في قلب الصراع.. الإعلامي وقطعة الإسفنج
تاريخ النشر: 2nd, November 2024 GMT
العالم اليوم تحكمه الكلمة والصورة. الكلمة والصورة وجها عملةِ الخطاب الأعلى صوتاً اليوم، والمنطقِ الذي يستميت الطغيان العالمي في توظيفه حصرا لصالحه ولخدمة مشاريعه الأنانية الاستئثارية في إخضاع المجموع البشري لما يريد،
على طريقة الفرعون المضروب مثلا خالدا في القرآن الكريم «لا أريكم إلا ما أرى»..
وفرعون العصر أمريكا ومنظومتها الهيمنية الغربية الطاغية يشكلان المثال المعاصر الحي لهذه الاستماتة في سبيل إخضاع الجميع بكل الوسائل التي يقوم أغلبها على القهر والقسر والإخضاع بل سفك الدماء والتدمير والإبادة لو اقتضى الأمر.
وفي هامش أو موازاة هذا المسار الظلامي الملفع بالأضواء الكاذبة الخادعة، تنهض الأسلحة الأخرى التي لا تقل خطرا وفتكا وأثرا وفاعلية، أسلحةٌ من أهمها وأخطرها الإعلام .
هنا ولأجل التطويع والتتبيع رأينا ونرى الأرض والفضاء والهواء مسخراتٍ لصورة متكلمة تُطلق جحافلها من كل الاتجاهات والفضاءات، وتتناسل-في تطور مذهل- تقنياتُها المذهلة، والهدف لكل هذا السعار الهجومي المحموم واحد..إنه العقل، الذي هو، ويا لَلمفارقة العجيبة!، المستهدِفُ والمستهدَف..الفاعلُ والمفعول..المهاجم والمدافع في الآن ذاته !
نحن إذاً في معترك كوني يتصدر أسلحتَه الإعلام، ونحن كعرب وكمسلمين في قلب المعترك وفي عين عاصفته الهوجاء الناعمة التي لا تدنو في خطرها ومفاعيلها عن عواصف النار التي لا تتوقف قنابلها المنتَجة في مصانع أمريكا والغرب الأطلسي عن حصاد أرواح الأطفال والنساء وسائر مظاهر الحياة، وهي اليوم في ذروة ضراوتها الجنونية في غزة ولبنان..
إن حالنا مع سلاح الإعلام هو حال الواقف في ذروة الظمإ القاتل على مورد ماء لا مجال للتفريط بقطرة واحدة منه، والشأن لا يختلف مع الأسلحة الأخرى، فنحن في جبهة مصيرية لا مثيل لها في أحجام مخاطرها وتحدياتها، ولا نظير لشراسة وخبث ودموية العدو الذي نواجهه فيها..
عدوٌ ذقنا على أياديه وركائزه على مدى عقود مراراتِ الفساد والاستبداد والتخلف والأمية، واليوم أطل برأسه متوِّجا كل تلك المآسي والمرارات بفعله المباشر في إسالة الدماء وهدم البنيان مستعينا بما أجاد صُنعَه وتنميتَه من آفات وقفازات لجرائمه في صفوفنا..
هذه الاعتبارات والحيثيات تجسِّم مسؤولية ومهمة كل منتمٍ إلى الجسم الإعلامي المنخرط في خندق شرفاء هذه الأمة وأحرارها ومجاهديها (محورِ القدس والجهاد والمقاومة) وتحتم عليه أن يُحسن الإصغاء إلى صوته الداخلي قائلا له إنك كإعلامي «لا تقول كلاما طائرا في الهواء»..أنت تضع بذورا في أوسع وأخصب مساحات الوعي الجمعي، وتحصد مع الملايين في هذا الرحب الموضوعي والإنساني الواسع والعريض ثمار زرعك ومجهودك في أوسع وأبرك أبعادها. أنت تتكلم والعالم يسمع، لكن يجب ألَّا يسمع فقط، بل أن يندفع إلى ساحة الفعل الملموس والمبادرة المسهمة في ردع الطغاة والمعتدين وإنصاف الأمة المظلومة.
