ثورة أكتوبر وتوق الشعب السوداني إلى حركة حقوق مدنية (6-6)
تاريخ النشر: 1st, November 2024 GMT
مجتزأ من ورقة: عبد الله الفكي البشير، “ثورة أكتوبر ومناخ الستينيات: الإنجاز والكبوات (قراءة أولية)”، نُشرت ضمن كتاب: حيدر إبراهيم وآخرون (تحرير)، *خمسون عاماً على ثورة أكتوبر السودانية (1964- 2014): نهوض السودان المبكر*، مركز الدراسات السودانية، القاهرة، 2014.
عبد الله الفكي البشير
الكبوة الأخلاقية: الفشل في حقن الدماء وتحقيق التسوية الوطنيةوضعت ثورة أكتوبر الأحزاب التقليدية أمام تحد أخلاقي.
تبع فشل مؤتمر المائدة المستديرة ولجنة الاثني عشر، وهو بمثابة الإعلان عن عجز الساسة في تحقيق التسوية الوطنية الشاملة، أن اتبعت الدولة السودانية، بمختلف أنظمتها السياسية المتعاقبة، أمام تحديات التسوية الوطنية وانفجار الصراعات في أقاليم أخرى، منهج الترقيع والترميم عبر الاتفاقيات الثنائية والجزئية والمؤقتة، في سعيها لتحقيق السلام والاستقرار والوحدة. فمنذ ثورة أكتوبر، وحتى تاريخ اليوم، لم تتوفر فرصة لتحقيق التسوية الوطنية الشاملة، مثل تلك التي توفرت مع مؤتمر المائدة المستديرة. وأصبحت المعالجات جزئية وثنائية ومؤقتة وفوقية. فمنذ توقيع اتفاقية السلام بأديس أبابا عام 1972، تفشت في السودان ثقافة عقد الاتفاقيات، فقد تم توقيع عشرات الاتفاقيات، ولا يزال توقيع الاتفاقيات مستمرا وبكثافة حتى تاريخ اليوم. وبرغم التوقيع المستمر للاتفاقيات ظلت الصراعات تتجدد وتتوسع والانقسامات تتالى وتتمدد. فالاتفاقيات – برغم حقنها المؤقت للدماء وهو أمر مطلوب وواجب وطني وإنساني- لا تمثل سوى حل جزئي ومرحلي للصراع مهما قيل عنها وطال سريانها، في حين أن المطلوب هو الحل الكلي والشامل والدائم. كما أن الاتفاقيات الثنائية والحلول الجزئية والمؤقتة، في بلدان التعدد الثقافي، كحال السودان، ما هي إلا ترميم لبناء متهالك، وتعبير فصيح عن العجز والفشل في تحقيق التسوية الوطنية، أقصى مراتب مصيرها الانهيار وأدناه الانفصال.
إن تفشي ثقافة الاتفاقيات الثنائية والجزئية، هو نتيجة طبيعية لفشل مؤتمر المائدة المستديرة، وعجز الأحزاب التقليدية عن تحقيق التسوية الوطنية الشاملة. والمفارقة العجيبة أن نفس تلك الأحزاب عندما وقع انقلاب 25 مايو 1969، عادت إلى مربع النضال من أجل استعادة الديمقراطية، وظلت تناضل حتى عادت بالمصالحة الوطنية عام 1977. وما لبثت أن غطت سماء الخرطوم مرة ثانية بالدعوات للدستور الإسلامي، الأمر الذي تحقق لها في عام 1983. فدخلت البلاد في الحرب الأهلية مرة ثانية، وتحكم مناخ الانفصال والتشظي حتى تاريخ اليوم. ولا مخرج إلا بالثورة الكبرى، ثورة العقول.
خاتمة: نحو الثورة الكبرى ثورة العقولعلى الرغم أن ثورة أكتوبر الشعبية السلمية العزلاء، إلا من قوة إجماع الجماهير على إرادة التغيير، استطاعت أن تغير الحكم العسكري، بيد أنها لم تحقق المكاسب المرجوة حيث التغيير الجذري والشامل في اتجاه الحرية والعدالة الاجتماعية ووحدة البلاد، والمنطلق من مكونات السودان وتكويناته المتنوعة وانتمائه الأفريقي، والمتصل بالمشهد العالمي حيث انتصار حركة الحقوق المدنية والاعتراف بالتعدد الثقافي. لقد اختطفت القوى التقليدية والدينية والطائفية ثورة أكتوبر، وتحالفت قياداتها فيما بينها، وعبر التآمر والعبث بإرادة الجماهير والفوضى الدستورية نجحت في إبعاد القوى الحديثة وتحجيم المد الديمقراطي، وتكليس الوعي الديمقراطي. كما أنها سارت بالسودان، أمام تحديات التسوية الوطنية وانفجار الصراعات، في اتجاه منهج الترقيع والترميم في سعيها لتحقيق السلام والاستقرار من خلال توقيع الاتفاقيات الثنائية، وهو منهج يعبر عن العجز وأفضى إلى الانفصال وتمكين ثقافة التشظي.
وعلى الرغم الخسائر الضخمة الناتجة من اختطاف ثورة أكتوبر، وعدم تحقيقها للمكاسب المرجوة، إلا أن ثورة أكتوبر، لم تكتمل مراحلها بعد. فقد تركت إرثاً ثورياً ضخماً وعميقاً، سيعين في اكتمالها يوم اشتعال الثورة الكبرى من جديد، ثورة في عقول الجماهير، بقيادة المثقفين الأحرار. وعندما تشتعل الثورة من جديد في عقول الشعب، فإنها تكون قد بدأت المرحلة الإيجابية من ثورة أكتوبر.. وهذه في الحقيقة هي الثورة الكبرى، وواجب إشعالها يقع على أفراد الشعب عامة، وعلى المثقفين بصفة خاصة عبر تنوير الجماهير وتحريرهم من التبعية والطائفية والقوى التقليدية والدينية ورجال الدين والأوصياء على العقول.
