لجريدة عمان:
2024-11-01@19:34:27 GMT

أوراق صاعدة.. رواية عن أحداث الراهن العربي

تاريخ النشر: 1st, November 2024 GMT

أوراق صاعدة.. رواية عن أحداث الراهن العربي

عمّان "العُمانية": يستلهم الكاتب الأردني محمد جميل خضر في روايته "أوراق صاعدة"، أحداث الراهن العربي، وبخاصة بعد "طوفان الأقصى"، معاينًا الواقع الحياتي في قطاع غزة، عبر رصد حيوات شخوصها ومآلات أيامهم. يقول جهاد أبو حشيش، مدير دار "فضاءات"، ناشر الرواية: "ترصد الرواية حيوات ومصائر ثلاث شخصيات رئيسية يربط بينها أنها من غزّة؛ منال عالمة بلّورات أصلها من خان يونس، غسّان مهندس معماري أصله من رفح، ونجوى أصلها من غزّة.

في لحظة فارقة يشاهد ثلاثتهم أوراق شجر تصعد نحو السماء، مدوّنًا عليها أسماء الطفلات الشهيدات، وأسماء الأطفال الشهداء"، ويضيف: "تتقاطع الشخصيات في الرواية، وتواجه الأحداث حولها بطرائق مختلفة؛ ثمّة رغبة جامحة عند الجميع أن يرسموا ملامح غدهِم.. أحداث كبرى تقصم ظهر الأيام، وتفرض رؤية جديدة للواقع والحياة والموت والأمل. لا شيء ظل كما هو، فنحن أمام تاريخ مفصليٍّ ما بعدَهُ ليس كما قبلَه". ويتابع أبو حشيش: "بأسلوب الراوي العليم، وبلغةٍ سرديةٍ ذات مسحةٍ حكائية، مصطبغةٍ بكثيرٍ من الأسى، تسرد الرواية حكايتها، تخبرنا بخلطة روائية مزدانةٍ ببهارات المعنى وتجليات اللغة، أن سكان المكان المدعو (غزّة) هم بشر حقيقيون، من لحم ودم، ولديهم تطلعات وأحلام ومشاعر، كبقية البشر في عالمنا، يطمحون لحياةٍ كريمة كأيِّ إنسان طبيعي، ويريدون استرداد كرامتهم وحريتهم المسلوبة وأن يكون لهم حرية التنفّس والخروج والعودة إلى بلادهم متى يشاؤون. لن يخطر للسامع أنَّ الاحتلال قد حوّل هذه البُقعة من الأرض إلى سجن كبير يحبس فيه سكانها ويحرمهم من كل شيء، من كل ما هو حق لهم ليس فقط كأصحاب أرض وإنما كبشر، ويتمنى لو أنَّه يستطيع حرمانهم حتى من الأحلام". على الغلاف الأخير من الرواية نقرأ: "الأوراق تواصل الصعود.. لا ترقص خلال صعودها رقصة التانغو الأخيرة.. فهي أوراق طالعة من أرض غزّة.. ولا تتقن سوى رقصات أهل غزة.. ولا تحمل سوى أسماء الشهداء الأطفال في غزّة.. على كلِّ ورقةٍ اسم شهيد.. ترسم تشكيلات تضاهي تشكيلات سرب طائرات ملوّنة في عرض عسكري.. لا حدود لتدرجات خضرتها.. لبعضها ألوان.. ولِبعضها الآخر ألحان.. يُسمع على امتداد المدى صوت موسيقى تترافق مع صعود الأوراق.. أعلى من كل الأصوات.. أعلى من أصوات صرخات الجنود المرعوبين.. ومن صفارات الإنذار.. ومن زنّانات الصُّداع.. يُرافق صعودها صوت موسيقى النشيد الوطني وكلماتِه: فدائي.. فدائي.. فدائي يا أرضي يا أرض الجدود.. فدائي.. فدائي.. فدائي يا شعبي يا شعب الخلود".