لا يكفي أن تكون مبدعا كإعلامي، بل يجب أن تكون حساسا ويقظا ونبيها، ولا يكفي أن تكون منفعلا بل فاعلا، لأنك -ببساطة- كقطعة الإسفنج التي تمتص كل ما ينبثق من هذه الروح المحاصرة بالمآسي والنكبات وشرور الأعداء وجسدِها المثخن بالجراح لتعيد إنتاجه روحا جديدة مفعمة بالإيمان وعنفوانِ التحدي والصمود والإصرار على مواجهة أعدائها مهما كانت إمكاناتهم وأياً يكن مستوى قساوتهم وإجرامهم ووحشيتهم ودمويتهم حتى دحرهم وإنقاذ الأمة والبشرية من عتوهم وشرورهم.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
السودان.. الحرب المنسية وخطر الغياب الدولي
المشهد الذي يعيشه السودان مؤسف جدا، ثلاث سنوات من حرب مدمرة حولت الحرب السودان إلى ساحة ترتكب فيها أبشع الكوارث الإنسانية في العالم دون أن يرى ذلك أحد.
وما بدأ أنه صراع على السلطة بين الجيش الحكومي وقوات الدعم السريع تحوّل بسرعة إلى حرب مفتوحة ضد المدنيين، وأنتج مآسي جماعية مزقت النسيج الاجتماعي السوداني وحولت البلد المتقدم في الكثير من المجالات والذي يملك ثروات طبيعية وغذائية كبيرة إلى بلد يعيش في مجاعة فظيعة.
أرقام الكارثة تروي القصة بمرارتها: عشرات الآلاف من القتلى، مئات الآلاف يواجهون الجوع الكارثي، وملايين أجبروا على الفرار من ديارهم. فيما البنية التحتية، التي كانت أصلا هشة، تهاوت تحت وطأة المعارك المستمرة، وسط غياب أي أفق لحل سياسي حقيقي.
ورغم خطورة المشهد، تبدو استجابة المجتمع الدولي خجولة ومجزأة. النداءات الإنسانية لا تجد تمويلا كافيا، والمؤتمرات الدبلوماسية لا تتجاوز حدود البيانات الرمزية. في غضون ذلك، تتسع مأساة دارفور مجددا، ويُهدد الانقسام الجغرافي والعسكري بخطر تقسيم السودان إلى كيانات متناحرة، مع احتمالات صعود تيارات متطرفة من بين إنقاذ الصراع.
وما يزيد المشهد تعقيدا أن بعض الأطراف الإقليمية لا تكتفي بالمراقبة، بل تساهم بشكل أو بآخر في إذكاء الصراع، إما بدعم مباشر للأطراف المتحاربة، أو بصمت يحفز الاستمرار. وفي ظل هذه التدخلات، تقل فرص الحل السلمي، وتتراجع أولويات إنقاذ السودان من حافة الانهيار الشامل.
لا يمكن تصور حل عسكري لهذا الصراع. بل إن الإصرار على الحسم بالقوة يعمّق النزيف ويدمر القليل المتبقي من مقومات الدولة السودانية. المطلوب اليوم تحرك دولي جاد، لا يقتصر على الدعم الإنساني بل يشمل أيضا، فرض مسار سياسي واضح يربط بين إنهاء الحرب وحماية المدنيين، وتوفير ضمانات لانتقال سياسي حقيقي لا يُقصي أحدا ولا يعيد إنتاج الاستبداد مرة أخرى.
كما أن على القوى الإقليمية، وخاصة الدول العربية والأفريقية، مسؤولية مضاعفة للعمل على تهدئة الصراع ودعم مبادرات حقيقية للحوار الوطني الشامل. فالخراب في السودان لن يقف عند حدوده الجغرافية؛ بل ستمتد تداعياته إلى دول الجوار، كما أن موجات النزوح والجوع ستشكّل تحديا إقليميا متصاعدا.
إن صمود السودانيين رغم المأساة، عبر مبادرات محلية لإغاثة المنكوبين وإعادة بناء الحياة اليومية تحت القصف، يستحق دعما سياسيا وإنسانيا أوسع.
ذلك أن استمرار الحرب بصورتها الحالية لا يهدد السودان وحده، بل يمثل جرحا مفتوحا في ضمير الإنسانية جمعاء، وسؤالا حرجا عن مصداقية النظام الدولي في حماية الشعوب الضعيفة وقت المحن.
السودان لا يحتاج إلى بيانات تضامن عابرة، بل إلى خطة إنقاذ متكاملة تضع إنهاء الحرب وإعادة بناء السلام أولوية إنسانية لا تحتمل مزيدا من التأجيل.