حقَّ لأبناء خط المقاومة العربية والإسلامية والمؤمنون به بصدقٍ الاستهزاء بهزالة الاعتداء الصهيو-أميركي على الجمهورية الإسلامية فجر السبت 26 تشرين الأول\أكتوبر 2024، بل ربما ينبغي عليهم فعل ذلك، إذ أن ما كان قد توعّد به العدو ووصفه بأنه سيكون "ردًّا" ماحقًا وزلزاليًا على ضربة "الوعد الصادق 2" الإيرانية غير المسبوقة، قد جاء اضعف حتى من أكثر التوقعات تحفظًا، في تجسيدٍ واضحٍ للاختلال الملموس الذي قد اعترى توازنات القوى الإقليمية الحاكمة في المنطقة لمصلحة قوى التحرّر العربي والإسلامي، لكن هل يعني ذلك نهاية الحرب القائمة أو قربه؟

تفضي القراءة التي تقول بأن طوفان الأقصى قد كان بجدارةٍ حدثًا استثنائيًا في تاريخ المنطقة، وبأن تداعياته قد أخرجت الإقليم من حالة المراوحة النسبية التي كان يعيشها لعقودٍ اتجاه القضية المركزية للأمّة، ناهيك عن الشواهد التي تراكمت من سير المعارك على مدى عامٍ ونيّفٍ منذ 7 تشرين الأول\أكتوبر، إلى وضع الحرب الإقليمية الدائرة ضمن أربع محدِّداتٍ رئيسةٍ ، لعل ذلك يساهم في فهم سبب هزالة العدوان الصهيو-أميركي الأحدث على إيران، ويساعد في استقراء السيناريوهات المحتملة لقابل الأيام:

1.

حربٌ حقيقيةٌ

إن الحرب الدائرة تعد حربًا حقيقيةً بين طرفين يمتلك كلٍ منهما مصادر قوةٍ معتبرةٍ ومقدّراتٍ عسكريةٍ تدميريةٍ وازنةٍ، وذلك برغم تفاوت الإمكانيات التدميرية التي تمتلكها القوى المتحاربة، لذا فهي تختلف في طريقة إدارتها عن الحروب غير المتكافئة التي شهدتها منطقتنا وبعض أماكن العالم خلال الثلاثة عقودٍ المنصرمة، والتي كانت أقرب في طبيعتها إلى العمليات العسكرية بسبب الاختلال الكبير في مقدَّرات الأطراف المتواجهة، إذ كانت القوى المتقابلة عبارةً عن قوةٍ مدمِّرةٍ في مواجهة قوى تتراوح قدراتها بين الضعيفة والضعيفة جدًا، كحرب حلف الناتو ضد يوغوسلافيا، والحرب الأميركية ضد أفغانستان، وحرب احتلال العراق، وحرب كيان الاحتلال ضد لبنان 2006، والحرب الروسية في جورجيا، وحرب حلف الناتو ضد ليبيا، وحروب الكيان المؤقت ضد قطاع غزَّة، إذ بصفةٍ عامةٍ لم يكن في تلك الحروب ثمّة رادعٍ يكبح القوى الأكثر تسليحًا من أن تدخل المعركة بكل قوتها دون حساباتٍ معقدةٍ لفرص النجاح أو الخسارة، أو حجم الكلفة المحتملة للإنجاز العسكري المأمول تحقيقه.

إن الحرب الإقليمية المشتعلة اليوم تشبه في العديد من جوانبها الحرب الروسية الراهنة في أوكرانيا، إذ تواجه روسيا في تلك الحرب فعليًا حلف الناتو، وهاتان القوّتان المتقابلتان تملكان من القدرة التدميرية ما يمكنه إفناء العالم، لذا نجد بأن المتحاربين يديرون المعركة بتصعيدٍ تدريجيٍ حذرٍ، وذلك في محاولةٍ لتفادي وصول الأطراف المتقابلة إلى مرحلة التدمير المتبادل الشامل.

يمكن ملاحظة نفس التكتيك القتالي في الحرب الإقليمية الحالية، وذلك إذا ما تم النظر إليها بشموليةٍ تعكس حقيقة كونها تدور بين حلفٍ صهيو-أميركي، في مقابل محورٍ عربيٍ إسلاميٍ يمتدّ من طهران إلى صنعاء، تمتلك أركانه قدراتٍ عسكريةٍ جدّيةٍ يمكنها إلحاق دمارٍ كبيرٍ سواءً أكان في كيان الاحتلال، أم في المصالح الأميركية المنتشرة في المنطقة، أم في مصادر الطاقة العالمية وطرق التجارة البحرية الدولية، فيما يمتلك حلف الأعداء قدراتٍ تدميريةٍ كبيرةٍ لا تخفى على أحدٍ.

