رغم سجل إنجازاته الناصع، انحنى الرئيس الأمريكي الحالي، جو بايدن، أمام العاصفة التي أثارتها قيادات الحزب الديمقراطي، الذي أوصله الى كرسي الرئاسة، وأعلن عزوفه عن ترشيح نفسه لولاية ثانية، بعد ثبوت تدهور قدراته الإدراكية بسبب عامل السن (عمره الآن 81 سنة)، فالتف الحزب الديمقراطي بما يشبه الاجماع، حول نائبته كامالا هاريس، لتصبح مرشحة الحزب للرئاسة، وكان لابد من تسمية من يُوضَع على تذكرتها الانتخابية لمنصب نائب الرئيس، وكان صاحب السهم الأعلى للفوز بتلك التسمية جوش شابيرو، الذي تتطابق سيرته ومسيرته مع هاريس، فهو قانوني، وظل عضوا في مجلس النواب لسبع سنوات، ثم صار النائب العام لولاية بنسلفانيا، حيث أثبت كفاءة عالية في ملاحقة تجار المخدرات، وحماية المستهلك ودعم الحقوق المدنية، مما أهله للفوز بمنصب حاكم الولاية، ولكن الحزب الديمقراطي صرف النظر عن ترشيحه لأنه "يهودي"، خشية ان يؤدي ذلك الى نفور الناخبين عنه وعن كمالا، في أجواء مشحونة بالتعاطف مع الفلسطينيين، بسبب تعرضهم لعدوان غاشم من إسرائيل، وهكذا آل الترشيح لمنصب نائب الرئيس الأمريكي، الى تيم والز، حاكم ولاية مينيسوتا، وهكذا ولأول مرة في التاريخ السياسي الأمريكي، أصبح للعرب الأمريكان، وللأمريكان المتعاطفين مع فلسطين وزن ثقيل في المسرح السياسي الأمريكي، الذي ظلت الروابط اليهودية ممسكة بخيوطه عبر تاريخ أمريكا الحديث.
في 7 أيلول سبتمبر من العام الجاري، كتبت هنا مقالا عن عوار الإعلام الفلسطيني الرسمي، قلت فيه إن "مختلف التنظيمات الفلسطينية أهملت أمر "العلاقات العامة"، التي يُعرِّفها قاموس أوكسفورد على أنها الفن القائم على أسس علمية، لبحث أنسب طرق التعامل الناجحة المتبادلة بين كل منظمة وجمهورها الداخلي والخارجي لتحقيق أهدافها، وفيما يلي الكيانات الفلسطينية، فجمهورها الداخلي هم الفلسطينيون والعرب، وجمهورها الخارجي هو حكومات وشعوب مختلف دول العالم".
وفي تقديري هناك اليوم لحظة تاريخية لقلب الطاولة على إسرائيل، التي ظلت تقوم بدور الحمل الوديع، الذي يتعرض لهجمات من الذئاب (العرب)، وتحصد العون المادي والمعنوي من الدول الأوروبية والولايات المتحدة. ثم جاء العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة، ولا حقا على لبنان، فإذا بالرأي العام الغربي عموما لا يكتفي بإدانة العدوان، بل يناصر حق الفلسطينيين في العيش في دولتهم ذات السيادة.
في الولايات المتحدة هناك 3.5 مليون عربي، وهو عدد يكفي لإدخال عشرة أشخاص إلى مجلسي النواب والشيوخ، وإبعاد جوش شابيرو من سباق الرئاسة الأمريكي، لأنه يهودي، دليل على أنهم قوة يحسب لها حساب، ولهم في إلهان عمر أسوة حسنة..في 17 شباط/ فبراير من عام 2002، تم إشهار جمعية "يهود للعدالة للفلسطينيين"، وكانت مؤسستها، بروفسر آيرين بروجيل، وهي حفيدة يهودي ألماني، عانى الويلات في ألمانيا النازية، وانضم الى الجمعية 1300 من يهود بريطانيا، وبرنامجها المعلن هو مناصرة حق الفلسطينيين في نيل حريتهم السياسية والمدنية والاقتصادية، في ظل دولتهم المستقلة، وكانت في المسرح البريطاني وقتها جمعية يهودية تناهض الصهيونية، تم إشهارها في تشرين اول أكتوبر من عام 2000 تحت اسم "السلام لفلسطين"، ثم اتسعت رقعة التعاطف مع حق الفلسطيني، فكان مولد منظمة "يهود أوربيون لسلام عادل"، التي كان لها صوت مسموع في جامعات أوربا خلال الشهور الماضية، رفضا للعدوان الإسرائيلي على غزة والضفة الغربية، وكان أحد قادتها (ريتشارد كوبر)، ضمن مجموعة اليهود التي أبحرت عبر البحر الأبيض المتوسط في أواخر 2010 لكسر الحصار على غزة.
في عيد الفصح (تحرر اليهود من العبودية بالخروج من مصر)، في نيسان/ ابريل من العام الجاري نظمت جماعة "حاخامات من أجل وقف إطلاق النار" الأمريكية، موكبا ضم عددا من دعاة السلام في إسرائيل، يحمل مواد غذائية صوب حدود غزة الشمالية، بهدف "تحرير أهل غزة من الجوع"، ولكن الجيش الإسرائيلي منع عبورهم الى غزة، بيد أن تلك المبادرة فتحت أعين كثيرين من يهود أمريكا لحقيقة الأوضاع في غزة، بدليل ان استطلاعا أجراه "مركز بو لاستطلاع الرأي"، يفيد بأن 52% من اليهود الأمريكان دون سن ال34 يرون ان إسرائيل تمارس العنف المفرط في غزة، الى جانب ان من هم في هذه الفئة العمرية منضوون في منظمات مناهضة للحرب على غزة، وعلى رأسها "أساتذة للعدالة لفلسطين" التي كان مسقط رأسها الجامعات الأمريكية، التي شهدت حراكا أزعج قادة إسرائيل، فشهروا في وجهه سلاح معاداة السامية الابتزازي.