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

المخفي والهامشي.. قراءة في رواية «الروغ» لزهران القاسمي

صباح ينذر بالشر:

تبدأ رواية «الرّوغ» للكاتب زهران القاسمي الصادرة أخيرًا عن دار مسكلياني التونسية، بحدث ميلودرامي تشير سهامه إلى ولادة صباح جديد وبالتالي حدث فارق في حياة «محجان» وقريته: «استيقظت البلاد قبيل شروق شمس أحد الأيام على صراخ محجان وهو يركض في حارات البلاد مجتازا بيوتها إلى ضواحي النخل، خرج الناس على إثر ذلك الصراخ مستنكرين وجلين على من مزق سكون صباحهم»، هذه البداية التي تشير إلى حدث فجائعي مجهول، لم يكن بلا صفات. الخوف أو الروع، حيث إن الكاتب جال في هذا التمويه حين حذف ضمة الشد من رأس حرف الراء لتفضي دلالتها إلى الخوف والهلع، بيد أن المقصود هنا في المنطوق العماني هو الرُّوع أي فزاعات الحقول وهو ما سيتجلى مع التقدم في قراءة الرواية. فزاعات تنصب في الحقول بغرض إيهام الطيور والدواب بوجود كائن بشري يردعها من الاقتراب من المساحات المزروعة. هياكل خشبية بعضها مزين بمعادن صائتة تأخذ في هيئتها شكلًا بشريًا جامدًا لا يتحرك إلا بما ستجود به الرياح من هزات خفيفة. هذه الفزاعة التي يفترض أنها مثبتة لإخافة الطيور والدواب، تحولت في هذه الرواية إلى مصدر خوف لأهل القرية، وذلك حين رآها «محجان» مقطوعة الرأس والأطراف في قلب مزرعته، فنشر ذعره في أرجاء محيطه:

«وجد محجان، كما حكى ما حدث له بعد ذلك، جثة بلا رأس وبلا كفين أو قدمين، جثة مصلوبة على روع الحقل استقبلت بصدرها الغرب حيث المدى الفسيح لذلك السيح، امتد الساعدان على ساعدي الروع وأحكم وثاقهما، جثة عارية إلا من خرقة ممزقة تستر وسطها، نزّ الدم من رقبتها وسال على صدرها وتخثر، ربطت رجليها على الجذع دون أن تلامس أصابعها التراب، جثة لا يعرف من صاحبها، من أين جاءت؟ وكيف وصلت إلى المكان؟ ومن أتى بها؟».

وانطلاقا من هذا الاكتشاف الغريب على عين محجان، سارت أحداث الرواية التي بلا انعطافات أو أحداث فاصلة عموما، باستثناء هذا الفزع من المجهول، أو هذا الروع الذي ظهر فجأة على سلام القرية الوادعة.

ميثولوجيا ووصف للطبيعة:

الحدث يبدأ حين يسقط محجان مغشيا عليه بعد أن رأى صورة الرأس المقطوع، ثم استيقاظه بحواس مستنفرة جديدة، وكأنها كانت معطلة قبل ذلك. فبعد هذا الحادث صار محجان ينظر إلى كل شيء بخوف وهلع بل بإصغاء شديد وتحفز. سحابة في الأفق مثل شعر منفوش تمنى أن يلمسها، الصمت صار مخيفا وكذلك صوت الطيور. حتى نعيق الغربان الذي طالما سمعه بحياد، أصبح بعد الحادثة يثير لديه ذكرى التطير: «لقد سمع كثيرا عن الغربان وارتباطها بالشؤم والدمار، حفظ أمثالا وأشعارا دلت عليها، ولم يكن يكترث بما سمع، ردده كثيرا ونسيه، كذب الأقاويل وسخر منها، وكلما شاهد غرابا يحوم أعلى المكان هزّ رأسه مشفقا على الطائر المسكين، كذب ارتباطه بالنحس، بالحكايات المفزعة، فليس كل ما سمعه صحيح، وها هو يقع في التجربة الصعبة، ها هو يقوده النعيق إلى السقوط، سقط في حفرة كان قد هيأها لغرس نخلة، سقط لأن الغراب سيهوي على رأسه هكذا ظن، ويحلف بعينيه اللتين سيأكلهما الدود أنه رآه يهبط من عليائه ويقف على الروع» حتى هذه الساعة لا أحد يعرف من أهل القرية ما الذي رآه محجان، ولكن رغم ذلك فالجميع رماه بالجنون بسبب تغير تصرفاته.

