عربي21:
2024-11-02@03:29:51 GMT

القاتل هو الضحية: من غزة إلى لبنان

تاريخ النشر: 2nd, November 2024 GMT

استعاد الكاتب الأمريكي الأسود جيمس بالدوين (1924 – 1987) في إحدى حواراته في فيلم وثائقي مهم عنوانه «لست زنجيّك» أخرجه راؤول پيك في 2017، لحظة مفصلية في طفولته، أدرك فيها سطوة الخطاب العنصري في الثقافة السائدة، وفي أفلام هوليوود بالذات. يقول بالدوين إنه حين كان يشاهد أفلام «الوسترن» (الغرب الأمريكي) التي يحترب فيها رعاة البقر البيض مع السكان الأصليين، كان يتماهى مع الرجل الأبيض المنتصر، ثم أدرك، في تلك اللحظة المفصلية إنه، كضحية لنظام فصل عنصري يجب أن يتماهى ويتضامن مع الهندي الأحمر ويكون في صفه وفي خندقه، لا مع القتلة، الذين صوبوا بنادقهم وسياطهم، وقوانينهم نحو السود.



تذكرت مقولة بالدوين وأنا أقرأ تقريراً نشرته شبكة «سي إن أن» مؤخراً على موقعها عن «معاناة» الجنود الإسرائيليين العائدين من غزة بعنوان عريض «ترك غزة لكن غزة لم تتركه». وركّز التقرير على إليرام مزراحي، الذي اشترك في حرب الإبادة في غزة منذ أيامها الأولى، وكان يقود جرّافة مصفّحة.

وبعد عودته من غزة بدأ، مثل الكثيرين، يعاني من آثار نفسية ومن الأرق والغضب. وكان يتلقى علاجاً نفسياً كل أسبوع. ومع ذلك فكان يستعد للعودة ثانية إلى غزة، لكنه انتحر قبل موعد التحاقه.
وحسب صحيفة «جيروزاليم بوست»، فإن رفيقه غاي زاكين، أدلى بشهادة أمام الكنيست في يونيو الماضي وصف فيها كيف أنهما، هو ومزراحي، تلقيا ونفذا أوامر، عدّة مرات بدهس مئات «الإرهابيين» حتى وهم أحياء. وتذمّر الأخ من أنّه لم يعد يأكل اللحم من جراء ذلك كله «عندما ترى كل ذلك اللحم والدم، من عندنا ومن عندهم، فإنه يؤثر عليك».

أما شقيقة مزراحي فقالت «ربما قتل شخصاً ما. نحن لا نلقن أطفالنا أن يفعلوا أموراً كهذه، فلربما حين فعل ذلك كانت صدمة له». بعد انتحار مزراحي، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي مشاهد كان قد وضعها على حسابه الشخصي يظهر فيها وهو يتبجح ويتباهى بالبنايات التي دمّرها.

يحفل التقرير بتفاصيل أخرى كثيرة تؤدي وظيفتها في أنسنة الجندي الإسرائيلي وتصويره على أنه مدنيّ مسالم اضطر لهجر حياته وعمله لخوض الحرب وأنه هو ضحيتها الأولى. فلا وجود للمدنيين على الجانب الآخر في نهاية المطاف، فكلهم إرهابيون.

ويذكّرنا هذا بمقولة رئيسة وزراء إسرائيل غولدا مائير (1898- 1978) «يمكن أن نغفر للعرب أنهم قتلوا أطفالنا، لكننا لن نغفر لهم أنهم أجبرونا على قتل أطفالهم».

وأنسنة المستعمر في حروب الغزو والإبادات وتصويره كضحية هو ما تشترك فيه الثقافة السائدة في الولايات المتحدة وفي إسرائيل، والأمثلة كثيرة. يكفي أن نذكر، مثلاً، أن هذه الثقافة السائدة احتفت بفيلم «خزانة الألم» من إخراج كاثرين بغلو 2008) وهو من أهم الأفلام الأمريكية التي أنتجت عن غزو العراق، فامتدحه النقاد وحصد الجوائز، بضمنها ست جوائز أوسكار، ووضعوه في خانة أفلام ضد الحرب.

