لماذا أبقى السيسي على الأجنحة الدينية رغم تخلصه من قيادات سياسية وعسكرية؟
تاريخ النشر: 15th, August 2023 GMT
جدد رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، لمفتي البلاد شوقي علام، لمدة عام جديد في منصبه، وذلك للمرة الثالثة على التوالي، على الرغم من بلوغه سن التقاعد في آب/ أغسطس 2021، الأمر الذي يدعو للتساؤل حول أسباب إبقاء السيسي على الرجل، والأدوار التي يلعبها لصالح رأس السلطة.
علام، المفتي الـ19 في تاريخ دار الإفتاء المصرية والتي أنشئت عام 1895، أصدر السيسي، الأحد، بحقه القرار رقم (337 لسنة 2023)، بمد خدمته لمدة عام اعتبارا من 12 أب/ أغسطس 2021.
قرار جمهوري بالتجديد لمفتي الجمهورية شوقي علام لمدة عام ليبقى على رأس #دار_الإفتاء التي تولى رئاستها منذ فبراير 2013 pic.twitter.com/gLVYcKYpyD — الجزيرة مصر (@AJA_Egypt) August 13, 2023
وتولى مهام منصبه 4 آذار/ مارس 2013، خلال عهد الرئيس الراحل محمد مرسي، بعد اقتراع سري لأعضاء هيئة كبار العلماء بالأزهر في 11 شباط/ فبراير 2013، ليصبح أول مفتن منتخب، وفقا لتعديل جرى بقانون الأزهر.
"سلسلة تمديد"
ولم يشهد عهد السيسي، مفتيا غير علام، حيث بقي مدة 4 أعوام حتى شباط/ فبراير 2017، ليقرر السيسي منحه 4 سنوات ثانية تنتهي وتنهي عمله بدار الإفتاء في شباط/ فبراير 2021، إلا أن السيسي مد له 6 أشهر أخرى تنتهي ببلوغه السن القانونية في أب/ أغسطس 2021.
وهو القرار الذي تبعه قرار آخر من السيسي، في أب/ أغسطس 2021، استثنى فيه دار الإفتاء من أحكام المادتين "17 و 20" بقانون الخدمة المدنية اللتين تحددان سن تقاعد كبار المسؤولين وآلية اختيارهم، وهو ما منح السيسي حق المد لعلام، في منصبه بعد بلوغه سن المعاش.
وعلى إثر التعديل، قرر السيسي، في أب/ أغسطس 2021، مد خدمة علام لمدة عام تنتهي في أب/ أغسطس 2022، وهو القرار الذي تم تجديده لعام ثان حتى الشهر الجاري، ثم لعام جديد بقرار جديد حتى العام المقبل، ليكون مجموع سنوات المد له نحو 3 أعوام ونصف، ما يقارب مدة الولاية الرسمية وهي 4 سنوات.
قرارات السيسي بالتمديد للمفتي تؤكد وفق مراقبين أهمية علام، في نظامه، وحجم الأدوار التي قام ويقوم بها، خاصة وأنه ضرب عرض الحائط برغبة الأزهر الشريف وترشيحاته للمنصب.
وكان الأزهر ممثلا في هيئة كبار العلماء، ومع نهاية ولاية علام الثانية في شباط/ فبراير 2021، قد رشح 3 من علمائه لتولي المنصب، وهم الأستاذ بكلية أصول الدين طه حبيشي، ووكيل الأزهر حاليا محمد الضويني، وأستاذ الفقه بكلية الشريعة فتحي عثمان.
وفي أول تعليق له، قال علام، بتصريح صحفي، إن قرار التجديد شهادة ووساما ودافعا قويا لبذل مزيد الجهود لضبط بوصلة الإفتاء، مؤكدا أن القرار يعكس اهتمام الرئيس السيسي بالمؤسسة الدينية، ودعم جهودها بتجديد الخطاب الديني.
