قراءة في إعلان أديس أبابا
تاريخ النشر: 3rd, November 2024 GMT
قراءة في إعلان أديس أبابا
فيصل محمد صالح
عاد إعلان أديس أبابا الموقّع في يناير (كانون الثاني) الماضي بين تنسيقية «تقدم» و«قوات الدعم السريع» ليتصدر النقاشات والحوارات في الأسافير السودانية بعد عشرة أشهر من توقيعه، بين المهاجمين له والمدافعين عنه.
ولعل مسألتي الهجوم والدفاع عن الوثائق السياسية بناء على المواقف السياسية المسبقة ليستا أمراً جديداً في السياسة السودانية، فغالباً لا يتم تحديد المواقف من الوثائق والاتفاقات بناء على نصوصها، بل بناء على مُوقّعيها، وهذه من آفات السياسة السودانية المزمنة.
صدر هذا الإعلان في يناير 2024، وقد سبقته اجتماعات للقوى التي كونت «تقدم»، وبعد انتهاء الاجتماعات أعلنت قيادة «تقدم» أنها ستسعى للقاء طرفي الحرب: القوات المسلحة و«قوات الدعم السريع»، ثم دفعت بطلب رسمي لقيادة الطرفين، وقالت إنها تلقت موافقة مبدئية من الطرفين، وإنها ستستمر في جهودها. لكن بدا أن لقيادة القوات المسلحة مواقف مترددة وبعض الشروط، فيما استجابت «قوات الدعم السريع» وأرسلت رداً إيجابياً، وطلبت عقد اللقاء في أديس أبابا.
وفعلاً، انعقد اللقاء الذي استمر يومين، وأسفر عن توقيع الإعلان الذي نُشر على نطاق واسع، وأعلنت قيادة «تقدم» أنها ستحمل النقاط نفسها لنقاشها مع قيادة الجيش. ووجد الإعلان ردود فعل متفاوتة؛ رحبت به بعض الأطراف، فيما رفضته مجموعات أخرى استنكرت مجرد اللقاء بقائد «الدعم السريع»، ورأت في ذلك خيانة وطنية.
ترددت قيادة الجيش في الأيام الأولى في إبداء ردود فعل على الاتفاق، لكن كان واضحاً عدم ارتياحها له، ثم أرسلت رداً مطولاً يحمل شروطاً قبل لقاء «تقدم». وتكاثرت الشروط والملاحظات، ومن بينها أن يتم اللقاء في بورتسودان. ثم بدأ الهجوم عبر الإعلام الرسمي على الإعلان وعلى قيادة «تقدم»، وكان ذلك إعلاناً بوأد أي محاولات للقاء بين الطرفين.
نأتي لما حمله الإعلان من نقاط ومواقف؛ فقد جاء في ديباجة وثلاثة أجزاء، هي أولاً: ﻗﻀﺎﯾﺎ وﻗﻒ اﻟﻌﺪاﺋﯿﺎت، وإﯾﺼﺎل اﻟﻤﺴﺎﻋﺪات اﻹﻧﺴﺎﻧﯿﺔ، وﺣﻤﺎﯾﺔ اﻟﻤﺪﻧﯿﯿﻦ. ﺛﺎﻧﯿﺎً: ﻗﻀﺎﯾﺎ إﻧهﺎء اﻟﺤﺮب وﺗﺄﺳﯿﺲ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺴﻮداﻧﯿﺔ. ﺛﺎﻟﺜاً: اﻵﻟﯿﺎت. ومن خلال هذه العناوين يتضح أنه تركز حول سبل إنهاء الحرب وحماية المدنيين، ثم تصور أولي لمرحلة ما بعد نهاية الحرب.
حمل الجزء الأول تعهدات «الدعم السريع» باستعدادها اﻟﺘﺎم ﻟﻮﻗﻒ ﻋﺪاﺋﯿﺎت ﻏﯿﺮ ﻣﺸﺮوط ﻋﺒﺮ ﺗﻔﺎوض ﻣﺒﺎﺷﺮ ﻣﻊ اﻟﻘﻮات المسلحة، وﻔﺘﺢ ﻣﻤﺮات آﻣﻨﺔ ﻟﻮﺻﻮل اﻟﻤﺴﺎﻋﺪات اﻹﻧﺴاﻧﯿﺔ، وﺗهﯿﺌﺔ اﻷﺟﻮاء ﻟﻌﻮدة اﻟﻤﻮاطﻨﯿﻦ ﻟﻤﻨﺎزﻟهﻢ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎطﻖ اﻟﺘﻲ ﺗﺄﺛﺮت بالحرب.
