سرايا - أقر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الجمعة، بقتل بلاده الثائر الجزائري محمد العربي بن مهيدي، أحد كبار قادة ثورة التحرير من الاستعمار الفرنسي، وذلك بمناسبة الذكرى السنوية السبعين لاندلاعها.

جاء ذلك في بيان لقصر الإليزيه (الرئاسة الفرنسية) اعتبر فيه ماكرون أن "العمل من أجل الحقيقة والاعتراف يجب أن يستمر".



وأفاد البيان بأن "ماكرون يعترف في هذا اليوم (ذكرى اندلاع ثورة التحرير الجزائرية) بأن العربي بن مهيدي البطل الوطني للجزائر، وواحد من القادة الستة الذين فجروا الثورة في 1 نوفمبر/ تشرين الثاني 1954، اغتاله عسكريون فرنسيون كانوا تحت قيادة الجنرال بول أوساريس سنة 1957".

وقبل اليوم، ظلت الرواية الفرنسية الرسمية تزعم أن بن مهيدي "انتحر" في زنزانته، رغم أن الجنرال أوساريس، الذي يُلقب في الجزائر بـ"السفاح"، اعترف بقتله في مذكرات نشرها عام 2000.

وولد بن مهيدي عام 1923 في مدينة عين مليلة بمحافظة أم البواقي شرقي الجزائر، ويُعتبر "رمزا" في بلاده، وأحد مفجري ثورة التحرير ضد الاستعمار الفرنسي، فهو صاحب المقولة التاريخية "ألقوا بالثورة إلى الشارع يلتقطها الشعب".

وألقت قوات الاحتلال القبض عليه في فبراير/ شباط 1957، بينما كان يقود معركة الجزائر (العاصمة) ضد الاستعمار الفرنسي، وآنذاك اشتهر بوقفة الشموخ مبتسما وهو مُصفد اليدين.

وظل بن مهيدي محل إعجاب من قبل الجنود المظليين الفرنسيين الذين ألقوا القبض عليه، حيث قدموا له تحية الشرف؛ نظرا لشخصيته القيادية والفريدة، حتى أن الجنرال الفرنسي مارسيل بيجار سماه "العدو ذا القيمة".

ويعد هذا ثالث اعتراف من قبل الرئيس ماكرون بمسؤولية بلاده عن اغتيال شخصيات بارزة في الثورة الجزائرية.

فقد اعترف في 13 سبتمبر/ أيلول 2018 بمسؤولية الجيش الفرنسي عن اختطاف وقتل تحت التعذيب للناشط اليساري الفرنسي والمناضل من أجل استقلال الجزائر موريس أودان سنة 1957.

وفي 3 مارس/ آذار 2021، اعترف بمسؤولية بلاده عن تعذيب وقتل المحامي والمناضل الجزائري علي بومنجل سنة 1957، في وقت كانت الرواية السائدة لفرنسا تفيد بأن بومنجل انتحر قفزا من طابق مرتفع أثناء استجوابه؛ ما أدى لمصرعه.

وانتهج ماكرون سياسة تقوم على الاعتراف التدريجي بجرائم الاستعمار الفرنسي للجزائري، حيث أدان في 16 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 القمع الدموي لمظاهرات 17 أكتوبر 1961، في العاصمة باريس من قبل الشرطة الفرنسية بقيادة السفاح موريس بابون؛ ما خلف آنذاك أزيد من 12 ألف قتيل، منهم من أُلقوا أحياءً داخل نهر السين.

ولم يصدر رد رسمي على الخطوات التدريجية لماكرون من السلطات الجزائرية التي تطالب بمعالجة "شجاعة ومنصفة" لجميع أبعاد "ملف الذاكرة"، بما يشمل اعترافا رسميا من باريس بكافة "الجرائم" التي ارتكبتها أثناء استعمار الجزائر، وإعادة الأرشيف الجزائري وممتلكات أخرى نهبتها، خلال تلك الفترة، بالإضافة إلى جماجم لمقاومين جزائريين تحتفظ بها.

