في قلب الشرق، تتأرجح مصر كالبندول؛ حائرة، بلا وجهةٍ ثابتة منذ عام 2013، كأنما فقدت بوصلة الصمود التي اعتادت حملها لسنين طويلة، كانت نموذجا للريادة في زمنٍ مضى، تزرع جذور الأمل في جوارها، تبث روح التآزر والتضامن، إلا أن هذه القيم تآكلت، وسرعان ما تبددت مع الرياح التي عصفت بأصول الوطن وموارده، لتباع كما تباع السلع في سوقٍ عابرة، تدار فيها المصالح بيدٍ غريبة، لا ترى في مصر سوى فرصة لمزيد من المكاسب.



الأثر الاستراتيجي على نفوذ مصر الإقليمي

لطالما مثلت مصر ثقلا إقليميا لا يستهان به، وكان دورها في قضايا الجوار عمودا رئيسيا لاستقرار المنطقة، إلا أن هذا الدور أخذ في الانحسار، تاركا فراغا خطيرا، أتاح لقوى أخرى التدخل وفرض إرادتها. ففي فلسطين، يواجه الشعب تدهورا مأساويا في ظل غياب دورٍ فاعل لمصر، إذ تتزايد أعداد الشهداء والمصابين، فوفقا للتقارير بلغ عدد الشهداء في قطاع غزة وحده نحو 43,600 شهيد، بالإضافة إلى أكثر من 6,250 مفقودا، بينما تجاوز عدد المصابين 1.9 مليون مواطن، غالبيتهم يعانون من إصابات وإعاقات دائمة، ويمتد التأثير الكارثي إلى تهجير أكثر من 400 ألف نازح داخل القطاع، في ظل غياب أي تدخل حقيقي لكسر الحصار أو تحسين الأوضاع الإنسانية.

أما في لبنان، فقد تضاعفت معاناة الشعب في ظل تصاعد الأزمات الداخلية والخارجية، التي تسببت في سقوط 2,464 قتيلا وأكثر من 11,530 مصابا منذ تصاعد الأزمة. وإلى جانب ذلك، يعاني لبنان من موجات نزوح داخلية بلغت قرابة 809 ألف انازح، مع تدمير أكثر من 100 مدرسة وخمسة مستشفيات، مما يزيد من صعوبة استعادة الحياة الطبيعية ويفاقم أزمة التعليم والرعاية الصحية. هكذا، تترنح الأوضاع الإنسانية تحت ثقل الإهمال العربي والدولي، بينما تتسع الفجوة بين حاجات الشعب وقدرة الدولة على مواجهتها، في وقت تنسحب فيه مصر عن الساحة، مكتفية بمراقبة الأمور من بعيد، تاركة مساحة خالية لقوى أخرى لتملأ الفراغ بما يتناسب مع مصالحها.

التبعية الاقتصادية وتداعيات بيع الأصول الاستراتيجية السيادية

مع تصاعد الديون الخارجية التي تجاوزت حاجز الـ165 مليار دولار، لجأت مصر إلى بيع أصولها الحيوية، كأنما تستجدي دفعة أخيرة من الأمل، إلا أن هذا المسار يكبل القرار الوطني بقيدٍ من التبعية، ويضع السيادة على المحك، إذ تتحول الاستثمارات الأجنبية من أداة للإنعاش الاقتصادي إلى طوق يلتف حول عنق الدولة، فتفقد استقلالها تدريجيا مع كل استثمار، وتصبح رهينة لإرادة الغرباء الذين يتلاعبون بخيوط القرار كما يشاؤون.

المخاطر الأمنية والسيادية تكمن في الخصخصة وبيع الأصول الحيوية

إن خصخصة الأصول الاستراتيجية أشبه بمنح مفاتيح الوطن لمن لا يعرف مداخل بيوته، حيث بيع المطارات والموانئ للجهات الخارجية ليس إلا تضحية بالأمن الوطني على مذبح العجز المالي، فكيف لدولةٍ أن تضمن سيادتها وقد سلمت منافذ حدودها الحيوية ليدٍ غريبة؟ إن المطارات والموانئ ليست مجرد معابر للمسافرين والبضائع؛ إنها شرايين الوطن، تتدفق فيها نبضات سيادته واستقلاله، وعندما تدار هذه الشرايين من قبل أطراف أجنبية، تصبح مسألة السيادة في خطر داهم، وتتحول قرارات الدولة إلى مجرد استجابة لضغوطٍ خارجية، حيث تتحكم تلك الجهات بمفاصل الاقتصاد وتضيق الخناق على سيادة القرار.

