مبادرات الخداع: نظرة أعمق إلى استراتيجات الولايات المتحدة وإسرائيل
تاريخ النشر: 1st, November 2024 GMT
في المشهد السياسي المعقد في الشرق الأوسط، فإن أي فكرة عن نهج مستقل أمريكي أو إسرائيلي لحل الصراعات وتوقف المجازر الإسرائيلية في غزة ولبنان عبر مبادراتهم، هي وهْم. والواقع أن التحالف بين الولايات المتحدة وإسرائيل ثابت ومنسق بشكل عميق، وهو يدير الأحداث بشكل منظم ومنسق في غزة ولبنان وغيرهما من الساحات. ومؤخرا، طرحت الولايات المتحدة خطة وقف إطلاق النار في لبنان، وهي الخطوة التي قدمت باعتبارها خطوة نحو السلام.
سراب محادثات وقف إطلاق النار: أداة لتحقيق مكاسب تكتيكية
لطالما كان النهج الإسرائيلي المستمر في مناقشات وقف إطلاق النار جزءا من لعبة أكبر من المناورات التكتيكية. لقد كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يحاول طيلة أكثر من عام أن يتحايل على هذه المفاوضات، فيطرح مطالب غير واقعية كلما بدا السلام في متناول اليد، ثم يسحب دعمه في اللحظة الأخيرة. ويبدو أن نهجه يعطي الأولوية لإطالة أمد الأعمال العدائية بدلا من السعي إلى الاستقرار. وقد تحول هذا التكتيك الآن من غزة إلى لبنان، حيث ارتفعت المخاطر بسبب الخسائر الكبيرة التي تكبدتها إسرائيل على أرض المعركة.
وقف إطلاق النار المقترح في غزة ولبنان هو في جوهره وهْم متطور. فهو يخدم الغرض المزدوج المتمثل في السماح لإسرائيل بإعادة تجميع صفوفها، في حين يمكن الولايات المتحدة من استرضاء فئات ديموغرافية رئيسية من الناخبين
وفي لبنان، أصبحت دوافع إسرائيل أكثر وضوحا، فبعد سلسلة من الانتكاسات في مواجهاتها مع حزب الله، يعمل وقف إطلاق النار المقترح كمناورة استراتيجية لوقف الأعمال العدائية وإعادة التجمع. إن الانسحاب الأخير للفرقة 9204 الإسرائيلية من الأراضي اللبنانية ليس بادرة حسن نية أو شهادة على التزام إسرائيل بالسلام، بل إنه مؤشر صارخ على شدة الخسائر التي تكبدتها إسرائيل على الأراضي اللبنانية. ويسلط هذا التراجع الضوء على فعالية العمليات البرية التي يشنها حزب الله، مما يثبت أن الوجود الإسرائيلي في لبنان لم يقاوَم فحسب، بل ووجه بقوة كبيرة. من خلال الدعوة إلى وقف إطلاق النار، تهدف إسرائيل إلى تخفيف الضغط على قواتها مع الاحتفاظ بالسيطرة على رواية مفاوضات السلام.
ومع ذلك، فإن قيادة حزب الله تدرك تمام الإدراك هذه التكتيكات، فقد أكد الأمين العام الجديد للحزب نعيم قاسم؛ علنا أن أي اتفاق يجب أن يكون بشروط لبنان، مشددا على أن قدرة حزب الله على الصمود غير قابلة للتفاوض. وبالنسبة لقوات المقاومة في لبنان، فإن دعوة نتنياهو المحسوبة للسلام ليست أكثر من مجرد فترة راحة مؤقتة، وتوقف لا يحمل أي وعد بتنازلات حقيقية.
الارتباط الانتخابي الأمريكي: نداء محسوب للناخبين العرب والمسلمين
على الجانب الآخر من الأطلسي، يتأثر تورط الولايات المتحدة في مبادرة وقف إطلاق النار؛ ليس فقط بتحالفها الاستراتيجي مع إسرائيل ولكن أيضا بالمخاوف الانتخابية المباشرة. قبل أيام قليلة من الانتخابات الأمريكية، تواجه إدارة بايدن ضغوطا من المجتمعات العربية والإسلامية، وخاصة في الولايات المتأرجحة الحاسمة مثل ميتشيغان وبنسلفانيا. إن هذه المجتمعات، التي تأثرت بشدة بالسياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط، قد حشدت نفسها بشكل متزايد حول دعوات لإنهاء الإبادة الإسرائيلية في غزة ولبنان. وهذا التحول في مشاعر الناخبين مهم، فلأول مرة تفكر هذه المجموعات علنا في مقاطعة الانتخابات إذا فشلت الإدارة في دعم وقف إطلاق النار الحقيقي.
