الجنجويد ينحل – شعار تجاوزه الزمن.!!
تاريخ النشر: 2nd, November 2024 GMT
فشل النخبة السودانية يتجسد في امساكها بحبال الخيال، أكثر من انخراطها في العمل الواقعي المفضي لتغيير الواقع المؤلم والمستمر، لقد هتف أحد الصفويين المركزيين داخل بهو القاعة المستقبلة لرئيس الوزراء السابق بلندن، بشعار "العسكر للثكنات والجنجويد ينحل"، في دوغمائية متحجرة رافضة لحقيقة أن قوات الدعم السريع قد لعبت الدور الأول في إسقاط الطاغية، ولولاها لما استطاع هذا الرافع لعقيرته بالصياح أن ينفس ببنت شفة في وجه الطغاة السابقين، ففضل هذه القوة العسكرية الوطنية في إزاحة رأس المنظومة الاخوانية من مشهد السلطة، لا ينكره إلّا صاحب غرض، فلولا كلمة "لا" التي قالها قائد الدعم السريع في وجه السلطان الجائر ومفتي دياره، لاكتملت رغبة الطاغية في سفك دماء ثلثي الشعب المغيّب، فالذين يطالبون بحل هذه القوات من رموز تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية "تقدم"، عليهم أن يعترفوا بفضل جنود وضباط وضباط صف هذه القوات، الذين سهّلوا لهم مهمة الخروج الآمن من العاصمة الخرطوم، عندما غدر جيش الفلول بقوات الدعم السريع وهاجمها في مقارها المعلومة، إذ أنّه لا يمكن لشريف من شرفاء العمل العام، أن يعض اليد التي انقذته من براثن الموت، فحتى قادة القوات المشتركة "المرتزقة" التي خرجت عن الحياد وناصرت مليشيا الاخوان المسلمين المختطفة لقيادة الجيش السوداني، أمّنتهم هذه القوات عندما أطبق عليهم الأخشبين، هذه الحقائق يجب أن تكون ماثلة في ذهنية كل الساسة العاملين في منظمة "تقدم"، فما عاد الاستهبال القديم للدولة القديمة يجدي نفعاً في تسلق كتف الآخر للوصول لكرسي السلطة، وما تقوم به قوات الدعم السريع اليوم في ميدان الحرب شعاره استعادة الحكم المدني، فكيف لرمز مدني أن يعادي القوة الوحيدة التي تقاتل من أجل اعادته لوضعه الطبيعي؟.
لقد مضى عهد الاستغلال وجاء زمان (الاستقلال)، بفضل أداء أشاوس قوات الدعم السريع وصمودهم، في ميدان معركة الحرية والديمقراطية والعدالة، وسوف تلعب دوراً أعظماً بعد أن تضع الحرب أوزارها، ومن ظن أن هذه القوة الوطنية الثائرة ستتبخر في أثير الفضاء هكذا، عليه أن يتهيأ لصدمة كبرى قادمة، فالوطنيون الأوفياء لأوطانهم والذائدين عن حوضها يجب أن يكرموا، فهؤلاء الأشاوس الذين فدوا الوطن بدمائهم الغالية، يجب أن تنصب لهم النصب التذكارية بعد اكتمال مشروع التحرير الشامل، فما قدموه من تضحية مشهودة لا يجب أن يقابل بالنكران والرفض والاقصاء والامتهان، وفتية بهذه العزيمة وقوة الشكيمة حري بهم أن يكونوا أساس بنية الجيش الوطني الحقيقي للدولة المدنية القادمة، لا أن يقوم التقدميون بالإعلان عن رغبتهم الأكيدة في وأدهم على قارعة طرقات عاصمة الضباب، فمن لا يشكر الناس لا يشكر الله، وسوف يشهد سفر التاريخ بأن هنالك قوة بشرية صعبة المراس، طهّرت أرض السودان من دنس الفاسدين والمخربين يوما ما، فقد كتبوا تاريخهم بدمائهم الساقية لأرض الوطن العزيز بالدماء، ولن يسمحوا لكائن من كان أن يبت في أمر بالحل، فكما شقوا طريق الحرية والانعتاق بسواعدهم الخضراء، إنّهم قادرين على مجابهة التقدميين غير المعترفين بحسن صنيعهم، مثلما واجهوا جنود المرتزقة "المشتركة" حينما حلموا بمواجهتهم وتمنوا على أنفسهم الأماني، وأي مشروع سياسي يسعى للحكم بعد إنهاء الحرب، لابد وأن يمر ببوابة حرّاس الدولة والدستور – هؤلاء الأشاوس الذين لقنوا العملاء والخونة والمتآمرين أبلغ الدروس، فهذه القوة الوطنية العسكرية المسماة بقوات الدعم السريع، هي حامية حمى الشعب ومؤسسات الدولة، وسيكون اسمها "الحرس السيادي"، وهي الضامن الأوحد لاستدامة الحكم المدني الديمقراطي، وابعادها عن المشهد يعني عودة عهد الظلام والانتكاس الحضاري.
