آخر تحديث: 1 نونبر 2024 - 11:27 مبقلم :الدكتور مصطفى الصبيحي تعيش بغداد اليوم أزمة بيئية خانقة مع عودة انبعاثات رائحة الكبريت من الأنشطة الصناعية المخالفة التي لم تلتزم بقرارات الغلق الحكومية. إذ تتزايد تراكيز الملوثات في سماء العاصمة العراقية، مما يعكس إصرار بعض الأنشطة الصناعية على مواصلة ممارساتها الضارة في ساعات الليل، متحدية بذلك القرارات الحكومية والجهود المبذولة لحماية صحة المواطنين والبيئة.

ما يجري في بغداد يعيد فتح ملف التلوث البيئي الذي يعاني منه العراق بشكل عام، والذي يتفاقم بسبب عشوائية بعض الأنشطة الصناعية التي تساهم بشكل كبير في تلويث الهواء.
وأكدت وزارة البيئة العراقية في بيانها الأخير أن انتشار روائح الكبريت والملوثات السامة يعود إلى استمرار بعض المصانع والمعامل في العمل بطرق غير قانونية، على الرغم من القرارات الصارمة بإغلاق الأنشطة الملوثة. وأوضح البيان أن عدم الالتزام بتنفيذ هذه القرارات يظهر ضعفاً في الرقابة وعدم ردع جاد لهذه الأنشطة، ما يدفع إلى التساؤل حول مدى جدية الإجراءات الحكومية في وقف تلك الأنشطة التي تزيد من حدة التلوث الجوي.
ويعود جزء كبير من التلوث إلى الحرق العشوائي في معامل الطابوق ومصانع الأسفلت وكور الصهر غير القانونية. كما يعد حرق النفايات في مناطق مثل معسكر الرشيد والنهروان من العوامل الرئيسية التي تساهم في انتشار الدخان الضار وتفاقم التلوث. ولعل اللافت في هذه الأزمة هو تداخل مسؤوليات بعض الجهات البلدية مع دور أمانة بغداد والأجهزة الأمنية، مما يعكس نقصاً في التنسيق الذي يزيد من صعوبة التحكم في هذه الملوثات.
وتعد مشكلة التلوث البيئي في العراق جزءاً من أزمة شاملة تتعلق بعدم التزام القطاعات الصناعية والبلدية بالمعايير البيئية. وهذا التلوث له آثار خطيرة على الصحة العامة، فالمواطنون يتعرضون يومياً لأضرار جسيمة بسبب هذه الممارسات. ووفقاً لتصريحات الوكيل الفني لوزارة البيئة، فإن الظروف الطقسية تسهم في وضوح تلك الروائح، لكن إصرار بعض الجهات على تجاهل اللوائح يشكل عبئاً إضافياً.
وتسبب تلوث الهواء الناجم عن انبعاثات الكبريت والغازات السامة في أمراض تنفسية خطيرة مثل الربو والتهاب الشعب الهوائية، ويزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والرئة. وتُظهر الدراسات أن التعرض المستمر لهذه الملوثات يضر بشكل خاص بالأطفال وكبار السن ومن يعانون من ضعف المناعة. فالمشكلة لا تتعلق فقط بجودة الهواء، بل تشمل تأثيرات صحية طويلة الأمد على المواطنين.
ولا يمكن إنكار أن وزارة البيئة تبذل جهوداً للحد من التلوث عبر حملات رقابية واسعة، وقد أعلنت وزارة الداخلية مؤخراً إغلاق 69 مشروعاً مخالفاً لقانون حماية البيئة، إضافة إلى 106 مواقع لصهر المعادن في بغداد. لكن تبقى هذه الجهود غير كافية إذا لم تتمكن الحكومة من فرض رقابة مستمرة وفعالة، وتطبيق عقوبات حازمة ضد من يخرق القوانين.
وما يحتاجه العراق اليوم هو برنامج بيئي مستدام وشامل يتضمن تحديث المصافي النفطية وتطوير أنظمة الطمر الصحي التي تسهم في التخلص الآمن من النفايات. كما يجب توفير التمويل اللازم لتطوير تقنيات حديثة للتحكم في الانبعاثات، إذ أن الحلول المؤقتة ليست كافية لمعالجة الأزمة المتفاقمة. ويتطلب هذا الأمر التزاماً حكومياً صادقاً بتخصيص ميزانيات كافية لمكافحة التلوث.
