حققت روسيا للتو انتصارا آخر ضد الديمقراطية الليبرالية في جورجيا
تاريخ النشر: 2nd, November 2024 GMT
ترجمة: بدر بن خميس الظفري -
بعد أن حصل حزب الحلم الجورجي الحاكم الذي يديره رجل الأعمال بيدزينا إيفانشفيلي على الأغلبية البرلمانية في الانتخابات الجورجية التي جرت يوم السبت، كانت موسكو مبتهجة. كتبت مارجريتا سيمونيان، رئيسة هيئة الإذاعة والتلفزيون الروسية التي تسيطر عليها الدولة، على قناة إكس: «لقد فاز الجورجيون.
وفي هذه الأثناء، أرسل لي صديق حزين رسالة نصية صباح الأحد ليقول إنه يشعر كما لو أنه «استيقظ في روسيا».
لقد كانت مسألة ما إذا كانت جورجيا سوف تستمر في الانجراف نحو فلك روسيا أو تغير مسارها وتحتضن أوروبا معلقة بالانتخابات. ولكن في ظل التقارير التي تحدثت عن مخالفات في التصويت ورفض حزب المعارضة الأكبر، الحركة الوطنية المتحدة، للنتيجة بشكل قاطع، فمن غير المرجح أن يتم حسم هذه المسألة في أي وقت قريب.
كان إيفانشفيلي في السلطة منذ عام 2012، عندما أسس حزب الحلم الجورجي وحقق انتصارا ساحقا على ميخائيل ساكاشفيلي، الرئيس الجورجي السابق الذي وعده بوتين «بالبقاء في السلطة» والذي يقبع الآن في سجن تبليسي. ومنذ ذلك الوقت، عمل إيفانشفيلي بشكل منهجي على تحريك جورجيا نحو علاقة أوثق مع روسيا، سرا وببطء في البداية، ثم علنا وبقوة في السنوات الأخيرة.
ولقد تسبب هذا في الكثير من المماحكات مع المجتمع. فقد سئم الجورجيون من حكومة ساكاشفيلي، التي كانت تتحول إلى حكومة استبدادية، ولكن العديد منهم كانوا عازمون على التحول نحو أوروبا. وعلى مدى قرون من الزمان، عمل كبار الشخصيات الجورجية على تعزيز فكرة أوروبا باعتبارها السبيل لحماية اللغة والهوية الجورجية من القمع من جانب جيرانها، سواء من الفرس والعثمانيين قديما، أو من الروس على مدى القرنين الماضيين. ويدعو الدستور الجورجي الحديث إلى تحالف أوثق مع الغرب، وخاصة الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.
حتى المواطنين الذين كانوا بالفعل محبطين من إيفانشفيلي شعروا بالصدمة عندما اختارت الحكومة الوقوف علنًا إلى جانب موسكو ضد كييف في عام 2022. لقد وقفت أوكرانيا إلى جانب جورجيا في جميع حروبها، بما في ذلك الغزو الروسي الأخير في عام 2008. لقد بدا موقف الحكومة وكأنه خيانة.
في السنوات التالية، أقرت حكومة جورجيا قوانين صعبة على غرار القوانين الروسية، فشنت حملات ضد الناشطين. وبحلول عام 2024، شارك مئات الآلاف في مظاهرات مناهضة للحكومة بشكل منتظم بقيادة الشباب المطالبين بأن تظل جورجيا على مسارها الأوروبي.
لقد كان من المفترض أن تكون الانتخابات هي السبيل الديمقراطي الوحيد لإخراج البلاد من قبضة إيفانشفيلي وروسيا، وربما كانت الانتخابات الأكثر أهمية في تاريخ البلاد منذ استفتاء الاستقلال في عام 1991. وقد أظهرت استطلاعات الرأي، بما في ذلك استطلاعات الرأي الموثوقة تقليديا، أن المعارضة تتقدم بوضوح. وفي يوم التصويت، كانت نسبة المشاركة مرتفعة إلى الحد الذي دفع الناس إلى الانتظار في طوابير لساعات في بعض مراكز الاقتراع للإدلاء بأصواتهم.