كما تطالب الجزائر فرنسا بتقديم معلومات عن التجارب النووية الفرنسية التي أجريت بالصحراء الجزائرية، وتطهير المواقع الملوثة بالإشعاعات النووية جراء هذه التجارب.

بينما ترفض فرنسا تقديم اعتذار شامل بشكل صريح عن جرائمها خلال استعمار الجزائر، وتتحجج بقيود قانونية لمنع إعادة بعض ما نهبته من الجزائر.

وقال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، الشهر الماضي، إن بلاده ترفض تزوير التاريخ، ومستعدة لطي الصفحة دون تمزيقها، وبل تنظر إليها أحيانا.

وأكد الرئيس تبون أن "الاستعمار الفرنسي للجزائر (1830-1962) كان استيطانيا، وارتكب مجازر بشعة وأراد تعويض الجزائريين بأوروبيين وتعويض الدين الإسلامي بالمسيحية".

ويأتي اعتراف ماكرون باغتيال فرنسا لبن مهيدي، في وقت تشهد العلاقات الجزائرية الفرنسية توترا وشبه قطيعة دبلوماسية، حيث سحبت الجزائر سفيرها من باريس نهاية يوليو/ تموز الماضي عقب دعم الحكومة الفرنسية للطرح المغربي في قضية إقليم الصحراء.

بينما رفض الرئيس الجزائري إجراء زيارة إلى فرنسا كان من المقرر أن تتم نهاية سبتمبر/ أيلول أو بداية أكتوبر الماضيين.

إذ صرح قائلا إنه "لن أذهب إلى كانوسا"، وهو تعبير من الثقافة الأوروبية يُستخدم للإشارة إلى رفض تقديم أي تنازلات؛ ما يعكس عمق الأزمة والتوتر في العلاقات بين البلدين.


المصدر: وكالة أنباء سرايا الإخبارية

كلمات دلالية: الاستعمار الفرنسی بن مهیدی

إقرأ أيضاً:

ماكرون وإفريقيا.. نفوذ فرنسي يتضاءل وخطاب استعماري يتزايد

في ظل تراجع نفوذ فرنسا السياسي والعسكري في القارة السمراء والمطالب الإفريقية المتزايدة بتصفية الإرث الاستعماري، اتهم الرئيس إيمانويل ماكرون قبل أيام زعماء أفارقة بـ"الجحود".

 

هذا الهجوم أثار موجة غضب رسمية، لاسيما من تشاد والسنغال، مع اتهامات لباريس بازدراء الأفارقة وعدم امتلاكها القدرة ولا الشرعية لضمان أمن وسيادة إفريقيا.

 

ووفق باحث بالعلاقات الدولية، في حديث للأناضول، فإن فقدان فرنسا لمراكز النفوذ والتأثير التاريخية في إفريقيا يفسر لجوء ماكرون لنبرة تحيل إلى تاريخ فرنسا الاستعماري والاستعلائي.

 

ودعا الباحث الدول الإفريقية إلى الانفلات من ضغط التأثير الغربي، عبر بناء نموذج سياسي واقتصادي محلي متكامل ومتحرر من التبعية الاقتصادية ومدعوم بإرادة سياسية وديمقراطية حقيقية.

 

** هجوم وردود

 

في 6 يناير/ كانون الثاني الجاري، ادعى ماكرون، خلال اجتماع في قصر الإليزيه مع سفرائه بالخارج، أن دول إفريقيا "لم تشكر" بلاده على الدعم الذي قدمته للقارة في مكافحة الإرهاب.

 

واتهم زعماء أفارقة بـ"الجحود"، واعتبر أن فرنسا كانت "محقة بتدخلها عسكريا في منطقة الساحل (غربي إفريقيا) ضد الإرهاب منذ عام 2013".

 

وقال ماكرون إن القادة الأفارقة "نسوا أن يشكروا فرنسا على هذا الدعم، ولولا تواجدها عسكريا لما تمكن هؤلاء القادة من حكم دول ذات سيادة".

