أحاديث عن السياسة.. توازن القوة
تاريخ النشر: 2nd, November 2024 GMT
يوسف عوض العازمي
@alzmi1969
"الدول هي قوى لاعبة أساسية، وصُنَّاع القرار عقلانيون بشكل أساسي، وبنية النظام الدولي تلعب دورًا رئيسًا في تحديد القوة" روبرت غلبين.
*********
من بديهيات أية مواجهة سواء على مستوى شخصي كان أو مؤسساتي أو دولي، على شكل الفرد أو المجموعة النظر إلى مقدار القوة بين طرفي المواجهة، هنا لا أحدثك عن حق وباطل، ولا عن شجاعة أو جُبن، عالِم أو جاهل، غني أو فقير، أُحدِّثُك عمَّا يحدث واقعيًا، والفوارق الشكلية والموضوعية في الإمكانيات.
الواقعية في السياسة هي الخطوة الأولى لأي قائد، لا تعرف في الواقعية ولاتؤمن بها، أعمل بأي عمل غير السياسة، الواقعية هي ملاذ بعد الله، وبعد نظر، وحسن تصرف وعقل راجح، لايمكن لأي حامل أو مؤمن بالشعارات العاطفية- أيًا كان نوعها - أن يقود شركة ناهيك عن بلد به شعب ومؤسسات ومقدرات.
حُسن اختيار المستشارين أولى القواعد التنفيذية للواقعية، المستشار المخلص الذي يستطيع قول كلمة لا، وليس المستشار الذي يتجلى بالوجاهه والسيارة الفارهة، وله صولات وجولات في المجتمع. لن أذكر حدثًا مُعيَّنًا، لكن انظر حولك وشاهد وتمعَّن، وافهم جيدًا ما ذهبت إليه هذه الكلمات.. كثيرٌ من الأمور كانت نهايتها مؤلمة بسبب التهور والعواطف، والشعاراتية والفكر البعيد عن الواقع.
لكن هل إذا كانت إمكاناتك قليلة أو لا تُقارن بالطرف الآخر بالمواجهة تركن وتصمت وتستسلم؟
بالطبع لا.. لكن في هذه الظروف تبرز القدرات الاستثنائية، ووجود المستشارين الثقات المبدعين ذوي الحل والعقد، ومالكي الخبرة، واستقاء الحكمة التي هي ضالّة المؤمن، و"رأس الحكمة مخافة الله"، هناك شيء اسمه التفاوُض، واستخدام مثالي لأوراق الضغط، ولو ورقة واحدة؛ فأهل الخبرة والشجعان والمؤمنون بقضاياهم يستطيعون تحويل هذه الورقة إلى نار تحرق مائة ورقة ضغط لدى الطرف المقابل، يقول تعالى: "كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ" (البقرة :249)، وكذلك الاستعداد الأمثل بإعداد ردع يمكن المفاوض من اللعبة التفاوضية. يقول تعالى: "وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ" (الأنفال:60).
قواعد أي دولة أو مجتمع هو حدود وسيادة وعلم وحكومة معترف بها قائمة بإدارة الدولة، وبنفس الوقت توجد بديهيات لايمكن للقواعد السالفة الذكر أن تقوم بدونها، ولاء الشعب للوطن وللقيادة (أيا كان نوعها منتخبة أم نظام حكم تقليدي)، والتماسك الاجتماعي- السياسي، أو ما يتم تسميته بالوحدة الوطنية؛ إذ إن كيان الدولة يفترض فيه إستيعاب كل الأعراق والطوائف الموجودة تحت راية الدولة، ويكون النظام الحاكم على مسافة واحدة من الجميع، كذلك وجود حرية رأي معقولة أو نسبية سواء من خلال صحافة حُرة أو برلمان مُنتخَب أو غير ذلك، توجد دول ليس لديها برلمان منتخب، وحرية الصحافة بها ليست بالقدر الموجود بدول أخرى، لكنها تمارس دور الدولة بإقتدار من خلال توفير كل ماشأنه تيسير حياة الناس، وبإمكان المواطن بها الوصول لأعلى الهرم السياسي بلا معوقات حقيقية؛ بل وأخذ مراده بيُسر. الحقيقة التي تغيب عن الكثير ان جل التحركات المنادية بالحرية والانتخابات وما شابه، ترنو إلى هدف تيسير الحياة وتسهيلها على البشر، هذه هي زبدة مايسمى بالتحركات السياسية، هنا لست في دور المهمش لهذه التحركات لكني أذهب إلى نظام سياسي مرن بإستطاعته التعامل المُتغيرات داخليًا وخارجيًا بنفس يستوعبها ويتدرج معها؛ بما يتناسب وظروف البلاد الواقعية. ولعل نماذج موجودة تؤكد نجاخ مثل هذا الخط السياسي الجامع بين المرونة والتماسك.