ومنذ تشرين أول/ أكتوبر من العام الماضي وجوناثان عوفير، اليهودي المولود في إسرائيل، ويقيم حاليا في الدنمارك، ينافح بالصوت والقلم عن حق الفلسطينيين في العيش الكريم، بل كان أول من اطلق إنذارات الخطر قبل عام، بأن إسرائيل ستسعى للتمدد والتغول على ما تبقى من ارض فلسطين خارج سيطرتها، بذريعة الرد على عملية طوفان الأقصى، وقال عوفير للجزيرة نت: إسرائيل تستخدم يهود العالم دروعا بشرية، في مسعاها لمواصلة نهجها الاستيطاني الاستعماري، بممارسة الإبادة الجماعية "الموسمية" تحت مختلف الذرائع.
أما ناعمة فرجون التي تقول إنها يهودية معادية للصهيونية، فقد ولدت في القدس، ثم وفي عام 2001 قررت مغادرة المدينة والانتقال الى اسبانيا "لأنني لم اعد اطيق العيش في دولة عنصرية"، وقالت في تصريح لشبكة الجزيرة الإعلامية، إنها تألمت لهجوم حركة حماس على إسرائيل في تشرين اول/ أكتوبر 2023، لما تسبب فيه من خسائر في الأرواح، ثم أضافت "ولكن كان ذلك رد فعل مباشر لسنوات من القمع العنيف والحرمان من الحقوق من قبل إسرائيل".
وأمثلة من يسمون بالإسرائيليين "الرافضين refuseniks" بلا حصر، ويبقى السؤال: كيف يستثمر أصحاب القضية الأصليون كل هذا التعاطف؟ وكيف يمكن لعرب الشتات "الغربي" أن يكتسبوا وزنا سياسيا في مهاجرهم؟ ففي الولايات المتحدة هناك 3.5 مليون عربي، وهو عدد يكفي لإدخال عشرة أشخاص إلى مجلسي النواب والشيوخ، وإبعاد جوش شابيرو من سباق الرئاسة الأمريكي، لأنه يهودي، دليل على أنهم قوة يحسب لها حساب، ولهم في إلهان عمر أسوة حسنة، فقد جاءت إلى الولايات المتحدة لاجئة من الصومال، ودخلت الحقل السياسي "محجبة"، في موسم الإسلاموفوبيا، ومسلحة بقوة الشخصية والحجة والسيرة النظيفة، وصارت قطبا لامعا في مجلس النواب الأمريكي عن دائرة انتخابية، ليس فيها أكثر من 500 من ذوي الأصول الصومالية.
*الشواهد أعلاه تؤكد وجود سند قوي للقضية الفلسطينية، في الغرب، لكنه يبقى افتراضيا، ما لم يتم استثماره بوعي لقلب الطاولة على إسرائيل.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه العرب الغربي الرأي الغرب عرب رأي دور مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة مقالات رياضة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة على غزة
إقرأ أيضاً:
هل وقعت تركيا في الفخ الأمريكي؟
أنقرة (زمان التركية) – قال دوغو بيرينجيك، زعيم حزب “الوطن” التركي، إن الولايات المتحدة التي تؤكد بالكلمات دعمها لأنقرة بخصوص مشروع “كردستان”، أعدت فخا لتركيا من أجل إبعادها عن روسيا والصين.
وأضاف السياسي التركي في حديث لوكالة نوفوستي: “لقد أعدت الولايات المتحدة فخا لتركيا من خلال وعدها شفهيا بنقل رعاية مشروع “كردستان”، إلى الحكومة التركية. الفكرة تتلخص في ما يلي: إذا غادرت الولايات المتحدة المنطقة بعد الانتخابات الرئاسية في نوفمبر، فستقوم بنقل لتركيا مهمة رعاية الأنظمة العميلة في المنطقة، ولا سيما مشروع “كردستان”. هذه لعبة خطيرة للغاية، وهناك شعور بأن الحكومة متحمسة لهذه الفكرة. وإذا وافقت تركيا على ذلك، فسيؤدي ذلك إلى إنشاء إسرائيل ثانية في المنطقة، الأمر الذي سيشكل تهديدا لسلامة أراضي تركيا”.
وبحسب السياسي التركي، فإن التهديد الإرهابي الذي يواجه تركيا لا يمكن القضاء عليه إلا من خلال تنسيق أنقرة مع دمشق والوسطاء في “عملية أستانا”.
وخلص بيرينجيك إلى القول: “هذه خطة خطيرة للغاية. إنهم يريدون فصل تركيا عن الحلفاء المحتملين – روسيا والصين. وهذا فخ كبير. وعلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الابتعاد عن هذه الخطة”.
وفي وقت سابق، أدلى دولت بهجلي زعيم حزب الحركة القومية، حليف الحزب الحاكم في تركيا، ببيان في 22 أكتوبر، دعا فيه زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان، المحتجز في الحبس الانفرادي في جزيرة إمرالي منذ عام 1999، إلى التحدث في البرلمان التركي ودعوة حزب العمال الكردستاني إلى حل نفسه، وبذلك يعلن “نهاية الأنشطة الإرهابية”.
Tags: أمريكاالعلاقات التركية الأمريكيةتركيا