ويُعتبر الوعي البيئي جزءاً أساسياً من حل هذه الأزمة، إذ يمكن أن يكون للمجتمع المدني دور كبير في نشر الثقافة البيئية وتعزيز السلوكيات الصحية. ولكن، بدون دعم من الدولة والسلطات، تبقى جهود المجتمع المدني غير كافية. على الحكومة أن تشجع التعاون مع المنظمات المحلية والجمعيات البيئية لتنظيم حملات توعية تساعد المواطنين على فهم أهمية عدم حرق النفايات والالتزام بالإجراءات البيئية السليمة.
كما يلعب الإعلام دوراً محورياً في تسليط الضوء على خطورة التلوث وتبعاته، بالإضافة إلى ضرورة محاسبة الجهات المتورطة في التلوث البيئي. ويجب على وسائل الإعلام تقديم معلومات دقيقة وموثوقة حول مخاطر التلوث، مع إبراز قصص نجاح من دول أخرى يمكن أن يستفيد العراق من تجربتها.
وتعد مشكلة التلوث البيئي قضية عالمية، وتواجه العديد من الدول تحديات مشابهة. الصين والهند، على سبيل المثال، عانت من مستويات عالية من التلوث نتيجة التصنيع المفرط والتوسع السكاني. لكن هذه الدول اتبعت استراتيجيات ناجحة للحد من التلوث، مثل تحسين وسائل النقل العام، وتطبيق تقنيات تنقية الهواء، وزيادة استخدام مصادر الطاقة النظيفة. ينبغي على العراق أن يتعلم من هذه التجارب، وأن يسعى إلى تطبيق إجراءات تتناسب مع إمكانياته واحتياجاته البيئية.
ويجب أن تكون معالجة أزمة التلوث البيئي أولوية قصوى للحكومة العراقية، فمن غير المقبول أن تستمر المدن العراقية في العيش تحت غيوم الدخان والملوثات السامة. إن بناء مستقبل صحي وآمن للمواطنين يتطلب اتخاذ خطوات جادة وحازمة لتحسين جودة الهواء والحد من التلوث. ويشمل ذلك تحديث المصانع والمعامل، وإنشاء أنظمة طمر صحي بعيدة عن التجمعات السكانية، وتشديد الرقابة على الأنشطة الصناعية، وتعزيز برامج إعادة التدوير. يتطلب الوضع الراهن اتخاذ خطوات سريعة، تشمل: تشديد الرقابة على المصانع والمواقع الملوثة: يجب فرض عقوبات صارمة على المخالفين وإغلاق المواقع غير القانونية، مع التأكد من الالتزام الكامل بالقوانين البيئية.
تطوير بنية تحتية للتخلص الآمن من النفايات: إنشاء مواقع طمر صحي مزودة بأنظمة متقدمة، ما يسهم في تقليل اللجوء إلى حرق النفايات.
تعزيز وسائل النقل العام: تقليل الاعتماد على المركبات الخاصة للحد من انبعاثات العوادم، وتطبيق إجراءات لضبط الانبعاثات الصادرة منها.
توعية المواطنين حول مخاطر التلوث: من خلال حملات توعية تشمل جميع فئات المجتمع، مع التركيز على الأطفال والشباب، وتثقيفهم حول السلوكيات الصحية.
تشجيع المشاريع البيئية المستدامة: كدعم مشاريع الطاقة المتجددة، والاستثمار في برامج إعادة التدوير، مما يسهم في تحسين الوضع البيئي وتقليل التلوث.
وأزمة التلوث البيئي ليست مشكلة عابرة، بل هي تحدٍ مستمر يتطلب إرادة سياسية قوية وتكاتفاً بين الحكومة والمجتمع المدني. فمن دون التزام حقيقي بتحقيق تقدم في المجال البيئي، سيستمر التلوث في تهديد صحة المواطنين ومستقبلهم. تحتاج بغداد وباقي مدن العراق إلى بيئة آمنة ونظيفة، وهذا لن يتحقق إلا إذا تم تطبيق قرارات حازمة تدعم الالتزام البيئي.