إن المد الثوري، كحالة إنسانية تنشد التغيير والتحرير، في حالة توسع وتجدد واستمرار. كما أن مغذيات الثورة الشعبية وأسبابها في السودان، اتسعت وتعمقت الآن، أكثر من أي وقت مضى، وتسربت إلى وعي الجماهير، بمعزل عن الأوصياء على العقول، ولهذا فنحن الآن على مشارف انفجار “الثورة الكبرى”. وهي ثورة ستشتعل في عقول الجماهير، وهدفها التغيير الشامل والجذري، ولا يفصلنا عنها، سوى لحظة الاجماع، وقيام المثقفين بواجبهم نحو إشعالها في عقول الجماهير. فمتى ما تمت الثورة الكبرى، الآن أو مستقبلاً، ستكون إدارة السودان على أساس التعدد الثقافي، وقيم الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية وكرامة الإنسان، من أبجديات الحراك السياسي والفكري، وعندها ستتم الوحدة بين أقاليم السودان المختلفة، بما في ذلك جنوبه، الذي اختار اسم (جمهورية جنوب السودان) لدولته، وفي هذا نبوءة مستقبلية لوحدة قادمة.
(بالطبع تتضمن الورقة قائمة بالمصادر والمراجع، وهي منشورة ضمن: حيدر إبراهيم وآخرون (تحرير)، خمسون عاماً على ثورة أكتوبر السودانية (1964- 2014): نهوض السودان المبكر، مركز الدراسات السودانية، القاهرة، 2014).
abdallaelbashir@gmail.com
الوسومعبد الله الفكي البشيرالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: عبد الله الفكي البشير مؤتمر المائدة المستدیرة الاتفاقیات الثنائیة الثورة الکبرى ثورة أکتوبر فی عقول
إقرأ أيضاً:
نزار العقيلي: (هل هي معركة كرامة حقاً ؟؟)
من بداية الحرب و انا عندي راي في مصطلح معركة الكرامة ، ما راكب لي في راسي المدوقس ده ، ما عاجبني ، لسبب بسيط جدا هو انو المصطلح ده ما بحجم الواقعة ، ما بوصف الواقعة وصفها الصحيح ، لامن نقول الحاصل عندنا ده معركة كرامة فمعناها انو ده تحرك عسكري ضد مليشيا و عدوان من مرتزقة لاستعادة السيادة و الكرامة الوطنية و ده ما بعتبرو وصف حقيقي و صحيح اطلاقاً .
لامن نوصف المعركة بالمصطلح ده بنكون اختزلنا الواقعة بين طرفين ( جيش ، مليشيا ) و ده خطاء كبير جداً و بعيد عن الحقيقة تماماً لانو الواقع و الحقائق بتقول إنو الشعب السوداني من زمن طويل جداً كان رافض المليشيا تماماً و طالب بي حلها و ظل المطلب ده مطلب شعبي رقم واحد لسنين طويلة و اول ما هاجمت المليشيا القائد العام و القيادة العامة انتفض الشعب السوداني كلو و ضغط على قيادة الجيش و طالبها بالتسليح و ظلت مطالب تسليح الشعب مستمرة و وصل الامر بانو الشعب يسير مواكب للحاميات العسكرية و يطالبها بالتسليح للوقوف مع قواته في خندق واحد و لامن تم فتح باب الاستنفار الشعبي لبوا النداء الشيب و الشباب و النساء و خير مثال لذلك اخواتنا في دارفور الشايلين السلاح ليومنا هذا ، بالإضافة لإستنفار لجان المقاومة على راسهم غاضبون و كتائب الاسلاميين على راسهم البراؤون ، فهل يعقل انو نختزل الحدث بين الجيش و المليشيا ؟
فبالتالي يا جماعة الحاصل ده جزء من نضال الشعب السوداني من اجل التحرر من حكم المليشيا و العملاء و من اجل الإستقلال الحقيقي من التدخلات الخارجية فيبقى الوصف الحقيقي او المصطلح الصحيح هو ( ثورة الكرامة ) و ليس ( معركة الكرامة ) هي ثورة لانها كانت من مطالب الشعب ، هي ثورة لانو الشعب شال فيها السلاح و وقف مع قواته المسلحة ضد المليشيا ، هي ثورة لانها وحدت الشعب السوداني كلووو تحت راية قواته المسلحة ، هي ثورة لانها جعلت حركات الكفاح المسلح و القوات المسلحة و المستنفرين و الغاضبون و البراؤون في خندق واحد ضد المليشيا و العملاء ، هي ثورة لانها وحدت الصفوف و جمعت الشمل و استعادت سيادة و كرامة السودان ، هي ثورة لانها صححت المفاهيم و كشفت المستور و رفعت الوعي و الحس الوطني ، هي ثورة لانها دفنت الاحزاب التقليدية و العملاء مع المليشيا في مقابر جماعية ، و تأسيساً على ما سبق ممكن نقول إنو مع الرصاصة الأولى كانت معركة كرامة لكنها اتحولت لثورة كرامة .
نزار العقيلي
#ثورة_الكرامة