لجريدة عمان:
2025-02-16@12:51:29 GMT

«أن تصير حياتي قولا مأثورا»

تاريخ النشر: 2nd, November 2024 GMT

في مقال الأسبوع الماضي تحدثتُ عن «الكليشيهات» التأبينية التي تنهال على الكاتب حين يموت، والمقالات التي تكتب على عجل بعد رحيله مستذكِرةً مناقبَ له وخصالًا حميدة لم يَلتفتْ لها أحد وهو حيّ، وتباري الصحف في تضمين أشهر عناوين كتبه «بنطًا» عريضًا في إعلان خبر الوفاة، هذا علاوة على مُؤَبِّني الــ«سوشل ميديا» الذين يحرصون على وضع صورة تجمعهم بالكاتب الراحل بعد دقائق فقط من رحيله، وختمتُ مقالي بأن ثمة نوعًا آخر من «الكليشيهات» المصاحِبة لوفاة الكاتب أجلتُ الحديث عنه إلى مقال هذا الأسبوع.

هذا النوع هو البحث عن اقتباسات من كتبه العديدة، تكون متوفرة في العادة في «النت» بنقرة زر، وحبذا لو تكون هذه الاقتباسات عن الموت لتكون ملائمة للمناسبة. يحضرني هنا الاقتباس الذي تصدّر وسائل التواصل الاجتماعي بعد وفاة الكاتب المصري أحمد خالد توفيق (توفي في 2 أبريل 2018م): «وداعًا أيها الغريب. كانت إقامتك قصيرة، لكنها كانت رائعة»، وهو مستل من كتابه «أسطورة النبوءة». هناك أيضًا اقتباس تصدّر تويتر وفيسبوك بعد وفاة الكاتب العُماني عبد العزيز الفارسي (توفي في 10 أبريل 2022م)، مستلّ من إحدى قصصه: «سيدي الموت: إن جئتَ على غفلة فمرحبا بك، وإن استأذنتَ بمرض عضال فعلى الرحب والسعة. لن أردّك. لا حُبًّا، ولكن رغبة في معرفة المطلق». أما الشاعر العُماني زاهر الغافري؛ فقد أعلنتْ إذاعة مونت كارلو الدولية خبرَ وفاته بهذا العنوان: «علَه يزداد جمالًا بعد الموت: وفاة الشاعر العُماني زاهر الغافري في السويد»، وهو عنوان شبيه بعنوان صحيفة الشرق الأوسط: «زاهر الغافري.. لعلنا سنزداد جمالا بعد الموت»، وفي العنوانَيْن يُقتَبَسُ أحدُ أشهر مقاطع الغافري الشعرية: «لعلنا سنزداد جمالا بعد الموت».

من هنا أفهم تبرّم الشاعرة المصرية فاطمة قنديل في كتابها «أقفاص فارغة»: «أسوأ ما يمكن أن يحدث لي بعد موتي هو أن يأخذ الآخرون أقوالًا مأثورة مما أكتب الآن. أن تصير حياتي قولًا مأثورًا، هو ما يصيبني بالغثيان، أن تصير درسًا، أو عبرة، هو الجحيم ذاته، أحاول أن أتجنب هذا المصير وأنا أكتب، بلغة عارية تمامًا، لا ترتدي ما يستر عورتها من المجازات، لأن الحياة تصير أكثر شبقًا بعد أن نموت، كذئب مسعور، لا يروي ظمأه، إلا الحكايا».

إذا كانت فاطمة قنديل تصاب بالغثيان من العبارات المقتبسة من داخل كتابها، فماذا كان سيقول الروائي السوري خالد خليفة لو عاد إلى الحياة اليوم وهو يشاهد أنه حتى هذا الشرف؛ شرف أن يُبحَثَ في أعماله عن عبارات جميلة تصلح للاستشهاد بها في تأبينه، لم يحظَ به، واكتفى مؤبِّنوه باستدعاء عنوان روايته الشهيرة «الموت عمل شاق» والتنويع عليه بعبارات مكرورة. هذا ما نُشِرَ بالفعل في اليوم التالي لرحيل خالد خليفة (في 30 سبتمبر 2023م). وهذه عينة من تأبينات أربعة كتّاب سوريين لخليفة في مجلة «العربي القديم»:

- «الموت عمل شاق! فكيف إذا كان موتك ورحيلك عنا يا خالد».

- «رحيلك «عمل شاق» بالنسبة لنا... وداعًا يا نبيل، وداعًا يا كبير».

- «قلتَ: «الموت عمل شاق»، ومارستَه باكرًا. قلتَ: «لم يصلِّ عليهم أحد»، وها سيُصلى عليك». («لم يصلِّ عليهم أحد» هو عنوان رواية أخرى لخالد خليفة).

