لجريدة عمان:
2025-03-18@19:37:01 GMT

«أن تصير حياتي قولا مأثورا»

تاريخ النشر: 2nd, November 2024 GMT

في مقال الأسبوع الماضي تحدثتُ عن «الكليشيهات» التأبينية التي تنهال على الكاتب حين يموت، والمقالات التي تكتب على عجل بعد رحيله مستذكِرةً مناقبَ له وخصالًا حميدة لم يَلتفتْ لها أحد وهو حيّ، وتباري الصحف في تضمين أشهر عناوين كتبه «بنطًا» عريضًا في إعلان خبر الوفاة، هذا علاوة على مُؤَبِّني الــ«سوشل ميديا» الذين يحرصون على وضع صورة تجمعهم بالكاتب الراحل بعد دقائق فقط من رحيله، وختمتُ مقالي بأن ثمة نوعًا آخر من «الكليشيهات» المصاحِبة لوفاة الكاتب أجلتُ الحديث عنه إلى مقال هذا الأسبوع.

هذا النوع هو البحث عن اقتباسات من كتبه العديدة، تكون متوفرة في العادة في «النت» بنقرة زر، وحبذا لو تكون هذه الاقتباسات عن الموت لتكون ملائمة للمناسبة. يحضرني هنا الاقتباس الذي تصدّر وسائل التواصل الاجتماعي بعد وفاة الكاتب المصري أحمد خالد توفيق (توفي في 2 أبريل 2018م): «وداعًا أيها الغريب. كانت إقامتك قصيرة، لكنها كانت رائعة»، وهو مستل من كتابه «أسطورة النبوءة». هناك أيضًا اقتباس تصدّر تويتر وفيسبوك بعد وفاة الكاتب العُماني عبد العزيز الفارسي (توفي في 10 أبريل 2022م)، مستلّ من إحدى قصصه: «سيدي الموت: إن جئتَ على غفلة فمرحبا بك، وإن استأذنتَ بمرض عضال فعلى الرحب والسعة. لن أردّك. لا حُبًّا، ولكن رغبة في معرفة المطلق». أما الشاعر العُماني زاهر الغافري؛ فقد أعلنتْ إذاعة مونت كارلو الدولية خبرَ وفاته بهذا العنوان: «علَه يزداد جمالًا بعد الموت: وفاة الشاعر العُماني زاهر الغافري في السويد»، وهو عنوان شبيه بعنوان صحيفة الشرق الأوسط: «زاهر الغافري.. لعلنا سنزداد جمالا بعد الموت»، وفي العنوانَيْن يُقتَبَسُ أحدُ أشهر مقاطع الغافري الشعرية: «لعلنا سنزداد جمالا بعد الموت».

من هنا أفهم تبرّم الشاعرة المصرية فاطمة قنديل في كتابها «أقفاص فارغة»: «أسوأ ما يمكن أن يحدث لي بعد موتي هو أن يأخذ الآخرون أقوالًا مأثورة مما أكتب الآن. أن تصير حياتي قولًا مأثورًا، هو ما يصيبني بالغثيان، أن تصير درسًا، أو عبرة، هو الجحيم ذاته، أحاول أن أتجنب هذا المصير وأنا أكتب، بلغة عارية تمامًا، لا ترتدي ما يستر عورتها من المجازات، لأن الحياة تصير أكثر شبقًا بعد أن نموت، كذئب مسعور، لا يروي ظمأه، إلا الحكايا».

إذا كانت فاطمة قنديل تصاب بالغثيان من العبارات المقتبسة من داخل كتابها، فماذا كان سيقول الروائي السوري خالد خليفة لو عاد إلى الحياة اليوم وهو يشاهد أنه حتى هذا الشرف؛ شرف أن يُبحَثَ في أعماله عن عبارات جميلة تصلح للاستشهاد بها في تأبينه، لم يحظَ به، واكتفى مؤبِّنوه باستدعاء عنوان روايته الشهيرة «الموت عمل شاق» والتنويع عليه بعبارات مكرورة. هذا ما نُشِرَ بالفعل في اليوم التالي لرحيل خالد خليفة (في 30 سبتمبر 2023م). وهذه عينة من تأبينات أربعة كتّاب سوريين لخليفة في مجلة «العربي القديم»:

- «الموت عمل شاق! فكيف إذا كان موتك ورحيلك عنا يا خالد».

- «رحيلك «عمل شاق» بالنسبة لنا... وداعًا يا نبيل، وداعًا يا كبير».

- «قلتَ: «الموت عمل شاق»، ومارستَه باكرًا. قلتَ: «لم يصلِّ عليهم أحد»، وها سيُصلى عليك». («لم يصلِّ عليهم أحد» هو عنوان رواية أخرى لخالد خليفة).

