ما أهداف إسرائيل من تدمير الأحياء والمباني بجنوب لبنان؟
تاريخ النشر: 2nd, November 2024 GMT
بيروت- في ظل الحرب المفتوحة بين حزب الله وإسرائيل، تبرز على أرض الميدان إستراتيجيات معقدة تتجاوز العمليات العسكرية التقليدية. من بينها سياسة التدمير التي يتبعها جيش الاحتلال في المناطق الحدودية، مما يثير تساؤلات حول أهدافها الحقيقية ونتائجها المحتملة.
عمليات التدمير هذه استهدفت مباني في جنوب لبنان مثل بلدات يارين، ومروحين، والضهيرة.
ويُظهر هذا النمط تشابها مع الإستراتيجية التي اعتمدها الاحتلال الإسرائيلي في غزة منذ بداية حربه على القطاع في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، مما يؤكد وجود أسلوب "متعمد" يسعى إلى تدمير البنية التحتية المدنية.
سياسة التدمير
في تصريحات للجزيرة نت، يرى خبراء أن هذه الإستراتيجية تستهدف إضعاف حزب الله عبر تدمير المرافق الحيوية والبنية التحتية لإعاقة دعمه اللوجستي والعملياتي. كما تهدف إلى ترويع المدنيين ودفعهم نحو النزوح، مما يخلق حالة من الفوضى والذعر في المناطق المتضررة، عادّين ذلك نهجا متعمدا.
يقول الخبير العسكري العميد حسن جوني -للجزيرة نت- إن الإستراتيجية العامة لإسرائيل ترتكز على التدمير، وخصوصا في المناطق الحدودية التي تُعرف بـ" قرى الحافة".
وبرأيه، فإن هدفها الأساسي هو إنشاء منطقة تُسمى "بافرزون"، خالية تماما من أي بناء أو عمران، بما في ذلك الحقول والغابات. ويوضح أن الإسرائيليين يعتقدون أن إنشاء مثل هذه المنطقة، بطول 3 كيلومترات على الشريط الحدودي، سيوفر حماية لمستوطناتهم الشمالية من أي هجمات محتملة بالمستقبل، على غرار ما حدث في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
ويؤكد العميد جوني أن هذا الإجراء لن يوفر لهم الحماية الفعلية، لأنه سيُعاد إعمار هذه المناطق ولا يمكن للجانب اللبناني قبول إلغاء قرى الحدود والتخوم الأمامية في أي سياق من التفاوض.
كما يهدف هذا التدمير -وفقا له- إلى إحداث شرخ في صفوف بيئة حزب الله، حيث يشعر سكان المناطق الحدودية أن الحزب هو من أعادهم إلى قراهم بكرامة بعد التحرير الذي حدث سنة 2000 والثبات الذي تحقق في عام 2006، وشيدوا منازلهم على الجدار أو الشريط الحدودي، مما يعكس ثقتهم الكبيرة بالمقاومة.
ويشير جوني إلى أن الإسرائيليين يسعون أيضا إلى خلق شرخ بين السكان والحزب، حيث يدّعون "شاهدوا، الحزب الذي أعادكم هو السبب في تدمير منازلكم مرة أخرى". ويؤكد أن الاحتلال لن يحقق أهدافه لأن العلاقة بين هذه الحاضنة والحزب أقوى من هذه المحاولات.
حرب نفسيةمن جهته، يضع الباحث في العلاقات الدولية والمحلل السياسي علي مطر العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد القرى الحدودية في إطار سياسات عدوانية، بدءا بزعم جيش الاحتلال استهداف البنية التحتية لحزب الله.
ويقول للجزيرة نت إن إسرائيل تعتقد أن تدمير هذه البنية يمكن أن يسهم في فرض سيطرتها على المواقع الإستراتيجية، وتساءل عن مشروعية اعتبار جميع المنازل في تلك القرى أهدافا عسكرية، وما إذا كانت "مجرد بنية تحتية" للحزب. ويضيف أن انسحاب جيش الاحتلال من بعض القرى بعد تدميرها بفعل ضربات المقاومة يثير التساؤل عن جدوى هذه العمليات.