لكن، تجديد السيسي لعلام في منصبه، إلى جانب إبقائه على وزير الأوقاف مختار جمعة بمنصبيهما منذ العام 2013، أيضا، رغم تخلصه من أغلب شركائه العسكريين والسياسيين بانقلاب 2013، يثير الجدل حول أسباب إبقاء السيسي على جناحي دعمه الديني، والتساؤلات حول ما يقومان به من أدوار لصالح رأس السلطة.
"لا خطر منهما"
الباحث المصري أحمد مولانا، في إجابته على تساؤلات "عربي21"، المطروحة، يرى أن إبقاء السيسي على شوقي علام ومختار جمعة مقابل تخلصه من شركائه السابقين عسكريين وسياسيين لكونهما لا يمثلان أي خطر عليه ولا على نظامه.
وقال مولانا، إن "منصب المفتي ووزير الأوقاف مناصب دينية مجردة من أدوات القوة الخشنة، لذا لا يُخشى من أن يتحول شاغلها لمركز قوة يتمتع بخصوصية"، موضحا أنه "لذلك لا يلجأ السيسي، إلى تغيير شاغلي هذين المنصبين".
وأضاف: "كذلك فإن علام، وجمعة يمارسان درجة غير مسبوقة من الشرعنة الدينية لسياسات النظام والتماهي معها، وبالتالي لا يوجد ما يستدعي تغييرهما".
"خادم مطيع"
وطالما أعلن علام، دعمه بشكل علني ومباشر للسيسي، وقدم متطوعا نقدا لاذعا لجماعة الإخوان المسلمين والرئيس الراحل محمد مرسي، الذي عزله السيسي في انقلاب عسكري، ما اعتبره مراقبون أمرا يخرج المفتي عن وقار المنصب ومكانته الدينية واستقلال فتواه.
وفي تموز/ يوليو 2020، وفي الذكرى السابعة لانقلاب السيسي، قال علام، للتلفزيون المصري إن التاريخ سيذكر الرئيس المصري وعمله الصالح لصالح البلاد بإخلاص شديد.
ودأب الإعلام المصري على استضافة علام، في ذكرى أحداث 30 حزيران/ يونيو، وفي آخر لقاءاته أطلق عشرات التصريحات المؤيدة للسيسي والجيش، والمشيدة بشجاعتهما في 30 حزيران/ يونيو 2013، رغم أنها الأحداث التي تبعها مقتل وسجن آلاف المصريين العزل.
"حملة المباخر"
من جانبه قال الكاتب والباحث المصري محمد فخري، إن "قرار السيسي بالتجديد لمفتي الجمهورية شوقي علام لمدة عام في منصبه للمرة الثالثة على التوالي، يعكس مدى استجابة الأخير ورضوخه سياسيا على حساب منصبه الديني المفترض فيه الاستقلال التام".
فخري، في حديثه لـ"عربي21"، أضاف أن "ما يحدث لعلام، الذي تولى منصبه منذ أكثر من 10 سنوات يحدث لوزير الأوقاف محمد مختار جمعة، المستقر في منصبه منذ ذلك التاريخ أيضا، وذلك على خلاف ما حدث مع معظم الشركاء السياسيين والعسكريين في انقلاب 2013".
ويرى أن "تفسير الأمر يسيء للمؤسسات الدينية"، مؤكدا أنه "لا غرابة، فقد حملت المؤسستان دار الإفتاء والأوقاف المباخر للنظام وقراراته وسياساته على حساب الدين وعلى حساب الرسالة والدور والهيبة دون خجل".
ولفت إلى أنه "انتشرت عبر المواقع والصحف المحلية الفتاوى السياسية لدار الإفتاء، لتساند بغباء القرارات السياسية والإدارية كبيرها وصغيرها، وهو ما أثار السخرية والاستنكار عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وأدى إلى فقد المصداقية والهيبة لتلك المؤسسات في نفوس وعلى ألسنة المواطنين".