لكن الفيلم لم يكن كذلك البتة. بل جاء خطابه متناغماً مع الرواية الرسمية ولم يشكك بها قط. بطل الفيلم هو الجندي الأمريكي المثالي، المتفوق أخلاقياً، الذي يحاول إنقاذ الحياة والدفاع عنها في ظروف قاهرة. لا حاجة للسياق التاريخي ولا حاجة لإشغال المشاهدين بالسياسات والظروف التي حولت العراق إلى ساحة حرب. المهم هو أن هناك جنديا أمريكيا، ترك مدينته البعيدة وحياته، وقطع المحيطات ليحط في بلد صحراوي، ويحاول نزع فتيل المتفجرات. ألا يجدر بالجمهور أن يتعاطف معه؟


والجدير بالذكر أن عنوان الفيلم مقتبس من قصيدة لشاعر أمريكي كان قد اشترك في غزو العراق هو برايان ترنر واختارها عنواناً لمجموعته الشعرية التي استقبلت بحفاوة، واعتبرت أيضاً قصائد ضد الحرب مع أن الكثير منها كانت تشبه تقارير عسكرية مُشَعْرَنة، أو قائمة إرشادات عسكرية مثل تلك التي وزّعتها وزارة الدفاع على الجنود، والتي تختصر العراق والعراقيين وثقافتهم في صور نمطية وعنصرية.

خذ، مثلاً، هذه المقاطع من قصيدة «ما يجب أن يعرفه كل جندي»: هناك قنابل تحت جسور الطرق السريعة/في أكوام الزبالة، والطابوق، والسيارات/ هناك قنابل وعبوات مدفعية/مخاطة إلى جثث حيوانات نافقة/هناك كتابات بالصبغ على جوانب الطرق: سأقتلك أيها الأمريكي/رجال يرتدون ثياباً ملغّمة بالمتفجرات/يقتربون منك ويرفعون أيديهم ويقولون: الله أكبر/هناك رجال يكسبون ثمانين دولاراً/مقابل الهجوم عليك وخمسة آلاف لقتلك/ أطفال صغار يلعبون معك/شيوخ بأحاديثهم، ونساء يقدمن لك الشاي/ وأي واحد منهم/قد يرقص على جثتك غداً».

كل مدني، سواء كان طفلاً، أو امرأة، أو شيخاً، مهما عبّر عن إنسانية أو كرم، قد يحتفل غداً بوحشية بالقتل. في المحصلة النهائية: ليس هناك عراقي لا يصنع الموت أو يحتفل به ويشجّع عليه.

وثيمة الجندي الأمريكي وصورته كضحية سائدة في روايات ومذكرات الجنود الأمريكيين الذين شاركوا في غزو العراق واحتلاله وعادوا ليصبحوا أدباء. هناك استثناءات قليلة، من أبرزها، روس كابوتي، الذي اشترك في معارك الفلوجة، لكنه بعد عودته من العراق كرّس حياته لفضح الجرائم التي اقترفها الاحتلال الأمريكي ونشر، بالاشتراك مع آخرين كتابا بعنوان «سلب الفلوجة: تاريخ شعب» (دار نشر جامعة ماساتشوستس 2019).

أما في السياق الإسرائيلي، فلعل أحد أبرز الأمثلة سينمائياً هو فيلم «فالس مع بشير» (آري فولمان 2009) الذي حاز جائزة غولدن غلوب ورشح للأوسكار والسعفة الذهبية في كان، واحتفى به النقاد آنذاك. يتمحور الفيلم حول استعادة الذكريات المكبوتة لمخرج الفيلم ورفاقه الذين اشتركوا في غزو لبنان في 1982 واحتلال بيروت، وينتهي بمجزرة صبرا وشاتيلا. لكن السياق التاريخي مغيّب (وبالتالي المسؤولية الإسرائيلية).

