للذين قالوا لا للمدنية من بريطانيا!
تاريخ النشر: 3rd, November 2024 GMT
للذين قالوا لا للمدنية من بريطانيا!
بثينة تروس
إننا نهنئ الأعداد المهولة للسودانيين ببريطانيا الذين خرجوا يتظاهرون ضد المدنيين المجتمعين لإيجاد حلول لوقف الحرب ونزيف الدم بالوطن، خرجوا رافعين شعارات استمرار الحرب (بل بس) وجيش واحد شعب واحد.. تهنئتنا منبعها تقديرنا لعظمة الديموقراطية وممارسة الحريات العامة في ظل أمن وحماية الجيش البريطاني الموحد بلا مليشيات.
وفي ذات الوقت نتساءل كيف انتهى الحال بهذه التجمعات الضخمة إلى استبدال المواطنة في البلد الأصل واستبدالها بالعيش في صحبة ذوي الأصول الأنجلو سكسونية، والنورمانية؟!.
فهؤلاء السكسون قطعاً لا يمتون بصلة دم (للعباس) عم النبي سيد الخلق عليه الصلاة والسلام! تلك الصلة المُدّعاة والتي قامت على أسسها الحرب الدينية في جنوب السودان وانتهت بفصله وقد ذُبح ثور أسود كرمز لنقاء العروبة الإسلامية بعد هذا الانفصال.. وقامت أيضا مجازر دارفور وما تبعها من تكوين مليشيات الجنجويد التي خرجت من رحم الجيش، على الأسس العرقية الإثنية، لتنقية العربة من الزرقة كما تفتقت تلك الفكرة في عقول قادة الحركة الإسلامية..
لقد لجأ هؤلاء المتظاهرون إلى دولة لا تقيم الشريعة الإسلامية، ولا يحمل تلفزيونها القومي شعار (لا الله الا الله).. كما أن في دستورها سعة من الحريات تجعل العيش في أرضها رجزاً من عمل الشيطان، خاصة للقابضين على جمر دينهم، حيث يقنن على سبيل المثال لا الحصر، العلاقات الجنسية خارج أطر الزواج، وتتوفر البارات ودور الدعارة وزواج المثليين ونوادي العري للجنسين.. كما تتوفر الحريات التي لا تعترف بها دولتهم مثل حرية الأديان والمعتقدات، بما في ذلك الإلحاد، والاعتراف بإسرائيل، ومحاربة الإرهاب حتى أن هنالك من يتهمها بالإسلاموفوبيا!.
أيُعقل فرضياً أن أرض الدولة الإسلامية قد ضاقت بهؤلاء في ظل هيمنة سلطة الحركة الإسلامية والمشروع الحضاري الإسلامي، وكثرة المساجد، وتوفر فرص الجهاد وعرس الشهيد وزواج الحور العين؟!! فقد احتكرت الحركة الإسلامية في السودان المؤسسة العسكرية برمتها، وقدمت لها القرابين كرتب عسكرية عالية يتمتع بها من ينتمون إليها من صفوفهم، وأموالا طائلة تعادل 82% من خزينة الدولة، ومكنت البقية من عضويتها سياسياً واقتصادياً، بمشروعات تدار خارج ميزانية الدولة، احتكروا فيه المال العام والخاص.. لماذا ترك هؤلاء كل هذا وراء ظهرهم ولجأوا إلى دويلة الكفر والإلحاد، بعد أن بشرهم قادتهم بأن (أمريكا روسيا قد دنا عذابها)؟؟ أم انهم امتثلوا الأمر الالهي (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا) فلجأوا إلى بريطانيا التي استعمرت الوطن سابقاً لعلمها بخيراته وأنه (سلة غذاء العالم)؟!!.