ويعتقد فخري، أنه "ربما ما يدعو رأس النظام إلى الإبقاء على علام وجمعة ليس فقط ما يقومان به من أدوار لصالح رأس السلطة، ولكن لأن نقيض الرجلين وهو شيخ الأزهر أحمد الطيب، والذي يقود الجناح الثالث والأهم للمؤسسات الدينية قد أتعب السيسي، ولم يستجب له على طول الخط كما قال الأخير بنفسه".
وأشار إلى أن ذلك "تمثل في أزمة الطلاق الشفهي، وأزمة تجديد الخطاب الديني، وغير ذلك مما لم يُعلن عنه".
وختم بالقول: "لذلك أبقى السيسي، على الكادر التابع الذي يؤدي الغرض دون أي مغامرة قد تفتح جبهة جديدة في تلك المؤسسات المهمة".
"نكاية في الطيب"
ومنذ دعوة السيسي لتجديد الخطاب الديني، في كانون الثاني/ يناير 2015، وحتى طلبه في ذات الشهر من عام 2017، بإصدار قانون ينظم حالات الطلاق الشفوي، وظهور اعتراض شيخ الأزهر أحمد الطيب على بعض توجهات السيسي، بدا لافتا دور المفتي علام ووزير الأوقاف مختار جمعة.
وفي المقابل وفي إطار توجهات السيسي للسيطرة على أركان الدولة المصرية والتي بدت في التعديلات الدستورية المثيرة للجدل والتي منحت السيسي سلطات واسعة في نيسان/ أبريل 2019، حاول رأس النظام إبعاد دار الأوقاف عن الأزهر ، ومنح المفتى أدوارا وصلاحيات بمقابل شيخ الأزهر.
وبالفعل وفي تموز/ يوليو 2020، أعدت اللجنة الدينية بمجلس النواب مشروع قانون "تنظيم دار الإفتاء"، بغرض إعادة هيكلة دار الإفتاء ونقل تبعيتها إلى الحكومة بدلا من الأزهر، وإطلاق يد رئيس الجمهورية لتعيين المفتي من بين 3 ترشحهم هيئة كبار العلماء.
ومع فشل البرلمان في تمرير القانون لاعتراض مجلس الدولة عليه لمخالفته الصريحة للدستور المصري، أصدر السيسي، 11 أب/ أغسطس 2021، القرار رقم (338)، الذي يمنحه صلاحية اختيار المفتي منفردا، حيث جعل من دار الإفتاء جهة ذات طبيعة خاصة لا تسري على الوظائف القيادية والإدارة الإشرافية فيها أحكام المادتين 17 و20 من قانون الخدمة المدنية.
"مفتي الإعدامات"
ولعلام، أدوار مثيرة للجدل حول ما أطلقه من فتاوى اعتبرها مراقبون، "مسيسة" وتخدم توجهات النظام وتخضع لتوجيهاته، وذلك إلى جانب أدواره في التصديق على مئات أحكام الإعدام الصادرة بحق معتقلي جماعة الإخوان المسلمين بمحاكمات وصفها حقوقيون بـ"المسيسة" والمفتقدة لقواعد العدالة.
ومنذ انقلاب السيسي على الرئيس الراحل محمد مرسي، منتصف العام 2013، أصدر القضاء المصري بحسب "مركز الشهاب لحقوق الإنسان" 1565 حكما بالإعدام في قضايا سياسية من 2013 وحتى 2021، جرى تنفيذ 97 منها بعد تصديق شوقي علام.
وفي إحصاء لوكالة رويترز للأنباء في 31 تموز/ يوليو 2019، فقد جرى إعدام نحو 179 شخصا من 2014 حتى أيار/ مايو 2019، وهي الأحكام التي لم يتم تنفيذها دون توقيع المفتي علام.
وتؤكد الوكالة أن تنفيذ كل هذه الإعدام، جاء وسط تشكيك دائم في صحة الأحكام واعتبار جهات حقوقية محلية ودولية بأنها "مسيسة".
وفي رصد لمنظمة "هيومن رايتس ووتش"، فإن مفتي مصر في عهد السيسي، صدق على إعدام أكثر من 1000 معتقل مصري.