وبرأي مطر، فإن السياسة الإسرائيلية لا تتوقف عند استهداف البنى التحتية، بل تمتد إلى تدمير مقومات الحياة بهدف منع السكان من العودة إلى قراهم، ساعية بذلك إلى عزل الأهالي ومنعهم من إعادة بناء حياتهم. مؤكدا أن هذه السياسات ستفشل وسيعود السكان إلى ديارهم على الرغم منها.
ووفقا له، تتبع إسرائيل في لبنان السياسة نفسها المعتمدة في غزة، حيث تستهدف تدمير مقومات الحياة لدفع السكان إلى النزوح وإضعاف موقفهم تجاه المقاومة، ويعد هذه الإجراءات جزءا من حرب نفسية تلجأ لها إسرائيل بعد فشلها في تحقيق أهدافها العسكرية الرئيسية، مثل القضاء على حزب الله أو تدمير قدراته الصاروخية.
ويضيف الباحث مطر أن جيش الاحتلال لم ينجح في إقامة حزام أمني على الحدود يعيد المستوطنين إلى تلك المناطق، مما دفعه إلى تكثيف حملات التدمير ضد القرى الحدودية، ويعتقد أن تصعيد التدمير يعكس محاولاته تعويض خسائره على يد المقاومة عبر استهداف المدنيين ومنازلهم.
ويؤكد أن مواجهة هذه السياسات العدوانية وإفشال أهدافها أمر ممكن، وأن "المقاومة قادرة على إلحاق الخسائر بالعدو، كما يظهر جليا في الساحتين اللبنانية والفلسطينية".
محاولات فاشلةبدوره، يعتقد الباحث في الإعلام والاتصال السياسي علي أحمد أن بنك الأهداف الإسرائيلي نفد ولم يعد لديهم أهداف إستراتيجية تُحدث تأثيرا كبيرا أو مفاجئا في مسار الحرب.
ويقول للجزيرة نت إن "الوضع الحالي يذكرنا بالأحداث التي وقعت عام 2006، حيث تعتمد إسرائيل على التكتيكات والآليات التقليدية نفسها، مثل التدمير ومحاولات الدخول البري لتحقيق إنجاز عسكري، إلا أن هذه المحاولات البرية لم تنجح حتى الآن، فيما يبقى التدمير وحده غير كاف لحسم المعركة".
وباعتقاد الباحث أحمد، كانت إسرائيل تعتقد في بداية العملية أن الضربة المفاجئة والقاسية ستكون كفيلة بكسر ظهر المقاومة وإضعاف قدراتها بشكل كبير.
ويوضح أن هذه الضربة شملت تفجير أجهزة "البيجر" واغتيال قيادات بارزة من وحدة الرضوان، واستهداف الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، وتنفيذ نحو 1600 غارة لترويع السكان ودفعهم إلى النزوح من منازلهم. ويعتبر أن هذا الأسلوب كان متعمدا لإخلاء المناطق السكنية.
وبرأيه، تبدو إسرائيل الآن وكأنها تحاول الانتقام من بيئة المقاومة بأكملها، وتريد أن تجعلها "تدفع ثمن خياراتها السياسية والعسكرية، ورغم تدمير بيوتهم وتشريدهم، لا يزال السكان صامدين، معتقدين أن النصر سيكون حليفهم، ويواصلون دعمهم للمقاومة وخياراتها".
