ماذا ينتظر حزب الله بعد انتهاء الحرب؟
تاريخ النشر: 2nd, November 2024 GMT
تحدّث الأمين العام الجديد لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم يوم الأربعاء، عن مستقبل "حزب الله" بعد انتهاء الحرب، وشدّد على أنّ الهدف الأميركيّ والإسرائيليّ في القضاء على "المقاومة" لن يتمّ تحقيقه، بل أشار إلى أنّ "الحزب" سيخرج أقوى من المعارك، في إشارة إلى الداخل والخارج على أنّ المسّ بموضوع السلاح غير وارد، حتّى لو أفضت المفاوضات لوقف إطلاق النار إلى انسحاب قوّة "الرضوان" وأبرز الوحدات إلى شمال الليطاني، مقابل إنتشار الجيش على كافة الحدود الجنوبيّة.
وما أراد قاسم قوله في آخر إطلالة له، هو أنّ "حزب الله" لن يكون ضعيفاً بعد الحرب، وتوجّه للمراهنين وخصوصاً الولايات المتّحدة الأميركيّة والمعارضة في لبنان، وأكّد لهم أنّ "المقاومة" ستبقى قويّة عسكريّاً وسياسيّاً. وفي هذا الإطار، فإنّ نواب كتلة "الوفاء للمقاومة" استأنفوا نشاطهم السياسيّ وتحرّكهم في مراكز النزوح وفي مجلس النواب، في رسالة مفادها أنّ "الحزب" لا يزال يتمسّك بثوابته السياسيّة.
في المقابل، فإنّه بعد تكليف "حزب الله" لرئيس مجلس النواب نبيه برّي بالتفاوض عنه سياسيّاً، فإنّه يبدو أنّه في المرحلة المُقبلة سيتعامل بليونة أكثر مع الإستحقاقات الدستوريّة وبشكل خاصّ في ما يتعلّق بالإنتخابات الرئاسيّة، وسيكون حاضراً للقبول بأيّ تسويّة لانتخاب رئيس وسطيّ غير مستفزّ، قادر على التعامل مع المشاكل الإقتصاديّة والماليّة، وإعادة إعمار المناطق والبلدات المُدمّرة.
ومع عودة الحراك السياسيّ لنواب كتلة "الوفاء للمقاومة"، فإنّ "حزب الله" يكون قد وجّه رسالة إلى خصوم الداخل بأنّه سيكون مُشاركاً فاعلاً ومُقرّراً بارزاً في الإستحقاقات الدستوريّة، وأنّه لن يقبل بإقصائه لأنّه سيخرج منتصراً من الحرب عبر إفشال المُخطّط الإسرائيليّ بالقضاء على ترسانة "المقاومة" العسكريّة وعناصرها.
كما أنّ أولويّة "الحزب" بعد الحرب ستكون التركيز على إعادة إعمار الجنوب والضاحية الجنوبيّة لبيروت والبقاع، لأنّه وعد مناصريه بذلك، وأكّد الشيخ قاسم لهم أنّ منازلهم الجديدة وبلداتهم ستكون أفضل من قبل، وأنّ "حزب الله" بدأ بإعداد المشاريع لإطلاق عجلة بناء البيوت التي قام العدوّ باستهدافها وتفجيرها.
أمّا في ما يتعلّق بالسلاح غير الشرعيّ، فإنّ المعارضة وعلى رأسها الكتل المسيحيّة ستضع هذا الملف على طاولة البحث، وستطلب من رئيس الجمهوريّة الجديد أنّ يتناوله في أيّ طاولة حوار قد يعقدها بعد انتخابه. وقد يُشكّل أيّ موضوع مرتبط بتطبيق القرار 1559 والتضييق على "حزب الله" مشكلة داخليّة، أو قد لا يصل المتحاورون لأيّ نتيجة كما حصل في عدّة مناسبات سابقة.
