المتسلقون بين البحث عن دور وبناء الدولة
تاريخ النشر: 1st, November 2024 GMT
شهدت ليبيا في الأسابيع الماضية تصريحات متفرقة لبعض المجموعات، مزجت بشكل متعمد بين دور اللجنة الرفيعة المستوى التي من المفترض أن تُشكل في إطار عملية سياسية جديدة، وبين مهام مؤتمر الحوار الوطني. هذا الخلط ليس مجرد سوء فهم، بل هو جزء من محاولة لإرباك المشهد السياسي وتقديم تصورات مشوهة لعملية الإصلاح المطلوبة في البلاد بهدف تحقيق مصالح شخصية على حساب المصلحة الوطنية.
إن اللجنة الرفيعة المستوى، التي يُنتظر أن تخرج من عملية سياسية تهدف لتشكيل حكومة موحدة كحكومة تصريف أعمال، لها مهام محددة وواضحة، تتمثل في ضمان استقرار مؤقت وإدارة البلاد إلى حين الوصول إلى صياغة دستور دائم، وهيكلة مؤسسات الدولة بشكل يعيد توازنها ويحد من التداخل في الصلاحيات والمهام. وفي المقابل، فإن مؤتمر الحوار الوطني يُفترض أن يكون منصة جامعة لكافة الأطياف السياسية والاجتماعية، للاتفاق على إطار عمل دائم لبناء دولة ليبية حديثة.
ورغم أهمية مثل هذه العمليات السياسية، إلا أن المبادرات التي تطرح لحل الأزمة، مثل “مبادرة خارطة الطريق متعددة المسارات”، تحمل في طياتها بعض التحديات والعيوب التي يجب النظر إليها بجدية. فهذه المبادرة، على الرغم من شموليتها، تعتمد بشكل كبير على الدعم الدولي والإشراف الخارجي، وهو ما قد يثير مخاوف لدى بعض الأطراف حول سيادة الدولة واستقلال قرارها السياسي. كما أن هناك تساؤلات حول إمكانية تحقيق التوافق بين جميع الأطراف في ظل استمرار الانقسام والصراعات، وهو ما يجعل من تنفيذ هذه المبادرة أمراً صعباً على أرض الواقع علاوة على ذلك، فإن المبادرة لا تقدم خطوات تفصيلية كافية حول كيفية توحيد القوات العسكرية والأمنية، مما يضعف احتمالية نجاح هذا الجانب الهام في تحقيق الاستقرار. وأخيراً، الجدول الزمني الطموح للمبادرة قد يتعرض لعراقيل كثيرة في ظل غياب آليات تنفيذية واضحة وقدرة سياسية على تجاوز العقبات.
ومع ذلك، شهدنا محاولات لتقزيم دور الأحزاب السياسية، على الرغم من أنها العمود الفقري لأي ديمقراطية حقيقية. فالأحزاب ليست رفاهية سياسية، بل هي مؤسسات تمثل إرادة الناس وتعبر عن تطلعاتهم وتسهم في رسم سياسات الدولة وصناعة القرار. من دون وجود أحزاب قوية وفاعلة، تصبح الديمقراطية مجرد شعارات فارغة، ويتم اختزالها في أشخاص يبحثون عن مناصب، أو مصالح فئوية وجهوية ضيقة.
إذن، يبقى السؤال: هل لدينا في ليبيا أحزاب حقيقية تعبر عن إرادة الناس، أم مجرد مجموعات من الأفراد الذين يبحثون عن السلطة والمنافع الشخصية؟
هذه التساؤلات تكشف عن أزمة أعمق، تتعلق بمحاولات بعض الأفراد التسلّق إلى المشهد السياسي مجدداً تحت غطاء قبلي أو جهوي أو مصلحي. هؤلاء الأفراد لا ينظرون إلى ليبيا كدولة وطنية تستحق التضحية والعمل الجاد، بل كوسيلة لتحقيق طموحاتهم ومصالحهم الضيقة. هذا التوجه لا يخدم مصلحة ليبيا ولا شعبها، بل يعيد إنتاج الفوضى والانقسامات، ويعزز من حالة التوتر السياسي والاجتماعي.