يعترف الحزب الديمقراطي بقوة هذه الكتلة التصويتية، وفي الولايات التي تشهد صراعا محتدما، قد يؤثر الناخبون العرب والمسلمون على النتائج، مما يزيد الضغوط على الإدارة لتبدو داعمة للسلام. لكن اقتراح وقف إطلاق النار، في حين أنه في الوقت المناسب لحملة لكاملا هاريس، يبدو وكأنه خطوة محسوبة لتأمين الأصوات أكثر من كونه التزاما بالتغيير الحقيقي. إنها خدعة دبلوماسية، ومحاولة لإعطاء مظهر السلام دون معالجة القضايا الأساسية المتمثلة في الاحتلال والسيادة وحقوق الإنسان التي تنتهكها إسرائيل بشكل مستمر.
الأهداف الاستراتيجية لإسرائيل: إعادة رسم ساحة المعركة
يمتد تركيز إسرائيل على السيطرة على شروط الاشتباك إلى ما هو أبعد من لبنان وغزة. ففي كل مسرح من مسرحيات الصراع، سعت إسرائيل إلى تحديد السرد وتشكيل ساحة المعركة لصالحها. إن انسحاب الفرقة 9204 من جنوب لبنان يشكل مؤشرا قويا على كيفية تطور هذه الأهداف الاستراتيجية، فبعد أن عجزت إسرائيل عن تأمين الانتصارات التي توقعتها، غيرت تكتيكاتها، مستخدمة مقترحات وقف إطلاق النار كدرع سياسي وأداة لإعادة التنظيم العملياتي. ولا يشير هذا التراجع إلى استعداد للتفاوض، بل إلى الحاجة إلى إعادة ضبط الموقف في مواجهة المرونة المفاجئة التي يتمتع بها حزب الله.
ولكن في حين تحاول إسرائيل تعزيز قواتها والتكيف، فإن قوة حزب الله المستمرة تتحدى الأساس ذاته لهذه الاستراتيجيات. فكل انسحاب، وكل دعوة لوقف إطلاق النار، تسلط الضوء على سوء تقدير أساسي في التوقعات الإسرائيلية للهيمنة الإقليمية. وبعيدا عن التراجع، حافظ حزب الله على موقف هائل.
القرارات التي يتخذها الناخبون العرب والمسلمون اليوم في الولايات المتحدة سوف يتردد صداها إلى ما هو أبعد من الحدود الأمريكية. فمن خلال التمسك بمطالبهم بالسلام الحقيقي والمساءلة، تمتلك هذه المجتمعات القدرة على التأثير؛ ليس فقط على نتائج الانتخابات ولكن أيضا على مسار السياسات الأمريكية الإسرائيلية في الشرق الأوسط
ختاما، إن وقف إطلاق النار المقترح في غزة ولبنان هو في جوهره وهْم متطور. فهو يخدم الغرض المزدوج المتمثل في السماح لإسرائيل بإعادة تجميع صفوفها، في حين يمكن الولايات المتحدة من استرضاء فئات ديموغرافية رئيسية من الناخبين. ولكن بالنسبة لأولئك المتأثرين بشكل مباشر بالعنف سواء في لبنان أو غزة فإن هذه الإيماءات تبدو جوفاء، ولن يتحقق السلام الحقيقي من خلال نصف التدابير والمناورات السياسية؛ بل يتطلب التزاما صادقا بمعالجة الأسباب الجذرية للحرب الإسرائيلية المستمرة ضد شعوب المنطقة واحترام سيادة جميع الشعوب المعنية.
في نهاية المطاف، فإن القرارات التي يتخذها الناخبون العرب والمسلمون اليوم في الولايات المتحدة سوف يتردد صداها إلى ما هو أبعد من الحدود الأمريكية. فمن خلال التمسك بمطالبهم بالسلام الحقيقي والمساءلة، تمتلك هذه المجتمعات القدرة على التأثير؛ ليس فقط على نتائج الانتخابات ولكن أيضا على مسار السياسات الأمريكية الإسرائيلية في الشرق الأوسط. إن الطريق إلى السلام لن يكون ممهدا بوقف إطلاق النار الناتج عن المصلحة السياسية، ولن يتحقق ذلك من قبل أولئك الذين ينظرون إلى الدبلوماسية كأداة لتحقيق مكاسب مؤقتة، بل سوف تتم صياغته من قبل أولئك الذين يطالبون بالنزاهة والعدالة والسياسة الخارجية التي تعطي الأولوية للناس على السلطة.