"الفتاوى السياسية"
وبحسب موقع "مصراوي"، المحلي، فلقد أصدرت دار الإفتاء في عهد شوقي علام ما يقارب 10 ملايين فتوى، إلا أن بعض ما أطلقه علام شخصيا من فتاوى ظلت مثار جدل بين المصريين.
ومنذ البداية أفتى علام، مؤيدا تظاهرات 30 حزيران/ يونيو 2013 ضد الرئيس مرسي، لكنه وفي المقابل أفتى عام 2019، بحرمة التظاهر ضد السيسي.
وفي أيلول/ سبتمبر 2022، ولدعم الحكومة في أزمتها المالية أفتى بأن إيداع الأموال في البنوك وأخذ فوائد منها جائز شرعا ولا إثم فيه، وليس من الربا في شيء.
وفي تموز/ يوليو 2022، أفتت دار الإفتاء بجواز زيارة الأضرحة والتبرك بمقامات الأولياء والصالحين، فيما اعتبره البعض دعما منها للتوجه الصوفي بعهد السيسي.
وفي آذار/ مارس 2021، أفتى علام بأن "الضرائب التي يدفعها المواطنون هي تعبد لله، لأنها من طاعة ولي الأمر، والقانون الذي وضعه"، ما رأي فيه البعض دعما لموازنة الدولة التي تمثل الضرائب 71 بالمئة منها.
وفي أيلول/ سبتمبر 2020، اعترف علام، بأنه من أفتى للسيسي، بجواز هدم 30 مسجدا بنيت على شاطئ ترعة المحمودية -أحد الترع النيلية شمال غرب مصر- بحجة أنها أرض مغتصبة.
بل ذهب للقول في فتوى ثانية، أن مقاومة الأهالي للجهات المعنية بتنفيذ الأحكام الصادرة بحق الأبنية المخالفة فيه إرجاف واعتداء وتفويت للمصلحة العامة.
وفي أيار/ مايو 2020، أفتت دار الإفتاء بوجوب "إعطاء أموال الزكاة لصندوق تحيا مصر"، السيادي التابع لتصرف السيسي، وتثار حوله شبهات عدم الشفافية.
وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2018، أفتى علام بأن الانضمام لجماعة الإخوان المسلمين حرام شرعا، في فتوى كررها عام 2019 و2021.
وفي شباط/ فبراير 2018، وقبل شهر من انتخاب السيسي لولاية ثانية، أفتت دار الإفتاء بتحريم عدم المشاركة بالانتخابات، ووصفت الممتنع بأن آثم شرعا.
وفي أب/ أغسطس 2017، أجاز علام، إخراج أموال الزكاة للإنفاق على قوات الجيش والشرطة بدعوى أنها تقوم بكفاح أمني وتحارب الإرهاب.
وفي كانون الأول/ ديسمبر 2015، أفتى علام، بعدم جواز إطلاق لقب شهيد على شهداء ثورة يناير 2011، في موقف يتوافق مع موقف السيسي من الثورة الشعبية التي أطاحت بحسني مبارك.
وفي حزيران/ يونيو 2014، أيد علام، منع وزارة الداخلية انتشار ملصقات هل صليت على النبي اليوم؟، وتوقيف من ينشرها قائلا إنها "ضرورة".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات المصري شوقي علام مفتي مصر مصر شوقي علام مفتي مصر سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة دار الإفتاء السیسی على شوقی علام لمدة عام فی منصبه
إقرأ أيضاً:
عباس شومان: الفتوى صناعة صعبة وخطرة.. وليس كل من تخرج في الأزهر قادر على الإفتاء
نظمت دار الإفتاء المصرية في جناحها بمعرض الكتاب ندوة علمية بعنوان "الفتوى والإعلام"، بمشاركة نخبة من العلماء والمفكرين البارزين.
شارك في الندوة كل من: الدكتور عباس شومان، أمين عام هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، والدكتور محمد عبد الرحيم البيومي، الأمين العام للمجلس الأعلى للشئون الدينية، والدكتور رضا عبدالواحد أمين، عميد كلية الإعلام بجامعة الأزهر الشريف.