تداعيات النكسة الاستراتيجية والانتكاسة الاقتصادية على التماسك الاجتماعي

أفرز التضخم المتصاعد الذي بلغ 26 في المئة في 2024 وجها آخر لمعاناة المواطن، إذ قفزت أسعار السلع الأساسية، وتآكلت قيمة الجنيه، وانهارت القوة الشرائية، ما جعل الحياة اليومية عبئا متزايدا على كاهل الناس، هذا الوضع الاقتصادي الهش لم يؤثر فقط على المواطن العادي؛ بل أنهك التماسك الاجتماعي، مهددا بحالة من السخط والغضب المتصاعد الذي يُنذر بموجات اضطرابٍ جديدة، وتبقى أسئلة الشارع متعلقة: أين ملامح الاستقلال الاقتصادي؟ وكيف للوطن أن ينهض، والضغوط تزداد يوما بعد يوم، فتتراجع أحلام التنمية أمام جدرانٍ من الديون؟

توازن الدولة بين تحديات التوازن بين الأمن القومي واستدامة النمو الاجتماعي

في ظل التراجع الاقتصادي الحاد، والتحول إلى "اقتصاد الحرب"، تواجه مصر معضلة كبرى؛ كيف تحافظ على أمنها القومي واستدامة نموها الاجتماعي في ذات الوقت؟ فاقتصاد الحرب، الذي يعتمد بشكل رئيسي على الإنفاق العسكري، يأتي على حساب القطاعات الحيوية التي تعتبر أساس رفاهية المواطن، كالتعليم والصحة، ومع توسع الاقتصاد العسكري، تزداد حدة الانقسام بين طبقات المجتمع، ويجد المواطن العادي نفسه أمام دولة تميل إلى تسليح الجيش أكثر من توفير رغيف الخبز، ويبقى التساؤل الأهم: كيف يمكن لمصر أن تحقق توازنا يُبقيها على سكة التنمية دون أن تتحول إلى أداةٍ بيد الاقتصاد العسكري؟

في كلمات: مصر على أبواب اقتصاد الحرب فيُسقط المواطن ويُفني الشعب

تبدو مصر اليوم كأنها تقف على أبواب نموذج اقتصادي يحوّلها إلى أداة للدفاع والصراع على حساب القطاعات التي تضمن رفاهية المواطن، ومع تزايد العجز المالي، تلتف القيود حول اقتصاد الوطن، ليصبح المواطن بين المطرقة والسندان، يكابد الحياة اليومية في مواجهة ارتفاع تكلفة المعيشة وتزايد الأعباء، وباتت القيادة العسكرية للبلاد تسير في طريق لا يضع رفاهية المواطن ضمن أولوياته، حيث تنخرط في مشروعات ضخمة تتجاوز إمكانيات الدولة، في وقت يحتاج فيه الشعب إلى استجابة عاجلة لاحتياجاته الأساسية.

في نهاية هذا النفق الطويل، يبقى السؤال معلّقا في الأفق: هل تستعيد مصر عافيتها من نكستها الاستراتيجية؟ وهل يمكن للشعب أن يرى ضوء العدالة الاقتصادية بعد طول انتظار؟ أم أن الوطن سيظل عالقا في مستنقع التبعية، ينوء تحت أعباء اقتصادٍ عسكري يهدد بهدوء أحلام أجياله المستقبلية؟

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مدونات مدونات مصر فلسطين الاقتصادية الحرب مصر اقتصاد فلسطين الحرب مدونات مدونات مدونات مقالات مقالات مقالات مقالات رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة مقالات رياضة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة اقتصاد الحرب أکثر من

إقرأ أيضاً:

أكثر الأدوية المزورة التي يتناولها الملايين

كشف صيدلاني مرخص ما أسماه أكبر عملية احتيال في الصناعة الطبية، وهي كبسولات الجل، والتي يتناولها الملاين.