وبينما نواجه أوهام السلام هذه، دعونا نتذكر أن وقف إطلاق النار لا يكون حقيقيا إلا بقدر النوايا الكامنة وراءه. في لبنان وغزة، وفي الولايات المتحدة وخارجها، حان الوقت لرفض الوعود الجوفاء والإصرار على مسار جديد للمضي قدما، ولذلك فأمام بايدن ونائبته هاريس خمسة أيام لإقرار خطة وقف إطلاق النار وإلا فالمقاطعة هي الخيار الأنسب.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه إسرائيلي غزة لبنان الانتخابات بايدن هاريس لبنان إسرائيل امريكا غزة انتخابات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة فی الشرق الأوسط وقف إطلاق النار الإسرائیلیة فی فی غزة ولبنان فی الولایات حزب الله فی لبنان من خلال فی حین
إقرأ أيضاً:
هل تستطيع محادثات وقف إطلاق النار فى لندن كسر الجمود بـ«أوكرانيا»؟.. «أكسيوس»: خطة سلام أمريكية تتضمن الاعتراف رسميًا بشبه جزيرة القرم كجزء من روسيا
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
يجتمع ممثلون من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا فى لندن، لاستئناف المناقشات مع المسئولين الأوكرانيين بشأن وقف إطلاق نار محتمل فى الحرب، وكان من المقرر أن يحضر وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، الاجتماع، لكنه أعلن فى اللحظة الأخيرة انسحابه، وسيحل محله مبعوث البيت الأبيض إلى أوكرانيا، كيث كيلوج.
أفاد موقع أكسيوس الأمريكي، بأن كيلوج سيصل بخطة سلام أمريكية-روسية شاملة و"نهائية"، تتضمن، بحسب التقارير، اعترافًا أمريكيًا رسميًا بشبه جزيرة القرم كجزء من روسيا، واعترافًا غير رسمى بسيطرة روسيا على جميع المناطق المحتلة تقريبًا منذ بدء الغزو، ونقل أكسيوس عن مصادر مطلعة على المقترح.
وأوضح الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، أن كييف لم تكن على علم بأى مفاوضات من هذا القبيل، وقال يوم الثلاثاء: "لا مجال للحديث عن هذا. هذا ينتهك دستورنا. هذه أراضينا، أراضى شعب أوكرانيا".
تأتى هذه المرحلة الأخيرة من المحادثات فى أعقاب هدنة مشكوك فيها لمدة ٣٠ ساعة وأسابيع من القصف الروسى المكثف للمدن الأوكرانية، بما فى ذلك ضربة وحشية بشكل خاص أسفرت عن مقتل ٣٥ شخصًا على الأقل فى مدينة سومى فى شمال شرق أوكرانيا يوم أحد الشعانين.
لقد أحبطت شهور الجمود ترامب - ففى الأسبوع الماضي، هدد روبيو بأن الرئيس قد يتخلى عن العملية برمتها إذا لم يتم التوصل إلى حل قريبًا. وقال روبيو: "لن نواصل هذا المسعى لأسابيع وشهور متواصلة"، مضيفًا أن الولايات المتحدة لديها "أولويات أخرى يجب التركيز عليها".
هل روسيا فى وضع مربح للجانبين؟
فى الأسبوع الماضي، استضاف إيمانويل ماكرون محادثات سلام فى باريس، سعيًا لإعادة تأكيد دور أوروبا فى إنهاء الحرب فى أوكرانيا. وقال الرئيس الفرنسي: "الجميع يريد تحقيق السلام- سلام قوى ومستدام.. المسألة تتعلق بالتدريج".
وتشير المحادثات إلى أن ترامب، الذى يزداد إحباطًا من عجزه عن إنهاء الحرب بالطريقة الحاسمة التى وعد بها، يسعى إلى إشراك أوروبا بشكل مباشر أكثر فى المفاوضات- مع أنه لا يزال من غير الواضح ما إذا كان قد تم إحراز أى تقدم حقيقي.
روسيا على الطاولة
ورغم أن فلاديمير بوتين أعطى خدمة لفظية لفكرة السلام ــ حتى أنه ذهب إلى حد التعبير عن استعداده للدخول فى محادثات ثنائية مع أوكرانيا لأول مرة منذ سنوات ــ فإنه لم يبدُ "جادًا بشكل خاص فى رغبته".
