الإسلاميون في السودان: من قبضة السلطة إلى هاوية التمرد
تاريخ النشر: 2nd, November 2024 GMT
تعتبر الحركة الإسلامية السودانية نموذجاً لمنظومات تتداخل فيها الأبعاد السياسية والتنظيمية والعسكرية والقبلية بشكل محكم، حيث استطاعت توظيف هذه الواجهات لتكريس مصالحها وتعزيز نفوذها، متبنية نموذجا يشابه إلى حد بعيد الأسلوب الإيراني في بناء شبكات القوة، سواء عبر التدريب العسكري أو التنظيم الأيديولوجي.
ومنذ نشأتها، استلهمت الحركة الإسلامية السودانية تقنيات الثورة الإيرانية، فقد انطلقت لتأسيس كيان منظم ينشط على مستويات متعددة، وبدا أن الهدف الأسمى هو تأمين مواقع متقدمة في السلطة بآليات شتى.
لم تقتصر هذه الحركة على الهيكلة التنظيمية، بل عمدت إلى بناء واجهات عسكرية، من ضمنها قوات الدعم السريع. هذا التنظيم كان يُراد له في الأصل أن يكون ذراعاً لتحقيق التوازن داخل المنظومة العسكرية ومن ثم التحكم في زمام الأمور. لكن ما جرى أن الدعم السريع تحولت إلى قوة مستقلة، ذات تطلعات خاصة بها، فانقلبت على من أنشأها، ما يشير إلى أن الحركة الإسلامية نفسها لم تحسب الأمور بعمق كاف ولم تستشرف النتائج على المدى البعيد.
والآن، بعد خروج الدعم السريع عن السيطرة، سعت الحركة الإسلامية إلى توظيف القوات المشتركة لمحاربة هذا التنظيم، وهي قوات مكونة من عدة حركات مسلحة، تختلف في رؤاها وتوجهاتها الفكرية. غير أن هذا التباين في الخلفيات الفكرية والولاءات قد يشكل تهديدا مستقبليا للجيش نفسه، إذ أن هذه الحركات لا تتسم بولاء مطلق، ويُتوقع أن ترفع السلاح في مرحلة لاحقة لتطالب بحقوقها ومصالحها، مما سيجعل من المؤسسة العسكرية كيانا هشا، قابلا للانشقاقات.
أثبتت السنوات الماضية أن الحركة الإسلامية لا تتمتع ببعد النظر الإستراتيجي، فهي تعتمد على رؤى قصيرة المدى وتستند إلى تكتيكات تفتقر إلى الشمولية، وينجم عن ذلك تخبط مستمر يظهر في فشل ذريع في تحقيق الأهداف المستدامة. ويعود هذا التخبط إلى أزمة جوهرية في منظومتها الفكرية والتنظيمية، حيث يقتصر تركيزها على إدارة الأزمات دون حلول جذرية، مع السعي للسيطرة على السلطة بأسلوب غير متزن. هذا النهج المتذبذب أدى إلى تفكيك داخلي في صفوف الإسلاميين وأدى إلى تناحر مستمر بين قياداتهم، مما أفقدهم أيّ مصداقية سياسية أو شعبية واسعة.
في حال تمردت القوات المشتركة على الإسلاميين، ورفعت السلاح ضدهم، فإن هذا السيناريو سيؤدي إلى تداعيات كارثية على حكومة بورتسودان، إذ ستفقد السيطرة على غرب السودان، وسيتفاقم الأمر بانهيار الاستقرار في بقية الأقاليم، مهدداً بتفتيت البلاد أكثر مما هي عليه. كما سيصبح الإسلاميون في موقف أصعب، وستجد قياداتهم نفسها أمام ضغط سياسي وعسكري متزايد لا يمكنها السيطرة عليه. ومن المتوقع في مثل هذه الظروف أن تظهر النزعات العنصرية داخل صفوف الإسلاميين، لتبرز التصدعات العميقة داخل هذا التيار وتشتد الانقسامات الداخلية.
