يرى أن أمتنا تعاني من العجز الحضاري، وأننا لا يمكن أن نحقق نقلة حضارية دون أن نعطي الفلسفة أولوية قصوى، فبدونها لا يمكن لأي أمة التقدم أو النهوض، ونحن نرى الاهتمام على حفلات الاستعراض ومهرجانات الاستعراض حتى في الأدب والفنون، بينما المشروع الفلسفي التنويري ما زال غائبا عنا، ويكتب القصيدة الحديثة أو ما تسمى ظلما بقصيدة النثر لإيمانه بضرورة التحديث ولكن الشعر وحتى بقية الفنون ستظل ناقصة دون تنوير حقيقي يبدأ من المشروع الفلسفي.

الآن هو في مصر الشاعر الفلسطيني / الأردني "موسى حوامدة" في ضيافة "البوابة نيوز" وفي حواره تحدث عن ديوانه الأخير "جسد للبحر رداء للقصيدة" وعن أزمة النقد وطقوسه في شهر رمضان الكريم وأشياء أخرى.. وإلى نص الحوارـ

 

في ديوانك الأخير "جسد للبحر رداء للقصيدة" تدفق معنى الحنين، غربة الذات، هزائم الماضي ويحمل العنوان شفرة تنسحب على الديوان في أبسط صورها توحي للقارئ وتشير إلى اللامحدود في ضوء هذه الرؤية.. دعني أولًا أحدثك عن قصة الديوان، فهو الثامن تقريبًا، وقد طبع "جسد للبحر" أول الأمر في دار نون الإماراتية، والتي كان يشرف عليها الشاعر الفلسطيني السوري خالد سليمان الناصري، وأغلب قصائده كتبت في الأعوام الثلاثة من 2010 إلى 2013، وهذا يعني أنها تأتي زمنيًا قبل مجموعتي "سأمضي إلى العدم" التي صدرت عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 2017م. 

وإذا كنتَ قد لمست في المجموعة تدفقًا للحنين، وغربةً للذات، وهزائم الماضي فهذا صحيح، فالحنين دائم إلى وطن مفقود، والحلم الذي لن يتحقق يواصل وطأته، أما الذات فهي في غربة دائمة، ليس في القصيدة فقط، بل وفي الحياة نفسها، ولهذا أسباب كثيرة، لا أملك تفسيرا لها.

 كيف ترى أزمة الشعر؟

 أسمع كثيرًا عن أزمة الشعر، ولا أدري حقيقة ما هي هذه الأزمة، ربما يصح هذا السؤال مشروعًا، لو قلنا أن العرب توقفوا عن كتابة الشعر، وأن الشعر انقرض، غير أني أرى الشعراء رغم التغييرات الهائلة التي حدثت في السنوات الثلاثين الأخيرة، يواصلون كتابة الشعر، صحيح أن هناك صراعًا لا زال مستمرًا بين الأشكال العشرية، لكني أعتقد أن قصيدة النثر، أو القصيدة الحداثية، قد فرضت نفسها، رغم تراجع الإقبال على الشعر، واختلاف النظرة لصورة الشاعر المنبري والجماهيري.

وصار هناك تراجع في حجم مبيعات المجموعات الشعرية، رغم ازدياد عدد الشعراء في مختلف الأنواع، ووفاة العديد من شعراء النصف الثاني من القرن العشرين، وانكباب القراء على الرواية أكثر، لكن الأزمة ليست أزمة شعر فقط، بل أزمة حضارية عربية وإنسانية بشكل مطلق.

