مُذَكِّرَات مُغتَرِب في دُوَلِ الخَلِيجِ العَرَبي (٤٣)
تاريخ النشر: 2nd, November 2024 GMT
غادرتُ الرِّياض إلى المنطقة الشرقية التي قضيتُ فيها جُلَّ سنين اغترابي قبل ذهابي إلى الكويت ومكثتُ في مُدُنِها الثلاثِ الكُبرى الدَّمام والخُبر والجُبيل ما طابَ لي المُكوثُ وهيأتْ لي الأقدارُ . وهآنذا أعودُ إليها وأبدأُ بالإقامةِ في الدمام . استقبلني أبناءُ قريتي هناك وهيأوا لي سكناً ضمنَ شقتهم في حي " الخليج " .
سارتْ الأمورُ سيراً طبيعياً خلال الشهر الأول من عملي لدى المركز ، ثم ظهرتْ لي فرصةٌ أُخرى أفضلَ مِمَّا كنتُ فيه . استَدعَتني شركةُ الخليج للتَّدريب والتَّعليم لإجراءِ مُعاينةٍ بِكُليّة الجبيل الصناعية وكانتْ الشركة تعملُ على توفيرِ مُعلمي لغة إنجليزية مِن حَمَلةِ الماجستير لتدريسِ طُلاب السنة الإعدادية/ تمهيدي PYP . وقد كنتُ واحداً من خمسٍ وعشرين مُعلِّماً للغة الانجليزية تَمَّ اختيارُهم للعملِ بالكُلية . كانَ العقدُ مع شركة الخليج لمدة عامٍ واحدٍ ويتضمنُ راتباً إجمالياً جيّداً package يشملُ البدلات المعروفة من سكنٍ وتأمينٍ صحي وتذاكرَ سفرٍ . قمتُ بتوقيعِ العَقد وقامتْ شركةُ الخليج بنقلِ كفالتي إليها بعد عِدة أشهر بعد انتهاء إقامتي بيومٍ واحدٍ وكان الكفيلُ قد رفضَ الموافقةَ عندما طلبتْ منه الشركة ذلك في بدايةِ الأمر .
بيئةٌ جديدةٌ مثيرة ، صالاتُها كثيرة ، فصولُها مُهيَّأةٌ جديرة ، أعدادُها غفيرة،أساتذةٌ وطلابٌ وعُمَّال . تلك هي كُليّة الجُبيل الصَّناعية وذلِكُم هو المُوجزُ أما التَّفاصيلُ فلا يُمكنُ حصرُها في مقالْ لكنَّ بعضَها يُقالْ . الأساتذةُ هيئةُ أممٍ إلا قليلا ، بعضُهم أفارقةٌ صِرْف ،
بعضُهم أفارقةٌ عَرب من السودان ومصر وآخرون عرب آسيويون من الأردن وفلسطين والسعودية ، اما غيرُ هؤلاءِ فهم شِرذمةٌ قليلون بريطانيون في الغالبِ الأعَّم ومنهم مسلمون يتَحدَثون العربيةَ بلُكْنةٍ مُحَبَّبة.
كُلُّ هؤلاءِ يَنضَوونَ تحت لواءِ " معهد اللغة الانجليزية " ELI التابع لكلية الجبيل الصناعية JIC . يقومون بتدريس اللغة الانجليزية كلغةٍ ثانية/ أجنبية ESL / EFL لطلابِ السَّنةِ الأولى التَّحضِيرية PYP الذين تَتِمُّ تَهيِئتُهم ليَندَرِجوا في التَّخصَّص كلٌّ حسب رغبتِه بعد النجاحِ في اللُّغة . عددُ الطلابِ في التَّحضيرية يفوقُ الألف . وهم مِن قبائلَ شتَّى مِن
أركانِ المملكة الأربعة . وهم داخلُ أسوارِ الكلية في نَعمةٍ فَكِهون في داخلياتٍ مسكَنُهُم ومأكلُهم في مطاعمَ تُوفُّر لهم ما لذَّ وطابْ وبِسِعرٍ مستطابْ لا يَحلُم به العابِرونَ بِسياراتهِم على الطريقِ السريع بين الجبيل البلد والجبيل الصناعية ،والكُليَّةُ على يمينِهم أو يسارِهم .
