراتيجية جديدة، تتخلى فيها عن تكتيك الانتشار الواسع في البلاد. كما أن هجمات المسيّرات خلال الفترة السابقة تشير إلى مناطق المعارك المرتقبة، فبينما تتراجع في الخرطوم، نشهد تقدمها في مناطق أخرى غرب البلاد بالاشتراك مع (قوات عبد العزيز الحلو)».
وتوقع عدد من المحللين أن تنتقل الحرب من العاصمة إلى أقاليم غرب البلاد، وأن «تتخذ شكلاً أعنف إذا تم تشكيل حكومة موازية في تلك المناطق، وإدخال أسلحة نوعية وإضافة إمكانات حربية جديدة، مما سيغير من خريطة الحرب على الأرض».
معارك العاصمة
ميدانياً، تدور معارك «كسر عظم» في مدن العاصمة المثلثة - الخرطوم وأم درمان وبحري - حيث يحقق الجيش تقدماً لافتاً، ففي منطقة شرق النيل بمدينة بحري، يقترب الجيش وحلفاؤه من جسر «المنشية» الرابط بين شرق النيل ووسط مدينة الخرطوم، بعد أن استعاد معظم منطقة «الحاج يوسف»؛ وهي من أهم معاقل «قوات الدعم السريع» منذ بداية الحرب.
غير أن حدة المواجهات انخفضت في الخرطوم وأم درمان مع بداية شهر رمضان المبارك، فقد تراجعت العمليات في معظم خطوط التماس بين الطرفين المتحاربين، وبقيت مناطق السيطرة كما هي دون تغيرات كبيرة. ويقول شهود إن الجيش ما زال يسيطر على أحياء في جنوب غربي الخرطوم حتى جسر «الحرية» والمنطقة الصناعية، بينما لا تزال «قوات الدعم السريع» تسيطر على أحياء أخرى في جنوب الخرطوم؛ بما فيها القصر الرئاسي ومنطقة «جنوب الحزام»، ومقر القيادة الاستراتيجية التابعة للجيش و«مطار الخرطوم»، والجزء الشرقي من مقر القيادة العامة للجيش.
وفي أم درمان، وسع الجيش من مناطق سيطرته لتشمل بعض الأحياء الجنوبية والغربية من المدينة، خصوصاً منطقتَي أم بدة والفتيحاب، لكن المعارك على حدود المنطقتين تحوّلت إلى كر وفر، من دون تقدم لمصلحة أحدهما.
معارك الغرب
أما في شمال إقليم كردفان بوسط غربي البلاد، فقد حقق الجيش انتصارات باستعادة السيطرة على مدينتَي أم روابة والرهد، وتمكن من الوصول إلى أطراف مدينة الأُبيّض؛ كبرى مدن الإقليم، وفتح الطريق البرية الرابطة بينها وبين وسط البلاد. إلا إن الجيش مُني بهزيمة كبيرة حين حاول التقدم شرقاً باتجاه مدينة بارا، وأعلنت «قوات الدعم السريع» أنها «دحرت القوات المهاجمة وألحقت بها هزائم كبيرة في الأرواح والعتاد»، ولم يصدر تعليق من جانب الجيش.
وتأثرت العمليات العسكرية في ولاية النيل الأزرق بالتحالف الذي نشأ بين «قوات الدعم السريع» وقوات «الحركة الشعبية لتحرير السودان - تيار عبد العزيز الحلو»، فقد استطاعت القوتان معاً السيطرة على عدد من مناطق الولاية المتاخمة لجمهورية جنوب السودان، وأصبحت القوات المشتركة بينهما تهدد حاضرة الولاية؛ مدينة الدمازين.
ووقّعت قوى سياسية وحركات مسلحة، على رأسها «حركة عبد العزيز الحلو»، مع «قوات الدعم السريع» في 22 فبراير (شباط) بالعاصمة الكينية نيروبي، ميثاقاً سياسياً يهدف إلى توحيد العمل السياسي والعسكري ضد الجيش وحلفائه من أنصار النظام السابق، بالإضافة إلى تشكيل حكومة في مناطق سيطرة «قوات الدعم السريع»؛ لمنافسة الحكومة التي يقودها الجيش وتتخذ من مدينة بورتسودان مقراً لها.