ورغم ذلك أعلنت الهيئة الانتخابية المركزية أن حزب العدالة والتنمية هزم المعارضة المؤيدة لأوروبا في البلاد وحصل على فترة ولاية رابعة. إنّ قائمة المخالفات المسجلة طويلة. تقول منظمة الأمن والتعاون في أوروبا إن هناك «ترهيبا وإكراها وضغوطا على الناخبين»، في حين تفصل تقارير أخرى تناقضات مريبة في الأعداد والعنف وتزوير أوراق الاقتراع. وسوف يتم الطعن في النتيجة، رغم أن النضال من أجل العدالة في المحاكم التي يسيطر عليها الأوليجاركي من المرجح أن يكون بلا جدوى.
في الأسابيع القليلة المقبلة، سوف تعمل المعارضة في جورجيا على حشد المؤيدين ومحاولة إثبات أن الانتخابات سُرِقَت. ولكن يتعين عليها أن تواجه حقيقة مفادها أن أداء الحزب الديمقراطي الجورجي كان أفضل من المتوقّع، ويرجع هذا جزئياً على الأقل إلى حملة انتخابية مضادة ركزت على الخوف، فقد خيّر الحزب الحاكم الشعب بين المعارضة وحرب أخرى مع روسيا. وتضمنت حملتهم لوحات إعلانية فيها صورتان متقابلتان: صورة أنقاض المدن الأوكرانية بجانبها المناظر الطبيعية الهادئة في جورجيا. وقد أثبتت حملتهم فعاليتها في بلد لا تزال روسيا تحتل 20% من أراضيه ولا تزال ذكريات غزو عام 2008 حية في الأذهان.
قد تتحدى نتائج الانتخابات المنطق، وتفقد الأمل بالنسبة للعديد من الجورجيين، لكنها تتوافق مع المسار الأوسع للعالم. على مدى العقد الماضي، أدى التفاعل بين التحالفات الأوليغارشية والتضليل وإساءة استخدام التكنولوجيا والعنف الانتقائي إلى تآكل أسس جميع المجتمعات. الخاسرون ليسوا فقط المعارضة الجورجية وأنصارها ولكن كل من يؤمن بقيمة الحرية. الفائزون الحقيقيون ليسوا الساسة الجورجيين، أو حتى الأوليغارشيين الذين يحركون خيوطهم، الفائزون الحقيقيون هم من يضعون المال والسلطة فوق القيم المشتركة.
في حالة جورجيا، يبرز الكرملين باعتباره المستفيد الرئيسي، بعد أن حقق للتو انتصارا في صراعه الأوسع ضد الديمقراطية الليبرالية. وتواجه المعارضة الجورجية فرصاً ضئيلة للنجاح في غياب الدعم المخلص من أوروبا والولايات المتحدة. ولكن في ظل الأزمة المستمرة في الشرق الأوسط، وكثافة الانتخابات الأميركية، والوضع الملح الذي تفرضه الحرب في أوكرانيا، فمن المرجح أن تكافح التطورات في جورجيا لجذب الانتباه العالمي.
إن أي شخص مهتم بمعارضة الاضطرابات العالمية التي تسببها روسيا لابد وأن يتذكر جورجيا. ففي هذا المكان ظهر الشرخ القاتل في الإمبراطورية السوفييتية في التاسع من أبريل 1989، عندما أصدرت موسكو الأمر لقواتها بفتح النار على المحتجين السلميين المؤيدين للاستقلال في تبليسي. إنّ السبب وراء انهيار الإمبراطوريات من أطرافها هو أن المقاومة الحقيقية تأتي دائما من الحدود، لذلك فإن مساعدة جورجيا على استعادة ديمقراطيتها من شأنها أن تبقي الديمقراطيّة على قيد الحياة في أماكن أخرى.