في مسيرتها الوطنية الباذخة حققت قوات الدعم السريع انجازاً وطنياً مفصلياً في عمر الدولة السودانية، ألا وهو كسر بندقية العسكر المدجنين بواسطة الأيدلوجيات الحزبية، وكنسها لأوساخ آخر أيدلوجية حزبية وافدة – تنظيم الاخوان المسلمين القادم من مصر– حزب المؤتمر الوطني المحلول، ولو كانت هناك أجهزة ومنظمات ومؤسسات جديرة بالحل، تكون جميع منظمات ومليشيات الاخوان المسلمين، الدفاع الشعبي، هيئة العمليات، منظمة الشهيد، منظمة السلامة، الهيئة الخيرية، الشرطة الشعبية، الأمن الشعبي، وغيرها من المنظمات الاخوانية الموازية لمؤسسات الدولة، والتي أوردت البلاد موارد الهلاك، هذا هو الحل الذي كان من واجب ذلك "التقدمي" أن يهتف بحله، وليس حل القوة العسكرية الوحيدة في الساحة، المعلنة عن برنامجها الواضح الصريح الهادف إلى تمكين الحكم المدني، فهب أن حلم هذا التقدمي الحقود قد تحقق، كيف يتسنى له تحقيق شعار المدنية التي هي خيار الشعب؟، في ظل وجود المنظمات الاخوانية آنفة الذكر؟، ألم يقرأ هذا الرجل الغريب مستجدات ساحة الحرب في مدينة بحري؟، ألم يعلم بأول نموذج لدولة ما بعد حل (الجنجويد)؟، تلك الدولة التي أعدمت أكثر من مائة مدني رمياً بالرصاص، في ميادين الخرطوم بحري؟، على رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك أن لا يسمح لهؤلاء التقدميين الذين لا ينظرون ابعد من أرانب أنوفهم، لأن يكونوا قابعين داخل سفينته المبحرة والماخرة لعباب البحر، من أجل الرسو في موانئ الدولة المدنية المنشودة، فمثل هؤلاء يخصمون من أرصدة دعاة المدنية، لأن بفعلهم هذا يكسرون أكبر عمود ترتكز عليه الدولة المدنية المنشودة، أجلسوهم على مقاعد المتفرجين تفلحوا.
إسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: قوات الدعم السریع یجب أن
إقرأ أيضاً:
الترامبية الجديدة : امبريالية بلا تكاليف ..!!
بقلم: د. مظهر محمد صالح ..
تجدد السياسة الخارجة الامريكية نفسها والمسماة ( العصا والجزرة ) ولكن في عالم اتعبته حرب اوكرانيا وحروب الشرق الاوسط وهي حروب القرن الحادي والعشرين باسلحة القرن العشرين ، ما يسهل استخدام فلسفة العصا والجزرة في صفقة واحدة كي تحصد الولايات المتحدة الامريكية في المذهب الترامبي الجديد مزايا السيطرة الممتدة على اوروبا التي تحارب بالانابة في اوكرانيا ، واخماد روسيا ومصالحها في اوروبا والشرق الأوسط باقل التكاليف.
انها استخدام عملي لمصطلحي التهديد بالقوة او الحرب الصلبة (الحرب الفعلية) من جهة و (الحرب الناعمة) باغراءات السلام المتغطرس مرة واحدة حول مناطق القوة والنزاعات في العالم) من جهة اخرى ، لكي تحصد الترامبية الجديدة وباذرع سهلة حصاد منافعها من حول العالم .. او عّدها إمبريالية الراكب المجاني بلا تكاليف ، تقوم على صراعات مناطق أنهكتها الحروب (اوروبا وأكرانيا) و(الشرق الأوسط ومشكلاته) من لبنان ، ليبيا ، اليمن ، السودان وسوريا وايران المحاصرة والتي تحارب بالانابة ذلك الكيان الاسرائيلي (قاعدة الامبريالية المتقدمة ) .