المصدر: شبكة اخبار العراق

كلمات دلالية: الأنشطة الصناعیة التلوث البیئی من التلوث

إقرأ أيضاً:

إقبال جماهيري على أنشطة وزارة الثقافة داخل الكاتدرائية المرقسية

شهدت الكاتدرائية المرقسية بالعباسية اليوم إقبالًا جماهيريًا كبيرًا على الأنشطة الثقافية التي نظمتها وزارة الثقافة بالتعاون مع المكتب البابوي للمشروعات بالكاتدرائية، تحت رعاية قداسة البابا تواضروس بابا الإسكندرية وبطريرك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية.

وقال الدكتور أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة، إن هذه الأنشطة تأتي تفعيلاً للقاء الذي جرى مع قداسة البابا تواضروس بابا الإسكندرية وبطريرك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية يوم الخميس الماضي 24 اكتوبر، لبحث سبل التعاون فى إطار المبادرة الرئاسية «بداية جديدة لبناء الإنسان»، إلى جانب التعاون لتعزيز جهود الوزارة في نشر الثقافة وتعزيز الوعي الثقافي بين المواطنين من مختلف الفئات العمرية.

أهمية الثقافة في توحيد المجتمع

وأشار وزير الثقافة إلى أهمية هذه الأنشطة في تعزيز الحوار الثقافي غير المباشر والطبيعي بين مختلف الفئات، وأن اجتماع الحضور من مختلف الخلفيات الثقافية والدينية للاستمتاع بالفعاليات المقدمة أتاح لهم هذا، كما أظهرت الفعاليات أهمية الثقافة في توحيد المجتمع وتعزيز التفاهم بين أفراده، مؤكدًا أنه من المهم مواصلة هذه الجهود لتحقيق التنمية الثقافية المستدامة.

ورش العمل التفاعلية تحظى بالاهتمام

وحظيت ورش العمل التفاعلية التى نظمها كل من قطاع الفنون التشكيلية والهيئة العامة لقصور الثقافة، والمجلس الأعلي للثقافة ممثلاً في المركز القومي لثقافة الطفل باهتمام الفئات العمرية خاصة في مجالات صناعة الميداليات الجلد والديكوباج والحلي، وفن الخيامية، والتطريز اليدوي، والنسيج، والرسم والتلوين.

ونظمت الورش بهدف تعريف الأطفال بتراثهم الثقافي الغني الذي يشكل جزءًا من الهوية الثقافية لمصر، وإكساب الأطفال مهارات جديدة وإطلاق طاقات إبداعهم في بيئة تعليمية ممتعة، وتم إهداء المشاركين مجموعة من منتجات هذه الورش، بالإضافة إلى تصميم جدارية تحمل مقولات عن المحبة والسلام.

ومن أبرز الفعاليات التي نالت إعجاب الأطفال وعائلاتهم عروض الأراجوز ومسرح العرائس التي قدمها قصر ثقافة شبرا الخيمة التابع للهيئة العامة لقصور الثقافة وفرقة كروكي للعرائس والتي تهتم بإعادة إحياء تراث الطفل مع مراعاة مواكبة التطور من حيث اهتمامات الأطفال المختلفة، إذ قدمت هذه العروض مزيجًا من المرح والتسلية مع الرسائل التربوية، مما جعلها وسيلة فعالة لنقل القيم التعليمية للأطفال بطريقة محببة ومسلية.

مقالات مشابهة

  • مزيد من الأمطار ترافقها سحابة ركامية عملاقة وسط العراق
  • خلال أكتوبر.. "الالتزام البيئي" يتعامل مع أكثر من 500 بلاغ
  • إقبال جماهيري على أنشطة وزارة الثقافة داخل الكاتدرائية المرقسية
  • الالتزام البيئي”: 40% من بلاغات أكتوبر البيئية تلوث الضوضاء والهواء
  • وزارة البيئة:تلوث البيئة في العراق لعدم التزام المعيين بالقانون
  • “الالتزام البيئي”: تقارير جودة الهواء الدورية تحدد مصادر التلوث وتحد منها
  • "الالتزام البيئي": تقارير جودة الهواء الدورية تحد من مصادر التلوث
  • الحياة تحت غيوم الكبريت: عراقيون يعانون من آثار التلوث المميت
  • مجددًا.. بغداد تصحو على سحابة الكبريت والرائحة تغزو مناطقها