- «يبدو أن الموت في هذا الزمن هو العمل الوحيد الشريف، لا الشاقّ فقط. تريد الحقيقة يا خالد؟ حسنٌ أنك فعلتها. كبرت بعيني يا رجل».

هذه عينة فقط مما يحدث في وسطنا الثقافي العربي كلّ يوم تقريبا، سيل جارف من العبارات المستهلَكة، والتأبينات المكرورة، والمقالات المتسرّعة، ما يجعل المرء يتعاطف بالفعل مع وصية الأديب السوري الكبير حنا مينا التي كتبها عام 2008م؛ أي قبل موته بعشر سنوات: «عندما ألفظ النفَس الأخير، آمل، وأشدد على هذه الكلمة، ألا يُذاع خبر موتي في أية وسيلةٍ إعلامية، مقروءة أو مسموعة أو مرئية»، مضيفًا في موضع آخر من الوصية: «وأشدد: لا حفلة تأبين، فالذي سيقال بعد موتي، سمعتُه في حياتي، وهذه التآبين، وكما جرت العادات، مُنْكَرة، منفِّرة، مسيئة إليَّ، أستغيث بكم جميعًا، أن تريحوا عظامي منها».

لكن عظام حنّا مينا لم ترتح، فلقد أبّنوه هو الآخر، ولا يزالون. لعله ما زال يستغيث بنا من هناك، كما آلاف الكتّاب الذين سبقوه، وكما آلاف أخرى ستلحق به في مقبل الأيام والسنوات.

سليمان المعمري كاتب وروائي عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: عمل شاق

إقرأ أيضاً:

ابتلعه ثم لفظة حيًا.. شاب ينجو من الموت كفريسة لحوت بتشيلي

ابتلع حوت أحدب رجلا يمارس رياضة الكاياك في مضيق ماجلان في جنوب تشيلي لفترة وجيزة قبل أن يلفظه من دون أن يصاب بأذى، في حادثة مذهلة صوّرها والد الشاب وانتشرت على نطاق واسع.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1600588014572-0'); }); وكان الشاب ذو الـ24 عامًا أدريان سيمانكاس، يمارس رياضة التجذيف قبالة بونتا أريناس بمنطقة باتاغونيا في الثامن من فبراير، عندما خرج الحوت الأحدب من الماء وابتلعه هو وقارب الكاياك الأصفر الخاص به.
أخبار متعلقة "شتانا ريفي" بجازان.. استكشف طابع الحياة الريفية في أجواء ممتعةبـ 3 طرق.. كيف تتصرف إذا كنت تائهًا بالمسجد الحرام؟وبعد ثوانٍ قليلة، عاد الشاب المذهول إلى السطح، بينما بدا ظهر الحوت مرة أخرى فوق سطح الماء.
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } ابتلعه ثم لفظة حيًا.. شاب ينجو من الموت كفريسة لحوت بتشيلي نجاة من الافتراسوقال الشاب وهو من أصل فنزويلي: شعرت بشيء بلون مختلط بين الأزرق والأبيض يمرّ بالقرب من وجهي، من أحد الجانبين ومن الأعلى، لم أفهم ما كان يحدث وغرقت، اعتقدتُ أن (الحوت) ابتلعني".
وجرى تصوير الحادثة ونشرها على وسائل التواصل الاجتماعي من قبل والده، الذي كان أيضا على متن قارب الكاياك، وفي الفيديو، يمكن سماع الأب يصرخ لابنه "تعال، تعال، بهدوء"، بعيد بصقه من الحوت.
وبعد الحادثة، أعاد الوالد ابنه إلى الشاطئ، حيث لاحظ أنه لم يتعرض لأذى.
وقالت عالمة الأحياء البحرية في جامعة تشيلي ماريا خوسيه بيريز: "يبدو أن القارب كان موجودا في منطقة تغذية الحوت، ولهذا السبب شوهد الحيوان يخرج إلى السطح على الجانب، وشدقه مفتوح، وكأنه يتناول الغذاء".

مقالات مشابهة

  • دعاء الصباح اليوم الأحد 16 فبراير 2025.. اللهم ارزقني قبل الموت توبة
  • لاعب بيرسبوليس: سنقاتل أمام النصر حتى الموت
  • «كل شيء حلو في حياتي».. أصالة توجه رسالة لزوجها في عيد الحب «صورة»
  • أسعد أيام حياتي.. الخطيب: إنجازات الأهلي خلال 7 سنوات غير مسبوقة
  • الخطيب: الإعلان عن تفاصيل ستاد الأهلي أسعد يوم في حياتي
  • نيللي كريم عن ارتباطها: اختياراتي مدمرة حياتي
  • ابتلعه ثم لفظة حيًا.. شاب ينجو من الموت كفريسة لحوت بتشيلي
  • عمر خيرت: بشكر السعودية على التكريم اللي لن أنساه في حياتي .. فيديو
  • مسارات الهذلي في غزة
  • حين مات الموت!