ويضيف الباحث أحمد أن "إسرائيل تمارس حربا نفسية على السكان تهدف إلى كسر معنوياتهم بالتهديد المستمر بأن التدمير سيستمر بلا هوادة، والترويج لحملة دعائية توحي بقدرتها على مواصلة العمليات العسكرية لفترات طويلة. ويؤكد أن هذه الدعاية، التي تشمل حديثا عن إنشاء منطقة عازلة، "ما هي إلا محاولات لإيهام الجمهور، إذ إن الواقع الميداني يختلف تماما عما تصوره هذه الادعاءات".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات جیش الاحتلال للجزیرة نت حزب الله أن هذه
إقرأ أيضاً:
حصاد 2024| لبنان يزداد أوجاعه مع اتساع الحرب بين إسرائيل وحزب الله.. الاحتلال يضرب بقوة الضاحية الجنوبية لبيروت.. وتفجيرات أجهزة بيجر واغتيال حسن نصر الله أبرز الأحداث المؤلمة
تفاقم الأزمات في لبنان بعد اتساع الهجمات بين حزب الله وإسرائيلالاحتلال يستهدف معظم قادة الجماعة اللبنانية بقوةالانتهاكات تستمر رغم دخول اتفاق وقف النار حيز التنفيذ في 26 نوفمبر
مع بداية عام 2024، تلقت جماعة حزب الله اللبنانية إنذارًا إسرائيليًا يهددها بأنها إذا لم تنسحب على الفور من الحدود الإسرائيلية اللبنانية وتوقف هجماتها الصاروخية، فإن حربًا شاملة باتت وشيكة. وكان هذا التهديد هو الذي سبق العاصفة.
وفي اليوم التالي، تحولت النيران الإسرائيلية، التي كانت تقتصر في السابق على تبادل إطلاق النار عبر الحدود منذ 8 أكتوبر 2023، إلى الضاحية الجنوبية لبيروت لأول مرة.
ومن هنا بدأ الاحتلال هجماته، فاستهدفت طائرة بدون طيار إسرائيلية مكتبًا لحماس في حارة حريك، مما أسفر عن استشهاد الرجل الثالث بحزب الله، صالح العاروري. وفي الوقت نفسه، زادت عمليات قتل قادة حزب الله في جنوب لبنان بشكل كبير.
تفاقم الأزمات في لبنانوحسب موقع "أراب نيوز"، أدت هذه الحرب إلى تفاقم الأزمات القائمة في لبنان، إذ دخل عام 2024 وهو يعاني من تفاقم الاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية، بعد أن عانى بالفعل من الانهيار المالي في عام 2019، خاصة مع فشل تعيين رئيس للبلاد بسبب الانقسامات الدائرة، ما أدى إلى شلل الحكومة منذ أكتوبر 2022.
ومع اندلاع الاشتباكات على الحدود في البداية، أدى الأمر إلى نزوح 80 ألف شخص من قراهم، مما زاد من الضغط على اقتصاد البلاد وزاد من الفقر.
وفي منتصف ديسمبر 2023، أبلغت الدول المانحة لبنان بخطط لتقليص المساعدات للحماية الاجتماعية في بداية عام 2024.
لكن تصاعدت المواجهات العسكرية بسرعة، وحافظ حزب الله على استراتيجية "الجبهات المرتبطة"، وأصر على أنه سيواصل هجماته حتى انسحاب الاحتلال من غزة، بينما أصرت إسرائيل على امتثال حزب الله للقرار 1701 وسحب قواته شمال نهر الليطاني.
وبين 8 أكتوبر 2023 وسبتمبر 2024، شن حزب الله 1900 هجوم عسكري عبر الحدود، بينما ردت إسرائيل بـ 8300 هجوم على جنوب لبنان، وقد تسببت هذه الضربات في مقتل المئات ونزوح مجتمعات بأكملها في جنوب لبنان وشمال إسرائيل.
ورغم الجهود الدبلوماسية المكثفة ــ وخاصة من جانب فرنسا والولايات المتحدة ــ لم يتم التوصل إلى وقف لإطلاق النار خلال هذه الفترة.