شرع أهل القرية بعد ذلك في تتبعه وهو ينثر هلعه وروعه. ولكن حين رآهم مقتربين منه أدخلهم إلى مزرعته وتقدم بهم إلى أطرافها، ولكن «المفاجأة كانت في انتظاره».

استرجاع يسبق الحدث:

قبل أن يستطرد السارد في التعريف بالمفاجأة يضعنا في حالة استرجاع (فلاش باك)، لخطوات صنع محجان للفزاعة في مزرعته بعد أن أفقرتها الطيور، وقد صنع فزاعة منسقة وجميلة استغرب بنفسه من إتقانه لها «واقفا أمام عمله البديع متأملًا التفاصيل التي ساعدت في اكتماله، شيء لا يصدق، كيف استطاع أخيرا صنعه، وبذلك الكمال لدرجة أن الحياة ستدب في أوصاله» ولكنه قبل أن يصنع فزاعته، جال في مختلف مزارع قريته ليتعرف على نوع الفزاعات في كل مزرعة وذلك حتى يستطيع أن يصنع فزاعة مختلفة ومتميزة عن الآخرين، «جاب البلاد من أقصاها إلى أقصاها، دخل المقاصير المغلقة والحقول المسيجة» ستكون للقارئ هنا سانحة لمعرفة مختلف الفزاعات التي تستخدم في القرى ومسمياتها مثل روع الولجة وروع الخبة وروع المحدوثة، إلى جانب وظائفها فمنها ما يصنع لإخافة الطيور وتكون به معادن خفيفة تحركها الريح لتحدث أصواتا، وأخرى لإخافة الحيوانات وتكون بشعة ضخمة تشبه وحشا مفترسا ولكنها أيضا مرنة الأوصال لكي تكون أكثر شبها بالإنسان وهي تتحرك.

وبعد أن تمثل «محجان» في ذهنه الهيئة التي ستكون عليها فزاعته أو روعه، شق طريقه نحو المرحلة العملية، فجاب السيوح والخلاء باحثا عن شجر خاص يصلح لتركيب فكرته وترجمتها واقعا. وبعد أن بذل جهدا جهيدا في صناعة فزاعته، غطاها برداء ثم ذهب إلى بيته وارتدى أفضل ما لديه من لبس وتحزم خنجره وحمل عصاه وقصد مزرعته لكي يحتفل - مع نفسه - بمناسبته الخاصة، شرع في مخاطبتها وتأنسنت الفزاعة في دواخله وصار بينهما حوار وأوامر، وكأن روحا بثت في ذلك الجسد الخشبي الذي صنعه بيديه.

خطية السرد ونبرة الحكاية الشعبية:

تتسم رواية الروغ بهيمنة البطل الواحد رغم وجود شخصيات مساندة ولكن لا تمنح حظها كاملا من التعريف إنما توظف لصالح تعزيز جنون محجان، وكان أبرز شخصيتين في الرواية الزوجة التي تحضر عينانا في النص، وكذلك الأم التي تستحضر عبر الذكرى، دون إغفال لشبه البطل الخفي وهو الذي يحمل اسم الرواية «الروع».