 

ولم تمر تصريحات ماكرون مرور الكرام، حيث ظهر ما يبدو أنه خطاب إفريقي جديد يتسم بالحدة والانتقاد.

 

وقال رئيس تشاد محمد إدريس ديبي، في منشور للرئاسة عبر "فيسبوك": "أود أن أعرب عن استيائي من تصريحات ماكرون، التي تصل إلى حد ازدراء إفريقيا والأفارقة".

 

ورأى أن "ماكرون أخطأ في فهم العصر"، ووصف قرار بلاده وضع حد للتعاون العسكري مع فرنسا بأنه "سيادي".

 

كما أعرب وزير خارجية تشاد عبد الرحمن كلام الله عن "قلقه العميق" حيال تصريحات ماكرون لأنها "تعكس موقف ازدراء تجاه إفريقيا والأفارقة".

 

ودعا كلام الله، في بيان، إلى احترام إفريقيا، وشدد على "الدور الحاسم لإفريقيا وتشاد في تحرير فرنسا خلال الحربين العالميتين"، وهو دور "لم تعترف به فرنسا أبدا".

 

وأضاف أنه "خلال 60 عاما من الوجود الفرنسي كانت مساهمة فرنسا في أحيان كثيرة مقتصرة على مصالحها الاستراتيجية، دون أي تأثير حقيقي دائم على تنمية الشعب التشادي".

 

كما ندد رئيس الوزراء السنغالي عثمان سونكو بتصريحات ماكرون، وقال أيضا في بيان إنه "لولا مساهمة الجنود الأفارقة في الحرب العالمية الثانية (1939-1945) في تحرير فرنسا من الاحتلال النازي، ربما كانت ستبقى ألمانية إلى اليوم".

 

ورأى أن "فرنسا لا تمتلك القدرة ولا الشرعية لضمان أمن وسيادة إفريقيا".

 

"بل على العكس، ساهمت فرنسا في أحيان كثيرة في زعزعة استقرار بعض الدول الإفريقية مثل ليبيا، ما أدى إلى عواقب وخيمة على استقرار وأمن منطقة الساحل"، وفق سونكو.

 

وتزامن هجوم ماكرون مع تراجع نفوذ باريس في دول الساحل والصحراء، ففي 28 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أعلنت تشاد أنها قررت إلغاء اتفاقية موقعة مع فرنسا لتعزيز التعاون في مجال الصناعات الدفاعية والأمن.

 

وطالبت تشاد الحكومة الفرنسية بسحب جميع قواتها من الدولة الإفريقية بحلول 31 يناير/ كانون الثاني الجاري.

 

وقبل أشهر أنهت باريس تواجدها العسكري في مالي، بالتزامن مع إعلان النيجر وبوركينا فاسو إنهاء الاتفاقيات العسكرية مع فرنسا.

 

كما أعلن الرئيس السنغالي باسيرو ديوماي فاي مؤخرا عزمه إغلاق القواعد العسكرية الفرنسية في بلاده.

 

ويتراجع نفوذ فرنسا العسكري والاقتصادي والثقافي في دول إفريقية بالتزامن مع مطالب إفريقية بتصفية الإرث الاستعماري، وفق مراقبين.

 

ومقابل تراجع نفوذ فرنسا، الدولة الاستعمارية السابقة، دخل فاعلون دوليون جدد إلى المنطقة، ولاسيما الصين وروسيا.

 

** نكسة جيوسياسية

 

الباحث المغربي في العلاقات الدولية إدريس قسيم قال للأناضول إن "فرنسا تواجه أكبر نكسة جيوسياسية في تاريخها المعاصر بفقدانها لمراكز النفوذ والتأثير التاريخية في القارة الإفريقية".

 

وتابع: "ولعل هذا يفسر لجوء ماكرون إلى لغة تحيل إلى تاريخها الاستعماري والاستعلائي، بل إن قوله إن "شكر فرنسا سيأتي في الوقت المناسب" ربما يخفي تهديدا لهذه الدول".