وتصاعدت حدة المواجهات، حيث وسع الاحتلال نطاق غاراته وأهدافه إلى منطقة بعلبك، في حين كثف حزب الله نطاق ضرباته لتتسع إلى مواقع عسكرية إسرائيلية عميقة.
ولم تسلم قوات اليونيفيل الدولية في المواقع الأمامية من إطلاق النار المتبادل، حيث تصاعدت الهجمات بعد دخول قوات الاحتلال الإسرائيلي إلى مناطق عمليات القوة الأممية.
وبحلول منتصف يوليو الماضي، كانت السفارات الغربية في لبنان تحث رعاياها على مغادرة البلاد فورًا، مدركة تهديد إسرائيل بتوسيع الصراع إلى حرب شاملة على لبنان.
استهداف قادة حماسوتكثفت الضربات الإسرائيلية على قيادة حزب الله، وبلغت ذروتها بقتل قائد فرقة الرضوان فؤاد شكر بجنوب بيروت في يوليو.
وفي اليوم التالي، تم استهداف رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية في طهران، مما أدى إلى تفاقم التوترات بين إسرائيل وإيران.
وتعمقت الضربات الجوية الإسرائيلية عبر جنوب لبنان ووادي البقاع، في حين وسع حزب الله هجماته إلى مستوطنات كريات شمونة وميرون وضواحي حيفا وصفد.
وفي17 و18 سبتمبر، شن الاحتلال الإسرائيلي هجومًا منسقًا على آلاف أجهزة النداء واللاسلكي التابعة لحزب الله، مما تسبب في انفجارات أسفرت عن مقتل 42 شخصًا وإصابة أكثر من 3500 آخرين، ورغم أن إسرائيل لم تعلن مسؤوليتها، فإن الهجوم كان بمثابة تصعيد كبير.
وبحلول 27 سبتمبر، كان استشهاد زعيم حزب الله حسن نصر الله وغيره من كبار قادة الجماعة اللبنانية في حارة حريك إيذانًا ببدء حرب أوسع نطاقًا، خاصة مع استخدام قوات الاحتلال صواريخ دقيقة التوجيه لضرب المباني والمخابئ، مما أسفر عن مقتل قادة حزب الله وإجبار الضاحية الجنوبية لبيروت على إخلاء أعداد كبيرة من سكانها.
ورداً على ذلك، أكد حزب الله التزامه بربط أي وقف لإطلاق النار في لبنان بوقف النار في قطاع غزة، ومع ذلك، بحلول الأول من أكتوبر، كثفت الاحتلال الإسرائيلي غاراته، فدمرت المباني السكنية وحتى المواقع الأثرية في صور وبعلبك.
كما بدأ الجيش الإسرائيلي هجومًا بريًا في جنوب لبنان، ودمر قرى حدودية وقطع المعابر البرية مع سوريا لتعطيل خطوط إمداد حزب الله.
التوصل لاتفاق وقف النارفي 26 نوفمبر الماضي، توصل رئيس مجلس النواب نبيه بري، بوساطة أمريكية، إلى اتفاق لوقف إطلاق النار. ومع ذلك، سبق الاتفاق تصعيد إسرائيلي هائل في بيروت.
ودخل القرار حيز التنفيذ، لكن على الرغم من وقف إطلاق النار، استمرت الانتهاكات. وفي الوقت نفسه، أصبحت الخسائر الاقتصادية للحرب واضحة.
وقدر وزير الاقتصاد اللبناني أمين سلام، الخسائر الأولية بنحو 15 إلى 20 مليار دولار، مع فقدان 500 ألف وظيفة، وإغلاق الشركات على نطاق واسع، فيما أثر الدمار الزراعي على 900 ألف دونم من الأراضي الزراعية.
ورغم أن قيادة حزب الله وترسانته القوية قد تقلصت بشكل كبير مع استمرار الحرب في غزة، فإن حقيقة نجاة الجماعة من الصراع منذ العام الماضي تُظهِرها باعتبارها انتصاراً في حد ذاتها.