2.أطرافٌ عقديةٌ متحاربةٌ

إن القوى المتحاربة في هذه المعركة تعد قوى عقديةً، وتحمِل رؤى واضحة لمستقبل المنطقة ومشاريع قوميةٍ جدّيةٍ، هذا ناهيك عن أن المخاطر المحدقة ببعض الأطراف بسبب الحرب القائمة قد باتت تصل إلى حد كونها وجوديةً في بعض النواحي، مما يجعل إيجاد حلولٍ توافقيةٍ أمرًا في غاية التعقيد، فمثلًا ليس من ثمّة مؤشّراتٍ جدّيةٍ تقول بأن طوفان الأقصى، الذي غدى طوفانًا إقليميًا بامتيازٍ بكل أبعاده، قد كان مجرّد "حرب تحريكٍ"، وذلك على غرار حرب تشرين الأول\أكتوبر 1973، التي أرادها الرئيس المصري الراحل أنور السادات أن تكون "حرب تحريكٍ".

3.هدفٌ إستراتيجيٌ كبيرٌ لا خلاف عليه لدى معسكر الأعداء

في المقابل، يبدو أن هناك تصميمًا وتوافقًا كاملًا بين الأميركي والصهيوني على الهدف النهائي المأمول من الحرب بتغيير الوضع الجيو-إستراتيجي في المنطقة بصورةٍ جذريةٍ، ودون تحقيق هذا الهدف تحييد المقاومتين الإسلاميتين في فلسطين ولبنان، وإضعاف إيران وتجريدها من مصادر قوتها داخليًا وإقليميًا.

لقد تَعزَّز هذا التوافق عقب زيارة نتنياهو إلى الولايات المتحدة الأميركية في تموز\يوليو الماضي، التي ألقى فيها خطابه أمام الكونغرس الأميركي، وتجلّى ذلك في تصعيد العدو المتزامن على ثلاثة جبهاتٍ، فكان استهداف الاحتلال للقيادي الجهادي البارز في حزب الله، فؤاد شكر، واستهداف الأميركي لعددٍ من قيادات المقاومة الإسلامية في العراق، واستهداف الاحتلال بالاشتراك مع الأميركي لرئيس حركة حماس الأسبق، الشهيد إسماعيل هنية، الذي مثَّل ضربةً مزدوجةً لإيران وحركة حماس معًا.

لقد أصبح واضحًا بأن أي خلافٍ بين الكيان المؤقت والأميركي في هذه الحرب لا يتخطى بعض تفاصيل الأداء الميداني، أو تحديد سرعة إيقاع المعارك الدائرة تكتيكيًا، أقلّه حتى اللحظة ضمن ظروف ووتيرة المعارك الجارية، ولا يرجح أن أي تغييرٍ سياسيٍ في الإدارة الأميركية القادمة من عدمه سيكون له أثرٌ حاسمٌ في مسار الحرب، أو في تبديل الهدف الإستراتيجي الذي يسعى المعسكر المعادي حثيثًا إلى تحقيقه.

4.اختلالٌ في موازين القوى يتيح للأطراف الاستمرار

إن الاختلال في موازين القوى الذي طرأ على الإقليم، والذي كان أحد مسوّغات طوفان الأقصى بالأساس، كبيرٌ إلى حدٍّ يتيح لقوى التحرّر العربي والإسلامي الاستمرار في الحرب بفعاليةٍ ولفترةٍ طويلةٍ.

لكن العدو أيضًا يمتلك من القدرات النارية ما يتيح له المضي في الحرب لفترةٍ ممتدّةٍ، ومن الواضح أنه مازال يراهن على قدراته التدميرية العالية، وتفوّقه الاستخباري والتكنولوجي، وذلك لتعديل مسار المعارك بما يحقّق الهدف النهائي الذي يرتجيه.

