لغط كبير حول مصير أنقى بحيرة مصرية.. هل تم بيع البردويل للإمارات؟
تاريخ النشر: 1st, November 2024 GMT
بعد نحو شهرين من زيارة وفد إماراتي لشمال شبه جزيرة سيناء، وسط استقبال حافل من اتحاد القبائل العربية الذي أثار الجدل؛ قال عدد من النشطاء إنه تمّ منع الصيادين من نزول بحيرة "البردويل" الواقعة على البحر المتوسط بشمال سيناء، معربين عن مخاوفهم من أن تكون الإمارات قد سيطرت على البحيرة.
والأربعاء الماضي، قالت الناشطة السيناوية، منى الزملوط، عبر حسابها على موقع التواصل الاجتماعي "إكس": "الإمارات ستأخذ بحيرة البردويل"، موضحة أنه "تم منع الصيادين من النزول للبحيرة".
وأكدت الناشطة السيناوية، عبر التغريدة نفسها، أن "الوفد الإماراتي الوحيد الذي يدخل البحيرة بحماية اتحاد القبائل العربية".
مبروك للمصريين . الامارات هتاخد بحيرة البردويل في سيناء ..
تم منع الصيادين من النزول للبحيره .
وتم غلق البحيره في وجوههم
بس الوفد الاماراتي الوحيد اللي بيدخل البحيره بحمايه الاتحاد .
هاي يا ام الدنيا
هاي جدا جدا — Mona El-Zamlout (@MonaZamlout) October 30, 2024
كذلك، قال الناشط السيناوي، أشرف أيوب، الثلاثاء الماضي، عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك": "عندما قمت اليوم بشراء سمك قال لي البائع هذا اليوم الأخير الذي ستجد فيه سمك من بحيرة البردويل، لأنها أُغلقت أمام الصيد حتى يتم تسليمها إلى الإماراتي مالكها الجديد".
"زيارة مريبة ومخاوف"
وفي 3 أيلول/ سبتمبر الماضي، أعلن النائب البرلماني السيناوي، فايز أبوحربن، عن استقبال وفد إماراتي، برئاسة مدير الأصول الدولية بشركة أبوظبي الوطنية للطاقة، علي الشمري، ونائب رئيس "العرجاني جروب" نجل رئيس اتحاد القبائل العربية إبراهيم العرجاني، عصام العرجاني، ووزير الإسكان السابق، عاصم الجزار، ومحافظ شمال سيناء، خالد مجاور.
إثر ذلك، أعرب أهالي سيناء عن مخاوفهم من تمليك الإمارات أراضي أو مناطق بشمال سيناء خاصة، وأن رئيس الوفد لديه ارتباطات بشركة إماراتية تستثمر في ملف الطاقة بدولة الاحتلال الإسرائيلي.
ويستند البعض في شكوكهم حول تغيير وضع بحيرة البردويل، إلى أمرين، الأول: قيام الحكومة المصرية بأعمال تطوير وتوسعة للبحيرة، ورفع كفاءة 4 مراسى صيد وإزالة 3500 طن عوائق، وتطهير البواغيز، بتكلفة 120 مليون جنيه، والاستعانة بشركة "إيفر جرين" الصينية، ما يعني وفقا لرؤيتهم فتح باب الاستثمار الأجنبي.
وثانيا: صدور قرار إداري يمنع الصيد في البحيرة قبل شهرين من القرار السنوي بمنع الصيد الذي يصدر سنويا مع مطلع العام وحتى نيسان/ أبريل، للحفاظ على الزريعة.
هذا الأمر، دفع نشطاء مثل ممدوح حمزة، والصحفي جمال سلطان، وعشرات آخرين للتساؤل حول مصير البحيرة، ومصير الصيادين، وهل تم بيعها للإمارات، وعلاقة دولة الاحتلال الإسرائيلي بالأمر؟.
هل تم بيع بحيرة البردويل للإمارات بالفعل؟! https://t.co/xJ05GIJXtX — جمال سلطان (@GamalSultan1) October 30, 2024 حرمان صيادين ومصدرين سمك بحيرة البردويل (وهو انظف سمك في مصر)
من ممارسة مهنتهما من اجل شركة إماراتيه او خلافة يجب ان يتم تفسيره للشعب المصري
لاننا اصبحنا نشعر ان لقمة عيشنا بتعطي لغيرنا
مش قادر استوعب
احاول اجد تفسير!
