الحرة:
2025-04-30@20:39:01 GMT

مليون نازح لبناني على الطريق. من يتحمّل المسؤولية؟

تاريخ النشر: 1st, November 2024 GMT

مليون نازح لبناني على الطريق. من يتحمّل المسؤولية؟

وسط الأزمات المتلاحقة، يروي أحمد، رجل مسنّ من جنوب لبنان، قصّته التي تجسّد معاناة مئات الآلاف من النازحين. 

أُجبر أحمد على مغادرة منزله للمرة الأولى في حياته، على الرغم من الحروب التي عاشها لبنان على مدى عقود، ليجد نفسه اليوم في بيروت، حيث لجأت أسرته إلى أحد النوادي الليليّة التي فتحت أبوابها للنازحين بعد اندلاع الحرب في سبتمبر الماضي.

 

يتحدّث أحمد، ووجهه يحمل تجاعيد الحزن والأسى، عن تفاصيل المعاناة اليوميّة، والحنين الدائم إلى منزله الذي تركه خلفه.

قصة أحمد ليست الوحيدة. فالطفلة زهراء، ابنة السبع سنوات، لم تأخذ معها من منزلها سوى دميتها حين غادرته في الضاحية الجنوبية لبيروت بعد تدميره. تقول وهي تبكي لموقع "الحرة": "أريد العودة إلى منزلي، هذا حلم". تعكس دموع زهراء حال مئات الأطفال الذين يحلمون بالعودة إلى بيوتهم، وهم عالقون بين واقع النزوح والأمل بالعودة.

بحسب التقرير الـ 33 الصادر عن هيئة إدارة الكوارث المدعومة من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في لبنان، وصل عدد النازحين المسجّلين إلى 189,174 نازحًا يتوزّعون في مراكز الإيواء المعتمدة (43,766 عائلة)، مع تسجيل النسبة الأعلى للنازحين في جبل لبنان وبيروت. 

لكن الأعداد الفعلية يُرجّح أنها تتجاوز هذه الأرقام، إذ تظهر الفيديوهات المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي لاجئين يفترشون الطرقات على الكورنيش البحري، فيما يعاني آخرون من عدم القدرة على دفع أجور المنازل التي لجأوا إليها مع الأسعار الخياليّة وتفاقم الأزمة الاقتصادية.

وبحسب الأعداد التي يذكرها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، ولجنة الطوارئ الحكومية، فعدد النازحين من جميع المناطق اللبنانية يتخطّى المليون والمئتي ألف نازح، وقد يرتفع كما أفاد رئيس اللجنة وزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال ناصر ياسين. ومعظمهم وجد نفسه من دون مأوى منذ اندلاع الحرب، وبعضهم لجأ للدخول إلى أملاك خاصّة للاحتماء بها، كالمدارس والفنادق والمؤسسات، الأمر الذي أثار إشكالات عديدة بينهم وبين أصحابها. 

وقد أفاد ميقاتي بأنّ الدولة ستخلي الأماكن الخاصّة من النازحين في الأيام المقبلة بعد فتح مراكز إيواء جديدة منها مدينة الرئيس كميل شمعون الرياضية في بيروت. 

مع الإشارة إلى أنّ أصواتًا عديدة ارتفعت لتأمين مراكز إيواء للنازحين، خصوصًا مع دخول لبنان في فصل الخريف، واقتراب فصل الشتاء والأمطار والعواصف، ما قد يسبّب كارثة في حق النازحين الذين يحتاجون إلى سقف يحتمون تحته. 

ومنذ اندلاع الحرب، تزايدت الأصوات المطالبة بتحديد المسؤولين عن تدهور أوضاع النازحين، ولا سيما بعد تصريح رئيس مركز الارتكاز الإعلامي، سالم زهران، في بداية السنة بأنّ مراكز الإيواء ستُفتح عند اندلاع أيّ حرب مع إسرائيل "بكبسة زر"، ولا أحد من النازحين سيحتاج إلى أحد في المناطق الآمنة لإيوائه، وهو ما لم يحدث. واليوم، يقف الجميع أمام سؤال مصيري: مَن المسؤول عن أوضاع النازحين المتدهورة؟

وفي حديث خاص لموقع "الحرّة"، ينفي النائب عن كتلة "التنمية والتحرير"، برئاسة حركة أمل، الدكتور قاسم هاشم، "مسؤولية حزب الله عن أزمة النازحين، مؤكّدًا أنّ القضيّة هي قضية "وطنية" تتجاوز أي حزب أو طائفة". 