قراءةٌ في الاعتداء الصهيو-أميركي والسيناريوهات المحتملة

وعليه، الأرجح أن الاعتداء الصهيو-أميركي الأحدث على إيران قد جاء هزيلًا بسبب الخشية من ردّ الفعل الإيراني بصورةٍ أساسيةٍ، ذاك الردّ الذي كان ليكون على الأغلب مؤذيًا بدرجةٍ كبيرةٍ للمعسكر المعادي، مما سيقود إلى تحويل الجبهة الإيرانية إلى جبهةٍ ساخنةٍ عوضًا عن إبقائها جبهةً منخفضة الوتيرة كما هي حاليًا، وحينها تكون الحرب قد دخلت فعليًا في مرحلة التدمير المتبادل الشامل كما جاء في المحدِّد الأول من المحدِّدات الأربع، مع العلم بأن قوى محور المقاومة أيضًا تحاول تجنّب الوصول إلى هذه المرحلة.

لكن المحدِّدات الثلاث الأخرى، سيما المحدِّد الرابع، ترجّح صعوبة التوصل إلى وقفٍ للحرب قريبٍ، لاسيما أن التوصل إلى وقفٍ لإطلاق النار حسب شروط المقاومة، التي لا يبدو أنها في وارد التراجع عنها بعد كل التضحيات التي بُذلت، يعني خسارةً صريحةً للمعسكر المقابل.
يبقي هذا الوضع أمام العدو الرهان على خوض حرب استنزافٍ كخيارٍ وحيدٍ لمواصلة الحرب، وإدارتها بطريقة التسلسل في الجبهات، بحيث يَترُك الجبهات الأخرى مفتوحةً لكن بوتيرةٍ منخفضةٍ، على غرار ما جرى خلال العام الأول من عمْر الحرب على جبهتيّ فلسطين ولبنان.
في المقابل، ترى قوى التحرّر العربي والإسلامي في حرب الاستنزاف فرصةً مواتيةً لإلحاق الهزيمة بالعدو، مراهِنةً على أن نفَس المقاومة هو الأطول، وعلى رجحان احتمال انهيار جيش الاحتلال قَبْل انهيار قوى المقاومة، قياسًا على تجارب حروبها في العقدين الماضيين، وبناءً على التجارب التاريخية عمومًا، وهذا رهانٌ عقلانيٌ بالعموم.

لقد توفّرت منذ فترةٍ الظروف الموضوعية لإيقاف الحرب، وهذا ما تستند عليه بعض الأصوات في الكيان في مطالبتها بالذهاب إلى وقفٍ لإطلاق النار، لكن المحدِّدات الثاني والثالث والرابع تشكّل عائقًا جدّيًا أمام توقُّف القتال، لذا يصير احتمال اضطرار العدو إلى توسيع المعركة لتغدو حربًا إقليميةً شاملةً أمرًا واردًا برغم المحدِّد الأول، لا سيما في ظل سير المعارك على جبهة جنوبيّ لبنان على غير ما يشتهيه.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الإيرانية الاحتلال إيران غزة الاحتلال مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة طوفان ا

إقرأ أيضاً:

وزير حرب الاحتلال: مصر هي التي اشترطت نزع سلاح حماس وغزة

قال وزير حرب الاحتلال، يسرائيل كاتس، إن مصر، ولأول مرة، اشترطت من أجل صفقة شاملة وإنهاء الحرب، تفكيك سلاح حركة حماس، وتجريد قطاع غزة من السلاح، وهو ما يتناقض مع حديث وسائل إعلام مقربة من القاهرة عن أنه مقترح للاحتلال وهي قامت بنقله فقط.

وأوضح كاتس في منشور عبر حسابه الرسمي على موقع إكس: "الضغط على حماس لتنفيذ الصفقة كبير، ولأول مرة اشترطت مصر من أجل إنهاء الحرب تفكيك سلاح حماس ونزع السلاح من القطاع".

وعلى صعيد المساعدات الإنسانية، في ظل التجويع، قال كاتس: "سياسة إسرائيل واضحة.. لن يسمح بدخول أي مساعدات إنسانية إلى غزة، منع إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة هو أحد أدوات الضغط الرئيسية التي تمنع حماس من استخدامه مع السكان، ولا ينوي أحد في الواقع إدخال مساعدات إلى غزة، وليس هناك تحضيرات لذلك".

وأضاف: "يجب بناء آلية لاستخدام الشركات المدنية كأداة تمنع حماس من الوصول إلى هذا الملف مستقبلا كذلك".