الفكر بيودي لبعيد — Mamdouh Hamza (@Mamdouh_Hamza) October 30, 2024
"بيان رسمي يؤكد التغيير"
إزاء حالة الجدل، أكد مجلس الوزراء المصري، الخميس، على وجود تغيير في وضع البحيرة، معترفا بصحّة خبر وقف الصيد في البحيرة؛ فيما نفى في الوقت نفسه ما أثير حول نيّة الحكومة بيع أو تأجير بحيرة البردويل لصالح الإمارات.
وأعلن مجلس الوزراء، عبر بيان، عن استحواذ "جهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة" –أنشئ بقرار السيسي رقم 591 لسنة 2022- على كامل بحيرة البردويل، للقيام بأعمال التنمية الاقتصادية للبحيرة، وتطوير مراسي الصيد.
وأوضح أن "الرئيس عبد الفتاح السيسي وجّه الحكومة بالعمل على تقديم حزمة من المساعدات الاجتماعية للصيادين، بهدف تعويضهم عن وقف أعمال الصيد في البحيرة".
"أهمية البردويل"
البردويل، نحو 90 كيلو متر طولا، و22 كيلومتر عرضا، هي ثاني أكبر البحيرات الشمالية الخمس بعد "المنزلة" بمساحة 600 كم2 (150 ألف فدان) يعمل بها بين 4 و5 آلاف صياد، ينتجون 4 آلاف طن سمك سنويا.
أنواع فاخرة كـ"المرجان"، و"الدنيس"، و"القاروص"، و"الوقار"، و"الطوبارة"، و"العائلة البورية"، و"سمك موسى"، و"الجمبري"، و"الكابوريا"، يجري تصديرها للخارج، فيما تمتاز بشدة الملوحة وقلّة التلوث لعدم اتصالها بمياه نهر النيل كباقي بحيرات مصر الأخرى، بالبحر المتوسط: "المنزلة"، و"البرلس"، و"إدكو" و"مريوط".
وتبلغ ملوحة المياه فيها حوالي 40 ألف جزء بالمليون (أعلى من البحر المتوسط) ما يؤهلها لإنتاج أملاح معدنية ذات نقاوة عالية مثل ملح الطعام، بحسب تأكيد الأكاديمي المصري، عباس شراقي.
"القصة كما يراها أهل سيناء"
الناشط السيناوي، أشرف أيوب، قال لـ"عربي21": "قصة بحيرة البردويل ليس لها علاقة بملف الحرب بغزة ولا تهجير الفلسطينيين لسيناء، والأمر متعلق بالبيزنس الخاص بين شركات الجيش، والمخابرات العامة، والعرجاني، الواجهة الجديدة لاستثماراتهما بسيناء، ومصر، ولكن بحضور شركة إماراتية، كما يقول الأهالي".
وأضاف: "ليس لدي وثيقة تؤكد الحضور الإماراتي، ولكنها شهادات حية، من الأهالي"، موضحا أن "الموانئ أغلبها في يد الجيش والإمارات، وهو من يحتكر الصيد في أغلب البحيرات، وبينها البردويل، وعلى طريقة فكرة خصخصة المستشفيات، يريد أن يعطي البحيرة كحق انتفاع للعرجاني ومن معه، والمطروح بقوة هنا شركات إماراتية".
وأوضح، أن "ذلك يأتي بدليل أن الجيش أزاح رجل الأعمال حسن راتب، واجهته السابقة للاستثمار بسيناء، وأعطى العرجاني رئيس اتحاد القبائل العربية، موقعه، ثم جاء الدور على البحيرة مع شريك إماراتي، ويكون العرجاني الواجهة، ولكن الناس في العريش يعرفون من خلفه".
وبيّن أنه "قبل العام 1967، كان الفريق أول بحري فؤاد ذكري قائد القوات البحرية بحرب أكتوبر 1973، يدير البحيرة بحق انتفاع ويدفع رسومها للدولة، وأن هذا ما يريدون عمله الآن بأن يخرج الجيش من الموضوع ويعطي البحيرة لشريك هو العرجاني".