وشدّد على أنّ "الدولة اللبنانيّة وضعت خططًا لإيواء النازحين وتمكّنت بالفعل من تأمين أماكن لمئات الآلاف منهم، على رغم قسوة الحرب وشدّة القصف في الجنوب والضاحية الجنوبيّة والبقاع". 

ويقول هاشم: "لبنان يعاني أزمات اقتصادية تعرقل جهود الحكومة، ولم نتوقّع هذا الكمّ الهائل من النزوح نتيجة العنف الشديد من إسرائيل".

في المقابل، يحمّل الصحفي طوني بولس، في حديث لموقع "الحرة"، الحكومة اللبنانية وحزب الله المسؤوليّة الكاملة عن معاناة النازحين، مشيرًا إلى أنّ الحزب "انفرد بقرار الحرب والسلم، ولم يكن مستعدًا لاستيعاب تداعيات هذا القرار". 

ويوضح بولس أنّ "الحزب وعد بيئته الحاضنة بتجهيز مراكز إيواء، إلا أنّ الواقع على الأرض يكشف عدم تحقيق ذلك، حيث ترك اللبنانيون يواجهون النزوح والتشرّد".

ومنذ عام 2019، تعصف بلبنان أزمات متتالية اقتصاديّة وسياسيّة وأمنيّة. ومع اندلاع الحرب الأخيرة، بات ملف النزوح يشكّل عبئًا إضافيًا على كاهل الحكومة، ما يثير تساؤلات حول قدرتها على إدارة الأزمة. 

وفي هذا الصدد، ينفي النائب هاشم أن "تكون الحكومة قد فشلت في إدارة الملف"، قائلًا: "هذه حرب مدمّرة تقترب من حدّ الإبادة، وتتطلّب جهودًا إضافية رغم محدوديّة قدرات الدولة". 

على الجانب الآخر، يرى بولس أنّ "الحكومة اللبنانيّة فشلت في إدارة ملفّ النزوح، مثلما فشلت في ملفّات عديدة أخرى". 

ويضيف أنّ "الاعتماد على قدرات حزب الله كان وهمًا"، ويعتبر أن "الدولة لم تكن جاهزة لتنظيم خطّة واضحة للتعامل مع تداعيات النزوح، مشيرًا إلى ضعفها الكبير في الأساس".

ومع تصاعد الحرب، لجأ العديد من اللبنانيين إلى المناطق المسيحية وبعض القرى المعارضة لحزب الله، حيث فتح أهالي هذه المناطق منازلهم للنازحين، كالسيدة حنّة من قرية "دير الأحمر" في البقاع الشمالي، التي رفضت اعتبار القادمين إلى منزلها "نازحين"، وقالت لموقع "الحرة": "هم ضيوفنا، ولو حدث معنا الشيء نفسه، لكنا ضيوفهم". إلا أنّ هذا الترحيب لا يلغي المخاوف من تغييرات ديموغرافيّة قد تنجم عن عدم عودة النازحين إلى مناطقهم في المستقبل القريب، إذ يخشى البعض من اندلاع توتّرات أهليّة نتيجة لهذا الوضع. كما حصل في بيروت، وأن يشمل هذا الأمر جميع المناطق والبلدات في لبنان.

في هذا السياق، يرى الدكتور قاسم هاشم أنّ "تضامن اللبنانيين واستقبالهم لبعضهم البعض، حتى في المناطق ذات البيئة المعارضة لحزب الله، يعكس اللحمة الوطنيّة".

أما بولس، فيشير إلى أنّ المخاوف من تغيير ديموغرافي تبقى واقعية، موضحًا أنّ "تدمير مناطق واسعة في الجنوب يصعّب إعادة إعمارها قريبًا، مما قد يجعل عودة النازحين إلى منازلهم مستبعدة، وقد ينجم عن هذا الوضع صدامات مستقبلًا في ظلّ ضعف الدولة وعدم قدرتها على توفير حلول بديلة".

