رغم أهوال الحرب ..حدثان إيجابيان والدفعات الشهرية الثلاث للمودعين قد تتكرر
تاريخ النشر: 2nd, November 2024 GMT
اخترقت الحربَ العبثيّة وويلاتِها، مشهديةٌ دوليّةٌ حاضنة للبنان، من البوابة الباريسيّة، ليس بخلاصتها الماديّة التي فاقت التوقّعات فحسب، بل برسالتها السياسية، من خلال حضور عالمي موسّع، ومواقف دوليّة داعمة لاستقار لبنان وقوّة جيشه ومؤسساته. قبل الحدث الباريسي بشقّيه المالي والسياسي، سجّل الداخل اللبناني النقدي مؤشّرًا إيجابيّا بضخٍّ للدولار في السوق، من خلال تعديل مصرف لبنان للتعميمين 166 و147 ، وما سبقه من ثلاث دفعات شهرية في مطلع تشرين الأول، استثنائياً ولمرة واحدة، للمستفيدين من التعميمين الأساسيين 158 و166.
في المنحى السياسي تكمن أهميّة مؤتمر باريس في حجم الحضور الدولي،من خلال مشاركة سبعين دولة، فضلًا عن منظّمات دوليّة، أكّدوا على مطلب الحكومة اللبنانية تطبيق القرار 1701، بما يمثّل دعمًا سياسيًّا للبنان حكومة وشعبًا، يقول الخبير الاقتصادي وعضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الدكتور أنيس بو دياب في اتصال مع "لبنان 24" لافتًا إلى أنّ المؤتمرات السابقة كانت تشدّد على محورية هذا القرار، منها مؤتمر "سيدر" الذي منح لبنان 11.2 مليار دولار بشرط الإلتزام بالإصلاحات وأيضًا بالتطبيق الفعلي للقرار 1701.
دعم باريس يغطي أكلاف 3 أشهر للنزوح
من الناحية الإقتصاديّة، لفت بو دياب إلى أنّ نتائج مؤتمر باريس فاقت التوقّعات التي كانت تتراوح بين 400 و500 مليون دولار. "في المعطى المالي يغطّي مؤتمر باريس كلفة إيواء النازحين لمدّة ثلاثة أشهر، وفق الورقة التي قدّمها وزير البيئة ناصر ياسين، والتي تشير إلى الحاجة لمبلغ 250 مليون دولار شهريًّا لسدّ حاجات النازحين. بالتوازي مع دعم مؤتمر باريس، هناك المساعدات العينيّة من قبل الدول العربية عبر البحر والجو، الأمر الذي من شأنه أن يخفّف من ثقل الأعباء عن كاهل الموازنة، وهذا هو العامل الإيجابي الوحيد الذي يسجّل بظل الحرب والتصعيد العسكري، ولكن بالمقابل هناك نزوح مليوني يتوسّع، ومن شأنه أن يمتصّ حجم هذه الموارد ويتخطّاها".
أموال المؤتمر إلى مصرف لبنان
مليار مؤتمر باريس، ليس مبلغًا نقديًّا بالكامل، يشرح بو دياب "بل يتراوح بين مساعدات عينيّة، وأخرى نقدية ستدخل حتمًا إلى مصرف لبنان. اقترحنا في المجلس الاقتصادي والاجتماعي على رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أن يتمّ تخصيص جزء من المساعدات لدعم الصناعات الوطنيّة لاسيّما الغذائيّة والدوائيّة، والتي تعمل بطاقات قصوى لتلبية الحاجات، وبذلك تساهم الأموال في الدورة الاقتصادية. كما اقتراحنا إيجاد فرص عمل تضامنيّة للنازحين وإشراكهم في الدورة الإنتاجيّة في مناطق النزوح، لخلق موارد ماليّة لهم والتخفيف من تكاليف الإنتاج، كالعمل في قطف موسم الزيتون وفي المصانع الغذائيّة".