ويظل العراق ماسكاً خيوط عقلانية سياسته الخارجية بين الحليف والجار ليحسم امره في لعبة القوة الناعمة الامريكية حتى اللحظة .
اذ يتناول المفكر السياسي الكبير ابراهيم العبادي في مقال مهم له نشرته الصحافة البغدادية على نطاق واسع بعنوان : الترامبية والعراق .. السلام بالارغام
قائلاً ((لافرق بين حليف ولا صديق !!!.قائمة اهدافه الثانية ستشمل العراق حتما ،فالعراق ليس من اهداف الدرجة الاولى ،لكن قضاياه جزء من خطة ادارة ترامب في فرض (السلام والاستقرار بالقوة !! )،والسياسة ازاء العراق مرتبطة الى حد كبير بالموقف من ايران ونفوذها ودورها الاقليمي ،والامر التنفيذي الذي وقعه ترامب باعادة سياسة الضغط الاقصى على ايران، يتضمن مراقبة ومنع استفادة ايران من النظام المالي العراقي ، ومنع ايران من تحريك (أذرعها )ووكلائها كما يردد دائما من خلال تقليص قدراتها المالية الى الحد الادنى (جعل ايران مفلسة) وتشديد العقوبات على من يساعدها في الالتفاف على العقوبات المفروضة على قطاعها النفطي)). ويواصل العبادي قائلاً:
((ان اول نتائج التشدد الترامبي سيكون الغاء الاستثناء الممنوح للعراق لاستيراد الغاز والكهرباء من ايران بما يعرض العراقيين الى ازمة طاقة ستتدحرج الى ازمات اخطر كما تعودنا ،وثاني خطوات التشدد ، ستكون الرقابة المشددة على (الدولار )العراقي لكي لايذهب شرقا او جنوبا، تحت مسمى تغطية مستوردات (مبالغ فيها طبعا ) ،وثالث الخطوات سيكون اسكات الاصوات الفصائلية المسلحة، وفرض احتكار الدولة للسلاح وتوحيد الخطاب السياسي العراقي الخارجي ،ورابع الخطوات سيكون اعادة هندسة العملية السياسية في العراق ، سيما والانتخابات القادمة على الابواب ،هذه الهندسة ستتم عن طريق الضغوط والاشتراطات المالية والاقتصادية واستثمار المزاج الشعبي ،واي اضطرابات في المنظومة الاقتصادية العراقية سيكون لها انعكاسات امنية وسياسية ، لذا فالتعامل مع الادارة الامريكية الترامبية يحتاج الى قاعدتين ذهبيتين ،الاولى فهم سيكولوجية ترامب وحكومته وادارة التعامل معه برؤية مدروسة يضعها الخبراء ليتفادى العراق الاسوأ، ولا يضعها سياسيون واعلاميون يرتجلون المواقف ارتجالا بلا تقدير للمصالح ولا فهم للحكم الشرعي (دفع الافسد بالفاسد) وهي الحكمة العملية التي افتقدناها كثيرا ، اما الثانية فهي تحديد الامكانات والممكنات والبدائل بما يوفر على العراق الانسياق مع من يريد له ان يكون كبش فداء في مشروع التضحيات المفتوح ، التضحية الاعظم ستكون حماية امن العراق وسلمه الاهلي واقتصاده ورفاه شعبه ،فمنطقتنا شهدت طوال مائة عام من السياسات ،نماذج من الفهلوة السياسية ،انتهت الى لاشيء ،سوى التطرف الديني والسياسي والاحلام الكابوسية وخراب العمران .ولايحتاج العراق الى مزيد من هذه الفهلوات )).
