ارتبك كل شيء لدى الكيان الصهيوني، واختلطت أوراقه رغم محاولاته إقناع الداخل بغير ذلك، في محاولة أخيرة – كما يبدو – للذهاب إلى هدف القضاء على المقاومة، وخلق بيئة جديدة للمستوطنين بينما هو مهدد بقرار الإزالة الذي أصدرته المقاومة الفلسطينية وباقي محور المقاومة.
الداخل والخارج، يقرأ اليوم إرهاصات الهزيمة المدوية، وهو إن لم يرضخ لها الآن فحتما ستكون خطوة حاسمة لإجباره على قبولها لاحقاً.
فعلى مستوى كل الأصعدة، سياسية وعسكرية وأمنية واقتصادية، العدو ينهار من وقع ضربات المقاومة ومحور المقاومة، ولا رادّ لهذا المصير المحتوم، وأمريكا والأمم المتحدة ليس من حقهم شرعنة احتلال هؤلاء الصهاينة لأرض العرب، وما هو حاصل – سواء لجهة الاحتلال الذي طال أمده، أو هذه العربدة بالقتل والتدمير بلا أي رادع – هو أمر غير طبيعي وبالتالي فحتمية انتهائه أكيدة، ولا يصح إلا الصحيح.
أما هذا الجنون الإسرائيلي فليس إلا تعبيراً بقرب تنفيذ قرار الإزالة مع كل ما صارت تحدق به من مخاطر.
طوال وجوده الاحتلالي، وهو يعتمد على ما كانت ولا زالت تسوّقه الآلة الإعلامية الغربية الأمريكية لصورة متخيلة عن قوة وتفوق تقني عسكري واستخباراتي «إسرائيلي»، وفي السابع من أكتوبر 2023م، انكشفت عورة الكيان والأنظمة الداعمة له، فلا قوة ولا استخبارات ولا حتى مجتمع متماسك وعلى استعداد للدفاع عن الأرض التي احتلها، كيان هش لا وزن له ومجتمع على استعداد للمغادرة في أية لحظة يشعر فيها أن الأوضاع باتت تنذر بعواقب وخيمة على كيانهم، ما يعني أنه لا يقوم على مقومات الدولة وإنما على مجاميع مشتتة لقيت في الأراضي المحتلة فرصة لنهبها وتملّكها، تماما كما فعل الأمريكيون حين تجمّعوا من بقاع أوروبا وشدوا الرحال إلى أمريكا الشمالية للسيطرة على أراضيها عقب اكتشاف كولومبوس للقارة.
ما يخشاه قادة الكيان اليوم، هو وصول مستوطنيه إلى قناعة بأن هذه البلاد المحتلة مكان غير قابل لهم، لذلك فإنه يسير في هذه الجولة الانتحارية من العدوان إلى مساعيه المحمومة بتبديد هذه القناعة قبل ترسخها لديهم، من خلال ادعاء رسم خارطة جديدة للشرق الأوسط بعد الانتهاء من فاعلية المقاومة، سواء في الداخل الفلسطيني أو في جنوب لبنان لاستعادة ثقة المستوطنين.
مع ذلك، المعطيات تشير إلى حقائق ميدانية مغايرة، وصافرات الإنذار لا تزال تدويّ، لتُعيد العدو في كل مرة إلى نقطة الصفر، ففاعلية المقاومة لا تزال في أوجّها، وعمليات استهداف القادة لم تعط النتائج التي كان ينتظرها.
صافرات الإنذار أصبحت مرعبة للمستوطنين، فما أن يسمعونها حتى يتذكرون أنهم في المكان غير الطبيعي من العالم، حيث لا يزال الشتات هو سمة الجمع كل له طريقته في تسيير الأمور وكل يرى في الآخر بؤرة فشل.
لذلك حَرِصَ الكيان – منذ اللحظة الأولى لنشأته في الجغرافيا العربية – على بناء الملاجئ بصورة تجعل من مجموعها مدنا تحت المدن، وهو بذلك كان يدرك أن وجوده غير الشرعي في هذا المكان أمراً لن يكون مقبولا، وأنه سيكون مهدَدا طوال الوقت.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
ترامب والدولة العميقة: فوضى الداخل وقلق الخارج!