أضاف بو دياب أنّ اللجنة الوزارية تعمل بالأطر المؤسساتيّة مع المحافظين ورؤساء البلديات والقائمقامين، ما يعني أنّ عملية تدوير الدورة الاقتصادية في الأموال النقدية ستساهم بطبيعة الحال في تعزيز الاقتصاد"من هنا وخلافًا للتوقعات لن يتهاوى حجم الناتج المحلي بشكل كبير، وذلك بفضل تدفّق المساعدات وتحويلات المغتربين التي تتصاعد في الأزمات".
مفاعيل تعديل المركزي: ضخ 200 مليون دولار في شهر تشرين
فاقمت الحرب حاجة المودعين للحصول على جزء من ودائعهم المحتجزة في المصارف منذ تشرين 2019، فعمل مصرف لبنان على تعديل التعاميم وتوسيع دائرة المستفيدين منها. رغم أنّ خطوة المركزي لا زالت دون حجم التحدّيات التي فرضتها ظروف الحرب، لكنّها تساهم في ضخ دولارات في السوق. الأمين العام لجمعية المصارف الدكتور فادي خلف وصف الخطوة في افتتاحية التقرير الشهري للجمعية، بأنّها "ليست مجرّد إجراء تقني بل هي تغيير جذري في السياسة النقديّة، وتعكس إدراكًا بأنّ ضخّ الدولار عبر المودعين يسهم في إعادة الأموال إلى أصحابها بدلًا من أن تُستنزف بالتدخل المباشر في سوق القطع، أو تُبدّد بسياسات دعم لم يرَ منها المواطن إلّا القليل القليل". هل سيكرر مصرف لبنان مضاعفة المبلغ الشهري المتاح بالسحوبات المصرفيّة ثلاث مرّات؟ وهل خطوة المركزي ستقود في المستقبل إلى تحرير جزء أكبر من الودائع؟
"لطالما كنّا نشدّد على وجوب أن يُوجّه الدعم للأفراد، وليس للسلع وما ينتج عنه من احتكار وتهريب، ولكن ما فعله المركزي لا يعتبر تغييرًا في السياسة النقديّة، فهو أعطى المودع من ماله، ولم تشمل الخطوة سوى المودعين. في النتائج الإيجابية للتعديل، ساهم في استقرار سعر صرف الدولار، لأنّه ضخّ في السوق مبلغًا يوازي 200 مليون دولار من جرّاء الدفعات الثلاث مرّة واحدة، إضافةً إلى مبلغ 140 مليون دولار المتأتّي من رواتب وأجور القطاع العام بالدولار" يقول بو دياب لافتًا إلى دعوات للحاكم أن يكرر مضاعفة السحوبات في تشرين الثاني، وهناك احتمال أن يستجيب لذلك، لكنّه استبعد أن يلجأ مصرف لبنان إلى زيادة السحوبات من الودائع "في ظلّ الظروف السائدة، هناك استحالة أن يتمكّن المركزي من زيادة احتياطاته. كان هناك إمكانية لتحقيق إيرادادت للدولة بـ 300 مليون دولار، لكنّها تراجعت بشكل دراماتيكي بما يتجاوز نسبة 50%، كما تمّ إرجاء الضرائب على القيمة المضافة، فضلًا عن تمديد المهل من قبل وزارة المال، كل ذلك يؤدي إلى تراجع في الإيرادات، مقابل استمرار الإنفاق على الرواتب والأجور وأكلاف النزوح الكبيرة، كارتفاع إنفاق وزارة الصحة لتغطية معالجة الإصابات الناجمة عن العدوان. كما أنّ المساعدات الدوليّة الحاليّة على أهميتها تبقى خجولة مقارنة بالحاجات، وبمثيلاتها خلال عدوان تموز عام 2006. في حينه وبعد يومين على عدوان تموز وضعت السعودية مليار دولار وديعة في المركزي ووضعت الكويت نصف ملياردولار، وكان القطاع المصرفي متين، على عكس حالنا اليوم، وما نعانيه من تعطّل الاقتصاد بنسبة 50%، يضاف إلى مسار تصاعدي للتضخّم، من المتوقّع أن يلامس الـ 60% حتّى نهاية العام".