وتجدر الإشارة إلى أنّ "حزب الله" يُواجه مشاكل سياسيّة مع المعارضة ومع "التيّار الوطنيّ الحرّ" بسبب إقحامه البلاد في "حرب الإسناد لغزة"، ويتوجّب عليه أنّ يُعيد التواصل مع النائب جبران باسيل وتقويّة علاقته بأفرقاء آخرين كيّ يقطع الطريق أمام أيّ مُحاولة يُراد منها مُعالجة موضوع السلاح والتضييق على "المقاومة"، فـ"الحزب" ليس من المتوقّع أنّ يقبل أنّ يقوم الداخل بنزع سلاحه، بعدما فشلت أميركا وإسرائيل في العام 2006 والآن في ذلك.
وقد حمى "حزب الله" سلاحه وحقّه في المقاومة بسبب علاقاته السياسيّة مع أطراف سنّية ومسيحيّة ودرزيّة، وهو سيُحافظ على هذا الأمر كيّ يضمن مستقبل "المقاومة"، وقد يكون موعد إقتراب الإنتخابات النيابيّة محطّة لعودة الحلفاء السابقين إليه ودخوله في تحالفات جديدة. المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: حزب الله
إقرأ أيضاً:
أمّة المقاومة.. مقاومة الأمّة
يمانيون../
ميزة الأمّة في المصطلح أنها عنوان جامع عابر للحدود الجغرافية والعرقية واللونية واللسانية، ولأنها أمّة فهي في ذاتها عصيّة على الزوال والاندثار والضعف؛ وما يبدو في بنيتها العامة من توزّع وانتشار واختلاف في المناطق والبلاد هو في الحقيقة عامل ديمومة وقوة وانتصار طالما أنه مشدود إلى الهدف نفسه والغاية نفسها، وأي هدف وغاية أوثق من المقاومة كخيار وثقافة ونهج وأسلوب ومسار!؟ هنا تكمن عناصر القضية.
بالأمس ودّعت أمّة المقاومة التي اجتمعت من جهات الأرض “قائداً تاريخياً استثنائياً.. وطنياً، عربياً، إسلامياً، وهو يُمثل قبلة الأحرار في العالم”؛ كما عبّر الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم خلال مراسم تشييع الأمينَينِ العامَّينِ لحزب الله سيد شهداء الأمة السيد حسن نصر الله وخليفته الشهيد الهاشميِّ السيد هاشم صفي الدين. هذه الصفات الجوهرية التي لخّصها سماحة الشيخ قاسم في تعريف السيد الشهيد هي في الواقع تجسّد عناصر الأمّة التي قادها تحت عنوان المقاومة، والتي أرادها أن تتنكّب عبء المسؤولية في المبادرة والفعل لتصبح المقاومة في هذا المنحى عقيدة إيمانية أكثر منها خياراً تقتضيه ضرورة القيام لنيل الحرية والاستقلال.
أمّا مقتضى الرسوخ في ثقافة المقاومة، فهو يفترض إلى جانب العزم والإرادة والفعل وجود صلة تسمو فوق أصول المعرفة وقيود الاتصال والتواصل، وهو الحب، ولا تقف هذه القيمة الإنسانية السامية عند حدود الاقتناع بالفكرة والهدف أو الغاية والاتجاه بل تتجاوز أساسات القضية لتصل إلى التعلّق بالشخص – الرمز، وهي الميزة التي التصقت بسيّد شهداء الأمّة في تقويم أحاسيس ومشاعر الملايين الذين عشقوه دون أن يعرفوه أو يكون له أي صلة مادّية بهم، فتعلّقوا به وتبعوه وناصروه وأخلصوا له في حبّهم، فأتى من أتى في الحضور ومن لم يحضر شيّعه كأن القائد الشهيد حاضراً لديه، وهو بذلك “حبيب المجاهدين وحبيب الناس، حبيب الفقراء والمستضعفين، حبيب المعذبين على الأرض، حبيب الفلسطينيين”.
