شحاته السيد يكتب: نماذج ميتا الذكية على جبهة القتال في الصين
تاريخ النشر: 2nd, November 2024 GMT
مع التطور المتواصل للتقنيات الحديثة، تبرز أمامنا صورة غير مسبوقة لعالم يتشكل حول قوى جديدة وأدوات تتجاوز حدود الفهم التقليدي لمفهوم "القدرة العسكرية" فلم يعد الصراع بين الدول مقتصرًا على امتلاك عدد أكبر من الدبابات أو الصواريخ أو الأسلحة النووية، بل أخذ شكلًا مختلفًا يمزج بين التطورات الرقمية والذكاء الاصطناعي، ومع هذا التطور، يعود إلى الأذهان تساؤل جوهري يُطرح بنبرة جديدة: "هل نحن على أعتاب سباق تسلح جديد؟"
عندما نتحدث اليوم عن سباق التسلح، فإننا لا نشير إلى السباقات السابقة التي خاضتها الدول العظمى، ولا إلى التجارب النووية التي كانت تُجرى في الصحارى أو أعماق المحيطات؛ بل إلى سباق مختلف تمامًا، سباق تجري أحداثه داخل المختبرات الرقمية والشبكات العصبية الاصطناعية.
يُنظر إلى الذكاء الاصطناعي اليوم كعنصرٍ حاسمٍ في إعادة تشكيل الاستراتيجيات العسكرية، حيث بات بإمكان الخوارزميات تحليل كميات ضخمة من البيانات العسكرية في وقت قياسي، ما يتيح للقادة اتخاذ قرارات مبنية على دقة معلوماتية لم تكن ممكنة سابقًا، ولنا أن نتخيل أن ما يحتاجه ضابط عسكري لتحليل المواقف والتخطيط قد بات يُنجز خلال ثوانٍ قليلة، وهذا يعزز من جاهزية الجيوش وقدرتها على استباق المخاطر.
ومع هذا التقدم، ظهرت مفاهيم جديدة للآلات ذاتية التشغيل، التي يمكن برمجتها لأداء مهام عسكرية كاملة بدون الحاجة إلى تدخل بشري مباشر، ولعلنا هنا نتحدث عن طائرات بدون طيار تستطيع رصد الأهداف وتنفيذ الضربات بدقة مذهلة، وأنظمة دفاعية تعتمد على الذكاء الاصطناعي للتعامل مع التهديدات بشكل فوري وآلي، دون الحاجة إلى قرار بشري، وهذا في حد ذاته يفتح بابًا واسعًا أمام مرحلة جديدة من سباق التسلح.
التنافس على استخدام الذكاء الاصطناعي في المجالات العسكرية بدأ يأخذ طابعًا استراتيجيًا بين القوى الكبرى، إذ تسعى دول مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا إلى الاستفادة القصوى من إمكانيات هذه التكنولوجيا لتعزيز قدراتها العسكرية بشكل غير مسبوق.
الصين، على سبيل المثال، تخطو خطوات كبيرة في هذا الاتجاه، حيث طورت أداة "ChatBIT" التي تستند إلى نموذج "لاما" مفتوح المصدر من شركة "ميتا"، وقد تم تكييف هذه الأداة لتقديم استشارات وتوجيهات للقيادات العسكرية الصينية، ما يجعل القرار العسكري أكثر سرعة ودقة.
ومن خلال هذه النماذج، تصبح القرارات الحربية أكثر فعالية، والاعتماد على الذكاء الاصطناعي يمنح تلك الدول قدرةً تنافسيةً أكبر تمكنها من تنفيذ عملياتها العسكرية بسرعة وكفاءة، ويضع القوى الأخرى أمام تحدٍّ صعب، يتمثل في ضرورة اللحاق بهذا السباق أو المخاطرة بفقدان الهيمنة العسكرية.
غير أن اندفاع الدول نحو الذكاء الاصطناعي العسكري يثير تساؤلات حادة حول المخاطر الأخلاقية والتحديات الأمنية التي قد تنجم عن هذا التوجه، إذ أن استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي لاتخاذ قرارات مصيرية في ميادين القتال يطرح مشكلة كبيرة، حيث تعتمد هذه الأنظمة على برمجيات قد تحتوي على ثغرات أو أخطاء برمجية قد تؤدي إلى نتائج كارثية، فهل يمكن تصور تبعات وقوع خطأ في برمجة منظومة عسكرية تعتمد على الذكاء الاصطناعي لاتخاذ قرار الهجوم؟ وماذا لو اتخذت تلك الآلات قرارًا خاطئًا بإطلاق النار على أهداف غير معادية، أو تسببت في تصعيد غير محسوب لنزاع إقليمي؟
إلى جانب ذلك، يتزايد القلق من احتمالية تعرض الأنظمة العسكرية الذكية للقرصنة أو التلاعب، ما يعني أن الاعتماد الكلي على الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري قد يصبح سلاحًا ذو حدين، فبينما يساهم في تعزيز القدرات القتالية، يفتح الباب أمام ثغرات أمنية قد تستغلها جهات معادية لشل منظومات دفاعية كاملة أو حتى توجيهها ضد مالكيها الأصليين، مما يزيد من أهمية توفير الحماية الرقمية وتطوير وسائل فعالة للتصدي لهجمات القرصنة في ساحة المعركة الرقمية.