وبين المبادئ الإنسانيّة والصراع السياسي، يبقى النازح اللبناني الحلقة الأضعف، وهو يدفع ثمن قرارات سياسيّة وأزمات أمنيّة واقتصاديّة، ويبقى السؤال: هل سيجد النازحون طريقهم إلى بيوتهم قريباً، أم سيبقون أسرى أزمة بلا حلّ؟

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: اندلاع الحرب

إقرأ أيضاً:

المراحل العشر التي قادت فيتنام إلى عملية الريح المتكررة ضد أميركا

في ظهيرة يوم شديد الصعوبة من أبريل/ نيسان عام 1975، بثت إذاعة الجيش الأميركي خبراً مفاده أن "درجة الحرارة في سايغون تبلغ 105 درجات وترتفع"، كانت تلك رسالة مشفرة تعني أن الوضع قد وصل إلى حد الانفلات التام في أعقاب هجوم واسع لقوات حكومة فيتنام الشمالية، وأنه قد بدأ الإجلاء الفوري لجميع الأميركيين المتبقين في فيتنام، بعدما كانت الولايات المتحدة قد سحبت قواتها القتالية من فيتنام وفقا للاتفاقية الموقعة في باريس عام 1973، تاركة نحو 5000 أميركي في مهام دبلوماسية واستخباراتية.

وخلال ساعات؛ وثقت الكاميرات مشهد عشرات الأميركيين والجنود الفيتناميين الجنوبيين واقفين على سطح مبنى في سايغون (عاصمة فيتنام الجنوبية)، أعينهم معلقة بطائرة هليكوبتر أميركية تهبط على عجل. رجال ونساء وأطفال يصطفون على درج معدني ضيق، يتدافعون بحذر وخوف نحو الطائرة التي لا تسع إلا عدداً قليلاً.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2نصف مليون جندي و8 ملايين طن من القنابل.. لماذا هُزمت أميركا في فيتنام؟list 2 of 2في حال وقع المحظور النووي هل ستنحاز أميركا للهند أم باكستان؟end of list

كان ذلك المشهد ذروة عملية الإجلاء السريع التي عُرفت باسم "عملية الريح المتكررة" (Operation Frequent Wind)، وأصبحت رمزًا مريرًا لنهاية أطول حرب خاضتها الولايات المتحدة في القرن العشرين.


لكن كيف وصلت فييتنام إلى هذه اللحظة؟ وكيف تحوّل بلد زراعي صغير على هامش خريطة آسيا إلى ساحة صراعٍ دوليّ دمويّ، وإلى اختبارٍ عسير لطموحات القوى الكبرى ومرآة لانكساراتها؟ ولفهم هذه التحولات التي باتت تمثل واحدة من أهم المعارك العسكرية في القرن العشرين؛ لا بد من العودة إلى البدايات؛ إلى الحسابات الجيوسياسية لحقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية وماقبل ذلك في زمن الاستعمار القديم، تلك الحسابات التي تجاوزت حدود فيتنام الضيقة وجعلت منها ساحةً لصراع استمر أكثر من عقدين من الزمن.

منذ القرن التاسع عشر؛ كانت فيتنام جزءًا من المستعمرات الفرنسية (الفرنسية) المحطة الأولى: فيتنام تحت الظل الاستعماري

منذ القرن التاسع عشر؛ كانت فيتنام جزءًا من المستعمرات الفرنسية، إلى جانب لاوس وكمبوديا (كانت الدول الثلاث تعرف باسم الهند الصينية). وكانت البلاد أشبه بساحة خلفية للإمبراطورية الفرنسية، حيث نُهبت ثرواتها الطبيعية، وقُمعت حركاتها الشعبية، وزُرعت فيها بذور الانقسام الطبقي والثقافي.

إعلان

لم تكن فيتنام تحديدا مجرد مستعمرة بعيدة، بل كانت عقدة حيوية في خريطة النفوذ الفرنسي في آسيا. ميناء "هايفونغ" التجاري الأهم في فيتنام، والمزارع التي كانت تنتج الأرز والمطاط، وخطوط السكك الحديدية التي تربط الهضاب بالمرافئ، كلها كانت تُدار لخدمة باريس، وليس لخدمة هانوي.