وفي مستهل الندوة قال الدكتور عباس شومان -أمين هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف: إن الفتوى مسألة وصناعة صعبة وخطرة، وقد تجرأ الكثير من الناس عليها وهم لا يدركون هذه الخطورة ويظنون أن مجال الإفتاء يمكن أن يقتحمه مجموعة من الناس.
وأضاف: الأزهر الشريف وهو المؤسسة التي لا تحتاج إلى تعريف أو بيان لما له من مكانة وقدسية من العالم كله، به تقريبًا مائة كلية بالإضافة إلى كثير من المعاهد المتخصصة، ومع ذلك فليس كل من تخرج في الأزهر الشريف قادر على الفتوى على خلاف ما يعتقد كثير من الناس، متسائلاً: ما بالكم بمن لم يدرس في الأزهر ولم يتلق العلوم الدينية والعلوم المتعلقة بالإفتاء؟!
موضحًا أنه لا يقصد بذلك أن أمر الفتوى مقصور على الأزهر الشريف وعلمائه، إلا أن علينا أن نتفق على أن الفتوى تخصص دقيق وصناعة صعبة لا يحسنها إلا العلماء الذين تبحروا في مجموعة من العلوم، مؤكدًا أن كثيرًا ممن يتصدون للإفتاء في الإعلام لا يعرفون ما يندرج تحت عنوان هذه العلوم، وكثير منهم لو سألته عن أصول الفقه والفرق بينه وبين قواعد الفقه ما استطاع الإجابة، ولكنه يستطيع ان يخطِئ حتى علماء السلف.
كما أوضح أن أئمة المذاهب ليسوا أنبياء ولا معصومين، ولكن قبل أن تتعرض لهم اثبت أن هذا العالم يخالف نصًّا قرآنيًّا أو حديثًا صحيحًا أو مصدرًا من المصادر المتفق على الأخذ منها، ومن ثم فالفتوى خطيرة ولها تأهيل خاص، والمؤهل الحقيقي في الفتوى يتمنى ألا يسأله أحد في مسألة من المسائل لخطورة الفتوى، ولذلك كان كبار رجال الصحابة يهربون من الإفتاء، والإمام "أبو حنيفة" يقول: "لولا الفزع من الله أن يضيع العلم ما كنت أفتيت"، وكل الأئمة كانوا يقولون: "قولي صواب يحتمل الخطأ وقول غيري خطأ يحتمل الصواب".
وحول فوضى الفتاوى التي نتجت عن انتشار وسائل الإعلام الرقمي وضوابط العملية الإفتائية، أكد الدكتور عباس شومان أن على من يتصدر لأمر الإفتاء الإحساس بخطورة الفتوى وسؤال النفس: "هل أنا مؤهل للإفتاء أم لا"، مشيرًا إلى قول الإمام مالك في هذا الشأن حينما قال: "ينبغي على من يجيب في مسألة أن يعرض نفسه على الجنة والنار ثم كيف الخلاص ثم يجيب"، والإمام مالك قد سئل في أربعين مسألة فأجاب عن أربع وقال في ست وثلاثين مسألة: لا أدري. كما أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- سئل في مسائل فامتنع حتى نزل عليه الوحي.
وأكد أن غير المؤهل للإفتاء إن تصدر للإفتاء فهو يدفع بنفسه إلى جهنم وإن أصاب، مشيرًا إلى أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: "قاضٍ في الجنة وقاضيين في النار، أما الذي في الجنة فهو رجل عرف الحق وقضى به، وأما اللذان في النار فرجل عرف الحق فقضى بغيره، ورجل قضى بين الناس على جهل فهو في النار، ومن ثم فلا بد من إدراك الخطورة والتأهل والاطمئنان لما يفتى به وبذلك تكون الفتوى مقبولة.