ناتاليا أنتيلافا هي الرئيس التنفيذي ورئيس تحرير موقع codastory.com
عن صحيفة الجارديان البريطانية
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی جورجیا
إقرأ أيضاً:
ما الفرصة التاريخية التي يمكن حدوثها في الانتخابات الأميركية 2024؟
دالاس – مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، يترقب الأميركيون وكثيرون حول العالم نتائجها، دون أن ينحصر ذلك في حدود معرفة الفائز والخاسر، بل ما يمكن أن تفرزه هذه الانتخابات من تغيير في المشهد السياسي الأميركي.
فقبل أيام، أصدر الحزب الديمقراطي مقطعا دعائيا يهاجم فيه المرشحة الرئاسية عن حزب الخضر جيل ستاين، التي يتوقع -بحسب استطلاعات الرأي- أن تحصد جزءا مؤثرا من أصوات العرب والمسلمين، وهم الذين يقيمون في ولايات متأرجحة مؤثرة يمكن أن تلعب دورا حاسما في نتيجة الانتخابات النهائية، رغم قلة عدد المسلمين عموما ككتلة انتخابية، فعددهم الإجمالي -وفق الإحصاءات الرسمية- هو 1% من إجمالي عدد سكان أميركا.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2كلمة نهائية.. لمن يجب أن يصوّت العرب والمسلمون في أميركا؟list 2 of 2سباق البيت الأبيض يحتدم والولايات المتأرجحة في الواجهةend of listThe Harris campaign and the DNC are out with an ad warning voters in Philadelphia and Milwaukee against voting for Jill Stein.
"A vote for Stein is really a vote for Trump." pic.twitter.com/cnfs5VVNWi
— Kyle Griffin (@kylegriffin1) October 16, 2024
وهذا المقطع يراه مراقبون تعبيرا عن أزمة حقيقية يعيشها الحزب الديمقراطي في انتخابات شديدة التقارب، قد تحسمها إحدى الولايات المتأرجحة.
دفعت الانتخابات الحالية المسلمين والعرب والرافضين للدعم الأميركي المفتوح للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة لطرح مجموعة من الأسئلة المركبة.
فلمن نصوّت؟ لدونالد ترامب حتى نثبت لكامالا هاريس وإدارة بايدن فداحة دعمهم لحرب الإبادة؟ لكن ماذا لو كان ترامب أسوأ؟ أم ندعم هاريس باعتبارها أخف الضررين؟ هل هي حقا أخف الضررين؟ أي ضرر يمكن أن يزيد عما هو حاصل اليوم؟
أم هل نصوّت لجيل ستاين الطبيبة اليهودية ممثلة حزب الخضر التي رفضت حرب الإبادة منذ يومها الأول وطالبت بوقف تصدير الأسلحة لإسرائيل رغم أن فوزها مستحيل؟
فرصة تاريخيةيقول مسعود الخياط، منسق التحالف الأميركي العربي في مدينة دالاس بولاية تكساس، إن تصويت العرب والمسلمين وحلفائهم في دالاس وعموم ولاية تكساس يتجه لدعم حزب الخضر عبر ممثلته جيل ستاين.
مسعود الخياط (السكة الإخباري)وقال الخياط للجزيرة نت إن الهدف من ذلك هو إيصال رسالة للحزب الديمقراطي أن "هناك ثمنا سيدفعونه مقابل دعمهم لحرب الإبادة في غزة، هذا من الناحية الأخلاقية. أما من الناحية السياسية فنحن نهدف لإيصال جيل ستاين لنسبة 5% من الصوت الشعبي".
ويضيف الخياط أنه إذا ما حقق حزب الخضر هذه النسبة، فإن ذلك سيعني عمليا كسر ثنائية الحزبين (الجمهوري والديمقراطي)، مما سيعني مستقبلا أن يمتلك العرب والمسلمون قدرة أوسع على التأثير في الانتخابات.
وفي حال تحقيق حزب الخضر نسبة 5%، فإن ذلك سيعني حصول الحزب على تمويل من الحكومة الفدرالية بمبلغ قدره 20 مليون دولار، وسيكون ممثلا في الانتخابات القادمة بالولايات الـ50، بشرط أن يجمع 50 ألف توقيع من كل ولاية.
