تعتبر الحركة الإسلامية السودانية نموذجاً لمنظومات تتداخل فيها الأبعاد السياسية والتنظيمية والعسكرية والقبلية بشكل محكم، حيث استطاعت توظيف هذه الواجهات لتكريس مصالحها وتعزيز نفوذها، متبنية نموذجا يشابه إلى حد بعيد الأسلوب الإيراني في بناء شبكات القوة، سواء عبر التدريب العسكري أو التنظيم الأيديولوجي.

ومنذ نشأتها، استلهمت الحركة الإسلامية السودانية تقنيات الثورة الإيرانية، فقد انطلقت لتأسيس كيان منظم ينشط على مستويات متعددة، وبدا أن الهدف الأسمى هو تأمين مواقع متقدمة في السلطة بآليات شتى.
لم تقتصر هذه الحركة على الهيكلة التنظيمية، بل عمدت إلى بناء واجهات عسكرية، من ضمنها قوات الدعم السريع. هذا التنظيم كان يُراد له في الأصل أن يكون ذراعاً لتحقيق التوازن داخل المنظومة العسكرية ومن ثم التحكم في زمام الأمور. لكن ما جرى أن الدعم السريع تحولت إلى قوة مستقلة، ذات تطلعات خاصة بها، فانقلبت على من أنشأها، ما يشير إلى أن الحركة الإسلامية نفسها لم تحسب الأمور بعمق كاف ولم تستشرف النتائج على المدى البعيد.
والآن، بعد خروج الدعم السريع عن السيطرة، سعت الحركة الإسلامية إلى توظيف القوات المشتركة لمحاربة هذا التنظيم، وهي قوات مكونة من عدة حركات مسلحة، تختلف في رؤاها وتوجهاتها الفكرية. غير أن هذا التباين في الخلفيات الفكرية والولاءات قد يشكل تهديدا مستقبليا للجيش نفسه، إذ أن هذه الحركات لا تتسم بولاء مطلق، ويُتوقع أن ترفع السلاح في مرحلة لاحقة لتطالب بحقوقها ومصالحها، مما سيجعل من المؤسسة العسكرية كيانا هشا، قابلا للانشقاقات.


أثبتت السنوات الماضية أن الحركة الإسلامية لا تتمتع ببعد النظر الإستراتيجي، فهي تعتمد على رؤى قصيرة المدى وتستند إلى تكتيكات تفتقر إلى الشمولية، وينجم عن ذلك تخبط مستمر يظهر في فشل ذريع في تحقيق الأهداف المستدامة. ويعود هذا التخبط إلى أزمة جوهرية في منظومتها الفكرية والتنظيمية، حيث يقتصر تركيزها على إدارة الأزمات دون حلول جذرية، مع السعي للسيطرة على السلطة بأسلوب غير متزن. هذا النهج المتذبذب أدى إلى تفكيك داخلي في صفوف الإسلاميين وأدى إلى تناحر مستمر بين قياداتهم، مما أفقدهم أيّ مصداقية سياسية أو شعبية واسعة.
في حال تمردت القوات المشتركة على الإسلاميين، ورفعت السلاح ضدهم، فإن هذا السيناريو سيؤدي إلى تداعيات كارثية على حكومة بورتسودان، إذ ستفقد السيطرة على غرب السودان، وسيتفاقم الأمر بانهيار الاستقرار في بقية الأقاليم، مهدداً بتفتيت البلاد أكثر مما هي عليه. كما سيصبح الإسلاميون في موقف أصعب، وستجد قياداتهم نفسها أمام ضغط سياسي وعسكري متزايد لا يمكنها السيطرة عليه. ومن المتوقع في مثل هذه الظروف أن تظهر النزعات العنصرية داخل صفوف الإسلاميين، لتبرز التصدعات العميقة داخل هذا التيار وتشتد الانقسامات الداخلية.
يواجه الإسلاميون تحدياً غير مسبوق، إذ أن غياب الرؤية الإستراتيجية يضعهم في مواجهة عواقب وخيمة على الصعيدين الأمني والسياسي، ما ينذر بتآكل نفوذهم وسلطتهم، ودخول البلاد في مرحلة جديدة من الفوضى التي قد تفتح الباب أمام قوى سياسية واجتماعية جديدة لتعيد ترتيب المشهد السوداني من جديد.

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله السنوار الانتخابات الأمريكية غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية حرب السودان الحرکة الإسلامیة

إقرأ أيضاً:

لا نزال في منتصف المعركة فكيف يريد البعض النزول من جبل الرماة وجمع الغنائم؟

المنطقة كلها ملتهبة وتتأهب لحروب كبيرة قادمة، حشود عسكرية على الحدود الإرترية الإثيوبية، الجنوب اندلعت فيه الشرارة الأولى بالفعل. أوكرانيا سوف يتم اقتسامها بين روسيا وأمريكا.. سوريا مقبلة على معارك ذات صبغة طائفية.. إسرائيل تريد أن تبتلع الشام والعراق، وبدأت عملياً التخطيط لشق ما تسميه بممر داؤود، فيما وافق الاتحاد الأوروبي_ لأول مرة منذ عقود_ على خطة بقيمة 800 مليار يورو لتعزيز الإنفاق الدفاعي في جميع أنحاء أوروبا.

الصين قالت إنها جاهزة للقتال، في ذات الوقت تقوم الإمارات حالياً بترتيبات المرحلة الثانية لغزو السودان _عبر دول الجوار هذه المرة_ وذلك بعد فشل جناحها الجنجويدي في الانقلاب على الدولة والسيطرة على السلطة بالقوة،

وهذا الوضع يستدعي من القوات المسلحة والشعب السوداني، بكافة أطيافه وقبائله، المزيد من التكاتف والتعاضد، ونبذ الفرقة، والتخلص من أبواق الفتنة التي كل همها السلطة،

وتعمل حالياً على ضرب تماسك القوات المساندة للجيش، وعلى رأسها درع السودان، وهو النموذج الباهر على نجاح المقاومة الشعبية، واستنفار المجتمع لمواجهة المخاطر والتحديات التي تستهدفه في أرضه ووجوده، ولذلك من المهم التفكير في حجم المؤامرة،

وما يسعى له العدو الأكبر الذي يبحث عن ثغرات يلج عبرها، كما أننا، وهذه إشارة تبدو مهمة، لا نزال في منتصف المعركة فكيف يريد البعض النزول من جبل الرماة وجمع الغنائم؟
عزمي عبد الرازق

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • سارق الأحذية بجامع الجزائر في قبضة الأمن 
  • السيطرة على حريق داخل مول فى فيصل دون إصابات
  • الحركة الشعبية شمال ترد على بياني الاتحاد الأوروبي ومجلس السلم الأفريقي
  • البرهان ينفي إمكانية التفاوض مع الدعم السريع ويؤكد استمرار القتال لإنهاء التمرد
  • لا نزال في منتصف المعركة فكيف يريد البعض النزول من جبل الرماة وجمع الغنائم؟
  • بدون إصابات.. السيطرة على حريق شقة بالتجمع
  • السيطرة على حريق شقة فى التجمع دون إصابات
  • السيطرة على حريق داخل عقار سكني بالتجمع الأول دون وقوع إصابات
  • البرهاني ينفي إمكانية التفاوض مع الدعم السريع ويؤكد استمرار القتال لإنهاء التمرد
  • السيطرة على حريق التهم ورشة ألوميتال بالمريوطية