يقعُ معهدُ اللغة الانجليزية في مَبنَيَين : مبنى قديم بِطابقٍ واحدٍ فوقَ الأرضي ومبنى جديد بأربعةِ طوابِق وهو الذي يَحتضِنُ مكاتبَ الإدارةِ ومعظمَ الفصولِ الدِّراسية . الفصولُ واسعةٌ وتَفتحَ يمنةً ويسرةً على رَدهَةٍ طويلةٍ تبدأُ بالمَصاعِد الكهربائية في الطوابقِ العليا . هذا مِن الناحيةِ الشَّرقية ، وتجدُ نفسَ التَّشكيلةِ وبِنفسِ الأوصافِ في الناحيةِ الغربية ، وكًلها مُهيَّأةٌ - أي الفصول - بالوسائلِ والمُعيناتِ السَّمعيةِ والبَصَرية . تتخللُ اصطفافَ الفصولِ هذا مكاتبُ المُشرِفين على المَناهِج المُختَلفة التي تَشملُ مهاراتِ اللُّغةِ الأربَع : الاستِماع والتَّحدُّث والقِراءة والكِتابة . وهناك أيضاً بعضُ الكافتيريات المُوزَّعةِ على الطوابق .
أما المَبنى القديم فَيَضُمُّ كلَّ مكاتب مُدرسي اللغة الانجليزية بالإضافةِ إلى المُدير المَسئولِ عن الدَّوراتِ التَّدرِيبيةِ الخاصَّة بالشَّرِكات .
محمد عمر الشريف عبد الوهاب
m.omeralshrif114@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: اللغة الانجلیزیة
إقرأ أيضاً:
اسم (بلة) الشائع في وسط السودان وكيف يكتب؟
سألت الأخ الدكتور علي عبد الله الحسين من جامعة القرآن الكريم عن اسم (بلة) الشائع في وسط السودان وكيف يكتب؟ بالهاء مثل سيبويه وابن سيده أم بالهاء المؤنثة، فأجاب مشكورا بهذا الرد الضافي:
رحلة مع بلة السودانية
سألني بعض الأساتذة الأفاضل سؤالا علميا عن رسم آخر حرف في كلمة (بلة)، هل ترسم بالهاء أم بالتاء؟ ومن هنا بدأت الرحلة فاستعنت بسؤال بعض الزملاء عن أصل الكلمة واشتقاقها، فجاءتني إجابات متعددة منها: أنها قد تكون وفدت إلينا في السودان من كلمة (بلو) وهي من لهجة الهوسا أو الفولان في نيجريا، وأفادني البعض بأنها تعني عندهم (المعين)، وإن ( بلو) هو اسم الابن الأكبر لعثمان بن محمد فُودي الملقب بالفقيه أمير المؤمنين، شيخ الإسلام، المجاهد الذي تصدى لمشكلات بلاد الهوسا نصرة للإسلام.
المهم شعرت بالحاجة إلى معرفة أصل الكلمة، وهل لها صلة بنيجريا حقيقة، أم أنها من تراثنا السوداني ذي الجذور العربية والإسلامية. وبدات أتصفح بعض المواقع من خلال شبكة الانترنت، فوجدت أن لها ذكرا في التراث السوداني، وأن لها أصلا في اللغة العربية كما أن لها امتدادا في التاريخ الإسلامي.
بعض الاستعمالات السائدة في اللسان السوداني يستشهدون فيها بموقف لـ (بلة) صارت مضرب مثل، فيقولون: (يحلك الحلا بلة)، أو (يحلك الحلا بلة من القيد والمذلة).