وفي ختام حديثه أكد الدكتور عباس شومان على الأهمية الكبرى للإعلام في مجال الفتوى لأنه الأسرع وصولاً للناس، موصيًا بضرورة تنظيم العملية الإفتائية من خلال البرامج الدينية، واختيار المؤهل ومن درس العلوم الشرعية المؤهلة للإفتاء وذلك من خلال برامج مسجلة.
في الإطار ذاته تحدث الدكتور محمد عبد الرحيم البيومي –الأمين العام للمجلس الأعلى للشئون الدينية- عن أن الله سبحانه وتعالى علّم آدم الأسماء كلها لضبط المصطلحات وتحقيق الدقة في المعلومات، وهو أمر اعتمده الهدهد بفطرته النقية التي أودعها الله فيه.
وعند الحديث عن منهجية الفتوى وصناعتها، بيَّن أن هذه العملية تعتمد على اثني عشر علمًا تتفرع إلى أربعة علوم رئيسية. لذلك، يجب على المفتي أن يكون متخصصًا وواعيًا بالمذهبية.
وأشار إلى خطورة أن يتصدى غير المؤهلين للإفتاء، قائلاً إن من يفعل ذلك فهو على خطر عظيم، كأنه يغتصب منصب الألوهية؛ لأن المفتي هو الموقع عن الله، كما قال تعالى: “ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام”
وساق د. البيومي قصة عن أحد العلماء في العراق الذي كان يُحرَج من قول "لا أدري". فقال له الناس: "ألا تستحي من قول لا أدري؟" فرد قائلاً: "إن الملائكة لم تستحِ أن تقول: لا علم لنا".
وأكد على ضرورة إدراك المفتي لأهمية المدخلات الذاتية التي تمكنه من نقل العلم والفتوى بمسؤولية. وشدد على أن المستفتي أحيانًا يطلب الدليل رغم أنه قد لا يكون مؤهلاً لفهمه أو إسقاطه على الواقع.
وأشار إلى ثلاثية أساسية في صناعة الفتوى: الأول طلب الدليل، والثاني فهم الدليل، والثالث هو إسقاط الدليل على الواقع.
وأوضح أن هذه الخطوات تجعل من الفتوى صناعة محترمة تراعي عقل المفتي والمستفتي، مشيرًا إلى أن ليس كل ما يُعرف يقال، وليس كل ما يقال يصلح أن يُطرح على العامة. واستشهد بقول الله: "فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين."
وختم د. البيومي بالإشارة إلى مراعاة ابن عباس لحال المستفتي عندما سُئل عن القتل من رجل أراد أن يهلك الحرث والنسل، حيث قدم إجابة تتناسب مع واقع السائل وظروفه.
من جهته قال الدكتور رضا عبد الواجد أمين -عميد كلية الإعلام بجامعة الأزهر- إن مسألة الفتوى والإعلام موضوع يؤرق الساحة الدينية لأننا نتحدث عن مشكلتين؛ الأولى خاصة بمن يتصدى للإفتاء، وفي ذلك نجد الكثير من غير المؤهلين، أما الثانية فتختص بظهور تلك الفتاوى بشكل مباشر على الرأي العام، فيتلقى أسئلة تحتاج الى أخذ ورد وتمحيص حتى يصوغ الفتيا بشكل دقيق، إلا أنه يتصدى لأمر الإفتاء دون أن يمر على كل تلك المراحل، مشيرًا إلى خطورة نقل وسائل الإعلام مثل هذه النوعية من البرامج والفتيا في اللقاءات المباشرة.
وتابع: إذا كانت مؤسسة الأزهر قد اقترحت أن تكون هناك قائمة لمن يتصدون للخطاب الديني، وهي قائمة الخمسين باعتبارهم مؤهلين لإنتاج الخطاب الدعوي، ولكن هؤلاء ليسوا بالضرورة مؤهلين ليقوموا بمهمة الإفتاء عن طريق البرامج المباشرة، ومن ثم فهناك بعض المسائل التي لا يصح أن يفتى فيها بالسماع، خاصة مسائل العلاقات الزوجية والأحوال الشخصية التي تتطلب أن يكون هناك جلوس للمفتي مع أطراف المسألة، لذلك لا بد أن يكون هناك قائمة أضيق تتصدى للإفتاء، مشيرًا إلى أن آفة السوشيال ميديا تكمن فيمن يرسلون ويفتون عبرها.