ولفت إلى أن "هذا الوضع يشبه وضع شركة (سيناء) بين العرجاني، والمخابرات العامة، والجيش، ولكن هذه المرة بها شريك إماراتي، كرأس مال مشترك، كما أعتقد بوجود شركة أخرى عملت في تطوير البحيرة وقد تكون كورية أو صينية"، مبينا أن "الدولة صرفت على تطوير وتعميق البحيرة، لنجد هذا الوضع الآن".
وأكّد أنه "جرى قبل نحو عام طرد الأهالي والصيادين من بيوتهم بمنطقة سبيكة والزرانيق أحد بواغيز بحيرة البردويل، والتي تضم أكبر ملاحات ومحمية الزرانيق -بها 907 نباتات وحيوانات نادرة- وهذه أملاكهم ويرفعون قضايا على الحكومة"، مؤكدا أن "مخاوف ناس العريش من الإمارات كبيرة".
وأشار إلى أن "أهمية البحيرة كبيرة لأهل سيناء ومصر كلها،" متوقعا عدم تأثر "الصيادين بانتقالهم من العمل لدى مالك إلى مالك جديد؛ المشكلة الأكبر لمن تم طردهم من مساكنهم قرب البحيرة لتطويرها، وقرية الصيادين في سبيكة التي بنتها الدولة كمساكن شعبية، أخذوا بيوتهم الآن لأجل التطوير، وكان لديهم تراخيص لصيد السمان، فتأثرت المنطقة بموضوع التطوير".
ويعتقد أن "زيارة الوفد الإماراتي لسيناء، كانت رسميا والمعلن منها للاطمئنان على مساعداتهم الإنسانية لغزة، ومخازن المعونات المؤجرة لها بنحو 50 في المئة من مخازن العريش والتي يتخوف البعض من أن يكون بينها أدوات للتجسس، ويؤجرون حتى نادي ضباط الجيش كمخزن".
كذلك، يرى المتحدث نفسه، أن "الزيارة لا علاقة لها بقصة تهجير أهل غزة، والأمر له علاقة بالبيزنس، لكن دخول الإمارات سيناء، يعني حضور إسرائيل".
وأوضح أنه "بعد مؤتمر السيسي، الذي نظمه العرجاني، واتحاد القبائل العربية، السبت الماضي، باستاد العاصمة الإدارية الجديدة، استولى العرجاني على (جامعة سيناء)، المملوكة لرجل الأعمال حسن راتب، بعد ضمه قناة المحور سابقا، والآن يضغطون لتصفية مصنع الأسمنت الأبيض الخاص براتب، الواجهة السابقة لبيزنس الجيش في سيناء، والذي استبدلوه بالعرجاني".
وخلص بالقول، إن "سيناء كلها مملوكة للجيش، ومن بينها البردويل، وصندوق النقد الدولي يضغط على الحكومة ليخرج شركات الجيش من أنشطة كثيرة، وهنا قد يكون الإسناد للعرجاني ومع شركة إماراتية كحق انتفاع للبحيرة، ليخرج شركات الجيش بشكل رسمي، وكنوع من الخصخصة المطلوبة من الصندوق".
واستطرد: "ليس من المؤكد وجود شريك أجنبي، والمطروح بقوة أن تأخذها شركات سيناء للعرجاني وشركاؤه في المخابرات العامة وقيادة الجيش، ولكن هناك شهود عيان يؤكدون أن هناك وفود لم يتم الكشف عن هويتها زارت مكان البحيرة، على أساس تخصيص منطقة الملاحات، ولم يكن في بال أحد أن الأمر يشمل البحيرة"، مردفا: "الشواهد لدى الأهالي كثيرة، والناس لديهم توجّس من أي وجود إماراتي في سيناء، فالوطنية عالية، وصلت حتى لبائع السمك الذي أدرك أن هناك خطر لم يشعروا به مع وجود أي استثمار غير الإمارات".
"حصان طروادة العصر"
وفي قراءته، تساءل الخبير الدولي في إدارة الصناعات البحرية، إبراهيم فهمي: "ماذا تنتظر من نظام حكم عسكري تشكل بمساعدة خارجية مباشرة وترتيبات تمت في عواصم متعددة لسحق الديمقراطية والاستيلاء على الحكم".