المحطة الثانية: فرصة خاطفة للاستقلال

في منتصف القرن العشرين، ومع اندلاع الحرب العالمية الثانية؛ بدأ التوازن الاستعماري القديم يتصدع. اجتاحت اليابان الهند الصينية عام 1940، تاركة الإدارة الاسمية لفرنسا الفيشية، لكنها عمليًا أضعفت القبضة الفرنسية وأفسحت المجال لنمو تيارات المقاومة المحلية. من بين هذه التيارات، برزت شخصية استثنائية ستغيّر وجه آسيا، ويحمل الفيتناميون صورته اليوم وهم يحتفلون بالذكرى الخمسين لتوحيد بلادهم: هو تشي منه.

أسّس هو تشي منه "رابطة استقلال فييتنام" أو "الفييت مينه"، وهي حركة قومية شيوعية، مزجت بين الكفاح المسلح والتحريض الشعبي. وعندما انتهت الحرب العالمية الثانية عام 1945، وإعلان استسلام اليابان، كانت الفرصة سانحة أمام هو تشي منه، فأعلن استقلال فيتنام عن الامبراطورية اليابانية في ساحة "با دينه" بهانوي.

جنود فيتناميين خلال حرب الهند الصينية الأولى (غيتي) المحطة الثالثة: عودة الاحتلال الفرنسي

لم يعمر حلم الاستقلال طويلًا. فرنسا، التي خرجت مدمّرة من الحرب العالمية الثانية، أرادت استعادة "هيبتها" من خلال إعادة بسط نفوذها على مستعمراتها القديمة. تجاهلت إعلان الاستقلال في هانوي، ونزلت قواتها مجددًا إلى الأراضي الفيتنامية، لتبدأ بذلك حربًا دموية جديدة. وبذلك؛ وُلدت حرب الهند الصينية الأولى، والتي ستُشكّل الأساس لحرب فيتنام القادمة.

لم يكن الاستعمار هذه المرة مثل الاستعمار القديم منحصرا فقط في استغلال الموارد؛ بل برز في قلبه صراع أيديولوجي ناشئ حول رؤيتين للعالم: فرنسا التي تمثّل الغرب الرأسمالي الإمبريالي، وفيتنام التي بدأت تتجه نحو الفكر الشيوعي، مدفوعة بإرث الاحتلال، وبحلم العدالة الاجتماعية.

إعلان

كانت التربة الفيتنامية قد تشبعت بما يكفي من الغضب، وكان المشهد الإقليمي والعالمي مهيأً لانفجار طويل الأمد، لن ينتهي إلا بعد ثلاثة عقود من الدم والنار.

المحطة الرابعة: "ديان بيان فو" حيث دفنت فرنسا رايتها وورثت أمريكا عبء الإمبراطورية

في وادٍ بعيد تحيط به التلال شمالي غرب فيتنام، خسرت فرنسا آخر رهاناتها الاستعمارية الكبرى. بدأت المعركة في مارس 1954، واستمرت 57 يومًا من القصف والحصار والنار. حاصرت المقاومة الفيتنامية بقيادة  فو نغوين جياب الجنود الفرنسيين. واعتبرت المعركة لاحقا  أحد الدروس التاريخية المذهلة في فنون وتكتيكات حرب العصابات وقدرتها على التفوق على الجيوش النظامية.

وفي السابع من مايو 1954، استسلمت القوات الفرنسية في ديان بيان فو، بينما كانت قادة فرنسا يبحثون في جنيف عن مخرج مشرّف. وفي يوليو 1954، اجتمع القوى الكبرى في العالم في مؤتمر جنيف، حيث تقرر تقسيم فييتنام مؤقتًا على طول خط العرض 17، الشمال بقيادة هو تشي منه الشيوعي، عاصمته هانوي. والجنوب بقيادة نظام مدعوم من الغرب، برئاسة إمبراطور صوري ثم رئيس فعلي هو نغو دينه ديم. لكن الاتفاق نص أيضًا على إجراء انتخابات وطنية موحدة عام 1956، لكنها لم تحدث، لأن الولايات المتحدة خشيت من فوز الشيوعيين.