وحمل الجزء الثاني المبادئ الأساسية للحل السياسي، ومنها التأكيد على وﺣﺪة اﻟﺴﻮدان ﺷﻌباً وأرﺿﺎً، واﻟﻤﻮاطﻨﺔ المتساوية، وأن ﺗﻘﻮم وﺣﺪة اﻟﺴﻮدان ﻋﻠﻰ اﻻﻋﺘﺮاف واﻻﺣﺘﺮام ﻟﻠﺘﻨﻮع واﻟﺘﻌﺪد السوداني، وأن ﯾﻜﻮن اﻟﺤﻜﻢ ﻓﻲ اﻟﺴﻮدان فيدراﻟﯿﺎً وﻣﺪﻧﯿﺎً ودﯾﻤﻘﺮاطﯿﺎً، وﺗﻨﻔﯿﺬ ﺑﺮاﻣﺞ ﺷﺎﻣﻠﺔ ﻹﻋﺎدة ﺑﻨﺎء وﺗﺄﺳﯿﺲ اﻟﻘﻄﺎع اﻷﻣﻨﻲ، ﻟﻠﻮﺻﻮل إﻟﻰ ﺟﯿﺶ واﺣﺪ ﻣهﻨﻲ وﻗﻮﻣﻲ ﯾﺨﻀﻊ ﻟﻠﺴﻠﻄﺔ اﻟﻤﺪﻧﯿﺔ، ﻟﺘﻀﻊ ﺣﺪاً ﻗﺎطﻌاً ﻟﻈﺎهرة ﺗﻌﺪد اﻟﺠﯿﻮش (اﻟﻘﻮات اﻟﻤﺴﻠﺤﺔ، «اﻟﺪﻋﻢ اﻟﺴﺮﯾﻊ»، اﻟﺤﺮﻛﺎت اﻟﻤﺴﻠﺤﺔ، الميليشيات)، ﻣﻊ ﺿﻤﺎن ﺧﺮوج اﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ اﻷﻣﻨﯿﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﺸﺎط السياسي واﻻﻗﺘﺼﺎدي، وإطﻼق ﻋﻤﻠﯿﺔ ﺷـﺎﻣﻠﺔ ﻟﻠﻌﺪاﻟﺔ اﻻﻧﺘﻘﺎﻟﯿﺔ، واﻟﻘﯿﺎدة اﻟﻤﺪﻧﯿﺔ ﻟﻠﻌﻤﻠﯿﺔ اﻟﺴﯿﺎﺳﯿﺔ، ﻣﻊ اﻻﻟﺘﺰام ﺑﻤﺸﺎرﻛﺔ واﺳﻌﺔ ﻻ ﺗﺴﺘﺜﻨﻲ إﻻ اﻟﻤﺆﺗﻤﺮ اﻟﻮطﻨﻲ/ الحركة اﻹﺳﻼمية… إلخ.
ثم تحدث الجزء الثالث عن الآليات، وهي: اﻟﻠﺠﻨﺔ اﻟﻮطﻨﯿﺔ لحماية المدنيين، واﻟﻠﺠﻨﺔ اﻟﻤﺸﺘﺮﻛﺔ ﻟﻠﻮﺻﻮل ﻟﻮﻗﻒ وإﻧهﺎء اﻟﺤﺮب وﺑﻨﺎء اﻠﺴﻼم، واﻟﻠﺠﻨﺔ اﻟﻮطﻨﯿﺔ اﻟﺪوﻟﯿﺔ ﻟﻠﺘﺤﻘﯿﻖ ﺣﻮل ﻣﻦ اﻟﺬي أﺷﻌﻞ اﻟﺤﺮب، واللجنة اﻟﻮطﻨﯿﺔ اﻟﻤﺴﺘﻘﻠﺔ ﻟﺮﺻﺪ ﻛﺎﻓﺔ اﻻﻧﺘهﺎﻛﺎت ﻓﻲ ﺟﻤﯿﻊ أنحاء السودان، وﺗﺤﺪﯾﺪ اﻟﻤﺴﺆوﻟﯿﻦ ﻋﻦ ارﺗﻜﺎﺑهﺎ، وذﻟﻚ ﺑﻤﺎ ﯾﻀﻤﻦ ﻣﺤﺎﺳﺒﺘهﻢ.
وقالت الوثيقة إن التفاهمات اﻟﻮاردة ﻓﻲ هذا اﻹﻋﻼن ﺳﺘﻄﺮح ﺑﻮاﺳﻄﺔ ﺗﻨﺴﯿﻘﯿﺔ «ﺗﻘﺪم» ﻟﻘﯿﺎدة اﻟﻘﻮات اﻟﻤﺴﻠﺤﺔ، ﻟﺘﻜﻮن أﺳﺎﺳﺎً ﻟﻠﻮﺻﻮل ﻟﺤﻞ ﺳﻠﻤﻲ ﯾﻨهﻲ اﻟﺤﺮب.