إن بناء ليبيا المستقبل يجب أن يكون عملاً جماعياً، يعتمد على رؤية شاملة تشارك فيها كافة الأطياف السياسية والمجتمعية. وهذا يتطلب إيماناً راسخاً بالدور المحوري للأحزاب كأداة للإصلاح والديمقراطية، والتخلص من المحاصصة القبلية أو الجهوية التي تعيق مسيرة البناء والتنمية. وفي نفس السياق، يجب أن تركز المبادرات السياسية على توفير تفاصيل واضحة لخططها التنفيذية والحد من الاعتماد على الدعم الخارجي دون وضع آليات لتعزيز المشاركة المحلية.
ختاماً، لا يمكن السماح للمشهد السياسي بأن يُختطف مجدداً من قِبَل أفراد أو مجموعات تسعى لتحقيق مصالحها الشخصية أو الفئوية. يجب على كل الليبيين التكاتف للوقوف ضد هذه المحاولات، وإعلاء مصلحة الوطن فوق كل الاعتبارات. إن الديمقراطية الحقيقية تقوم على الأحزاب الفاعلة والمؤسسات القوية والدستور المتوافق عليه، لا على نزوات الأفراد وأهواء الجماعات. كما أن نجاح أي مبادرة سياسية يعتمد بشكل أساسي على توافق وطني يعيد بناء الثقة بين مختلف مكونات المجتمع، ويضع حداً للتدخلات الخارجية التي تهدد استقلالية القرار الوطني.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
المصدر: عين ليبيا
إقرأ أيضاً:
«خارجية النواب»: نثق في مواقف القيادة السياسية لدعم القضية الفلسطينية
أكدت النائبة إيلاريا سمير حارص، عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب، أن الشائعات المغرضة من «أهل الشر» هي محاولات تهدف إلى إضعاف الموقف المصري وثنيه عن الدفاع عن القضية الفلسطينية ودعم الشعب الفلسطيني في الحصول على حقوقه التاريخية بإقامة دولته المستقلة.
وأشارت إلى أنه في هذه الأوقات الحرجة يجب الاصطفاف التام خلف الدولة المصرية، التي تمتلك الحقائق والمعلومات الكافية والقدرة العالية على التعامل بحكمة مع المستجدات، خاصةً وأن جهود الرئيس السيسي ومواقفه لدعم القضية الفلسطينية والدفاع عنها لا يمكن إنكارها أو تشويهها.
مصر مستمرة في الضغط على المجتمع الدوليوأوضحت «حارص» في تصريحات صحفية لها اليوم، أن مصر مستمرة في الضغط على المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته تجاه القضية الفلسطينية، مؤكدةً على موقف الرئيس عبد الفتاح السيسي الداعي لحل الدولتين باعتباره حلًا استراتيجيًا لإنهاء الصراع وضمان حقوق الشعب الفلسطيني. وأضافت أن مصر تحرص في كل المحافل الدولية على التأكيد على ضرورة تحقيق السلام العادل والشامل، مشددةً على أن ذلك لا يمكن أن يتحقق دون احترام حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة.
مصر أثبتت للجميع قدرتها وحسن تصرفهاوأشادت بجهود الدولة المصرية، مؤكدةً أن مصر أثبتت في جميع المواقف قدرتها على التعامل بحنكة وحسن تصرف، مما يستوجب من الجميع الثقة في القيادة المصرية ودعمها بكل قوة في هذه الفترة الدقيقة. وذكرت أن الطريق طويل ويستلزم منا الصبر والوعي واليقظة، وأن الثقة في القيادة المصرية واجب وطني على كل مصري.
وشددت على أهمية التمسك بالمسؤولية الوطنية من جانب كافة القوى السياسية والمجتمعية، داعيةً النخب والمواطنين على حد سواء إلى الوقوف صفًا واحدًا خلف الدولة المصرية لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية، وتحقيق الأهداف المشتركة التي تعزز الاستقرار والأمن في البلاد بما يخدم مصلحة الوطن والمستقبل.