خسائر صادمة للحرب المستعرة في الجغرافيا اللبنانية، تفوق قدرة البلد على تحمّلها، والمفارقة أنّ لبنان الرسمي سيدفع أكلاف حرب لم يقررها. بالمقابل هناك رهان على مقاومة اقتصادية تُبقي الدولار على ثباته، وإلّا سنكون أمام انهيار جديد نحو القعر الأعمق.
المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: مؤتمر باریس ملیون دولار مصرف لبنان من خلال مبلغ ا
إقرأ أيضاً:
«المركزي اللبناني» يتعهد بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب
بيروت (الاتحاد)
أخبار ذات صلةقال حاكم مصرف لبنان المركزي المعين حديثاً، كريم سعيد، أمس، إن على المصرف التركيز على مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في وقت يبدأ فيه مهمته لإنقاذ القطاع المصرفي الهش وإزالة اسم لبنان من «القائمة الرمادية» لمجموعة العمل المالي «فاتف».
وأدرجت مجموعة العمل المالي العام الماضي لبنان على قائمة الدول التي تتطلب تدقيقاً خاصاً، في خطوة أثارت قلقاً من أنها قد تثبط الاستثمار الأجنبي الذي يحتاجه لبنان للتعافي من أزمة مالية عصفت به في 2019 ولا تزال آثارها ملموسة حتى الآن.
وذكر سعيد، الذي عين الأسبوع الماضي، أولوياته الرئيسية خلال تسلمه منصبه رسمياً من القائم بأعمال حاكم المصرف المركزي المنتهية ولايته. وأضاف: «سيعمل مصرف لبنان للقضاء على الاقتصاد غير الشرعي عبر مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب».
وأوضح أن المصرف سيعمل على تحديد من لهم نفوذ سياسي ومالي وأقاربهم ومن يرتبط بهم.
ويخلف سعيد الحاكم المؤقت، وسيم منصوري، الذي أشرف على البنك منذ انتهاء ولاية، رياض سلامة، في 2023، نتيجة للانهيار المالي واتهامات بالاختلاس، وهى اتهامات ينفيها سلامة المسجون حالياً والذي يخضع للمحاكمات. وبسبب انتشار الفساد وهدر الإنفاق من الطبقة الحاكمة، شهد لبنان انهياراً مالياً أصاب النظام المصرفي بالشلل وتسبب في خسائر تقدر بنحو 72 مليار دولار.
وقال سعيد إن المصرف المركزي سيعمل على إعادة جدولة الدين العام وسداد مستحقات المودعين ودعا البنوك الخاصة إلى زيادة رؤوس أموالها عبر ضخ تمويل جديد تدريجياً.
وأضاف أن «على البنوك غير القادرة أو غير الراغبة في ذلك أن تسعى إلى الاندماج مع مؤسسات أخرى وإلا فستتعرض للتصفية بطريقة منظمة مع إلغاء تراخيصها وحماية حقوق المودعين فيها». كما تعهد سعيد بحماية استقلالية المصرف المركزي من أثر الضغوط السياسية ومنع تضارب المصالح. وأكد أن العمل جار على إعادة بناء الثقة بالقطاع المصرفي وإيجاد الحوافز وإعادة تمويل العجلة الاقتصادية من خلال القطاع المالي والمصرفي الشرعي.
وشدد خلال تسلمه منصبه في المصرف المركزي على أن «الودائع محمية بموجب القوانين والدستور ويجب العمل على سدادها وإعادتها تدريجيا من خلال تحمل المصارف ومصرف لبنان والدولة المسؤولية في هذا المجال، والأولوية لصغار المودعين».
وتعهد سعيد بـ«الالتزام بأحكام الدستور والقوانين المرعية والأنظمة التي ترعى عمل مصرف لبنان والحفاظ على الدور الناظمي للمصرف والتعاون والتنسيق مع الجهات الرسمية»، وقال إنه «يجب ألا تكون هناك أي شبهة في العلاقة مع المصارف». ودعا إلى إعادة رسملة المصارف التجارية والمساهمة في سداد الودائع، وبالتوازي مع ذلك على مصرف لبنان إعادة تنظيم القطاع المصرفي.