إذن.. كيف يمكن تحقيق توازن القوة بين دولتين لا مجال للمقارنة بينهما لا في عدد السكان ولا القدرة العسكرية ولا المساحة أو التضاريس الجغرافية؟
التوازن يبدأ بعقلية الدولة وافتراض عقلانية صُنَّاع القرار، وكيفية حل هذه المعضلة من خلال تمتين الجبهة الداخلية كأول حل، ووجود جيش ذي عقيدة قتالية رأسها الردع والقدرة على الثبات بالحرب الدفاعية، وإبرام معاهدات مع دول كبرى للتعاون والفائدة المشتركة، وبناء سياسة خارجية قائمة على زرع الثقة والصداقة، ومبادرات السلام؛ حيث البحث عن البدائل المتاحة للحروب، والإيمان بالأمن الجماعي بين الظول المتشابهة بالظروف على قاعدة: الواحد للكل، والكل للواحد.
في كتاب "مبادئ العلاقات الدولية" (1)، نقرأ: "لا يوجد مفهوم وحيد في الواقعية السياسية، هناك واقعيات، على الرغم من أن كلًا منها مبنية على مجموعة أساسية من الافتراضات، كل منها يُعلِّق أهمية مختلفة على فرضيات أساسية مختلفة، ومع ذلك لا يُوحِّد مكونات النظرية الواقعية، هو تأكيدها على الدولة الموحدة في نظام دولي يتسم بالفوضى، وهو ما يميزها بوضوح عن النظريات الليبرالية والراديكالية أيضا".
في قصيدة شهيرة، قال الشاعر خلف بن هذال :
ولا تأمن سحاب صيف يلقح بأسرع الأوقات
إديار عامره بشعوبها راحت من أسبابه
ولا تأمن فروخ الداب لو عاشن وأبوهن مات
يجن الصبح بأنياب تنسل كنها أنيابه
ترى ما حل في بعض الدول تنبيه وإنذارات
ومن لا ينتبه مع عاتي التيار يغدا به
صحيح أهل القرى ما يُؤخذون إلا على الغفلات
عبر والمعتبر يعيا الأمور وياخذ إحسابه
*******
كتاب "مبادئ العلاقات الدولية"، كارين أ. منغست وإيفان م. أريغوين، ترجمة حسام الدين خضور، دار الفرقد، الطبعة الأولى، ص 120. رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
بين الانقسامات والإرهاب.. الإيكواس تطلق خطتها الأمنية الجديدة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أعلنت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (الإيكواس)، عزمها تفعيل قوتها الاحتياطية، في ظل التوسع المستمر للأنشطة الإرهابية المنطلقة من أراضي بوركينا فاسو ومالي والنيجر.
وجاء هذا الإعلان على هامش اجتماع عقدته الإيكواس، صرح فيه وزير الدفاع النيجيري السيد محمد بدار وأبوبكر، أن الخطة الجديدة تهدف إلى تعبئة حوالي 5.000 جندي من قوة الإيكواس الاحتياطية، إلى جانب موارد أخرى يتم توزيعها في أنحاء المنطقة، التي أصبحت مسرحًا لأعمال عنف تقودها جماعات إرهابية. وستعمل هذه القوة على التصدي للإرهاب، ومكافحة جرائم قطع الطرق، والتطرف العنيف، والجريمة المنظمة العابرة للحدود، بالإضافة إلى مواجهة عدم الاستقرار السياسي. ومع ذلك، لم يتم حتى الآن تحديد موعد أو موقع أول انتشار لتلك القوة.