هي الأمّة التي أيقظها السيد الشهيد من سباتها واستنهضها من ركود خلال ثلاثة عقود من المقاومة، وسارت معه قوافل ممتدّة من الشهداء والجرحى والأسرى، وخلفه اصطفت المجتمعات الصغيرة من الأسر الصابرة، ترعاها أمّهات ربّت أجيالها على حب المقاومة، وحجزت لنفسها مكاناً فاعلاً ومتفاعلاً في مراتب الأمّة، حتى غدت هذه المجتمعات في سيرورة متنامية فتحوّلت إلى مجتمعات كبيرة كسرت قيد الجغرافيا واللغة والانتماء العرقي والطائفي، وتعملق قرار المقاومة الذي أطلقه ليصبح خياراً ترفع لواءه الجموع التائقة إلى الانعتاق من أسر الاحتلال، واستطاع بحكمته وذكائه وشجاعته أن يؤسس للصلة التي يلتقي فيها المقاومون على هدف واحد، وهو تحرير فلسطين والمسجد الأقصى من الاحتلال الصهيوني.
اجتمعت الأمّة على خيار المقاومة، فأصبحت المقاومة دليلاً على الهوية وإليها، واستحالت سلاحاً في رحم الأحرار ومنهم، وهم الذين رأوا فيها القوّة التي ترفعهم من حضيض الاستكانة إلى قمّة التحرّك، ورأوا في السيد الشهيد الترجمة الفعلية للقيادة المؤهلة التي ستأخذ بأيديهم إلى تحقيق هدفهم الأسمى، فأضحى السيد نصر الله قبلة الأحرار في كل العالم، و”قاد المقاومة إلى الأمة وقاد الأمّة إلى المقاومة، فأصبحنا لا نميز بين مقاومةٍ وأمة..”، فكلّما كانت الأمّة ملتصقة بخيارها المقاوم ومخلصة في اتجاهاتها تحولّت إلى مقاومة يخوضها الأحرار، حيثما كانوا وأينما وجدوا، فتصبح أمّةُ المقاومة مقاومةَ الأمّة لا انفكاك في ذاتية كينونتها وعوامل قوتها، وتصبح الأمّة نفسها هي المقاومة التي تدافع عن الأمّة وتحميها وتقاتل من أجلها، موضع الروح من الجسد، فإذا انفصلت عن مقاومتها تحوّلت إلى كيان هشّ ضعيف لا حول له ولا قوة، وهذا لا يكون إلا بالتضحية والفداء وبذل الأنفس والأموال والأرزاق صبراً على ضيق إلى حين أوان الانتصار.
إنها الأمّة التي تحدث عنها سماحة الشيخ قاسم، والتي حضرت في مليونيتها السامية في تشييع سيد شهداء الأمة، وقد استشهد وجرح من أجلها عشرات آلاف المقاومين من القادة والمجاهدين في لبنان وفلسطين والعراق وسورية واليمن وإيران خلال معركتي “طوفان الأقصى” و”أولي البأس” حتى فرضت المقاومة حالاً من المراوحة الميدانية، ما اضطر العدو الصهيوني إلى طلب وقف إطلاق النار على غرار ما حصل في قطاع غزة، فوافقت القيادة على ذلك حرصاً على مصلحة المقاومة ولبنان باستمرار القتال غير التناسبي وتحقيق الأضرار من دون أُفق سياسي ولا ميداني”، لتنتقل المقاومة إلى مرحلة جديدة تختلف بأدواتها وأساليبها وكيفية التعامل معها”، وجوهر المرحلة هو أن المقاومة أنجزت ما عليها من ردع للعدوان، ومنعته من إسقاط الكيان اللبناني وإلحاقه بحظيرة الكيانات التابعة له، ويبقى على الدولة اللبنانية أن تتحمل مسؤوليتها في الردع واستكمال التحرير.
حسم سماحة الشيخ قاسم في كلمته جملة من المحدّدات على المستويين السياسي والميداني، تشكّل بمجموعها برنامج عمل حزب الله في المرحلة المقبلة، وأعلن بداية حقبة جديدة في أداء الحزب والمقاومة على مستوى لبنان والمنطقة والعالم، كما أكد على جملة من الثوابت التي تلبّي طموحات الأمة وتطلعاتها، وأهمها:
– المقاومة حق وواجب ولا يمكن لأحد سلبنا إيّاه، وهي خيارنا الإيماني والسياسي ما دام الاحتلال وخطره موجوداً نُمارس حقنا في المقاومة بحسب تقديرنا للمصلحة والظروف، ولا يُثنيها من يُعارضها، وتقتلع المُحتل ولو بعد حين، والنصر النهائي حتميٌ ومطلق.
