بسم الله الرحمن الرحيم و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.
المنطق يقول أن وقف الإحتراب و الوصول إلى إتفاق يضمن السلام يتطلب تحاور طرفي القتال ، و في حالة بلاد السودان فإن هذا يعني تفاوض الطآئفتين الباغيتين: الجيش الممثل الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين (الكيزان) و تنظيماتها و مؤسساتها ، و جماعات الرَّبَّاطَة و النَّهَابَة و تمثلها مليشيات الجَنجَوِيد العشآئرية (الدعم السريع) ، و الغرض من الحوار هو بالطبع الوصول إلى إتفاق سلام ينهي الحرب و يمنع الدمار و التدهور ، و هذا يعني بالضرورة التباحث حول لمن تؤول إليه السلطة و تشكيل الحكومة و من ثم القيام بمهام تنفيذ ما يتم توصل إليه من تفاهمات حول: تحقيق السلام و تثبيت الأمن و تحقيق العدالة و إصلاح المؤسسات الأمنية و إدارة الموارد و إعمار ما دمرته الحرب و التمهيد للإنتخابات و بقية البنود التي يتم الإتفاق عليها.
و هذا يعني أن ترك مسألة المفاوضات و الإجرآءات للطآئفتين الباغيتين سوف يعود بالأزمة السودانية إلى فترة ما بعد خلع الطاغية البشير و أيام مؤامرات و دسآئس عسكر مجلس السيادة الإنتقالي (اللجنة الأمنية العليا لنظام الجماعة الإنقاذية المتأسلمة) و سعيهم الدؤوب إلى القضآء على الثورة و تصفية الثوار و عزل/تحجيم/تغييب أصحاب المصلحة الحقيقية عن المشهد السياسي و منع حدوث التغيير ، و التي تعني أيضاً إستحواذ جماعة الكيزان و أذنابهم في مؤسسات و كتآئب الهوس الديني ، مع أو بدون مليشيات الجَنجَوِيد ، على السلطة و الحكم و العودة إلى ممارسة الفساد و الإفساد و إستغلال الموارد لخدمة المصالح الذاتية و الكفلآء الأجانب...
و واهمٌ من يظن أن الطآئفتين الباغيتين تتقاتلان من أجل مصلحة الشعوب السودانية ، أو أنهما سوف تتفاوضان بغرض تحقيق مطالب الثورة في الحرية و السلام و العدالة ، أو أنهما جادتان في تسليم السلطة إلى المدنيين حتى يديروا مؤسسات الدولة و يحدثوا التغيير ، فالجيش الذي أصبح مطية لجماعة الكيزان يقاتل من أجل إعادة الجماعة إلى دست الحكم و مفاصل الدولة حتى يضمن الحفاظ على السلطة و مؤسسات الإرهاب و الفساد التي أنشأتها الجماعة و المصالح الإقتصادية الضخمة المرتبطة بها ، و معلومٌ أن الجيش و المؤسسات الأمنية و منذ إنقلاب الثلاثين (٣٠) من يونيو ١٩٨٩ ميلادية قد أصبحوا مليشيات دينية تابعة لجماعة الأخوان المسلمين تساندهم كتآئب الهوس الديني ذات المسميات المتعددة ، أما مليشيات الجَنجَوِيد ، و هي أيضاً من إفرازات جماعة الكيزان ، فإن راعيها محمد حمدان دَقَلُو الملقب بِحِمِيدتِي و شقيقه عبدالرحيم و لما لمسا ضعف و هوان أهل السلطة و المركز و بلغ بهما حب السلطة و النفوذ مداه/أشده ظنا أنهما الأحق بحكم بلاد السودان و أن بإمكانهما الإستيلآء على السلطة بقوة السلاح حتى يحافظا على مصالح آل دقلو و كفيلهم الأجنبي الإقتصادية...
و لقد رأى السودانيون و لمسوا عقب خلع الطاغية عمر البشير كيف تبارى و تنافس وكلآء جماعة الكيزان في الجيش و جهاز الأمن و كتآئب الهوس الديني و مليشيات الجَنجَوِيد في المحاولات المستميتة لإعاقة الثورة و وأدها و تصفية الثوار عن طريق البطش و القتل في أيام الثورة الأولى ، ثم القتل الجماعي في مجازر فض كولومبيا و إعتصام القيادة العامة ، ثم سلسلة الإنقلابات العسكرية الفاشلة ، ثم عمليات شرآء ذمم السواقط الحزبية و الأرزقية و الطفيلية و الفواقد التربوية و المجتمعية ، ثم تآمر تحالف جماعة الموز و إعتصامهم و مطالبتهم بالإنقلاب العسكري على حكومة الفترة الإنتقالية و إستجابة البرهان للندآء في بيان إنقلاب الخامس و العشرين من أكتوبر ٢٠٢١ ميلادية ، ثم ما تلى ذلك من القمع الوحشي و قتل الثوار في مسيراتهم السلمية الرافضة للإنقلاب ، ثم تأزم الأمر و تصاعد الخلاف بين الإنقلابيين: البرهان و حِمِيدتِي و الذين يقفون من خلفهم من فرقآء جماعة الكيزان و تخاصمهم/تشاكسهم حول الإنفراد بالسلطة ، و الذي قادهم في نهاية الأمر إلى الإقتتال فيما بينهم و إلى إشعال الحرب...
و سوف يطول أمد الحرب و سوف تتعاظم و تتعقد إفرازاتها و مآلاتها ، و سوف تتواصل مساعي الطآئفتين الباغيتين للتمسك بالسلطة و إعاقة/إجهاض الثورة و عزل أصحاب المصلحة الحقيقية في التغيير عن السلطة و حجبهم عن إتخاذ القرارات المصيرية ، و سوف تبرز الأسئلة:
- ما هي الكيفية التي توقف بها الحرب؟...