ولا وجود للمدنيين من الفلسطينيين واللبنانيين الذين قتلهم الغزو. فالضحية هو الجندي الإسرائيلي ومحنته ومعاناته وذاكرته هي البؤرة، لذلك أدرج الفيلم في جنس يعرف بـ «نطلق الرصاص ونبكي» وهو ما ذكره الصحافي اليساري جدعون ليفي الذي انتقد الفيلم ومخرجه بشدة فكتب: «أطلقنا النار ثم بكينا. وكم بكينا! وكأن ايدينا ليست هي التي أراقت هذه الدماء». وذكر ليفي جبن وتواطؤ فولمان الذي لم يذكر غزّة التي كانت تتعرض يومها لهجوم إسرائيلي حين استلم جائزة الغولدن غلوب.

القدس العربي

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة الولايات المتحدة الاحتلال لبنان لبنان الولايات المتحدة غزة الاحتلال مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة مقالات رياضة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

تفاصيل المقترح الأمريكي بوقف الحرب في لبنان.. عاجل

بيروت/القدس المحتلة - رويترز

قال مصدران مطلعان لرويترز اليوم الأربعاء إن وسطاء أمريكيين يعملون على مقترح لوقف القتال بين الجيش الإسرائيلي وجماعة حزب الله اللبنانية يبدأ بوقف لإطلاق النار لمدة 60 يوما، لكن إسرائيل واصلت هجومها وأمرت السكان بإخلاء مدينة بعلبك في شرق لبنان.

وقالت مصادر أمنية لرويترز إن إسرائيل بدأت هجمات مكثفة على مدينة بعلبك التاريخية وقرى محيطة بها في سهل البقاع بشرق لبنان، بعد أن أصدر الجيش الإسرائيلي أمر إخلاء للمدينة وضواحيها.

وقال المصدران، وهما شخص مطلع على المحادثات ودبلوماسي كبير معني بشؤون لبنان، إن فترة الشهرين ستخصص لإتمام التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701 لعام 2006 لإخلاء جنوب لبنان من الأسلحة باستثناء ما يتبع الدولة اللبنانية.

وقال مسؤول أمريكي إن بريت مكجورك مستشار الرئيس الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط وآموس  هوكستين المبعوث الأمريكي الخاص إلى لبنان سيصلان إلى إسرائيل غدا الخميس لبحث عدد من الأمور "من بينها ما يتعلق بغزة ولبنان والرهائن وإيران وشؤون المنطقة الأوسع نطاقا".

وتأتي جهود التهدئة في الوقت الذي تواصل فيه إسرائيل توسيع عملياتها العسكرية ضد حزب الله المدعوم من إيران. وأصدر الجيش الإسرائيلي اليوم الأربعاء أول أمر إخلاء لمدينة بعلبك في الشرق حيث يعيش عشرات الآلاف من شيعة لبنان، ومن بينهم عدد كبير فروا من مناطق أخرى.

ودعا محافظ بعلبك بشير خضر السكان إلى الإخلاء والتوجه إلى الشمال.

وقال بلال رعد رئيس مركز الدفاع المدني الإقليمي في بعلبك إن المركز الذي يضم متطوعين في الأساس دعا السكان إلى المغادرة عبر مكبرات الصوت بعد تلقي اتصالات هاتفية من أشخاص قالوا إنهم من الجيش الإسرائيلي.

وأضاف "الناس فوق بعضها، المدينة كلها ضايعة ليشوفوا لوين بدهن يروحوا، في زحمة سير كبيرة".

وبعض المناطق التي يفرون إليها مكدسة بالفعل بالنازحين.

وقال أنطوان حبشي النائب عن بلدة دير الأحمر ذات الأغلبية المسيحية الواقعة شمال غربي بعلبك إن أكثر من 10 آلاف شخص كانوا بالفعل يحتمون بالمنازل والمدارس والكنائس قبل أمر الإخلاء الصادر اليوم.

وقال لرويترز "نرحب بالجميع بالتأكيد لكننا نحتاج إلى مساعدة حكومية عاجلة حتى لا يظل هؤلاء الناس في البرد".

ولليوم الثالث على التوالي، يعلن حزب الله عن قتال عنيف مع القوات الإسرائيلية بالقرب من بلدة الخيام الجنوبية، في أعمق توغل للقوات الإسرائيلية في لبنان منذ بدء القتال.