أم لعلهم هربوا حين لم يجدوا الحريات التي في ظلها يتظاهرون، ثم لا تكون عاقبة أمرهم، طلقة طائشة من جهة مجهولة، أو سجناً في بيت من بيوت الأشباح؟! أو ربما خوفاً من انعدام العدالة التي يجيز قضاتها العاطبون، خدام السلطة الحاكمة، وظيفة اختصاصي اغتصاب في دولة الشريعة الإسلامية؟! ثم يعجز هؤلاء المتظاهرون، وقد وُجد بينهم من ارتكب جريمة اغتصاب أطفال وحكم عليه بالإعدام وأودع السجن في السودان، فإذا هو يتظاهر مع هؤلاء ضد حمدوك في شوارع لندن، ويهتف ضده، ويطالب بالكشف عمن باع دم الشهداء و(بي كم)!! نعم كان هذا هتافهم ضد حمدوك، رغم أنهم يعلمون من قتل الشهداء، حتى تكدست بهم المشارح في الخرطوم والتحمت الجثث على أرضيتها وسال مزيجها فيضاً يسعى بين الناس ينادي بالقصاص!!.
أو لعل هؤلاء قدموا لإنجلترا بحثاً عن السلام الذي لم تشهده الدولة منذ خروج بريطانيا المستعمرة منها؟! أو يا ترى اشتهت نفوسهم نعمة التعليم والعولمة، والرعاية الصحية، والتنمية المستدامة وخدمات بلا صفوف الماء والرغيف والسكر، أو كهرباء وفاكهة غير ممنوعة؟!.
وجميع ذلك يمكن اختصاره في عبارة (الحياة الكريمة) التي من وهبها الله للإنسان كحق طبيعي يولد معه وهو حق الحياة وحق الحرية.. إذن لماذا يضنّون بها على المساكين العزل، الهائمون على وجوههم بسبب هذه الحرب، يبحثون عن مأوى آمن ولقمة عيش لأطفالهم أو جرعة دواء لمرضاهم، وقد حالت دون ذلك مليشيات الدعم السريع المجرمة ومليشيات الجيش وكتائبه من الجماعات المهووسة، التي لا تريد أن تدعهم وشأنهم، فقد رضوا بالهم والهم لم يرض بهم، إذ مع استمرار الحرب يستمر القصف اليومي لمنازلهم وأسواقهم بالطيران وبالمدافع الثقيلة، ويتم تهجيرهم من قراهم، ويتم قتل أبنائهم، لمجرد الإتهام بالتعاون مع الفريق الآخر، أو الانتساب لقبيلة يرجح أنها تمثل حاضنة للطرف الآخر، كما حدث في قرى الجزيرة ومدينة الحلفاية ومدينة الدندر..
أما كان الأجدر بهؤلاء اللاجئين لدول الغرب من شرور بلادهم ومن فتنها وحروبها أن يطالبوا بإيقاف هذه الحرب حتى يتمتع من تركوهم خلفهم، ممن لا يقوون على الهجرة، بنفس القدر من الأمن والسلام، الذي ينعمون هم به، أو على الأقل يتركوا من أتى لهذا الغرض ليقوم بما يراه الواجب المباشر.. بدلاً من استغلال الفرصة التي وهبها لهم الله في الاستعراضات العسكرية العبيطة والمحروسة بالشرطة البريطانية في شوارع لندن؟! وإذا لم يقووا على ذلك فلا أقل من أن يكونوا صادقين وينضموا لصفوف معركة الكرامة، بالاستجابة لدعوة الاستنفار وطلب الشهادة وتحرير البلاد من دنس مليشيات الدعم السريع، كما يدعون بدل الهتاف في شوارع لندن (جيشا واحد شعب واحد) والكيد لمن يحاول وقف الحرب!.
وكيف سولت لهم نفوسهم بعد تلك الاستعراضات البهلوانية الرجوع إلى أهلهم ومنازلهم وهم آمنين وفرحين بأنهم حققوا إنجازاً ونصراً عظيماً في الوقت الذي لم يفعلوا سوى تشجيع أحد طرفي النزاع بالاستمرار في المزيد من القتل والتشريد لأهلهم في السودان؟!!!.