وأوضح الدكتور رضا بعد الواجد أن الإعلام الجديد أتاح نافذة لكل إنسان ليقول ما يشاء، ولكن هذا لا يجب معه ان نجعل الفتوى بهذه السهولة يتصدى لها المؤهل وغير المؤهل قائلاً: إن الفتوى صناعه ثقيلة، وعلى وسائل الإعلام وكذلك الجمهور دور كبير في الاعتماد على المؤسسات المتخصصة في الفتوى، والاعتماد على الفتوى المؤسسية التي تتميز بعلمائها الأجلاء المثقلين بالعلم والتخصص.
ولفت الدكتور رضا عبد الواحد النظر إلى الضوابط التي أقرها المجلس الأعلى للإعلام في الفتاوى التي تطرح على الهواء مباشرة، موضحًا أننا نشهد حالة عجيبة من التجرؤ على الدين والفتيا، والبعض عندهم هوس الشهرة ولو بالباطل، فتراه يطلق الأفكار الغريبة والشاذة ويقدمها للعامة على أنها من صميم الدين وأصل الدين، وذلك بغرض الشهرة.
في السياق ذاته تساءل الدكتور رضا إن الدين شيء غالٍ فلماذا يشتري البعض به ثمنًا بخسًا؟ موضحًا أنه ينبغي على وسائل الإعلام جميعها أن تعيد عملية إنتاج الخطاب الديني بشكل عام والرد على استفسارات الجماهير بشكل خاص، مشيرًا إلى أنه ضد برامج الإفتاء على الهواء لأن الكلمة إذا خرجت لا تعود فكيف يتسنى لأي شخص أن يصدر فتوى دون تحري الدقة فيها؟!
كما أكد أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي تشكل خطرًا كبيرًا فيما يتعلق بالدين والفتوى، ولا يمكن للإنسان الاعتماد على هذه التقنيات في أمور دينه، داعيًا وسائل الإعلام إلى الحرص على إصدار الفتاوى فقط عن الأشخاص المؤهلين والممثلين للمؤسسات الدينية المتخصصة في هذا المجال، كما يجب الحرص على عدم تقديم الفتاوى من خلال برامج مباشرة حتى يكون لدي المفتي الفرصة لمراجعة آرائه بشكل دقيق، قائلاً: نعلم أن البرامج المباشرة تحقق مزيدًا من التفاعل والانتشار، لكننا نرفض استخدامها للإفتاء، إذ يمكن تخصيصها للإرشاد فقط، وليس للفتوى، فلا يجوز إصدار أحكام دينية بسرعة بناءً على طرف واحد أو معلومات غير مكتملة.
كذلك أكد على أن وسائل الإعلام تلعب دورًا كبيرًا في نشر الثقافة الدينية، لكن عندما يتعلق الأمر بالفتوى، يجب أن تكون البرامج مسجلة مسبقًا، كما يجب أن يكون الشخص الذي يطرح الفتوى على وسائل التواصل الاجتماعي مؤهلًا لذلك.
وفي ختام حديثه أوصى بالاعتماد على الفتاوى الصادرة عن المؤسسات الدينية المتخصصة، وعدم اللجوء إلى الفتوى الفردية في المسائل العامة، وأنه يجب أن نأخذ ديننا من علماء نثق بعلمهم ودينهم، ولا نضعه في يد تقنيات مثل شات جي بي تي أو الذكاء الاصطناعي، لأن هذه الوسائل قد تحتوي على معلومات دقيقة وأخرى مغلوطة، مناشدًا جميع المدونين والمؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي أن يتحلوا بتقوى الله سبحانه وتعالى فيما يقدمونه للجمهور.