البروفيسور المقيم في لندن، أضاف لـ"عربي21": "ثم الدخول في منحدر إفقار البلاد عمدا وإهدار كرامة الأفراد ورهن قرار المؤسسات والتدمير الممنهج للطبقة المتوسطة، بتعمد الفشل الاقتصادي للوصول إلى مرحلة تقسيم الغنائم التي نحن بصددها من تفكيك منظومة الأمن القومي، ببيع ثروات ومقدرات شعب آسف أن يكون سلبي".
وتابع: "من خطّط لبيع الجزر الاستراتيجية، والموانئ البحرية، والأراضي الساحلية، والمطارات، والآثار، وشركات الإنتاج، وحقول الطاقة، وفرط في نهر النيل؛ فليس بغريب عليه أن يستكمل مهمته ببيع البحيرات، ومنها بحيرة البردويل في سيناء".
وقال: "سيناء التي دفع الشعب المصري فيها أكثر من 100 ألف شهيد للحفاظ عليها من مخططات الصهيونية العالمية والتي يعتبرونها الجائزة الكبرى المنتظرة".
ويعتقد الأكاديمي المصري، أن "كل ما سبق بيعه بتوجيهات وما يخطط له في الظلام هي بيوعات فاسدة، مثل وعد بلفور، من لا يملك لمن لا يستحق، وهي ضد رغبة الشعب المصري المالك الحقيقي لها، والذي لم ولن يصدر توكيلا لأحد في بيع أو تأجير أو مشاركة ممتلكاته بأي صورة، وبالتالي فهي والعدم سواء".
وتوقّع فهمي: "يوم قريب يعض أصابعه من الندم كل من شارك من أفراد مصريين وأجانب ومؤسسات داخلية وخارجية في تخطيط أو تمرير تلك الخيانات المسماة زورا وبهتانا بالصفقات أو الشراكات أو الاستثمار المشترك أو التطوير أو التأجير والتي هي حصان طروادة في العصر الحديث".
"الخطيئة الكبرى"
وفي تقديره، قال السياسي المصري، محمد عوض: "طبيعي بأوقات تراخ الحكومات عن التفاعل مع ما يثيره الشارع، أن يتزايد اللغو العام وتتوه الحقيقة وتهتز الثقة حتى تنعدم".
رئيس حزب "الخضر" المصري، أعرب لـ"عربي21"، عن أسفه "أن ما يجري تداوله بكثافة بمواقع التواصل، ليس فيما يتعلق ببحيرة البردويل فقط، وإنما يمتد الحديث العام ليطول مناطق أخرى على البحر الأحمر والساحل الشمالي، خلافا لما يتم طرحه للبيع من شركات ومشروعات.. الخ".
ويعتقد أن "الخطيئة الكبرى التي ترتكبها الحكومة هي تجاهل ما يجري تداوله كمثال بحيرة البردويل"، معتبرا أن "التجاهل الحكومي، يزيد احتقان المواطن، فضلا عما يحدثه من فقدان الثقة ليس بأداء الحكومة فحسب، ولكنه يمتد لفقدان الثقة الشعبية في النوايا الوطنية للحكومة".
ولا يظن، السياسي المصري، أن "أحدا يمكنه التعليق على الموضوع المثار بخصوص طرح بحيرة البردويل للاستثمار الأجنبي، بالقول: "لا أصدق أن السلطة والحكومة يمكنهما فعل ذلك، لأسباب عديدة".
أولها بحسب عوض، أن "منطقة البردويل شهدت عمليات عسكرية إبان حرب الاستنزاف (1967- 1973)"، وثانيها أنها "تُعتبر أفضل مناطق الصيد البحري لانعدام تلوثها"، وثالثا أن "أراضي سيناء يُنظر لها كخطوط حمراء، وفق مقاييس الأمن القومي".
ويعتقد أن "الأمر ليس اصطياد أسماك بمنطقة غير ملوثة، ولكنها منطقة تقع متاخمة لطريق بري حيوي ورئيسي بسيناء، (العريش - القنطرة)، وعلى بعد 80 كم من قناة السويس".