tina.terwis@gmail.com
الوسومالجيش الحرب الحركة الإسلامية الخرطوم الدعم السريع السودان المدنيين المشروع الحضاري بثينة تروس بريطانياالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الجيش الحرب الحركة الإسلامية الخرطوم الدعم السريع السودان المدنيين المشروع الحضاري بريطانيا الحرکة الإسلامیة
إقرأ أيضاً:
رسالة لوزير خارجية بريطانيا والمجتمعون في مؤتمر لندن بخصوص السُودان
رسالة لوزير خارجية بريطانيا والمجتمعون في مؤتمر لندن بخصوص السُودان
نضال عبد الوهاب
السيد ديفيد لامي وزير خارجية بريطانيا بعد السلام والتحية،،،
ينعقد ببلادكم وفي عاصمتكم “لندن” مؤتمر دولي حول الأوضاع في السُودان، وفي الخامس عشر من أبريل الحالي وهو التاريخ الذي يُصادف بدء الحرب في السُودان ومرور عامين عليها، تلك الحرب التي استهدفت بلادنا السُودان أرضاً وشعباً وقُتل فيها مئات الآلاف وشُرد ونزح الملايين، وتم تدمير واسع للبنية التحتية المتواضعة في الأصل لبلادنا، وقامت بين عسكريين جيش نظامي ومليشيا كانوا يقتتلون على السُلطة ولكنها لاحقاً توسعت لتشمل معظم بلادنا وكادت ان تتحول لحرب أهليّة طاحنة ومُدمرة، واستقطبت وشارك فيها الكثيرون، خاصة بعد كل الفظائع التي قام بها طرفا الحرب، وبصورة أكثر إجراماً وانتهاكاً للسُودانيين كانت من جانب مليشيا الدّعم السريع، فتمت دعوات للاستنفار استجاب لها كثيرون لوقف عدوان المليشيا، التي قامت بالتشريد المُتعمّد للملايين في الخرطوم والجزيرة ودارفور وأجزاء واسعة من البلاد، إضافة لعملية التطهير العرقي لسكان مدينة الجنينة بغرب دارفور، والاغتصابات والإعتداءات الجنسية، مع الاستهداف للمرافق الصحية والمستشفيات وحتى دور العبادة ومراكز الخدمات والكُهرباء، وكذلك الحصار والقصف اليومي لمدينة الفاشر في شمال دارفور، وقتل المدنيين والأبرياء، ومعسكرات النازحين في زمزم وغيرها، في حين تركزت جرائم الجيش في القصف بالطيران، إضافة لعديد من الانتهاكات وتصفية الكثيرين، سواء على الهوية، أو من لجان المقاومة والقوى المدنية وبحجة التعاون مع المليشيا، ساهم طرفا الحرب في العديد من الانتهاكات والجرائم، وكل هذا وبرُغم الكثير من الجهود في داخل السُودان وخارجها لم تتوقف الحرب، لإصرار طرفيها على الحسم العسكري، ولوجود أطراف خارجية للأسف ظلت تدّعم الحرب بالسلاح والتغطية والصمت على جرائمها وتدخلاتها في شئون بلادنا ومحاولات الانتقاص المُستمر لسيادتها لمصالحها الخاصة بعيداً عن مصالح كافة السُودانيين والسُودان كدولة ذات سيادة وعضو في الأمم المتحدة منذ استقلالها عن بلادكم إنجلترا، بعد انتهاء عهد الاستعمار للدول والشعوب، ونيّلنا الاستقلال والحرية، وكان ذلك في الأول من يناير من العام ١٩٥٦، فنحن شعب حر ودولة مُستقلة ذات سيادة مُنذ ذلك التاريخ كما هو معلوم للجميّع.
بالنسبة لمؤتمركم الحالي وللمساهمة ومحاولة وقف الحرب وحماية المدنيين والعودة للحكم المدني فيه، أريد أن ننقل لكم رأينا في هذا المؤتمر ومحاوره الثلاثة.