وتنتشر تأويلات السودانيين وتفسيراتهم لـ(بلة) هذا، ويحكون عنه حكاوي لطيفة عن حله من القيد والمذلة. والكثيرون يتساءلون: من بلة هذا؟ ومن هو الذي حل بلة؟ وما هي المذلة التي ذل فيها بلة ثم انحل؟
وواحدة من حكاوي السودانيين نذكرها لطرافتها دون أن نقلل من قيمة غيرها من الحكاوي المنسوجة حول بلة، يقال إن بلة هذا عاش في عهد الخليفه عبدالله التعايشي، وكان رجلا معلوم السيرة معروفا بمقدرته على الكلام الجميل، ومعروفا لدى الخليفة، ولمكانته هذه طلب منه بعضهم أن يكلم الخليفة ليطلق سراح أحد المسجونين الكرام والمقربين من المهدي، فذهب بلة للخليفة في بيته فألفاه مستلقيا على (عنقريب) يلتف حوله حُماتُه وبعض المقربين، وكلهم جلوس على الأرض. يبدأ المشهد بدخول بلة على الخليفة، وهو يلقي عليه التحية ثم مباشرة يفاتحه في الموضوع.
وفجأة تغير وجه الخليفة وانتفض من رقدته وظهر الغضب على وجهه وخاطب من حوله في استنكار ورفض لما قاله بلة: “بلة قال شنو؟” وهي إشارة إلى أن بلة أدخل نفسه فيما لا تحمد عقباه، ولم يستطع أي من الحاضرين أن ينطق بكلمة لمهابة الخليفة وحساسية الموقف، ومرت لحظات والجميع واجم صامت إلا من نظرات حذرة وعيون شاخصة، وما قطع الوجوم والصمت إلا سؤال آخر من الخليفة توجه به إلى بلة ذاته: “قلت شنو يا بله؟” وأظهر بلة ثباتا وثقة تخفي ما بداخله من خوف العاقبة، ثم أجاب الخليفة قائلا: يا سيدي الخليفة، جيت أقول ليك أُمي بتسلم عليك. فانفجر الخليفة ضاحكا، وانحل بلة من موقف كاد يودي بحياته وأصبح موقفه هذا مثلا يقال لكل من قابلته مصيبة عويصة لا يعرف كيف يخرج منها.
والتراث السوداني مكتنز بأخوات بلة، وأخواتها أسماء لها اصولها في اللغة، فهم يسمون (البلولة)، وهي في اللغة من الثياب المبتلة، ويسمون: (بليل)، وهي في اللغة من البَلِيل مِنَ الرِّيَاحِ، وهي الرياح البَارِدَةُ مَعَ نَدىً، ويسمون الرجل (بَلَّال)، بفتح الباء وتشديد اللام، وإذا أنثت (بَلَّال) سميت به الأنثى فيقولون (بَلَّالة)، وأصولها من البَلَّة، ومن معانيها الغنى بعد الفقر، أو الرياح المبتلة، وكذلك من معانيها الخير، والعافية.
وبعض السودانيين يؤكد على أن اسمه (بَلَّال) بالتشديد.
وإن كانت للأسماء خصوصية فيمكن أن يقال إن التسمية بـ (بلة) من مفردات السودانيين، وكثير من الأسماء السودانية ينفردون بها فلا تراها إلا عندهم، وتقل عند غيرهم إن لم نقل تنعدم.
في عهد الرسالة روي إن العباس رضي الله عنه وهو صاحب السقاية في الحرم المكي الشريف كان يقول عن ماء زمزم: “لا أحلها لمغتسل وهي لشارب حلّ وبل” أي: لا أحل ماء زمزم لمغتسل أن يغتسل به، فهو لمن يريد أن يشربه (حل وبِل)، ومعنى: (حل)، أي حلال، وأما (بل) التي هي محل الشاهد فهي تروى بكسر الباء كما تروى بفتحها، ومعناها أنها بللٌ لحرارة القلب أو حرارة الجسد من العطش، وقيل إن معناها في لغة حمير: مباح، وقيل: معناها شفاء من المرض.