يواجه الإسلاميون تحدياً غير مسبوق، إذ أن غياب الرؤية الإستراتيجية يضعهم في مواجهة عواقب وخيمة على الصعيدين الأمني والسياسي، ما ينذر بتآكل نفوذهم وسلطتهم، ودخول البلاد في مرحلة جديدة من الفوضى التي قد تفتح الباب أمام قوى سياسية واجتماعية جديدة لتعيد ترتيب المشهد السوداني من جديد.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله السنوار الانتخابات الأمريكية غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية حرب السودان الحرکة الإسلامیة
إقرأ أيضاً:
السودان يطلب من الولايات المتحدة الضغط على الإمارات بشأن الدعم السريع
طالب السودان الولايات المتحدة بالضغط على الإمارات "لوقف شحنات السلاح" التي تصل إلى قوات الدعم السريع، مشيرا إلى أن ذلك من شأنه أن يوقف الحرب الدائرة في البلاد.
وخلال جلسة لمجلس الأمن الدولي يوم أمس الخميس، طلب مندوب السودان الدائم لدى الأمم المتحدة الحارث إدريس الحارث، من الولايات المتحدة أن "تصنف مليشيا الدعم السريع ممجموعة إرهابية، وأن تضغط على الإمارات لوقف شحنات السلاح"، مشيرا إلى أن ذلك "من شأنه أن يوقف الحرب.
وعبر الحارث عن تقدير السودان "للجهود التي بذلتها الولايات المتحدة الأمريكية في مجال الإغاثة والبحث عن حل لوقف الحرب وارتباطها الايجابي مع السودان".
وأشار إلى أن "جملة ما خصصته أمريكا للإغاثة الإنسانية فاقت أكثر من بليون دولار"، مشيرا إلى أن "وزارة الخارجية الأمريكية واصلت بشكل منتظم إداناتها لفظائع وجرائم مليشيا الدعم السريع"، وأن أمريكا "طلبت من المليشيا رفع الحصار عن مدينة الفاشر".
ولفت إلى "المساعي التي بُذلت في الكونغرس لتجريم الدعم السريع ووقف تصدير السلاح إلى الإمارات، فضلا عن ارتباط وكالة العون الأمريكية والمبعوث الأمريكي مع حكومة السودان والزيارات التي قاموا بها".
ويتهم الجيش السوداني الإمارات بالتورط في تغذية الصراع المسلح بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، ويتهم الإمارات بتوفير الإمداد العسكري لقوات الدعم السريع عن طريق دول تشاد وإفريقيا الوسطى، وقدمت السلطات السودانية ملفا إلى مجلس الأمن يحتوي على ما قالت إنها أدلة تثبت تورط أبوظبي في دعم قوات الدعم السريع.
وكان سجال كلامي قد وقع يوم 18 يونيو بين مندوب الإمارات في الأمم المتحدة محمد أبو شهاب، ونظيره السوداني الحارث إدريس، خلال اجتماع لمجلس الأمن الدولي في نيويورك، خصص لبحث الوضع في السودان اتهم فيه المندوب السوداني الإمارات بدعم ميلشيات الدعم السريع بالسلاح قائلا إن بلاده "تملك أدلة على ذلك".
وعلق مستشار الرئيس الإماراتي أنور قرقاش نافيا تلك الاتهامات، قائلا: "في الوقت الذي تسعى فيه الإمارات إلى تخفيف معاناة الأشقاء السودانيين يصر أحد أطراف الصراع على خلق خلافات جانبية وتفادي المفاوضات وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية"
وأضاف مستشار الرئيس الإماراتي "اهتمامنا ينصب على وقف الحرب والعودة للمسار السياسي.. اهتمامهم يشدد على تشويه موقفنا عوضا عن وقف الحرب".
وقد انزلق السودان إلى صراع في منتصف أبريل 2023 عندما اندلع التوتر بين جيشها والقادة شبه العسكريين في العاصمة الخرطوم وامتد إلى دارفور وغيرها من المناطق. وأجبر أكثر من 13 مليون شخص على الفرار من منازلهم.