و تشكل هذه الكبسولات صناعة بمليارات الدولارات، ومن أهم نقاط بيعها أن المادة الأكثر ليونة تذوب بسرعة أكبر في الجسم، مما يسمح للأدوية بالتأثير بشكل أسرع، غير أن الدكتور غرانت هارتينغ،  صيدلاني ومؤسس CrushCost في مقطع فيديو له، يزعم أن الأقراص تتحلل بشكل أسرع من الكبسولات بعد إجراء تجربة حيث قام بإذابة كليهما في الماء، وفق دايلي ميل.
وقال هارتينغ إن هذا أمر بالغ الأهمية، فذوبان القرص بشكل أسرع في الماء، يعني أنه لا مبر لأن تكون كبسولات الجل أكثر تكلفة من الأقراص، وهو الأمر الواقع.

 


وعلى سبيل المثال، تكلف عبوة من 24 قرص Tylenol  حوالي 5 دولارات مقارنة مع 8 دولارات لكبسولات الجل "سريعة الإطلاق"، كما توصف.
وكبسولات الجل عبارة عن غلاف صلب أو ناعم يحمل الأدوية بداخله، ويتحلل الغلاف عندما يدخل الجهاز الهضمي ثم يتم امتصاص الدواء المغلف في مجرى الدم، ومن ناحية أخرى، تتكون الأقراص بالكامل، من الأدوية ويتم تصنيعها عن طريق ضغط مكون واحد أو أكثر من المكونات المسحوقة لتشكيل حبة صلبة ومتماسكة وناعمة الملمس تتحلل في الجهاز الهضمي.

 


 عندما ذكر مشاهدو فيديو الدكتور هارتنغ، أن حمض المعدة ليس له نفس خصائص الماء، كشف أنه أجرى نفس التجربة في مادة تشبه حمض المعدة وشاهد القرص يذوب بشكل أسرع مرة أخرى.
وأوضح الدكتور هارتنغ أن درجة حرارة الجسم ومحتوى الماء هما العاملان الرئيسيان اللذان يؤثران على قابلية ذوبان الكبسولة أو القرص، وتؤدي درجة حرارة الجسم المرتفعة عموما إلى ذوبان أسرع للدواء بسبب زيادة الحركة الجزيئية، مما يعني أن الكبسولة أو القرص سوف تتحلل بشكل أسرع وتنتشر بسهولة أكبر في مجرى الدم.
 وبالمثل، يمكن لمستويات المياه الأعلى في الجسم أن تذيب الكبسولة أو القرص بشكل أسرع أيضا حيث يبدأ الماء الموجود بالفعل داخل الدواء في التفاعل مع الماء في الجسم أثناء تحلله ودخوله بسرعة إلى الدم.

 


وفي العام الماضي، طُلب من المستهلكين تجنب جل Tylenol سريع الإطلاق بسبب الملصقات "المضللة" حول المدة التي يستغرقها لتخفيف الألم،ىوتم رفع دعوى قضائية جماعية مقترحة ضد الشركة المصنعة لـ Tylenol، Kenvue   وهي جزء من Johnson and Johnson في وقت سابق من العام الماضي.
و قالت المستهلكة ، إيفي كولاز، من نيويورك، والتي كانت تقود الدعوى القضائية الجماعية إنها لم تكن لتشتري الأقراص إذا أدركت أنها لا تعمل بنفس سرعة الإصدارات الأصلية.

مقالات مشابهة

  • برئاسة محمد بن راشد.. مجلس الوزراء يعتمد الاستراتيجية الوطنية للاستثمار 2031 والسياسة الوطنية لمكافحة المخاطر الصحية في الدولة
  • مجلس الوزراء يعتمد الاستراتيجية الوطنية للاستثمار 2031
  • برئاسة محمد بن راشد.. مجلس الوزراء يقر الاستراتيجية الوطنية للاستثمار خلال 6 سنوات مقبلة
  • مجلس الوزراء يقر الاستراتيجية الوطنية للاستثمار خلال الـ6 سنوات القادمة
  • قيادي بمستقبل وطن: الدولة المصرية تمضي نحو البناء والتنمية والتعمير
  • أوهام اقتصاد الحرب في أوروبا
  • “حساب المواطن”: إيداع أكثر من 3 مليارات ريال بحسابات المستفيدين عن دفعة مارس 2025
  • أكثر الأدوية المزورة التي يتناولها الملايين
  • لتعزيز الحماية الاجتماعية| هكذا تضع الدولة المواطن في مقدمة أولوياتها.. تفاصيل
  • أستاذ اقتصاد : الرئيس السيسى طمأن المصريين بشأن توافر السلع الاستراتيجية