من هنا، بدأت واشنطن تتدخل في فييتنام. لم يكن هناك إنزال عسكري بعد، وكانت الولايات المتحدة آنذاك تخشى من ما يسمى "تأثير الدومينو": إذا سقطت فييتنام في يد الشيوعية، ستتبعها لاوس وكمبوديا وتايلاند، وربما تصل العدوى إلى أستراليا! وهكذا، تحوّلت فييتنام من ساحة استعمار قديم إلى مسرح للصراع الأيديولوجي العالمي الذي تصاعد بعد الحرب الباردة.

كانت الولايات المتحدة آنذاك تخشى من ما يسمى "تأثير الدومينو"، فإذا سقطت فييتنام في يد الشيوعية، ستتبعها لاوس وكمبوديا وتايلاند، وربما تصل العدوى إلى أستراليا (غيتي) المحطة الخامسة: تقسيم البلاد وصعود ديان دينه ديم

انتهى الوجود الفرنسي رسميًا في جنوب فييتنام في أبريل 1956، وبقيت البلاد منقسمة بحكم الواقع بين حكومة “جمهورية فييتنام” في الجنوب، وحكومة “جمهورية فييتنام الديمقراطية” بقيادة هو تشي منه في الشمال.

إعلان

دشن ديان دينه ديم (حليف أمريكي) سياسة أيديولوجية قومية وعنيفة ضد المعارضين داخليًا، معطياً امتيازات واسعة للكاثوليك وهو ما أشعل اضطرابات اجتماعية وانتفاضات بوذية ضد حكمه. عام 1960 تأسست «جبهة التحرير الوطني» المعروفة بـ"الفيت كونغ" لإعادة توحيد كل قوى المعارضة في الجنوب تحت قيادة الشمال​. اعتمدت الفيت كونغ على تكتيكات حرب العصابات وبنية تحتية سرية في الدول المجاورة من الهند الصينية لتأمين الإمداد اللوجيستي.

المحطة السادسة: خليج تونكين؛ الذريعة التي فتحت أبواب الجحيم

في أغسطس من عام 1964، زعمت البحرية الأمريكية أن مدمّرتها يو إس إس مادوكس تعرّضت لهجوم من زوارق طوربيد فيتنامية شمالية في خليج تونكين. لم تكن التفاصيل واضحة، والصور غير حاسمة، لكن الرئيس ليندون جونسون لم يحتج لأكثر من هذه الشرارة لطلب تفويض مطلق من الكونغرس لاستخدام القوة في فييتنام. وهكذا، صدر قرار خليج تونكين، الذي منح البيت الأبيض يدًا طليقة لشن الحرب دون إعلان رسمي.

كانت الحادثة التي لا يزال الجدل قائمًا حول صحتها الكاملة نقطة تحوّل فاصلة، إذ انتقلت أمريكا من دور المستشار والراعي في الظل إلى قوة محتلة، تمطر الأدغال الفيتنامية بعشرات الآلاف من الجنود والقنابل.

وبحلول عام 1965، بدأ التصعيد العسكري الكبير: إرسال أولى وحدات القتال، ثم القصف الجوي المكثف على شمال فييتنام في حملة سُمّيت "رعد متواصل" (Operation Rolling Thunder).

مع تصاعد عدد القتلى، وغياب أفق النصر، بدأ الرأي العام الأميركي ينقلب تدريجيًا على الحرب (أسوشيتد برس) المحطة السابعة: أميركا ضد نفسها

مع تصاعد عدد القتلى، وغياب أفق النصر، بدأ الرأي العام الأميركي ينقلب تدريجيًا على الحرب. اللحظة المفصلية جاءت عام 1968، بعد هجوم مفاجئ شنّه الفيتكونغ في رأس السنة القمرية (هجوم تيت) على عشرات المدن في الجنوب، بما فيها سايغون نفسها. ورغم أن الهجوم ألحق خسائر هائلة بالمقاومين الفيتناميين وربما يعتبر خسارة عسكرية، إلا أنه زلزل ثقة الأمريكيين بقدرتهم علي تحقيق النصر. فقد بدا لهم كأن العدو "المنهك" لا يزال قادرًا على الضرب بقوة في عمق المناطق الآمنة، سيظل كذلك.
المحطة الثامنة: "فتنمة الحرب".