كما يقول دان، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن موسكو استمرت فى متابعة أهدافها القصوى المتمثلة فى السيطرة على جميع المقاطعات المحتلة جزئيًا فى أوكرانيا ــ دونيتسك، ولوغانسك، وزابوريزهيا، وخيرسون.
ومع ذلك، ووفقًا لتقريرٍ نُشر فى صحيفة فاينانشال تايمز، صرّح الكرملين بأنه سيوقف غزوه لأوكرانيا على طول خط المواجهة الحالى إذا وافقت الولايات المتحدة على أن شبه جزيرة القرم تابعة لروسيا.
ورفضت أوكرانيا أى ادعاء روسى بشأن القرم، وأكدت مجددًا أن المناقشات يجب أن تُجرى على طاولة المفاوضات، وليس فى عناوين الأخبار.
ربما يكون الاقتراح الأمريكى الشامل، الذى يُعتقد أنه مرتبط بتهديدات ترامب بالانسحاب التام من طاولة المفاوضات، هو المرة الأولى منذ الأيام الأولى للحرب التى تتراجع فيها موسكو عن مطالبها المتطرفة.
فإلى جانب "الاعتراف الفعلي" بمعظم الأراضى المحتلة، تتضمن الخطة التى أوردها موقع أكسيوس أيضًا ضمانات لروسيا بعدم انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسى (الناتو)، ورفع العقوبات المفروضة عليها، وتوسيع التعاون الاقتصادى بين روسيا والولايات المتحدة.
فى محاولة سابقة للضغط على كييف للموافقة على وقف إطلاق نار لمدة ٣٠ يومًا، علق ترامب جميع المساعدات العسكرية الأمريكية لأوكرانيا، وحظر وصول شحنات أساسية بمليارات الدولارات. ومن المرجح أن يتجدد الضغط لقبول هذه الشروط الجديدة.
ويأتى التغيير فى مطالب روسيا بعد أن التقى مبعوث ترامب، ستيف ويتكوف، الذى اتهمته أوكرانيا بترويج روايات روسية، مع بوتن لعدة ساعات الأسبوع الماضي.
ماذا الآن؟
ومن المتوقع أن تنقل الولايات المتحدة بعد اجتماعات اليوم فى لندن رد أوكرانيا على بوتن، كما من المقرر أن يزور ويتكوف موسكو فى وقت لاحق من هذا الأسبوع فى اجتماعه الرابع مع الرئيس الروسي.
يبدو أن أولوية أوكرانيا لا تزال تتمثل فى وقف إطلاق النار لمدة ٣٠ يومًا، بدلًا من الالتزام بهذا الإطار الجديد الذى تقوده الولايات المتحدة. ومن غير الواضح كيف ستسير الأمور فى المفاوضات، فى ظل تزايد حدة ترامب.
لقد ثبت أن إنهاء هذه الحرب أصعب بكثير مما كانت تأمله إدارة ترامب. ويُمثل اقتراح روبيو بأن الولايات المتحدة قد تكون مستعدة للانسحاب من المحادثات وإخراج نفسها من الوضع تمامًا، التعبير الأوضح عن الإحباط ونفاد الصبر حتى الآن. يقول دان: "إن السعى لإحلال السلام فعل، لكن عدم المشاركة له عواقب أيضًا، وهذا هو ثقل النفوذ الأمريكي".
فكيف يبدو ذلك؟ لقد انخفض الدعم العسكرى الأمريكى وتمويله لأوكرانيا بشكل ملحوظ، مع تدخل الحلفاء الأوروبيين لسد الفجوة. ومع ذلك، فإن الانسحاب الكامل من جانب واشنطن قد يكون له عواقب وخيمة.
ويضيف دان: "قد يوقفون بعض تبادل المعلومات الاستخباراتية، ويصعّبون على أوكرانيا تشغيل بعض أنظمة الأسلحة التى تزودها الولايات المتحدة، ما سيزيد بالتأكيد من سوء وضع أوكرانيا فى ساحة المعركة، وإن لم يتضح بعد إلى أى مدى سيتفاقم الوضع".
"وفى كل الأحوال، فإن ذلك من شأنه أن يؤثر على معنويات الأوكرانيين وعزمهم على مقاومة العدوان الروسي".
سواء انسحب ترامب فى نهاية المطاف أم لا، فإن هذا سيناريو مربح للجانبين بالنسبة لروسيا، كما كتب أندرو روث فى تحليله: روسيا "إما أن تقبل صفقة مواتية مع البيت الأبيض أو تنتظر أن يفقد ترامب صبره.