 

وأشاد بردود أفعال تشاد والسنغال، خاصة أنها "ظلت لعقود تشكل الحديقة الخلفية والعمق الاستراتيجي لفرنسا في منطقة الساحل، وترعى مصالح باريس في المنطقة".

 

"وفرنسا كانت تدافع عن مصالحها عبر وجودها العسكري في هذه الدول، وتشكل خط دفاع أمامي ضد التنظيمات والتهديدات الإرهابية، ولم تكن تقدم خدمة مجانية لتلك الدول كما أراد ماكرون أن يُظهر ذلك"، وفق قسيم.

 

ورأى أن "ردود الأفعال الإفريقية قد تعبر في ظاهرها عن نوع من الانتصار للحكم الذاتي الوطني ولخطاب جديد نابع من الخصوصية السياسية المحلية".

 

واستدرك: "إلا أنه يصعب عزلها عن التحولات الجيوسياسية والجيوستراتيجية في المنطقة التي تشهد انتقالا نحو دوائر النفوذ والتأثير الروسية والصينية".

 

** بناء نموذج جديد

 

واعتبر قسيم أن "الانفلات من ضغط التأثير الغربي الذي يستهدف دول المنطقة، يمر بالضرورة عبر بناء نموذج سياسي وتنموي محلي".

 

وتابع أن "هذا المستوى غير المألوف من الخطاب (الإفريقي)، ورد تشاد والسنغال القوي، والمواجهة السياسية مع قوة دولية مثل فرنسا، يساعد على ترسيخ وتكريس هذا النموذج".

 

وأردف: "إضافة إلى رمزية خطاب بعض الزعماء الأفارقة، فإنه يحيل إلى نوع من الندية وينسف سرديات النموذج الاستعماري التي ظل باستمرار مؤطرا وموجها لعلاقة فرنسا مع الدول الإفريقية".

 

قسيم استدرك: "غير أن التأسيس لخطاب ولغة جديدة مع فرنسا يظل غير كاف، فلابد من نموذج تنموي متكامل متحرر من التبعية الاقتصادية ومدعوم بإرادة سياسية وديمقراطية حقيقية".

 

وزاد بأن "هذا المبتغى وإن كانت إرهاصاته وبوادره متحققة إلى حد ما بالنسبة لبعض الدول الإفريقية مثل السنغال، إلا أنه بالنسبة لدول أخرى ربما لا يزال هدفا بعيد المنال".

 

"لكن هذا لا يمنع من القول إن ردود أفعال السنغال وتشاد تمثل تحولا حقيقيا، ليس فقط على مستوى المحددات أو الموجهات الكبرى للعلاقات السياسية، ولكن في مخرجات هذه العلاقة عبر لغة الرد على ماكرون"، كما استدرك قسيم.


مقالات مشابهة

  • ماكرون وإفريقيا.. نفوذ فرنسي يتضاءل وخطاب استعماري يتزايد
  • وزير الداخلية الفرنسي يدعو إلى إنهاء العمل باتفاقية تسهل إقامة الجزائريين
  • وزير الداخلية الفرنسي يتمنى إنهاء العمل باتفاقية تسهل إقامة الجزائريين
  • تصاعد التوتر بين باريس والجزائر.. وزير الداخلية الفرنسي يطالب بالرد على الإهانة
  • الدبلوماسية الجزائرية تنجح في حماية الأصول الليبية المجمدة
  • زعيم اليسار الفرنسي ينتقد ماكرون: “لا نريد الحرب مع الجزائر”
  • فرنسا تسعى لدور جديد.. لماذا يزور ماكرون لبنان؟
  • زيارة ماكرون إلى لبنان.. مراسل "القاهرة الإخبارية" يرصد أبرز عناوين الصحف الفرنسية
  • زيارة ماكرون إلى لبنان..مراسل «القاهرة الإخبارية» يرصد أبرز عناوين الصحف الفرنسية
  • زيارة ماكرون إلى لبنان.. مراسل «القاهرة الإخبارية» يرصد أبرز عناوين الصحف الفرنسية