أولاً هذا المؤتمر للأسف لم يكن الأول لبحث ذات المحاور أو أجزاء منها، خاصة ما يتعلق بوقف الحرب وتقديم المساعدات وحماية المدنيين، فقد كان هنالك مؤتمر باريس لجمّع دعم للسُودان، وللأسف لم يوفِ معظم المتبرعين والمانحين بما التزموا به، وكذلك كانت هنالك العديد من المؤتمرات الإفريقية والإقليمية، إضافة للجلسات الخاصة لمجلسي الأمن والأمم المُتحدة خاصة بالسُودان وبوقف الحرب به، ولكنها جميعها في تقديري لم تكن فاعلة ولم تُسهم في الأخير بوقف الحرب أو انتهاكاتها، ورغم الجهود في الجانب الإنساني وتقديم الإغاثة، لكن أيضاً مات الكثيرون بسبب الجوع والعطش، وسوء التغذية والأمراض، مع عدم وصول الإغاثة لأجزاء واسعة من أماكن الحرب، وظل الجوع والمجاعة يحاصران الكثيرين، هذا غير النقص الواضح والانعدام في الدواء والعلاج والانهيار للخدمات الصحية جراء الاستهداف المتعمّد للمرافق الصحية والمستشفيات خاصة من جانب مليشيا الدّعم السريع، كذلك حتى اجتماعات الاتحاد الأفريقي وإيقاد ومنابر جدة ومباحثات المنامة، وإرسال المبعوثين الأمريكي والإنجليزي الخاص بكم، والسويسري كلها لم تفلح للأسف في وقف الحرب حتى اللحظة، ولا في وقف مُعاناة الشعب السُوداني وقتله وإبادته بشكل يومي.
من كُل ما سبق فإن على مؤتمركم وبشكل مُباشر إن أراد حلولاً حقيقية وليس مُجرد تقدّيم لمصالح أي أطراف دولية أو إقليمية فوق مصالح بلادنا وشعبنا فنطالبه بالآتي:
١/ المُساهمة الفورية في وقف الحرب ووقف داعميها بالسلاح والتشدد في هذا وتنفيذه والتزام الجميّع به، ووقف الاعتداء على مدينة الفاشر وقصفها وفك الحصار المفروض حولها ومنذ شهور من قبل مليشيا الدعم السريع وفوراً.
٢/ عدم إعطاء أي شرعية لطرفيها، وقطع الطريق أمام أي محاولات لتكوين حكومات موازية في أي منطقة داخل السُودان سواء في دارفور أو في مناطق سيطرة مليشيا الدعم السريع أو الجيش، وبشكل واضح ودون مواربة وعدم الاعتراف بها.
٣/ العودة للتفاوض بما يضمن وقف الحرب، واستعادة التحول الديمُقراطي والحكم المدني وتحقيق إرادة السُودانيين في ذلك، بعيداً عن أي محاولة لفرض “نموذج” أو أشخاص على السُودان والسُودانيين، وترك من يمثل السُودان ويحكمهم لنا كشعب سُوداني ولجميّع السُودانيين.
٤/ تيسير ودعم حدوث حوار سُوداني سُوداني ومؤتمر داخل السُودان مُستقبلاً يضم الجميّع يناقش فيه السُودانيون مشاكلهم ويضعون الحلول لها بأنفسهم بعيداً عن أي تدخلات دولية أو إقليمية مُباشرة.
٥/ دعم وحدة السُودان أرضاً وشعباً، فهو الخيار الذي لا يقبل المُساومة، ولا يقبل أي إتجاه لفرض التقسيّم عليه بأي صورة كانت، وسيتم مواجهة كُل ذلك من كُل الشعب السُوداني ومقاومته والتصدي المشروع له مؤكد، فاستقرار السُودان ووحدته سيدعم استقرار كُل المنطقة، وحتى لا تتحول إلى ساحة حرب دولية وإقليمية وفي منطقة حساسة من العالم ومنطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي بما يهدد السلم والأمن الإقليمي والدولي العالمي.
أخيراً نتمنى لمؤتمركم النجاح في هذا الإتجاه، حتى يكون المؤتمر القادم بإذن الله لدعم إعمار السودان من ذات المجتمعين وتقديم المنح والتعويضات ممن ساهموا في خراب بلادنا ودعموا الحرب وإلزامهم بذلك.
* مواطن وفاعل سياسِي سُوداني من داخل القوى المدنية الديمُقراطية.
١٤ أبريل ٢٠٢٥
الوسومإنتهاكات قوات الدعم السريع إيقاد الأمم المتحدة الاتحاد الأفريقي الحكم المدني السودان القوات المسلحة باريس بريطانيا حرب السودان دارفور ديفيد لامي لندن نضال عبد الوهاب