وفي مقابلة له مع إذاعة "صوت أمريكا"، أكد أبوبكر أن تفعيل هذه القوة يُظهر التزام الجميع بمواجهة انتشار الإرهاب والتدهور الأمني، قائلًا: "يؤكد تفعيل هذه القوة أننا جميعًا عازمون على التصدي لزحف الإرهاب وانعدام الأمن، وتوفير الأمن والأمان لمواطنينا".
وقد لقي هذا الإعلان ترحيبًا من قبل المحلل الأمني كابيرو أدامو، إلا أنه عبر عن بعض المخاوف بشأن فعالية التنفيذ.
الإيكواس تطلق خطتها الأمنية الجديدةوقال في حديثه لـ "صوت أمريكا": "آخر ما وصلنا إليه، وقد يتغير ذلك، هو أن القوة سيكون لها قاعدتا عمليات في المنطقة الفرعية، وعلينا أن ندرك أن حشد 5.000 جندي ليس مهمة سهلة، خاصة وأن ثلاثًا من الدول التي كانت قد وافقت في السابق على المشاركة قد انسحبت من عضوية الإيكواس. وبالتالي، ستحتاج الإيكواس إلى التشاور مع الدول الأعضاء المتبقية لمعرفة من منها سيكون مستعدًا لسد هذه الفجوة".
وكانت كل من بوركينا فاسو ومالي والنيجر قد أعلنت انسحابها من المنظمة الإقليمية في 29 يناير، وشكلت تحالفًا جديدًا يعرف باسم "تحالف دول الساحل".
ومع ذلك، أوضح رئيس الإيكواس، عمر عليو توراي، أن الكتلة الإقليمية ما تزال تأمل في التعاون مع هذه الدول، حتى بعد مغادرتها، من أجل التصدي المشترك لخطر الإرهاب والتحديات الأمنية الأخرى.
من جانبه، شدد أدامو على أهمية الحفاظ على قنوات التعاون بين الإيكواس وتحالف دول الساحل، حيث قال: "في ظل الأوضاع التي تعاني منها القوات العسكرية في معظم بلدان المنطقة، سيكون من الصعب جدًا تلبية المتطلبات التي تتيح انتشارًا سريعًا وفعالًا. ومع ذلك، فإن التعاون الدفاعي والأمني بين الطرفين لا يزال قائمًا على المستويين الثنائي ومتعدد الأطراف.
مركز الديمقراطية والتنمية الاجتماعية والاقتصاديةوفي هذا السياق، ذكر مركز الديمقراطية والتنمية الاجتماعية والاقتصادية أن الإيكواس واجهت في السنوات الأخيرة سلسلة من التحديات المتزايدة، مثل عدم الاستقرار السياسي الإقليمي، والخلافات الداخلية بين أعضائها، فضلًا عن تضارب المصالح الوطنية.
ولطالما كانت فعالية قوة الإيكواس الاحتياطية موضع جدل بين المسئولين والخبراء.
ففي ندوة نُظمت في سبتمبر 2024 بكلية أبوجا للفكر الاجتماعي والسياسي في نيجيريا، عبر اللواء المتقاعد نيكولاس روجرز عن انتقاداته للمشروع، مشيرًا إلى أن القوة تعاني من مشكلات تتعلق بنقص التمويل، وعدم الاستقرار، والحواجز اللغوية بين الدول الأعضاء.
وبحسب ما نشرته صحيفة "بيبلز جازيت" النيجيرية، أوضح روجرز أن النجاح الحقيقي للقوة الاحتياطية لا يمكن أن يتحقق إلا إذا توافرت لدى الدول المشاركة رؤية موحدة، وقدرات تكنولوجية مناسبة، وظروف أمنية مستقرة نسبيًا. وأشار إلى تجربته السابقة، قائلًا: "يصعب على منطقة فقيرة أن تمتلك قوة احتياطية فعالة؛ لأن الأمر لا يقتصر على الخطط الورقية، بل يحتاج إلى معدات عسكرية، وتكنولوجيا، وجنود مدرَّبين، ورواتب مجزية، ودعم طبي، وإسناد جوي. فتشكيل قوة احتياطية يتطلب موارد حقيقية ومتكاملة".
في المقابل، يرى رئيس غانا السابق، السيد نانا أكوفو أدو، أن هذه القوة يمكن أن تشكّل دعامة أساسية لأمن واستقرار المنطقة.