وكانت قناة "القاهرة الإخبارية"، حذفت خبرا لها قبل يومين، ذكرت فيه أن مصر وحدها سلمت حركة حماس الورقة الإسرائيلية، التي تتضمن نزع سلاح المقاومة، وقامت بإضافة قطر إلى الخبر المحدث.

وكتبت القناة: "مصر وقطر تسلمتا مقترحا إسرائيليا بوقف مؤقت لإطلاق النار في غزة، وبدء مفاوضات تقود لوقف دائم لإطلاق النار".

وأضافت أن "مصر وقطر سلمتا حركة حماس المقترح الإسرائيلي، وتنتظران ردها في أقرب فرصة".


وفي وقت سابق، أكدت حركة حماس أن قيادة الحركة تدرس بمسؤولية وطنية عالية، المقترح الذي تسلمته من الإخوة الوسطاء، وستقدم ردها عليه في أقرب وقت، فور الانتهاء من المشاورات اللازمة بشأنه.

وجددت الحركة تأكيدها على موقفها الثابت بضرورة أن يحقّق أيّ اتفاق قادم: وقفا دائما لإطلاق النار، وانسحابا كاملا لقوات الاحتلال من قطاع غزة، والتوصّل إلى صفقة تبادل حقيقية، وبدء مسار جاد لإعادة إعمار ما دمّره الاحتلال، ورفع الحصار الظالم عن الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.

وكشف قيادي في حركة حماس، أن مصر نقلت إلى الحركة مقترحا، يتضمن نصا صريحا، بشأن نزع سلاح المقاومة، وهدنة مؤقتة لمدة 45 يوما.

ونقلت قناة الجزيرة تصريحات عن القيادي الذي لم تكشف هويته، قوله إن المقترح الذي نقلته القاهرة يشمل إطلاق سراح نصف أسرى الاحتلال في الأسبوع الأول من الاتفاق، وتهدئة مؤقتة لـ45 يوما مقابل إدخال الطعام والإيواء.

وأضاف: "وفدنا المفاوض فوجئ بأن المقترح الذي نقلته مصر يتضمن نصا صريحا بشأن نزع سلاح المقاومة".

وتابع: "مصر أبلغتنا أنه لا اتفاق لوقف الحرب، دون التفاوض على نزع سلاح المقاومة".

وشدد بالقول: "حماس أبلغت مصر أن المدخل لأي اتفاق هو وقف الحرب والانسحاب، وليس نزع سلاح المقاومة، وأن نقاش مسألة السلاح مرفوض جملة وتفصيلا، وأن السلاح هو حق أساسي من حقوق شعبنا ولا يخضع للنقاش".

وأثار الحديث عن مسألة نزع سلاح المقاومة في قطاع غزة خلال المفاوضات الجارية في العاصمة المصرية القاهرة، ضمن جهود وقف إطلاق النار وعقد صفقة جديدة لتبادل الأسرى مع الاحتلال؛ ردودا واسعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وبدأ مغردون باستذكار تعليقات تاريخية لقادة المقاومة الفلسطينية بشأن هذا الملف، وأعادوا نشرها عبر وسم "سلاحنا_كرامتنا"، فيما وصف آخرون مقترح تسليم السلاح بأنه "نكتة سمجة".

مقالات مشابهة

  • اليونان تتخذ الخطوة التي وصفتها تركيا بـ”سبب للحرب”!
  • تقرير أميركي: ترامب أوقف هجوما عسكريا إسرائيليا على إيران
  • مجموعة السبع تدعو إلى وقف فوري للحرب في السودان
  • في الذكرى الثانية للحرب .. هل ينتعش اقتصاد السودان؟
  • عاجل| أكسيوس عن مسؤول أميركي: دي فانس وهيجسيث وويتكوف يحذرون من أن الهجوم على إيران قد يؤدي لارتفاع أسعار النفط
  • وزير حرب الاحتلال: مصر هي التي اشترطت نزع سلاح حماس وغزة
  • في الذكري الثانية للحرب: من أطلق الرصاصة الأولي؟
  • ما هو سلاح المقاومة الذي يريد الاحتلال الإسرائيلي نزعه من غزة؟
  • حماس: فوجئنا بأن المقترح الذي نقل لنا يتضمن نزع سلاح المقاومة
  • حماس: فوجئنا بأن المقترح الذي نقلته لنا مصر يتضمن نزع سلاح المقاومة