ولكن ماذا لو كان اسم الرواية «صاحب الروع»؟ نظرا للعلاقة الجدلية بنيهما، والصراع الذي يبدأ من أحدهما لينتهي إلى الآخر. الدفق السردي في النص أيضا يأخذ مسارا واحدا مستفيدا من الطبيعة الحكائية للفكرة المركزة التي تقود الحدث. لذلك فإن الحدث يبدو متدافعا من أجل إيصال الفكرة التي تقوم على المفارقة بأسرع الطرق. يمكن ملاحظة أيضا أن السارد يستعين بالمرويات الشعبية من أجل تأثيث روايته بما يمكن أن يضع قارئه في دائرة التشويق، ويختار من الذكريات ما يعزز فكرة غرابة بطل القصة وجنونه وعدم سويته، وإتيانه بالقفشات الذاهلة التي تستثير الضحك: «في طفولته كان يخاف من ظله، حكت له أمه أنه في إحدى ليالي الشتاء القارسة وكان حينها في الثالثة من عمره رأى ظله يمتد على ضوء القنديل فصرخ من الخوف، وركض عائدا ليندس في حضنها، لكن الأدهى أنه بعد ذلك وفي وضح النهار كما تقول أمه، عندما اكتشف ظله هرب راكضا، وهو ينظر خلفه، هرب باكيا مستنجدا بها، وكلما هرب إلى جهة تبعه الظل فازداد خوفه، روت له أمه أنها أدمعت من شدة ضحكها عليه، كان يركض هاربا من مكان إلى آخر تحت الشمس بينما لم تستطع هي الوقوف أو التوقف عن الضحك».

ضغط نفسي أدى إلى حرائق:

في سرده الخطي المتلاحق والمتسارع استطاع الكاتب أن يحشد جميع العناصر والأساطير والمحكيات لتشكل ضغطا نفسيا حتى على السرد نفسه، وبالتالي تؤدي إلى الانفجار الذي حدث في نهاية الرواية، فأهل القرية حين أنهى محجان من صنع روعه وفزاعته رموه بالسحر والدجل وأن كل شيء سيئ يحدث في تلك القرية مصدره مزرعة محجان وذلك الكائن الغريب الذي صنعه بيديه وبث فيه سحرا أسود. فاسودت الدنيا في عيني محجان وقام في ليل بلا قمر بفعل الأفاعيل ببيوت قريته وفزاعاتها. فانتشرت الحرائق ولاذ محجان بقفار الأرض هاربا.

في هذه الرواية يكمل زهران القاسمي سلسلة استثمار البيئة العمانية من محكيات وطبيعة كما هو الأمر مع رواياته السابقة التي تدور حول مواضيع متشابهة من ناحية استحضار العناصر الطبيعية والحضور الطاغي للبيئة والعادات وهيمنتها حتى إن الشخصيات تذوب وتتلاشى أمامها، نجد ذلك في رواياته السابقة كتغريبة القافر التي حازت على جائزة البوكر في نسختها العربية، ورواية جوع العسل والقناص.

محمود الرحبي كاتب وروائي عماني

مقالات مشابهة

  • في حيِّنا بطل.. رواية لربى حب الرمان
  • العلاقة بين الرواية والسينما.. لقاء ثقافي بمكة يستعرض تجارب تحويل النصوص إلى أفلام سينمائية
  • الحرب في السودان: أثر الانكماش الاقتصادي على القطاع المصرفي والمالي: تحليل الوضع الراهن والتوقعات المستقبلية
  • سلام: الوضع الراهن يحتاج إلى دعم فوري من المجتمع الدولي
  • رواية الليل الأزرق للفلسطيني بهاء رحال: السارد المسرود
  • عودة إلى إشكاليات رواية المقريزي للبقط 5
  • ”سفاح التجمع” يصر على براءته مجدداً في جلسة جديدة ويقدم رواية مختلفة لجرائمه
  • الأديب الإيطالي باولو فاليزيو.. عن رواية مملكة الألم وأشعار لحظة غزة الطويلة
  • المخفي والهامشي.. قراءة في رواية «الروغ» لزهران القاسمي