فادية رشق (يمين) (مواقع التواصل)من جهتها تتفق فادية رشق، إحدى منظمات المظاهرات المناصرة لفلسطين في مدينة دالاس، مع الخياط بشأن أهمية نشوء حزب ثالث، وأن هذه فكرة ظلت حاضرة لعقود في أذهان من يريدون كسر هذه الثنائية، واليوم تحضر فرصة تاريخية لتحقيق هذا الأمر واقعا.
وتقول رشق للجزيرة نت "لا بد أن تدفع إدارة بايدن وهاريس ثمنا لمواقفها التي أصرت عليها خلال العام الماضي، ولم تأخذ بعين الاعتبار دماء أهلنا وأقاربنا في فلسطين ولبنان حيث كانت شريكة في حرب الإبادة التي نعيشها اليوم". وتضيف "لا يمكن لنا نحن المسلمين أن نغض الطرف عن ذلك الموقف. وعليه، فإن اتجاهنا هو التصويت لجيل ستاين وحزب الخضر".
يُذكر أن فوز ستاين بنسبة 5% سيعني أن يكون حزب الخضر جزءا من أية مناظرة رئاسية أو مناظرات نائب الرئيس في الدورة الانتخابية القادمة.
ويسود هذه الانتخابات زخم آخر على مستوى انتخابات مجلس النواب التي ستتزامن مع الانتخابات الرئاسية. إذ يقول مسعود الخياط إن هناك فرصة أعلى لدعم المرشحين الذين طالبوا بوقف إطلاق النار، ومن طالبوا بوقف المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل. ودعم المرشحين الجدد الذين يتبنون مواقف علنية رافضة لاستمرار حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة.
سؤال المستقبل
وفي حين يقول داعمو الحزب الديمقراطي إن التصويت لجيل ستاين هو بالمحصلة تصويت لدونالد ترامب، على اعتبار أن الكتلة التي ستصوت لحزب الخضر عادة ما تصوت للحزب الديمقراطي، فإن الناشط السياسي سامي حمدي يقول إن هذه دعاية زائفة تحاول أن تقنع العرب والمسلمين بفكرة "أخف الضررين"، وأن عليهم التصويت لكامالا هاريس حتى لا يفوز ترامب.
وكان الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما استخدم هذه الحجة في أحد التجمعات الانتخابية المؤيدة لترشيح كامالا هاريس، حيث حذر المسلمين من فوز ترامب الذي كان قد منع جنسيات عربية ومسلمة من الدخول لأميركا.
وفي هذا السياق، يقول مسعود الخياط إنه "بغض النظر عمن سيفوز، مع وعينا بمخاطر ترامب، الذي نقل السفارة الأميركية إلى القدس وقام بضم الجولان، ومساعيه لضم الضفة الغربية لإسرائيل، إلا أن الحراك المعارض للانحياز الأميركي لإسرائيل لن يتوقف في كل الحالات حتى مع صعود ترامب".
أما الأهم بالنسبة للناشط السياسي فهو عدم مكافأة الحزب الديمقراطي الذي كان شريكا في حرب الإبادة، بحسب تعبيره، وأنه "لا مجال أن نكون براغماتيين ولا أن نختار أخف الضررين".
وبدوره، يقول الناشط السياسي بلال مصطفى إنه لا يمكن للعرب والمسلمين أن يفضلوا رفاهيتهم أو أمانهم الشخصي على حساب أن يدفع الحزب الديمقراطي ثمن انحيازه لإسرائيل.
ويضيف للجزيرة نت أن فوز ترامب على ما فيه من مخاطر لا يبرر من الناحية الأخلاقية التصويت للحزب الديمقراطي.
ويشار إلى أن الجزيرة نت لم تلتقِ من العرب والمسلمين في مدينة دالاس ممن سيصوتون لدونالد ترامب أو كامالا هاريس، رغم خروج أصوات في ولايات عدة تدعم كلا المرشحين (ترامب وهاريس) لأسباب مختلفة.
ولكن ما تفتحه هذه الانتخابات من خيارات بصعود حزب ثالث سيعني تغيرا هاما يستحق المتابعة فيما يلي من أيام.