– أي هجوم تشنّه “إسرائيل” على لبنان لم يعد مجرد “خروقات” بل هو بمنزلة “احتلال وعدوان”، والمقاومة قوية عدداً وعدّة وشعباً ولا تزال مستمرة بِحضورها وجهوزيتها، وستمارس العمل المقاوم بالأساليب والطرق والتوقيت انسجاماً مع المرحلة وتقدير القيادة.
– لن نقبل باستمرار قتلنا واحتلالنا ونحن نتفرج، ولا يُمكن لِأحد أن يطلب منا بأن ننكشف وأن نُقدم ما لدينا من قوة لِيتحكّم بِنا العدو.
– الرفض المطلق للمساعي الأمريكية للتحكم بلبنان، “لن يأخذوا بالسياسة الذي لم يأخذوه بالحرب”.
– المسؤولون في لبنان يعرفون توازن القوى، وسنتابع تحرك الدولة لِطرد الاحتلال ديبلوماسياً، ونَبني بعد ذلك على النتائج. ونُناقش لاحقاً استفادة لبنان من قوته عند مناقشة الإستراتيجية الدفاعية.
– المشاركة في بناء الدولة القوية والعادلة، والإسهام في نهضتها على قاعدة المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات وتحت سقف اتفاق الطائف..” لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه ونحن من أبنائه”.
– التأكيد على ثلاث ركائز أساسية في سياق بناء الدولة، وهي إخراج المحتل وإعادة الأسرى، وإعادة الإعمار والترميم والبنى التحتية كالتزام أساسي، وإقرار خطة الإنقاذ والنهضة الاقتصادية والمالية والإدارية والقضائية والاجتماعية.
– الحرص على مشاركة الجميع في بناء الدولة، وعلى الوحدة الوطنية والسلم الأهلي.
– فلسطين حق وهي بوصلتنا، ندعم تحريرها.. ونستمر على العهد.
ولعلّ البند الأهمّ في المحدّدات والثوابت التي أعلنها الأمين العام لحزب الله هي في تأكيد التحالف بين حزب الله وحركة أمل، والذي لا يقف عند وحدة المذهب الشيعي بقدر ما يتجسّد في تحالف شامل وتنسيق متكامل في المواقف ولا سيّما في الملفات الداخلية أولاً وثانياً في الاستحقاقات المقبلة التي تبدأ عند الانتخابات البلدية والاختيارية ولا تنتهي عند الانتخابات النيابية العام المقبل، فهذا “التحالف تعمّد بالدم والتضحية والعطاءات والمقاومة والمواجهة، وإننا واحدٌ في الموقف وواحدٌ في الخيارات وواحدٌ في السياسة”.
إن قراءة ملخّصات المواقف التي وردت في الكلمة المفصلية لسماحة الشيخ قاسم تفيد بأنها حملت رسالة واضحة وأكيدة لكل الأفرقاء في الداخل والخارج، وخصوصاً أولئك الذين راهنوا قبل العدوان الصهيوني وخلاله وبعده على سراب الوهم الأمريكي بهزيمة حزب الله، أن المقاومة باقية ومستمرة بقوتها وعزيمتها الراسخة في مواجهة المحتلّ وإحباط المخططات الأمريكية الرامية للهيمنة على لبنان وقراره وسيادته، وأن لا أحد قادراً على أن يضعف أو يلغي حضور حزب الله السياسي في تشكيل القرار الوطني، وأقوى دليل على ذلك إسهام الحزب في انتخاب العماد جوزف عون رئيساً للجمهورية وتسهيل تكليف نواف سلام لتشكيل الحكومة، وفرض الخيارات المناسبة في تسمية الوزراء الشيعة في هذه الحكومة. أما المظهر الأقوى يبقى للأحرار الذين تقاطروا من لبنان وخارجه وأثبتوا صدق وفائهم للمقاومة بحضورهم المليوني المبارك في مراسم تشييع السيدين الشهيدين، وأكّدوا أنهم أمّة المقاومة.
العهد الاخباري ـ محمد الحسيني