إعلان

حين تولّى ريتشارد نيكسون الرئاسة في الولايات المتحدة عام 1969، كانت فييتنام قد أصبحت كابوسًا سياسيًا وعسكريًا. أدرك نيكسون أن النصر الكامل مستحيل، لكنه لم يشأ الانسحاب فجأة. فطرح استراتيجية سمّاها: "فتنمة الحرب" (Vietnamization)، أي تحويل عبء القتال إلى الجيش الفيتنامي الجنوبي، بينما تبدأ القوات الأمريكية بالانسحاب التدريجي.

المرحلة التاسعة: رحيل آخر الجنود المقاتلين

لم تكن "فتنمة الحرب" أكثر من محاولة لتأجيل الهزيمة، لا تجنّبها. فالجيش الجنوبي كان ضعيف التدريب، ويفتقر للحافز القتالي، في حين كان الشمال يزداد صلابة. في الوقت نفسه، وسّع نيكسون الحرب عبر قصف كمبوديا ولاوس بحجة ضرب خطوط الإمداد الفيتنامية (طريق هو تشي منه)، ما أدى إلى توسيع رقعة الصراع، وخلق المزيد من الفوضى في المنطقة، وأشعل المعارضة داخل الولايات المتحدة.

لم يستجب الفيتناميون لرغبة الأمريكان في التفاوض مباشرة، واستمروا في إلحاق الخسائر بهم، حتى عام 1973 حين وقّعت أميركا اتفاقية باريس للسلام مع حكومة فيتنام الشمالية، معلنة انسحابها الرسمي من الحرب، بعد أن خسرت أكثر من 58 ألف جندي، وأبقت على نحو 5000 آلاف جندي فقط في مهام غير قتالية.

 

المحطة العاشرة: سقوط سايجون

في ربيع عام 1975، بدأ الجيش الشمالي الزحف النهائي نحو العاصمة الجنوبية سايغون. كانت القوات الفيتنامية الشمالية مدعومة بخبرة طويلة، وعقيدة قتالية متماسكة، بينما كان الجنوب، رغم الأسلحة الأمريكية المتروكة، منهارًا معنويًا. سقطت المدن الواحدة تلو الأخرى، بلا مقاومة تُذكر. أما واشنطن، فقد اكتفت بالمراقبة، بعد أن قطعت المساعدات العسكرية.

في 30 أبريل 1975، دخلت دبابات الشمال سايغون. لم تكن هناك معركة حقيقية. رفع الجنود علمهم الأحمر بنجمة صفراء فوق القصر الرئاسي، وانتهت الجمهورية الفيتنامية الجنوبية إلى الأبد. لم يُعلن عن هزيمة أمريكية رسميًا، لكنها بقيت محفورة ومستقرة في التاريخ العسكري والاستراتيجي: أن الفيتناميين هزموا الولايات المتحدة.

إعلان

 

مقالات مشابهة

  • المراحل العشر التي قادت فيتنام إلى عملية الريح المتكررة ضد أميركا
  • 50 عاما على نهاية حرب فيتنام التي غيّرت أميركا والعالم
  • إنجاز لبناني لافت في الأولمبياد العربي للذكاء الاصطناعي 2025
  • ملف النزوح السوري: أزمة وطنية وحسابات سياسية متشابكة
  • بالفيديو.. اندلاع النيران في دراجة نارية في طرابلس
  • في البرلمان.. لقاء نيابي لبناني - فرنسي بحث وضع لبنان
  • تقرير: أكثر من 4 آلاف نازح داخلي منذ بداية العام الجاري
  • عودة النازحين السودانيين-مناورة سياسية فوق أنقاض وطن ممزق
  • استمرار جهود الوسطاء لوقف الحرب والعدو يتوعد بتوسيع عملياته :الاحتلال يصعد جرائمه على مراكز النزوح وانهيار كامل للمنظومة الصحية في غزة
  • السودان يشهد أكبر «أزمة نزوح» في العالم