المجلس الأعلى للبجا يحذر من عسكرة إقليم الشرق
تاريخ النشر: 2nd, November 2024 GMT
التغيير: الخرطوم
أكد المجلس الأعلى للبجا، عبر أمانته السياسية، رفضه القاطع لما وصفه بمخطط عسكرة القبائل ونشر قوات عسكرية مدعومة من جهات أجنبية في إقليم البجا بشرق السودان.
والثلاثاء الماضي، أعلنت ميليشيا جديدة تُدعى “الأورطة الشرقية”، عن نشر قواتها في شرق السودان بالتنسيق مع الجيش السوداني الذي يخوض حرباً مستمرة مع «قوات الدعم السريع» منذ أكثر من عام ونصف، في أول انتشار لميليشيا مسلحة في مناطق لم تصلها الحرب سابقاً.
وقالت الميليشيا في بيانٍ لها الثلاثاء، إن “قواتكم الباسلة بقيادة الجنرال الأمين داود محمود، تنتشر وتتوسع في الإقليم الشرقي بعد مشاورات فنية وعسكرية مع القوات المسلحة.
وشدد المجلس الأعلى للبجا، عبر بيان، الجمعة، على أن التحركات الجارية في المنطقة تستغل قضية البجا العادلة وتحوّلها إلى أدوات سياسية تخدم أهدافاً خارجية لا تصب في مصلحة شعب البجا، مما يمثل تهديداً لاستقرار الإقليم.
وأوضح البيان أن المجلس قد لاحظ منذ أحداث 25 أكتوبر 2021، في إشارة للانقلاب الذي نفذه العسكريون وأطاح بحكومة الفترة الانتقالية، أن السلطة العسكرية تتلاعب بقضية البجا عبر سياسات وممارسات تهدف إلى زعزعة الاستقرار، في محاولة لتحييد المجلس عن دوره الأصلي.
وأضاف البيان أن الخرطوم لم تلتزم بقرارات مؤتمر سنكات المصيري الذي يعبر عن مطالب أهل البجا الحقيقية، مشيراً إلى أن الوضع الراهن يتجه نحو عسكرة المنطقة بشكل مرفوض من المجلس.
تسليح أجنبي
وأشار البيان إلى وجود قوات يشتبه بتدريبها وتسليحها من دول أجنبية، ونشرها داخل إقليم البجا، مدعياً أنها تتبع قوى مدعومة من جهات خارجية وتعمل لصالح أهداف سياسية لا تخدم استقرار المنطقة، بل تمثل خطراً على شعب البجا وتهدف إلى تغيير التوازن الديمغرافي.
وجددت الأمانة السياسية رفضها لأي محاولة لنشر مليشيات عسكرية أو أي وجود لقوات أجنبية في المنطقة، معتبرة أن ذلك يشكل إعلان حرب على أهل البجا، وأكدت ضرورة التصدي لمثل هذه المحاولات حفاظاً على سيادة الإقليم.
وأعلن المجلس دعوته لجميع القيادات في مؤتمر سنكات، وكافة القوى السياسية، إلى اجتماع عاجل لبحث سبل مواجهة هذه التحديات، وتجديد التمسك بمطالب الحكم الذاتي لإقليم البجا، مع استنفار الشباب للدفاع عن مصالح الإقليم وحقوق أهله في مواجهة ما اعتبره المجلس تهديدات مستمرة.
ويشهد السودان منذ 15 أبريل 2023 قتالاً عنيفاً بين الجيش وقوات الدعم السريع، بدأ في الخرطوم، وامتد إلى مناطق واسعة من دارفور وكردفان والجزيرة وسنار، وأدى إلى أزمات إنسانية كارثية.
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
بين الوحدة والانقسام: موقف بعض قيادات “تقدم” من حكومة سلام ووحدة مقرها الخرطوم
د. أحمد التيجاني سيد أحمد
تناقلت الأسافير تهديدًا نُسب إلى بعض قيادات “تقدم”، مفاده أنهم يعتزمون فك الارتباط عن المجموعة التي قررت تشكيل حكومة في مناطق سيطرة الدعم السريع. إلا أن الخبر لم يحمل تفاصيل كافية، بل اكتفى بنشر صور بعض القيادات المعروفة للحركة مع النبأ المقتضب.