ومع أن هذه التحديات تضع ضغطًا كبيرًا على المجتمع الدولي، إلا أن العديد من الشركات التكنولوجية الكبرى، خاصة في الولايات المتحدة، بدأت بفرض قيود على استخدام نماذجها المفتوحة المصدر لأغراض عسكرية، ولكن هذا التوجه قد يواجه صعوبات على مستوى التنفيذ، إذ أن التقنيات الحديثة باتت في متناول اليد، ويمكن للدول تكييف النماذج المتاحة لملاءمة احتياجاتها الدفاعية بسهولة، كما فعلت الصين بتطوير "ChatBIT" الذي يستند إلى تقنيات مفتوحة المصدر، وهذه الإمكانيات المفتوحة قد تجعل من الصعب مراقبة أو ضبط عمليات تطوير الذكاء الاصطناعي للاستخدامات العسكرية بشكل كامل.
ولعل السمة الأكثر إثارة للقلق هي أن هذا السباق التكنولوجي قد يؤدي إلى تصعيد النزاعات بين الدول بدلاً من حلها، فامتلاك تكنولوجيا عسكرية متطورة مثل الذكاء الاصطناعي يجعل الدول تشعر بقدرة أكبر على المجابهة والمواجهة، ما يقلل من فرص التفاوض، حيث تنمو الثقة المفرطة بقدرات التكنولوجيا المتقدمة لدرجة تدفع الدول للجوء إلى الحسم العسكري بدلاً من الدبلوماسية، ولهذا نجد أنفسنا أمام واقع جديد، حيث قد تؤدي تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي إلى تقليص المسافة بين نشوب الصراعات واندلاع الحروب.
وبالرغم من أن التوجه نحو الذكاء الاصطناعي العسكري يبدو مسارًا طبيعيًا في ظل تطور التكنولوجيا، إلا أنه يضع البشرية أمام تحديات لم يسبق لها مثيل، فالذكاء الاصطناعي لا يقتصر على الأتمتة أو تسهيل العمليات، بل يمكن أن يتحول إلى أداة تثير الذعر والقلق في كل مرة تتحول فيها هذه التكنولوجيا إلى ساحة الحرب.
كما أن السباق نحو تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي قد يتسبب في إهدار ثروات ضخمة وموارد لا حصر لها، تُوجّه نحو التسلح بدلاً من التنمية والبناء، وفي هذا السياق، نجد أنفسنا أمام معضلة تفرض على المجتمع الدولي التفكير بجدية حول ضرورة إيجاد أطر تنظيمية واتفاقيات دولية للحد من سباق التسلح في هذا المجال.
في ختام مقالي هذا، يبقى السؤال: هل نحن على أعتاب سباق تسلح جديد، تقوده القوى الكبرى نحو صراع رقمي يعتمد على الذكاء الاصطناعي؟ وهل يمكننا أن نتجنب المخاطر الناجمة عن هذا السباق؟ يبدو أن الإجابة على هذا السؤال تتطلب وعيًا جماعيًا وتعاونًا دوليًا لمواجهة التحديات، وتأسيس ضوابط تُبقي هذا التقدم التكنولوجي في نطاق الاستخدام السلمي.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: على الذکاء الاصطناعی
إقرأ أيضاً:
الذكاء الاصطناعي تكلفة عالية على البيئة
يتحول العالم بشكل سريع ومكثف إلى عصر الذكاء الاصطناعي، لكن الدراسات والأبحاث تكشف بصمته الكربونية العالية وتأثيراته البيئية الناتجة بشكل رئيسي عن استهلاك الطاقة الكبير، واستخراج الموارد، وإنتاج النفايات الإلكترونية.
ففي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي كشفت دراسة رائدة عن التأثير البيئي الهائل لأنظمة الذكاء الاصطناعي، حيث قدر الباحثون فيها أنها تؤدي إلى انبعاث أكثر من 102 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون سنويا.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2إدارة ترامب توقف برنامجا يراقب جودة الهواء عالمياlist 2 of 2كيف نعلم أننا مسؤولون عن تغير المناخ؟end of listوتضمنت الدراسة التي أجرتها جامعتا "تشجيانغ" و"نانكاي" تحليل التأثير البيئي لـ79 نظاما رئيسيا للذكاء الاصطناعي تم تطويرها بين عامي 2020 و2024، وكشفت عن اتجاهات مثيرة للقلق في استهلاك الطاقة وانبعاثات الكربون.
وأظهر التحليل أن المتطلبات التشغيلية تتجاوز بكثير انبعاثات التدريب، حيث تمثل بعض الأنظمة مثل "جيميني ألترا" (Gemini Ultra) من غوغل أكثر من ثلث الانبعاثات بين أفضل نماذج الذكاء الاصطناعي.