وما رويته عن العباس رضي الله عنه روي كذلك عن ابنه عبدالله وروي عن عبد المطلب بن هاشم جد الرسول صلى الله عليه وسلم وهو المسمى بشيبة الحمد.
وتستبحر المصادر اللغوية في كلمة (بلة) فهي في اللغة من البل، يقال: بِلَّةُ و بَلَلُ وبِلالُ وبُلالَةُ: النُّدْوَةُ. ومنها يظهر معنى التسمية ببلال، فبِلال: الماء، وكلُّ ما يُبَلُّ به الحَلْقُ. ومن معاني بِلَّةُ: الخَيْرُ والرِزْقُ. والبلل: العافية.
وعلى هذا فالاستعمال السوداني له أصل وجذر في اللغة العربية مثله ومثل كثير من ألفاظ السودانيين التي أُخذت من العربية الفصيحة ثم سُودنت لتصبح صناعة سودانية مائة المائة لونا وطعما ورائحة.
ورد في منشور صفحة جمعية التراث والثقافة السودانية محاولة لتأصيل (البلال)، حيث جاء في الصفحة أن البلال اسم من أسماء (الخيش)، والخيش كما هو معروف في الزمان السابق أنه مصنوع من نبات القِنَّب، ومع تطور الحياة صار يصنع من المواد البلاستيكية، لعمل الأكياس والجوالات الكبيرة، وما جاء في الصفحة بنصه: “أصل التعبير مستوحي من الخيش المبلول والمستخدم لتليين السعف ليسهل ضفره، وهو الـمَعِين المعيشي الأول في الزمن البعيد القريب لسيدةٍ ترملت أو فقدت عائل أسرتها لأي سبب فكانت تقوم بضفر السَعَف، علي مختلف منتجاته وتسويقه, ومن هنا أتي اسم البلال: أي الخيش الذي يساعد في بل السعف ويوازيه (المترار) وهو آلة غزل القطن يدويا. وكثيرا ما ترد إحدي النساء علي أخرى أرادت ألاّ تخضع لإرادة أحد وشقت طريقها بنفسها، وهي خالية اليدين. فتردعها قائلة: مقوية راسك في شنو ..بلالك ولا مترارك ..أي إنك معتمدة علي الآخرين أو الهبات في إعاشتك.
والتغني للبلال أي الولد الذي كبر وشد أزره، وقام مقام بلال والدته في إعالة أسرته، وبدأت بعده الإحساس بالراحة وإناخة ناقة الهم في إعاشة الأسرة، فهو هنا عمادها وسندها، أو تغنيه الحبيبة بذات المعنى، إذ أنه سيوفر لها مملكتها الخاصة وكينونة تزيدها عزة علي جمالها:
بلال انا وين انا يا بلالة
وهو البفك شبكي وحلالا
بلالي اسمعني ان صحت وندهت
وهو البشيلني كان في الهم حتلت
الليلة وين مقنع كاشفتي
امانة في وانا ما هملت”.
انتهى من صفحة الجمعية.
وتتناثر كلمة (بَلَّال) في العديد من ألحان الطرب التراثية السودانية سواء كانت باللغة العربية الفصحى أو العامية السودانية، واستعمالها في الطرب السوداني له عدة دلالات، فيستعمل خطابا للمحبوبة، ويستعمل للدلالة على الكرم والشجاعة، ويستعمل لغير ذلك من المعاني الكثيرة.
ومن ذلك مثلا ما في أغنية عائشة الفلاتية:(يا بلال تزورنى مرة يا حنان تزورني مرة) وهو خطاب للمحبوب.
ومما ورد في المدح ما يتغنى به العديد من المطربين:
البلال بلال يا بلالي انا
دخري الحوبه سار يا بلالي انا
يا تمساح راس بروس يا بلالي انا
ما بيمرق يكوس يا بلالي انا
ما قايم بروس يا بلالي انا
ما بياكل المكوس…
عثمان أبوزيد
إنضم لقناة النيلين على واتساب