"الشواهد المشار إليها، وتحديدا علاقة اتحاد القبائل العربية بما يتردد حول البحيرة، وعلاقات الاتحاد بالإمارات، أعتقد أنه يجب تقييمها بإطارها الحقيقي، فالحقيقة أن هذه الشواهد لو كانت قبل اليوم بشهور كان يمكن تفسيرها كأعمال غير مشروعة، ولا يمكن لاتحاد القبائل تقديم حماية للمستثمر الإماراتي أو غيره" بحسب المتحدث نفسه.
واستدرك: "لكن هذا الأمر حدث به تغييرا جوهريا بعد استقبال اتحاد القبائل لرأس السلطة المصرية في احتفال تم الإعلان عنه، وإذاعة فقراته عبر الإعلام الرسمي للدولة، ما أعتبره بمثابة تدشين شرعي لهذا الاتحاد".
وتابع: "هنا، وبهذه الحالة، فإن دور اتحاد القبائل يكون منطقيا، بالنظر لتحركاته السياسية والاقتصادية باعتبارها تحظى بموافقة الدولة، إن لم يكن ممثلا ومفوضا عن الدولة".
وعاد عوض، ليقول "هذا يعني أن هناك شيئ ما يجري في خصوص صفقة تتصل ببحيرة البردويل، وفي هذه الحالة أقول إن مثل تلك الصفقة قد تكون مسمارا أخيرا بنعش الحكومة".
وختم بالقول: "قراءتي لأحوال الشعب تكشف أنه يبدو غير مكترث لكثير مما يجري، لكن أظنه صمت ما قبل العاصفة، وكلما طال الصمت تطول العاصفة بمدتها وقوتها ومداها الجغرافي".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات سياسة دولية الإمارات بحيرة البردويل شمال سيناء المصرية مصر شمال سيناء الإمارات بحيرة البردويل المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة اتحاد القبائل العربیة بحیرة البردویل الصیادین من فی سیناء الصید فی ما یجری
إقرأ أيضاً:
السردية المعرفية للشَّف العماني
وُجِدتْ الدولة في عمان منذ آلاف السنين، وتطورت وفقا لتقلبات اجتماعها، فالقبيلة هي المحور الأساس فيها. بقراءتنا لنظام الحكم نجده قائماً على أساس التوافق القبلي الذي يفرضه الصراع بين الأحلاف القبلية، وهو ما أوجد توازناً منح الأسر الحاكمة أمداً طويلاً في الحكم، وأن انتقاله من أسرة إلى أخرى لا يكون بأسباب خارجية كالاستعمار والغزو، ولا داخلية بصعود أسرة أخرى، وإنما بتفكك البيت الحاكم ذاته، الذي لا يستطيع أن يحافظ على التوازن بين الأحلاف. لقد تطور منذ القدم في عمان نظامٌ قبليٌ عُرِف بالشَّف، والشَّف.. يختلف عن القبلية، فهو لا يقوم بالأساس على عصبية القبيلة الواحدة، وإنما هو حلف بين القبائل، فالقبيلة الواحدة.. قد تدخل في أكثر من حلف متنافس؛ وغالباً يكونان حلفين، ولولا أن التنافس بينهما يقوم على الاقتتال لربما أخذ بُعداً ديمقراطياً. هذه الكيمياء الاجتماعية هي التي شكّلت الشَّف القبلي؛ وجعلته متجاوزاً النسب، بحيث إن الإخوة وأبناء العمومة قد ينقسمون في تحالفات الشَّف؛ لدرجة أنهم يغدون أعداء. وجعلته كذلك عصياً على «مبدأ الولاية والبراءة» الديني؛ الذي شكّل قلب نظرية الإمامة في عمان.
المقال.. يحاول أن يفهم السردية المعرفية للشَّف؛ والمقصود بالسردية.. رصد حركة القبائل على أرض الواقع والتنظير لها في كتب الأنساب. وأزعم أنه من دون فهم الشَّف؛ ووضعه على طاولة التشريح المعرفي، فمن الصعوبة أن نجتاز هيكلتنا القبلية التي لم تعد صالحة لدولة المؤسسات والقانون. وغني عن التأكيد بأن الشَّف العماني هو صدى للحراك القبلي بجزيرة العرب، وسرديته المعرفية امتداد لتلك السردية العامة، فالرواة الذين تعتمد عليهم السرديتان هم أنفسهم، ولا يمكن فهم السردية العمانية دون استيعاب السردية العربية؛ أصولاً وفروعاً وتحولات، كما أن الجزيرة العربية كانت كـ«منسف البقول» الذي تختلط فيه القبائل لحركته الدائبة.
