نحن لا نتكيف ونخضع لمن حولنا _ #ماهر_أبوطير
لم تبق حياتنا كما كانت، قبل عشرة سنين، او عشرين سنة، لكن اللافت للانتباه أن قدرتنا كأفراد وعائلات على التكيف مع التغيرات منخفضة بشكل واضح في حالات كثيرة.
هذه قراءة اجتماعية في واقع مختلف، لا يعقل أن نواصل فيه تطبيق ذات القواعد القديمة، وحين يصل سعر غرام الذهب الى قرابة 57 دينار، تسأل نفسك عن امكانية الزواج اليوم، فلا الشاب قادر على توفير ذات المتطلبات القديمة، ولا الصبية المزيونة تقبل التراجع عن خيالاتها، والصورة التي بنتها منذ صغرها لشكل زواجها وما الذي ستقوله الجارات والصديقات وبنات العم، عن زفاف بلا مظاهر، او عن زواج بذهب مقلد، في ظل مجتمع يأكل بعضه بعضا.
هل تغيرنا او تكيفنا مع الواقع الجديد، في ظل البطالة ايضا، وانخفاض الدخول، ام بقينا كما نحن وبذات الطريقة التي لا تتفهم ان الدنيا تغيرت، وان الاهم هو الاستقرار وليس المظاهر.
مقالات ذات صلةهذا يفسر ارتفاع نسبة عدم الزواج، وهي نسبة سوف ترتفع أكثر، لأن الأهالي يشترطون، والصبايا يتطلبن، والشباب يزحفون على وجوههم من قلة المال، في سلوك بعيد عن الدين اصلا، وعن المرونة المفترضة في حياتنا امام الغلاء والتغيرات، وامامنا نماذج لشعوب عربية تتزوج بأقل الكلف، دون استعراضات اجتماعية، بسبب الازمات او الحروب التي يعيشونها.
خذوا مثلا ثانيا يتعلق بالدراسة الجامعية، فالكل يريد ان يصبح طبيبا، برغم مشاكل دراسة الطلب والتخصص، وكلف ذلك، والعشر سنوات الاولى التي ستضيع من عمر الطالب، وبرغم كل المعلومات عن البطالة بين الاطباء، يصر الناس على عدم التكيف، لأن كل واحد فينا اسير لنظرة وانطباع من حوله وحواليه، ومن اجل شهقة التفاخر امام الاقارب والجيران والاصدقاء يصر الابن او الابنة على دراسة الطب، برغم الواقع الصعب جدا، من اجل تلبية امنية شخصية، او الحصول على لقب فخم، اي الدكتور، والامر ذاته ينطبق على كل اتجاهات الدراسة الجامعية من الهندسة، الى الصحافة، مرورا بقائمة طويلة من التخصصات، بما يثبت ان الناس لا تتغير ببساطة، والكل يواصل ذات الطريق برغم تغيرات الدنيا وما فيها، وبرغم احصاءات البطالة، والواقع الذي نلمسه يوميا، وامام عيوننا، وتحت مسامعنا.
ايضا هناك نموذج ثالث يدل على عدم القدرة على التغير، او انخفاض القدرة على التكيف، فأغلب الناس يشترون سيارات بالتقسيط ويتورطون بقروض من اجل سيارة كهربائية مثلا، تثبت الايام انها ستخرج من اللعبة قريبا لصالح تحديثات جديدة، او من اجل سيارة بالوقود، فخمة يتباهى بها ويمضي سنين عمره في دفع اقساطها، فالمهم راحة المقترض، اذا كان هناك راحة اصلا، والمهم النفخ والتنافخ، في ظل اقتصادات متراجعة، وتحديات مقبلة، تفرض على كل انسان ان يعيد ترتيب اوراقه، وطريقة استهلاكه، من علبة السجائر، وصولا الى قرض السيارة، مرورا برحلات السفر بالتقسيط، او حتى الاستدانة المفرطة عبر البطاقات الائتمانية، في ظل وجود بدائل منخفضة يمكن اللجوء اليه، بدلا من الارتهان لهذه الحياة الصعبة.
لدي ادلة كثيرة تثبت ان اغلب مشاكلنا هي من صنع ايدينا، وهذه المشاكل ليست من صنع الحكومات وحدها، بل نحن نعد شركاء فيها، لان قدرتنا على التكيف منخفضة، على الرغم من اننا من اكثر العرب سفرا، وتعلما، وقدرة على التعلم، والاستفادة من تجارب الآخرين، لكننا بكل صراحة نخضع لمن حولنا، ولغيرنا من اقارب واصدقاء ومعارف، وهم يحددون سلوكنا، بحيث نستغرق في ارضاء كل هؤلاء ونتورط في صناعة الانطباعات لمقاهرتهم ايضا، دون ان نعي الكلفة التي ندفعها على صعيد الافراد، والبلد، وعدوى عدم التكيف التي تنتشر بيننا.
هناك نماذج كسرت القواعد، وصنعت قواعدها الخاصة، وهي وحدها التي نجحت، وهي وحدها التي نجت من السيل الجارف الذي يأخذ في طريقة حياة الناس ومستقبلهم.
التغيير نجاة ايها القوم، لأن صعوبات حياتنا تشتد وتتزايد.
الغد
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: من اجل
إقرأ أيضاً:
الحبري: هناك مؤشرات اقتصادية خطيرة تهدد مستقبل ليبيا
حذّر نائب محافظ مصرف ليبيا المركزي السابق، علي الحبري، من مؤشرات اقتصادية خطيرة تهدد مستقبل الدولة الليبية، في ظل غياب الشفافية واستمرار الإنفاق الحكومي دون تحقيق التوازن المطلوب في قطاع النفط، المصدر الرئيسي للدخل في البلاد.
وقال الحبري، في تصريحات نقلتها صحيفة صدى الاقتصادية، إن نقطة التعادل في الإنفاق التسييري للدولة الليبية تعتمد على أن لا يقل سعر برميل النفط عن 72 دولارًا، مشيرًا إلى أن مؤسسة النفط الليبية صرف لها نحو 34 مليار دينار بهدف رفع الإنتاج إلى مليوني برميل يوميًا، إلا أن الشفافية بشأن هذا الإنفاق لا تزال “غائبة كليًا”.
وأضاف الحبري أن الدولة مطالبة بوضع سياسات استراتيجية واضحة تُنشر للرأي العام، موضحًا أهمية إطلاع المواطنين على المخاطر الاقتصادية المحتملة في حال هبط سعر النفط دون عتبة 72 دولارًا، وما إذا كانت مؤسسة النفط قد اتخذت فعليًا خطوات فاعلة لتحقيق هدفها الإنتاجي الذي من شأنه تحقيق توازن اقتصادي، ولو مؤقت.
وفي تحذير آخر، أكد الحبري أن الاستدامة الاقتصادية على المدى الطويل تتطلب تضافر كل الجهود، داعيًا إلى ضرورة تبني سياسات مالية فاعلة، وتشجيع الاستثمارات الأجنبية، إلى جانب تفعيل دور القطاع الخاص ليكون بمستوى عالٍ من الكفاءة والإنتاجية.
وختم الحبري تصريحاته بالتأكيد على أن مستقبل ليبيا لا يمكن أن يبنى في ظل الاعتماد على القطاع العام وحده، مشددًا على ضرورة إعادة النظر جذريًا في دور الحكومة، وإلا فإن “الوضع القائم لا يشير إلا إلى خطر كبير يهدد الدولة النفطية ليبيا”.