وقالت السلطات اللبنانية إن الغارات الإسرائيلية على بلدة الصرفند في جنوب لبنان أمس الثلاثاء قتلت 10 أشخاص على الأقل، معظمهم من النساء والأطفال، بينما أسفرت غارة منفصلة على مدينة صيدا الساحلية عن مقتل خمسة على الأقل وإصابة 37 آخرين.

* "مسعى جاد"

القرار 1701 حجر زاوية في محادثات لإنهاء عام من القتال بين إسرائيل وحزب الله والذي اندلع بالتوازي مع الحرب في قطاع غزة وتصاعد بشكل كبير على مدى الأسابيع الخمسة الماضية.

وقالت سما حبيب المتحدثة باسم السفارة الأمريكية في بيروت ردا على سؤال عن المقترح "نود أن نؤكد مجددا أننا نسعى إلى حل دبلوماسي ينفذ القرار 1701 بشكل كامل ويعيد المواطنين الإسرائيليين واللبنانيين إلى منازلهم على جانبي الحدود".

وقال المبعوث الأمريكي الخاص إلى لبنان  هوكستين الذي يعمل على المقترح الجديد للصحفيين في بيروت هذا الشهر إن هناك حاجة إلى آليات أفضل لتطبيق القرار إذا لم تنفذه إسرائيل أو لبنان بشكل كامل.

وأوضح المصدران لرويترز أن الهدنة التي تستمر 60 يوما حلت محل مقترح طرحته الولايات المتحدة ودول أخرى الشهر الماضي وتضمن وقف إطلاق النار لمدة 21 يوما تمهيدا لدخول القرار 1701 حيز التنفيذ بالكامل.

ومع ذلك حذر المصدران من أن الاتفاق قد ينهار. وقال الدبلوماسي "هناك مسعى جاد للتوصل إلى وقف لإطلاق النار، لكن لا يزال من الصعب تحقيقه".

وقال المصدر المطلع على المحادثات إن إسرائيل لا تزال تضغط من أجل ضمان القدرة على "التطبيق المباشر" للهدنة من خلال الضربات الجوية أو العمليات العسكرية الأخرى ضد حزب الله في حال خرقه للاتفاق.

وذكرت القناة 12 التلفزيونية الإسرائيلية أن إسرائيل تسعى إلى إقرار نسخة تعزز مصالحها من قرار الأمم المتحدة رقم 1701 مما يتيح لها التدخل إذا شعرت بتهديد أمنها.

وقال مسؤولون لبنانيون إنه لم يتم إطلاع لبنان رسميا على الاقتراح ولا يمكنه التعليق على تفاصيله.

وتأتي المساعي من أجل وقف إطلاق النار في لبنان قبل أيام من إجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية وتزامنا مع حملة دبلوماسية مماثلة بشأن غزة.

وأشار موقع أكسيوس إلى أن المسؤولين الإسرائيليين والأمريكيين يعتقدون أن حزب الله بات مستعدا أخيرا للنأي بنفسه عن حركة حماس في غزة بعد تعرض الجماعة اللبنانية لضربات موجعة بما في ذلك مقتل أمينها العام حسن نصر الله.

 

مقالات مشابهة

  • العراق وتركيا يبحثان آخر التطورات التي تشهدها المنطقة
  • استراتيجيات ممنهجة لتهجير السكان.. أبعاد تمرير القانون الصهيوني الذي يحظر عمل الأونروا في الأراضي الفلسطينية المحتلة
  • بو عاصي من سيدني: لا ثقة دولية بالوعود التي يطلقها الحزب
  • الطب الشرعى فى قضية سفاح التجمع: عثرنا على آثار عنف بجثمان الضحية
  • آلان عون: مجرّد مجيء هوكشتاين وماكغورك إلى تل أبيب يعني أنّ هناك بارقة أمل
  • رئيس "النواب اللبناني": ليس هناك أي نية لتغيير نص القرار 1701
  • تفاصيل المقترح الأمريكي بوقف الحرب في لبنان.. عاجل
  • المسيرة التي استهدفت مصنع المكونات الجوية في إيران أطلقت من العراق
  • الجيش الأمريكي يعلن شن ضربات في سوريا أسفرت عن مقتل 35 مسلحا