إن السقوط المدوي للدولة القوية في عمان يعقبه تحزبٌ قبليٌ يفرز حلفين يدخلان في صراع مرير؛ مما يؤدي إلى استجلاب العدو الخارجي. حدث هذا بانهيار الدولة المركزية الأولى؛ عقب عزل الإمام الصلت بن مالك الخروصي(ت:275هـ) عام 272هـ، بين اليمانية والنزارية، ثم برز النباهنة وعُمِّروا طويلاً، ودخلوا في نزاع مع القبائل ونظام الإمامة، حتى قامت دولة اليعاربة؛ الدولة المركزية الثانية. ثم وقع انقسام عقب انهيار دولة اليعاربة عام 1131هـ، فبرز الحزبان المتقاتلان: الغافري والهناوي، وقامت دولة البوسعيد التي امتدت طويلاً؛ وهي الحاكمة اليوم، وقد دخلت كذلك في صراع مع القبائل ونظام الإمامة، حتى استقر الأمر بقيام الدولة الحديثة عام 1970م على يد السلطان قابوس بن سعيد(ت:2020م).
إننا أمام مشهد من التاريخ العماني تكرر مرتين، فيما يسميه المؤرخ البريطاني جون ولكنسون بـ«دورة الإمامة» في كتابه «الإمامة في عمان».
الشَّف القبلي.. ليس وليد الصراع الذي أعقب دولة اليعاربة، ولا الذي أعقب دولة اليحمد.. بل هو موغل في القدم، حيث يرى ولكنسون أنه يرجع إلى النظام الطبقي الذي وجد بفعل التأثير الفارسي على عمان قبل الإسلام، وقد تعقبت رأيه في مقال «الشَّفُّ العماني.. تحالفٌ خارج النسب والدين» المنشور في جريدة «عمان» بتاريخ: 9/ 8/ 2021م، وبيّنت أن الشَّف أقدم من ذلك بكثير، ربما يرجع إلى تأثر العمانيين بحضارة وادي السند، وأرجئ الحديث حول النشأة بمزيد من البحث والتحرير إلى مقال قادم.
بتتبع المصادر التاريخية والمراجع الفقهية والأدبية، والتي من خلالها نقف على تشكّل الشَّف، نجد أن سرديته المعرفية بدأت بعد سقوط الدولة المركزية الأولى عقب عزل الإمام الصلت بن مالك الخروصي، وأول مصدر قام ببناء السردية القبلية هو كتاب «الأنساب» لسلمة بن مسلم العوتبي(ق:5هـ)، حيث جرى فيه تقسيم القبائل إلى نزارية «عرب الشمال» ويمانية «عرب الجنوب». لكن هذه السردية لم تحصل دون سوابق سياسية واجتماعية، وأقصد الحرب الضروس التي دخل فيها الحزبان، فقد ظهرت قبل ذلك قصائد تضع اللبنات الأولى للسردية، المكتوبة تحت صليل السيوف، وهي التي قالها اللغوي العماني أبو بكر محمد بن الحسن ابن دريد(ت:321هـ).
يقول ابن دريد مستنهضاً الحلف الأزدي عقب معركة الروضة بتنوف التي وقعت حوالي عام 273هـ، والذي قتل منه خلق كثير:
أتضيع الدماء يا قوم فزعاً
لا بواء ولا دم مطلول
وبطودي عمان والسيف منكم
عدد كاثر وعز بجيل
هذا يضعنا أمام محدِّد واقعي لسردية الشَّف، وهو أنها بُنيت في ظل الصراع القبلي؛ بمعنى أن الباعث هو الاقتتال والعنف، ولم يكن التأصيل النظري عبر البحث المنهجي والتحليل النَسَبي لمسارات القبائل في عمان وامتدادها الخارجي، فالشَّف.. هو وليد الحرب وليس ابن السلم.