وأشارت الدراسة إلى أن البصمة الكربونية للذكاء الاصطناعي نمت بشكل كبير لدرجة أنها تنافس الانبعاثات السنوية لدول بأكملها، كما أن المطالب التشغيلية في الاستخدام اليومي للذكاء الاصطناعي تتجاوز بكثير انبعاثات التدريب.
يتطلب تدريب النماذج الكبيرة، مثل "جي بي تي" (GPT) أو نماذج التعلم العميق، كميات هائلة من الطاقة الكهربائية. فعلى سبيل المثال، يمكن أن ينتج تدريب نموذج كبير انبعاثات كربونية تعادل انبعاثات عشرات السيارات طوال عمرها الافتراضي.
إعلانكما تعتمد أنظمة الذكاء الاصطناعي على مراكز بيانات ضخمة تستهلك كميات كبيرة من الكهرباء للتبريد وتشغيل الخوادم، وإذا لم تكن هذه المراكز تعتمد على مصادر طاقة متجددة، فإنها تسهم بشكل كبير في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
وتشير تقديرات إلى أن مراكز البيانات على مستوى العالم تستهلك ما بين 1% و2% من إجمالي الكهرباء العالمية، ومن المتوقع أن تزيد تلك النسبة مع نمو صناعة الذكاء الاصطناعي.
فعلى سبيل المثال، يتطلب تدريب نموذج "جي بي تي-3" طاقة تقدر بحوالي 1287 ميغاواتا في الساعة، وهو ما يعادل استهلاك الطاقة لـ120 منزلا في الولايات المتحدة لمدة عام.
كما تشير التقديرات إلى أن قطاع تكنولوجيا المعلومات، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، قد يستهلك ما يتراوح بين 7% إلى 10% من الكهرباء العالمية بحلول عام 2030 إذا استمر النمو الحالي. وإذا كان مصدر تلك الطاقة من الفحم الحجري فإن التاثيرات البيئية ستكون هائلة.
التصنيع والاستهلاك
يعتمد تصنيع الأجهزة التي تدعم الذكاء الاصطناعي، مثل وحدات معالجة الرسومات "جي بي يو" وشرائح الذكاء الاصطناعي، على معادن نادرة مثل الليثيوم والكوبالت.
ويؤدي استخراج تلك المعادن المهمة في صناعة الذكاء الاصطناعي إلى تدمير البيئة، بما في ذلك إزالة الغابات لاستخراجها وتلويث التربة والمياه، كما أن عمليات التعدين واستخراج تلك الموارد تتطلب بدورها طاقة كبيرة، مما يزيد من البصمة الكربونية.
وتستخدم مراكز البيانات أيضا كميات كبيرة من الماء لأغراض التبريد، حيث يتم تبريد الخوادم لمنع ارتفاع درجة حرارتها، وتشير الدراسات إلى أن بعض مراكز البيانات الكبيرة يمكن أن تستهلك ملايين اللترات من الماء سنويا.
ومع التطور السريع لتقنيات الذكاء الاصطناعي تتقادم الأجهزة بسرعة أو يتم التخلي عنها، مما يزيد من كمية النفايات الإلكترونية التي يتم التخلص منها، وتحتوي تلك الأجهزة الإلكترونية على مواد سامة يصعب إعادة تدويرها، مما يؤدي إلى تلوث البيئة عند التخلص منها، وتزيد من نسبة الانبعاثات التي يؤدي تراكمها إلى التغير المناخي.
إعلانومع التوسع في استخدام الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات مثل النقل والصناعة والترفيه، يزداد الطلب على الطاقة، مما قد يؤدي إلى زيادة الاعتماد على الوقود الأحفوري إذا لم يتم التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة.
تأثيرات غير مباشرةتؤدي صناعة الذكاء الاصطناعي إلى تأثيرات غير مباشرة على البيئة، إذ من الممكن أن يجعل الإنتاج في جميع القطاعات أكثر كفاءة وأقل تكلفة، مما قد يؤدي إلى زيادة الاستهلاك وبالتالي زيادة الطلب على الموارد الطبيعية واستنزافها.
كما أن زيادة الاعتماد على التوصيل السريع والتجارة الإلكترونية التي ينظمها الذكاء الاصطناعي قد تؤدي إلى زيادة انبعاثات الكربون من وسائل النقل بجميع أنواعها.
من جهة أخرى، يؤثر بناء مراكز البيانات والبنية التحتية اللازمة للذكاء الاصطناعي التي قد تتطلب مساحات كبيرة من الأراضي، على النظم البيئية الطبيعية والتنوع البيولوجي، كما يؤدي استخراج الموارد لتصنيع الأجهزة إلى إزالة الغابات وتدمير الموائل الطبيعية.
وبشكل عام، قد تؤدي زيادة الاعتماد على التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي إلى نمط حياة أكثر استهلاكا للطاقة، ما يزيد من الضغط على الموارد الطبيعية.
لذلك يجب أن يكون التطوير المستقبلي للذكاء الاصطناعي مصحوبا بسياسات بيئية صارمة لضمان ألا تأتي فوائده على حساب البيئة