بطبيعة الحال، يمكن للأسافير أيضًا أن تنشر أخبارًا وصورًا لمختلف القيادات المكونة لـ”تقدم”، خاصة أولئك الذين ينادون بوقف الحرب وتأسيس حكومة سلام ووحدة، تسعى لنزع الشرعية عن سلطة الأمر الواقع القابعة في بورتسودان. كما يمكن لهذه المنصات أن تجري مقارنات عددية وديموغرافية بين الفصيلين داخل “تقدم”، متناسية النقاشات والقرارات التي تمخض عنها الاجتماع التأسيسي الثاني للحركة، الذي عُقد في عنتيبي، أوغندا، في ديسمبر ٢٠٢٤، حيث تم الاتفاق على أن تُحسم مثل هذه القضايا الأساسية بالتوافق.
لم يكن لهذا الاجتماع التأسيسي الثاني أن يُقر مبدأ التوافق إلا لضمان وحدة “تقدم” ومنع أي محاولات للانقسام، ناهيك عن منح أي طرف حق إصدار “ورقة انفصال” أو “طلاق سياسي” للأطراف الأخرى.
**تقدم: التعددية والوحدة رغم الاختلاف**
عند التأمل في المشهد العام لـ”تقدم”، نجد أنها تمثل طيفًا سودانيًا متنوعًا، يسعى أصحابه إلى وحدة المصير رغم الاختلافات، ويتبنون نهجًا سلميًا لمعالجة التباينات في الرأي والمنهج.
كذلك، لا يغيب إلا على مغرض أو من هم في غيبوبة سياسية، أن دعاة الحكومة الشرعية يسعون إلى طرح بديل حقيقي لحكومة الانقلاب الكيزانية، التي ارتكبت الفظائع ضد المدنيين، من قتل الأطفال واغتصاب النساء إلى بقر بطون الحوامل، وحمل الرؤوس المقطوعة على فوهات البنادق. ولا يغيب على عاقل أو حادب أن دعاة حكومة السلام يرون أن الحل الوحيد للحفاظ على وحدة السودان يكمن في إعلان حكومة شرعية في المناطق التي يمكن لثمانية عشر مليون لاجئ ونازح العودة إليها، تحت حماية إقليمية ودولية.
• *إن حكومة كهذه لن تُقدِم على تغيير العملة لإرهاق سكان ١٢ أو ١٣ ولاية سودانيةودفعهم إلى الهجرة القسرية.
• *ولن تمنع طلاب السودان من أداء امتحانات الشهادة الثانوية.
• *ولن تلغي جوازات سفر الغالبية العظمى من المواطنين.
بل سيكون هدفها إعادة بناء البنية الاقتصادية والصناعية التي دمّرها سلاح الجو التابع للفلول، مستعينًا بسلاح الجو المصري. كما ستركز على إعادة إعمار الجسور والمستشفيات والجامعات التي استهدفتها الغارات الجوية، في محاولة لتحقيق حلم **دولة البحر والنهر**الانفصالية، أو إعادة إحياء مشروع **دولة وادي النيل**الاستعمارية، التي تسعى إلى ضم السودان تحت النفوذ الاستعماري المصري من جديد.
ولكن، هل يمكن تحقيق هذا المشروع دون إرادة السودانيين؟ وهل يمكن فرض واقع سياسي جديد دون توافق القوى الفاعلة في البلاد؟ هذا هو السؤال الجوهري الذي تتجاهله بعض الأطراف المتحمسة لحلول غير واقعية، تتجاهل تعقيدات المشهد السوداني.
**بين التوافق والانقسام: المسار المستقبلي لـ”تقدم”**
إن جوهر الصراع داخل “تقدم” ليس مجرد انقسام بين تيارين، بل هو صراع بين رؤيتين:
• *رؤية تدعو إلى الحل السياسي السلمي، عبر إعادة بناء السودان وفق مشروع وطنيشامل يستند إلى التعددية والعدالة والتوزيع العادل للسلطة والثروة.