لا يبدو الإعلان غير مجموعة مبادئ أساسية للحل الشامل، قد يتوافق معها الناس أو يختلفون في بعض نقاطها، لكنها قطعاً لا تكشف عن تكوين تحالف سياسي أو دعم من أي نوع لـ«قوات الدعم السريع»، أو انحياز له، وهو شبيه جداً بإعلان جدة الذي وقّعت عليه القوات المسلحة مع «قوات الدعم السريع» في مايو (أيار) 2023، فلماذا صدرت مواقف عنيفة معادية له؟ الإجابة موجودة بدرجة ما في مقدمة هذا المقال، لكن للأمانة هناك نقطة يثيرها البعض، وهم ليسوا بالضرورة من خصوم «تقدم»، وهي أن «قوات الدعم السريع» لم تلتزم بهذا الإعلان، بل عملت عكسه، وبالتالي فإن هذا سبب كافٍ لكي تعلن «تقدم» تخليها عن الإعلان، وتغلق الباب أمام من يتهمها بالتحالف مع «قوات الدعم السريع»، وتشكيل سند سياسي لها.
هذه وجهة نظر قابلة للنقاش، لكن هل يظن أحد أن خصوم «تقدم» سيرحبون بذلك ويقولون إنها لم تعد حليفاً لـ«الدعم السريع»، وإنها «عادت للصف الوطني؟!».
* نقلاً عن صحيفة الشرق الأوسط
الوسومإعلان أديس أبابا الدعم السريع السودان الشرق الأوسط القوات المسلحة تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية- تقدم فيصل محمد صالح وقف الحربالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: إعلان أديس أبابا الدعم السريع السودان الشرق الأوسط القوات المسلحة تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية تقدم فيصل محمد صالح وقف الحرب قوات الدعم السریع القوات المسلحة أدیس أبابا
إقرأ أيضاً:
عمليات قتل تطال العشرات في ود عشيب السودانية.. واتهامات للدعم السريع بالوقوف وراءها
اتهمت تقارير سودانية، الأربعاء، قوات الدعم السريع بارتكاب "مجزرة" بحق المواطنين في قرية "ود عشيب" بولاية الجزيرة وسط السودان، مما أسفر عن مقتل 42 شخصا وإصابة العشرات.
وقال بيان لـ"مؤتمر الجزيرة"، وهو كيان مدني تشكل بعد سيطرة قوات الدعم على ولاية الجزيرة في ديسمبر الماضي، إن الأخيرة ارتكبت "مجزرة مروعة بحق المواطنين"، الثلاثاء.
وأضاف البيان أن أهالي القرية يعانون من "حصار" قوات الدعم السريع ومن "تعدياتها المستمرة التي تسببت في كارثة إنسانية لا تقل أبداً عن تلك التي تسببت بها في مدينة الهلالية، وراح ضحيتها 26 مواطنا جراء الجوع والمرض".
وتواصلت "الحرة" مع متحدث باسم قوات الدعم السريع للحصول على تعليق، الذي لم يرد حتى موعد نشر الخبر.
اتهامات جديدة لـ"الدعم السريع" بقتل مدنيين في الجزيرة السودانية كشفت تقارير سودانية محلية، السبت، مقتل 23 مواطنا بإحدى قرى ولاية الجزيرة على يد قوات الدعم السريع، في استمرار للاتهامات التي تواجهها المجموعة التي دخلت في حرب مع الجيش منذ أبريل 2023.وطالما تنفي قوات الدعم السريع استهداف المدنيين في المناطق التي تسيطر عليها، وتقول إنها تستهدف "مجموعات مسلحة موالية للجيش".
يذكر أن رئيس مجلس السيادة الانتقالي، قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، وافق، الإثنين، على مقترحات قدمها المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان، توم بيرييلو، بشأن الأزمة، وذلك خلال لقاء جرى بينهما في بورتسودان، العاصمة الإدارية المؤقتة للحكومة السودانية.
من جانبه، عبّر المبعوث الأميركي الخاص للسودان عن سعادته بزيارة السودان، مبيناً أنها (الزيارة) "تحمل رسالة واضحة من الولايات المتحدة بأنها تقف بجانب الشعب السوداني، مثلما كان يحدث دائماً خلال العقود الماضية".
البرهان يوافق على مقترحات المبعوث الأميركي لحل الأزمة السودانية وافق رئيس مجلس السيادة الانتقالي وقائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، على مقترحات قدمها المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان، توم بيرييلو، بشأن الأزمة السودانية، خلال لقاء جرى بينهما، الإثنين في بورتسودان، العاصمة الإدارية المؤقتة للحكومة السودانية.وأوضح أنه عقد اجتماعات "مثمرة" مع البرهان، وقادة المجتمع المدني وفريق الأمم المتحدة الإنساني.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، قد دان في الأول من نوفمبر الجاري، الهجمات الأخيرة التي شنتها قوات الدعم السريع في ولاية الجزيرة، داعيا إلى وقف إطلاق النار لحماية المدنيين.
وأصدر غوتيريش بيانا، أعرب فيه عن استيائه الشديد بشأن التقارير التي أفادت بأن "أعدادا كبيرة من المدنيين قُتلوا واحتجزوا وشُردوا، وبأن أعمال العنف الجنسي ارتكبت ضد النساء والفتيات، كما نُهبت المنازل والأسواق وأُحرقت المزارع".