وبحسب رؤيتنا فأن السياسة الترامبية الجديدة، هي حرب جيو اقتصادية او تمدد امبريالي بلا تكاليف من خلال تشديد آليات الحماية وفرض التعريفات الجمركية في التعاطي التجاري مع العالم وكسر شوكة التجارة الحرة، اذ مازالت الولايات المتحدة الأمريكية تمثل بنفوذها الاقتصادي اكبر قوة اقتصادية في العالم فهي باتت تعمل باتجاهين ، الاول :استمرار هيمنتها على النظام النقدي الدولي ولاسيما في تسيير نظام المدفوعات والتسويات التجارية الدولية، اذ مازال الدولار الامريكي يحتل موقع العملة الاولى في العالم في تلك التسويات التجارية والاحتياطية.
والثاني: بسبب تلك الهيمنة تعد اميركا التاجر الرئيسِ في العالم ، وان دخولها في نظام الحماية التجارية بشكل مفرط مع شركائها التجاريين ، جاء لخنق القوة التنافسية الاجنبية ازاء المنتج الامريكي وتحقيق هيمنة تجارية على العالم ولاسيما مع الصين والاتحاد الاوروبي ودولتي اتفاقية التجارة الحرة مع اميركا (نافتا) وهما كندا والمكسيك.
انه انقلاب في النظام الاقتصادي الدولي بغية ولادة تفوق للدولة القومية الامريكية على نظام العولمة وتفرد احادي قومي خطير من خلال فرض الاجراءات والتعريفات الجمركية ، ما يجعل المنتج الامريكي اقل كلفة ويشجع على النمو الاقتصادي الداخلي للولايات المتحدة الأمريكية ضمن اتجاهين ، الاول ، الاكتفاء بالمنتج الامريكي للسلع البديلة المكلفة على الميزان التجاري الامريكي والتي ستجعل من تشجيع انتاجها والطلب عليها أمريكياً من المزايا النسبية في الاسعار وبتكاليف اقل مقابل السلع المستوردة.
والثاني ، استمرار الهيمنة بنظام المدفوعات النقدية على العالم.
وهما فكان متكاملان ياكلان من حافات الاقتصاد العالمي لمصلحة اقتصاد الولايات المتحدة .وهي سياسة عميقة تحقق الازدهار الاقتصادي الامريكي وفرض نمط جديد من القوة والهيمنة الامبريالية يقوم على قلب معادلات العولمة لمصلحة الدولة القومية الامريكية والغاء بدعة تحرير التجارة العالمية، واعادة تفردها بالعالم بعد خروج اوروبا وروسيا كمنطقتين مهمتين انهكتهما الحرب والحفاظ على الصين كمنطقة خصم في تدوير زوايا الحياد في الخطاب السياسي والاقتصادي الصيني وايران محاصرة الى حين نزع سلاحها النووي.
واخيراً ، انها امبريالية مجانية الركوب وبلا تكاليف ، تقوم على نهايات نزاعات العالم لكي تعيد اميركا بناء قوتها الامبريالية العسكرية الذكية مجدداً وعلى عوالم انهكتها الحروب الفعلية او الحروب الخرساء ، و تدهور مناطق القوة في عالم ملتهب في تجربة حروب القرن الحادي والعشرين ، اذ تحاربت جميعها بأسلحة القرن العشرين التقليدية ، والتخلص منها قبل الدخول في حروب الذكاء الاصطناعي ،
وتبدل استراتيجيات المجمع العسكري-الصناعي الامريكي كأحد أقوى اللوبيات في الولايات المتحدة، الذي يربط بين الجيش و الصناعات الحربية وصناع القرار ، ودوره في تعزيز القوة العسكرية الأمريكية، وتأثيره على السياسة الخارجية للولايات المتحدة وتشجيع النزاعات المسلحة وضبط وتحريك بؤر التوتر للحفاظ على تدفق الأموال إلى قطاع الدفاع والاستعداد لعالم قادم .. عالم ما بعد
الامبريالية القومية الاميركية ولكن بأسلحة القرن الحادي والعشرين الرقمية والتلويح بها .
ختاماً ، انه عصر الامبريالية القومية الجديد ، عالم امبريالي احادي الاقطاب يضبط مناسيب الحرب الكونية عن بعد ويتعايش على مساحات تراجعها او تمددها بلا تكاليف مباشرة ، يتطلبها ولوج الحرب بنفسه لتكون اميركا اليوم (الراكب المجاني Free rider) في الهيمنة على العالم في آنٍ واحد.. وبلا تكاليف.