- و كيف تُمنَع إفرازات الحرب المهددة لوجود الدولة السودانية؟...
- و كيف يكون لأصحاب المصلحة الحقيقية يد/دور في محادثات إيقاف الحرب ، و هم المدنيون الذين لا يحملون السلاح؟...
- و كيف يصبحون أصحاب قرار و فاعلون في فترة ما بعد الحرب؟...
- و ما هي قدراتهم/مقدراتهم على إقناع العسكريين و المليشيات المسلحة المختلفة بأن الخلافات يمكن حلها عن غير طريق القمع و البطش و القتل؟...
- و أن الحكم و الإشتغال بالتجارة و الإقتصاد ليس من مهام العسكر؟...
و هنالك السؤال الأكبر:
- من هم ممثلو الثوار أصحاب المصلحة الحقيقية في التغيير؟...
الإجابات على هذه الأسئلة ، خصوصاً السؤال الأخير ، متعددة و ليست بذات الوضوح و ربما لا تخلو من التعقيد ، لكن يبدو أن الرجوع إلى مربع الثورة الأول هو الإجابة الأرجح و الأقل تعقيداً ، إلا أنه يبدو أنه من العسير جمع الثوار أصحاب المصلحة الحقيقية في إزالة نظام الثلاثين (٣٠) من يونيو ١٩٨٩ ميلادية (الإنقاذ/الكيزان) على كلمة سوآء و إختيار قيادات قوية قادرة و فعالة ، فقد أنهكوا و تفرقت و تشتت بهم السبل ،كما أنه و على الرغم من أن وعآء تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) يبدو خطوة في الطريق الصحيح ، لكنه يبدو أنه ليس جامعاً بالصورة الكفاية و الدرجة المطلوبة التي ترضي طموحات شرآئح مهمة في التحالف الثوري الساعي إلى التغيير ، لكن و مما يدعو إلى التفآؤل و يعزز تطلعات و رغبات الجماهير الملحة في نجاح الثورة هو تقدم وطنيين جادين و بروز تيارات تسعى و تعمل على تجميع قوى الثورة/المعارضة في كيان متناسق بغرض الوصول إلى تفاهمات و إتفاقات حول المطالب و الأهداف الرئيسية لثورة التغيير...
أما الجانب المضيء و الأكثر إشراقاً فإنه و على الرغم من الألام و الأهوال و المآسي التي سببتها الحرب إلا أن نبض الثورة و جذوتها ما زالا قويين ، و ما زالت قوى الثورة الراغبة في الحرية و السلام و العدالة و التغيير تمتلك الإرادة و العزيمة على مواصلة مشروع ثورة ديسمبر ٢٠١٨ ميلادية ، و ما زالت جميع وسآئل العصيان المدني متاحة لها ، و يمكن تفعليها في أي وقت عقب توقف الحرب ، كما أن الثوار يعلمون ، علم اليقين ، أن قوتهم تكمن في عزيمتهم و تماسكهم و في تمسكهم بأهداف الثورة و ضرورة إحداث التغيير ، و أنهم قد خبروا قوتهم من قبل و جربوا فعاليتها مراراً ، و أنهم قادرون على تكرار التجربة ، و كذلك تقديم التضحيات الضرورية ، لكن يبدو أنهم ما زالوا في إنتظار الأشخاص الذين يمتلكون الصفات القيادية و العزيمة و المقدرات/القدرات على التنفيذ و تحقيق أهداف الثورة و في مقدمتها إزالة و تفكيك مؤسسات نظام الثلاثين (٣٠) من يونيو الفاسد ، و في إبقآء شعارات الثورة الخالدة حية:
أي كُوز... نَدُوسُوا دُوس...
حرية ، سلام و عدالة...
مدنية خيار الشعب...
العسكر للثكنات ، و الجَنجَوِيد ينحل...
و الحمد لله رب العالمين و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.
فيصل بسمة
fbasama@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: یبدو أن
إقرأ أيضاً:
الرئيس السيسي: الدولة تحتاج إلى إنفاق 50 تريليون جنيه سنويا
نصح الرئيس عبد الفتاح السيسي، طلاب الجامعات قائلا: «كل طالب يفكّر في الجامعة اللي داخلها، هل بعد التخرج ستعثر على عمل أم لا؟، وإذا كانت الإجابة بأن العمل سيكون وافر استمر، وإذا كانت لا غيّر الكلية، أو إلى جانب دراستك فيها فكر في عمل آخر إلى جانب التعليم».
وأضاف خلال حواره مع طلاب أكاديمية الشرطة، نقلته قناة «إكسترا نيوز»: «كل شيء الآن أصبح متصلًا بالرقمنة والاتصالات ومنظم المعلومات»، مؤكدًا أن المستقبل يرتبط بهذه المعلومات دون شك.
وتابع: «إذا كان التعليم الخاص بك في مصر، مستواه عالِ، سينقل الدولة حين يتخرج 10 أو 12 دفعة في السنوات المقبلة»، موضحا أن جعل كل موارد الدولة مسخرة للإنفاق على التعليم سيخلق مشكلات، مؤكدا: «باقي الناس في الـ 10 أو 15 عاما هيعملوا إيه هيعيشوا إزاي؟.. أقول لهم ماتاكلوش؟ لما تقولي أن الدولة يجب أن تصرف على التعليم فقط أقول للمواطنين ماتتعالجوش؟».
واختتم: «الدولة تحتاج لإنفاق من تريليون إلى 2 تريليون دولار سنويا، يعني 50 تريليون جنيه في العام عشان تصرف على التعليم والصحة والدفاع والداخلية والاستثمار».