تشكل الدولة العميقة في الدول العمود الفقري لإدارة الدولة وتوجهاتها وسياساتها. وبما أن ترامب صعد إلى قمة هرم النظام السياسي من خارج الدولة العميقة بمؤسساتها السياسية والاقتصادية والقضائية والأمنية والدفاعية والاستخباراتية ـ وخاصة بعد محاولتي عزله في رئاسته الأولى لتجاوزاته الدستورية ـ ولاحقا بعد خسارته الرئاسة لفترة ثانية بمحاكمته في قضايا جنائية فيدرالية وعلى مستوى ولايتي نيويورك وجورجيا بالتدخل للتأثير على نتائج الانتخابات ودفع أموال للممثلة ستورمي دانليز ليخفي علاقته معها، وامرأة أخرى تتهمه بالاعتداء الجنسي عليها ـ وقضية مدنية بإخفاء التلاعب بأموال مؤسسته ـ وحظر عمله في نيويورك ـ إضافة لتحريض أنصاره اقتحام الكونغرس في واشنطن في يناير 2021 لتعطيل إعلان بايدن دستوريا رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية ـ بالإضافة إلى قضية جنائية فدرالية باحتفاظ ترامب بوثائق رسمية تتعلق بمعلومات بالغة السرية لم يسلمها إلى الأرشيف الوطني، ونقلها واحتفظ بها في مقر إقامته في فلوريدا.
توعد ترامب بالعودة والفوز بانتخابات الرئاسة للانتقام من «أعداء الداخل» ـ وينفذه بعدة طرق، بشن حملة تشويه وتهديد ووعيد ضد لما يصفه بخصومه في الدولة العميقة الذين ساهموا بمحاربته في رئاسته الأولى، وعمدوا إلى محاسبته وتوجيه تهم له، بدءاً من محاولتين فاشلتين لعزله، ولاحقا بعد خسارته الرئاسة ورفضهم الوقوف معه في أطروحاته غير الواقعية عن سرقة الانتخابات منه لمصلحة منافسه الرئيس بايدن ـ ومواجهة خصومه ـ وخاصة نائبه مايك بنس ونصف وزرائه وقيادات المؤسسات القضائية والعسكرية والأمنية والاستخبارات التي أصرت على دور روسيا بالتدخل بانتخابات الرئاسة عام 2016 لمصلحته ضد منافسته كلينتون.
ويصعّد الرئيس المنتخب دونالد ترامب في محاربته للدولة العميقة بترشيحاته شخصيات موالية مثيرة للجدل وعديمة الكفاءة والخبرة والتجارب لوزارات بالغة الحساسية والأهمية، أبرزها مرشحو وزارات الدفاع العدل والاستخبارات الوطنية. اثنان منهما متهمان بالاعتداءات الجنسية وحيازة مخدرات.
وبعكس ترشيحات وتعيينات وزرائه في رئاسته الأولى الذين اتسم معظمهم بالاستقلالية، مثل أول وزير خارجية تيلرسون ووزير العدل الأول جيف سشنز، ووزير الدفاع الجنرال ماتيس، جميع اختياراته يدينون بالولاء الكامل والطاعة لترامب والدعم الكامل لإسرائيل وسرديتها وحربها على غزة ولبنان.
وبينهم شخصيات بالغة التطرف الديني مثل مايك هاكابي السفير الأمريكي المرشح لإسرائيل ـ الذي لا يؤمن بوجود الفلسطينيين ولا الضفة الغربية، ويصف المستوطنات بالتجمعات ولا يعترف بالاحتلال الإسرائيلي لفلسطين! ووزير الخارجية ماركو روبيو، وأليس ستفينك المرشحة لمنصب السفيرة الأمريكية في الأمم المتحدة، ومبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط اليهودي ويتكوف. ما يدعم التطرف والأصولية الصهيونية في إدارة ترامب القادمة مطلع العام ويعتبرها نتنياهو وزمرته المتطرفة بالضوء الأخضر للاستمرار بالتصعيد والمواجهة!
كما أن ترشيح ترامب لوزير الدفاع هاغسيث ووزير العدل مات غيتس ـ المثيرين للجدل (وهما متهمان باعتداءات جنسية وأحدهما مع قاصر قبل سنوات ـ وتعاطي مخدرات) وعدم الإلمام بمهام وزراتيهما ـ ووصف جون بولتون مستشار الأمن الوطني السابق لترامب ـ ترشيح وزير الدفاع هاغسيث بأنه أسوأ ترشيح في تاريخ الرئاسة الأمريكية. ويهدد الأمن الوطني الأمريكي!