- «يبدو أن الموت في هذا الزمن هو العمل الوحيد الشريف، لا الشاقّ فقط. تريد الحقيقة يا خالد؟ حسنٌ أنك فعلتها. كبرت بعيني يا رجل».

هذه عينة فقط مما يحدث في وسطنا الثقافي العربي كلّ يوم تقريبا، سيل جارف من العبارات المستهلَكة، والتأبينات المكرورة، والمقالات المتسرّعة، ما يجعل المرء يتعاطف بالفعل مع وصية الأديب السوري الكبير حنا مينا التي كتبها عام 2008م؛ أي قبل موته بعشر سنوات: «عندما ألفظ النفَس الأخير، آمل، وأشدد على هذه الكلمة، ألا يُذاع خبر موتي في أية وسيلةٍ إعلامية، مقروءة أو مسموعة أو مرئية»، مضيفًا في موضع آخر من الوصية: «وأشدد: لا حفلة تأبين، فالذي سيقال بعد موتي، سمعتُه في حياتي، وهذه التآبين، وكما جرت العادات، مُنْكَرة، منفِّرة، مسيئة إليَّ، أستغيث بكم جميعًا، أن تريحوا عظامي منها».

لكن عظام حنّا مينا لم ترتح، فلقد أبّنوه هو الآخر، ولا يزالون. لعله ما زال يستغيث بنا من هناك، كما آلاف الكتّاب الذين سبقوه، وكما آلاف أخرى ستلحق به في مقبل الأيام والسنوات.

سليمان المعمري كاتب وروائي عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: عمل شاق

إقرأ أيضاً:

غزة.. مشاهد الموت والدمار تتكرر بلا نهاية

تجدد مشهد القتل والدمار في قطاع غزة مع فجر اليوم الثلاثاء 18 مارس/آذار الحالي بعد أن استأنف الطيران الحربي الإسرائيلي غاراته العنيفة على القطاع، مخلفا وراءه المزيد من الشهداء والدماء.

وفي الزمان والمكان ذاته، تروي الصور مآسي الأمس، حيث الدماء تملأ الشوارع ولا تميز بين كبير وصغير.

الصور المتكررة التي تحاصرنا اليوم تُذكرنا مرارا بأن الحرب ليست مجرد أرقام، بل هي قصص من آلام ودموع، من أرواح تُزهق وأحلام تدفن تحت ركام المنازل.

وهذا واقع يعيشه أهل غزة كل يوم، ويتجدد مع كل تصعيد، في ظل صمت دولي يراقب ما يحدث من بعيد، وكأن غزة باتت مجرد مشهد.

مشاهد القتل والدمار أصبح عليها أهالي غزة والعالم (رويترز) إعلان 100 طائرة إسرائيلية شاركت في الغارات على القطاع (الفرنسية)الغارات أسفرت عن مئات الشهداء ومئات المصابين (الفرنسية)الألم يحيط بعائلاتٍ فقدت فلذات أكبادها (الفرنسية)عائلات تعزي وتواسي بعضها بعضا (رويترز)هذه الغارة الأعنف منذ بدء سريان وقف إطلاق النار غير المتوقف حتى الآن (الفرنسية) إعلان 25 فلسطينيا استشهدوا في قصف مدرسة التابعين التي تؤوي نازحين بحي الدرج في مدينة غزة (الفرنسية)شهداء وصلوا إلى المستشفى الأوروبي (رويترز)غارات الاحتلال استهدفت مواقع مختلفة في القطاع (رويترز)من بين المناطق المستهدفة مخيم المغازي (وسط) وخان يونس ورفح جنوبا ومخيم جباليا وبيت حانون شمالا (الفرنسية)الحرب ليست مجرد أرقام، بل هي قصص من آلام ودموع (الفرنسية)من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • الأم المثالية بأسيوط: أصبحت أرملة في عامي الـ30 وكرست حياتي لأبنائي فتخرجوا طبيبًا ومعلمين
  • غزة.. مشاهد الموت والدمار تتكرر بلا نهاية
  • الأم المثالية بالقليوبية: مررت بصعاب كثيرة في حياتي وربنا أكرمني بأولادي
  • بمناسبة احتفال العالم بالمرأة.. المستشارة هبة منصور لـ«صدى البلد»: محاضرة لـ عائشة راتب غيرت حياتي
  • تسمم المياه.. عادة في رمضان تؤدي إلى الموت المفاجئ
  • خيري رمضان: مفارقة ابني للحياة وإصابته بفقدان البصر وشفاؤه أصعب موقف في حياتي
  • دراسة: التبرع بالدم قد يقي من مرض خطير يسبب الموت
  • ربنا يديمك في حياتي .. مي عز الدين ترد على عمر السعيد
  • بن شرقي: هختم حياتي الكروية في النادي الأهلي
  • دراسة.. التبرع بالدم يقي من مرض خطير قد يسبب الموت