• *ورؤية أخرى تميل إلى الاصطفاف مع الأمر الواقع، إما بالانخراط في مشاريعسلطوية لا تعكس الإرادة الشعبية، أو بالانسياق وراء خطابات العنف والتقسيم، أوعبر تحقيق الرؤية الكيزانية التمكينية التي ترى السودان ليس وطناً لكلالسودانيين، بل ملكية خاصة للإسلاميين، حيثما كانوا.
لقد أكّد الاجتماع التأسيسي الثاني في عنتيبي أن “تقدم” ليست مجرد تحالف عابر، بل مشروع وطني يسعى إلى توحيد القوى الديمقراطية والمدنية خلف رؤية واضحة لإنهاء الحرب وإعادة بناء الدولة. ومن هنا، فإن أي محاولات لإحداث انقسام داخلي أو فرض خيارات غير توافقية لن تؤدي إلا إلى إضعاف المشروع الوطني برمته.
**تحديات المرحلة المقبلة**
إن المشهد السوداني اليوم يواجه تحديات كبرى، تتطلب رؤية واضحة لمواجهتها، وأبرز هذه التحديات:
١- استمرار الحرب وآثارها المدمرة، حيث تسببت الصراعات المسلحة في تهجير الملايين وتدمير المدن والبنية التحتية.
٢- غياب سلطة مركزية شرعية، مما يفتح المجال أمام التدخلات الخارجية والمشاريع التي تسعى إلى إعادة رسم خريطة السودان وفق مصالح إقليمية ودولية.
٣- الانقسامات داخل القوى المدنية والمقاومة، مما يُضعف قدرتها على تشكيل بديل حقيقي يحظى بقبول محلي ودولي.
٤- التدخلات الأجنبية، التي تسعى إلى فرض حلول قد لا تتناسب مع طبيعة المجتمع السوداني وطموحات شعبه.
**ما العمل؟**
لمواجهة هذه التحديات، تحتاج القوى المدنية الديمقراطية داخل “تقدم” وخارجها إلى:
• *التمسك بوحدة الصف، وعدم السماح بأي محاولات لتمزيق الصفوف لصالحأجندات خارجية أو شخصية.
• *العمل على مشروع “الجمهورية الثانية”، كبديل لدولة ١٩٥٦، وهو مشروع وطنيشامل يعكس تطلعات السودانيين في إقامة دولة ديمقراطية عادلة، دون استثناءأو إقصاء؛ دولة قادرة على معالجة جراح التهميش والصراعات التي طغت علىسياسات البلاد منذ الاستقلال.
• *التواصل مع القوى الإقليمية والدولية، لتوضيح أن أي حل لا يأخذ في الاعتبارمصالح الشعب السوداني الحقيقية لن يكون قابلًا للاستمرار.
• *رفض أي تدخلات تهدف إلى فرض وصاية خارجية، سواء عبر دعم طرف معين فيالصراع، أو عبر مشاريع سياسية واستعمارية لا تحترم إرادة الشعوب السودانية.
**الخاتمة**
إن “تقدم”، بمختلف أطيافها، أمام مفترق طرق حاسم: إما أن تكون قوة موحدة تسعى إلى إعادة بناء السودان على أسس سليمة، أو أن تنجرّ إلى صراعات داخلية تُضعف موقفها وتمنح الفرصة لقوى الثورة المضادة لترسيخ سيطرتها.
المعركة اليوم ليست فقط حول تشكيل حكومة هنا أو هناك، بل هي معركة من أجل مستقبل السودان كدولة موحدة، ديمقراطية، ومستقلة عن أي نفوذ خارجي.
التاريخ لن يرحم أولئك الذين يضعون المصالح الضيقة فوق المصالح الوطنية، ولن يغفر لأولئك الذين يسعون إلى تقسيم السودان أو رهن قراره للخارج. الخيار الآن في يد السودانيين: إما السير في طريق الوحدة والسلام، أو الاستمرار في دوامة الانقسام والصراع.
نواصل
د. أحمد التيجاني سيد أحمد
٢٩ يناير ٢٠٢٥ - روما، إيطاليا
ahmedsidahmed.contacts@gmail.com