وبدأت بعض التسريبات عن إمكانية استبدال ترشيح هاغسيث بسبب التهم الخطيرة الموجهة له! كما يعتقد أن ترشيح وزير العدل غيتس لن يمر بسهولة بعد انتقادات علنية من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين لترشيحه بعد الاتهامات ـ واستقالته من منصبه في مجلس النواب بسبب تحقيقات لجنة الأخلاق والقيم لتهم اعتداءات جنسية وحيازة مخدرات وتلقي هدايا بطرق غير شرعية!!
وكذلك الجدل حول ترشيح ترامب لتولسي غابارد ـ هندية الأصل وهندوسية ونائبة سابقة في مجلس النواب ـ انشقت عن الحزب الديمقراطي عام 2022 ودعمت ترامب في حملته ـ لمنصب مديرة الاستخبارات وتشرف على 18 جهاز استخبارات، ومديرة عامة للاستخبارات الوطنية وهو أرفع جهاز بما فيه وكالة الاستخبارات المركزية ـ CIA ـ ومكتب التحقيقات الفيدرالية FBI و NSA ـ وكالة الأمن الوطني ـ وأجهزة استخبارات مدنية واستخبارات عسكرية، وتتبنى أطروحات بوتين حول حربه على أوكرانيا وعلاقتها مع بشار الأسد ـ زارت دمشق والتقت مع الأسد سراً عام 2017.
ستكون لتعيينات وترشيحات ترامب في المناصب الرئيسية في إدارته القادمة تداعيات كبيرة
ويشكّل ترشيح ترامب روبرت كنيدي الذي انشق عن حزب عمه الرئيس جون كنيدي الديمقراطي ووالده روبرت كنيدي وزير العدل الأسبق الذي اغتيل أثناء حملته الرئاسية عام 1968، وزيرا للصحة وهو الذي يروج نظرية المؤامرة، ويشكك بجدوى التطعيم ضد وباء كورونا وتسببه بمرض التوحد، صدمة إضافية للقطاع الصحي في الولايات المتحدة ومنظمة الصحة العالمية وشركات انتاج اللقاحات الرئيسية التي انخفضت قيمتها السوقية بسبب ترشيح كنيدي!
وكذلك ترشيح ترامب للمليارديريين ألون ماسك ـ أغنى رجل في العالم ـ وفييك رامسوامي لإدارة كفاءة أداء الحكومة والبيروقراطية ـ حتى بتجاوز الكونغرس ودوره الرقابي، لتحسين أداء الحكومة وخفض الإنفاق والترهل. تشكل التعيينات والترشيحات صدمة حقيقية وواقعا جديدا يفرض نفسه لخلفية ونوعية المرشحين. يثير ترشيح غابارد وهاغيتس وغيتس وكنيدي برغم كونهم عديمي الخبرة في مجال عملهم في المجتمع الاستخباراتي ـ والأمني والدفاعي والقضائي والصحي علامات استفهام كبيرة حول كفاءتهم، وتشير إلى توجه إدارة ترامب القادمة بالتصعيد والمواجهة العاصفة وتحدٍ واضح للبيروقراطية وتفكيك وخطورة تقويضهم وإضعافهم للدولة العميقة، وإخضاع جميع أركانها ومؤسساتها لنفوذه وأزلامه الموالين بهدف التطويع والانتقام.
ستكون لتعيينات وترشيحات ترامب في المناصب الرئيسية في إدارته القادمة تداعيات كبيرة ليس فقط على الداخل الأمريكي والعلاقة بين إدارة ترامب والمؤسسات الراسخة للنظام السياسي والأمني والاستخباراتي الأمريكي، ولكن على دور أمريكا في الخارج ما لم يتم تصحيح وإعادة النظر بترشيحات وزير العدل ووزير الدفاع ومديرة الاستخبارات الوطنية ـ حيث بدأ يرشح أن مؤسسات استخباراتية في عدة دول لن تتشارك معلومات استخباراتية مع مرشحة ترامب لقيادة المجتمع الاستخباراتي.
كذلك لواقع عدم كفاءة وإلمام وزيري الدفاع والعدل بمهام وزراتيهما ـ والتهم الجنائية الموجهة لهما.
يعود ترامب أقوى، مدفوعا بالانتقام من الدولة العميقة ـ لكنه سيتسبب بفوضى في الداخل الأمريكي وبتشكيك وقلق الحلفاء في الخارج!
لنستعد ونربط الأحزمة!!
القدس العربي