ثم أتى بعد ذلك الفقيه والمؤرخ سلمة العوتبي وبنى المعمار القبلي معرفياً؛ أي وضع سردية الشَّف من خلال الدرس التأريخي لأنساب العرب، وهذه عملية فقهية؛ حيث وجدنا هذا التحول من «السيف» إلى «القلم» فيما قام به الفقهاء من الجدل الكلامي بالتنظير لـ«مبدأ الولاية والبراءة»، حيث ظهرت النزوانية والرستاقية، وهما مدرستان فكريتان سادتا عمان حوالي سبعة قرون. وهو ما قام به قبل ذلك الجدل الكلامي بين المسلمين عقب الفتنة الكبرى التي وقعت بين الصحابة، وأدت إلى نشوء ثلاث مدارس كلامية كبرى: السنة والشيعة والمحكمة؛ وضعت نظرياتها السياسية وفق ظروف قبلية.
هذا التأسيس المعرفي بمداد الدم الذي قام به ابن دريد في القرن الثالث الهجري؛ نجده عند أبي مسلم البهلاني ناصر بن سالم الرواحي(ت:1339هـ) في القرن الرابع عشر الهجري، عندما ألهب حماس القبائل لنصرة الإمام سالم بن راشد الخروصي (ت:1338هـ)؛ فقال:
يا للقبائل يا أهل الحفاظ ومن أمجادهم في جبين الدهر عنوان
شدوا العزائم في استدراك فائتكم
إن العزائم للإدراك أقران
يختلف الهدف عند البهلاني عنه عند ابن دريد الذي كانت عصبيته لقومه الأزد ضد «الساميين»؛ حلف موسى بن موسى السامي(ت:278هـ)، أما البَهلاني فيستنصر القبائل؛ يمانيها ونزاريها لأجل نصرة الإمام، وهو هدف سياسي ديني، لكنه أيضاً دعوة بالدم:
ما عودتها بنو عدنان ما لقيت
منكم ولا أسكنتها الغمد قحطان
لا تحملوها إذا كانت لزينتكم
إن الرجال بفعل السيف تزدان
كما لحق العوتبيُ ابنَ دريد؛ كذلك فعل الفقيه المؤرخ سالم بن حمود السيابي (ت:1993م)؛ حيث خصص كتابه «إسعاف الأعيان في أنساب أهل عمان» لإعادة بناء سردية الشَّف معرفياً بعدما تقلبت السنون بالقبيلة في عمان، واختلفت الولاءات؛ فظهرت قبائل واختفت أخرى، مما لزم إعادة تشكيل خارطة الشَّف، وإن كان تشكيلاً متفرعاً من الأصول الأولى للأحلاف القبلية، وهذا ضروري لدمج القبائل مع بعضها تحت الأصلين الكبيرين بجزيرة العرب؛ العدناني والقحطاني، وظهرت كذلك مدرسة فكرية سلوكية؛ للانتقال من «السيف» إلى «القلم»، بعدما فتر بين المسلمين «البرهان» وانتعش «العرفان».
كل هذا يدل على أن هيكل القبيلة ظل محافظاً على نظامه الكلي في عمان والمنطقة حوالي ألفي عام، ولم يبدأ عليه كبير تغيّر إلا بقيام الدولة الحديثة عام 1970م؛ التي صحبها تغيّر في عموم أنماط الحياة.
السردية المعرفية للشَّف.. لا تقتصر على الكتب التي ذكرتها؛ فهناك مراجع أخرى يمكن الاستفادة منها؛ مثل: أعمال حميد بن محمد ابن رزيق(ت:1291هـ): «الصحيفة القحطانية» و«الصحيفة العدنانية» و«الفتح المبين» و«المؤتمن في ذكر مناقب نزار واليمن». و«تبصرة المعتبرين في سيرة العبريين» لإبراهيم بن سعيد العبري (ت:1975م). و«القصيدة الحلوانية» لمحمد بن سعيد القلهاتي(ق:6هـ)، وشرحها لعادي بن يزيد العدوي(ق:7هـ). و«القبيلة العمانية» لأحمد الزبيدي(ت:2018م)، و«الإمامة في عمان» جون سي ولكنسون. و«معجم أحلاف ظفار» لأحمد بن مسعود المعشني، الذي يدرس نوعاً آخر من الأحلاف القبيلة العمانية.