ولا أبالغ إذا قلت أنها أزمة وجودية، ليس بمعنى الوجود البشري، بل بالمعنى الأخلاقي. بالنسبة لي شخصيأ أشعر بالأزمة حين تجافيني القصيدة، وقد شعرت بذلك منذ حطَّ وباء كورونا، فلم أكتب طيلة عامين حتى سافرت إلى اسطنبول، وهناك في شهر أكتوبر الماضي كتبت ثلاث قصائد، توقفت بعدها حتى نهاية شهر فبراير هذا العام، وكتبت قصيدتين في مصر، واحدة عن القاهرة والثانية عن الوقت، وشعرت أن الأمل لم يمت، ربما لو سألتني هذا السؤال قبل عام لقلت لك، إنني أعاني فعلًا من أزمة، وحتى لو افترضنا أن هناك أزمة في الشعر فهي ليست بعيدة ولا غريبة، فالأزمات العربية لم تتوقف عند الشعر نفسه ولا عند الكتابة بل وصلت إلى كل مناحي الحياة.

وماذا عن أزمة النقد؟ 

 نعم ربما تكون هناك أزمة نقدية فأغلب ما يكتب عن الشعر إما يعيد استرجاع قائمة الأسماء الشعرية المعروفة، أو يتم تناول الشعر الجديد على استحياء ما، وكثير مما يكتب عبارة عن انطباعات، وليس نقدا ممنهجا، ولا نجد تنظيرًا نقديًا للشعر الحداثي، وكأن النقاد اقتنعوا بما قدمه السابقون القدماء أو المحدثون. وربما سبب غياب المشاريع النقدية يعطي الانطباع بأزمة الشعر. 

وكيف ترى الشعر كجنس أدبي في المستقبل؟

-أعجني حديث للشاعر الكبير أحمد عبد المعطي حجازي سمعته منه شخصيًا قبل أيام في بيت الشعر (بيت الست وسيلة التاريخي)، تحدث فيه عن حاجتنا إلى الشعر، وأعتقد أنه مصيب فسوف يظل الإنسان بحاجة إلى الشعر والشعرية، كما أن اللغة العربية، كونها لغة حية وليست ميتة تحتاج إلى الشعر، وأقصد هنا حاجتها إلى كتابة الشعر فاللغة التي تتوقف عن كتابة الشعر تتحنط، وأعتقد أن لغتنا قوية وقادرة على مجاراة الزمن رغم الهجوم الشرس عليها حتى من أبنائها بسبب حالة التشرذم والهزيمة التي نعيشها، والافتتان بكل ما يأتينا من الغرب. لكننا لسنا بحاجة إلى إعادة كتابة الشعر، حسب الطرق التقليدية بل أرى أن الشعر الحداثي هو الذي سيبقى لأنه ابن عصره، أما اجترار الماضي فلن يضيف لجمال شعرنا القديم شيئًا جديدًا.

 كيف تقيم الصحافة الثقافية في العالم العربي؟ 

هناك تراجع في الصحافة الثقافية فغالبية الصحف العربية وبسبب تراجع مبيعاتها نتيجة شيوع وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية وتراجع مداخيلها المادية وإعلاناتها التجارية، قلصت صفحاتها وملاحقها الثقافية وبعضها ألغى صفحات الثقافة نهائيًا، كما أن العديد من الدول العربية لا تضع الثقافة كأولوية لها، فتجدها تنفق على الرياضة أو الإعلام أضعاف أضعاف ما تنفقه على الثقافة.

كما أن التلفزيونات العربية تتسابق لبث المسلسلات والأعمال الفنية وبرامج التسلية والترفيه والطبخ وحتى عمل الرقية والسحر، تعمل البرامج الثقافية إلا ما ندر، ولا توجد خطط حضارية للتعامل مع الثقافة ورصد ميزانيات كافية للمشاريع الثقافية وللمؤسسات الثقافية سواء المختصة بالإبداع أو الفنون أو الآداب أو التراجم أو الفلسفة أو الفكر، وبعض المجلات الثقافية تم إغلاقها، وللأسف يتم التعامل مع الثقافة بميزان الربح والخسارة المباشرين، ويتم الاستهتار بحقوق المبدعين والكتاب، ونادرًا ما نجد في عالمنا العربي كتابًا يعيشون من كتابتهم، فلا تطبق معايير حضارية لتوفير قوت يومهم فكيف سيتمكن الكاتب بدون دخل مناسب من شراء الكتب والتفرغ للإبداع وهو مضطر للعمل لتوفير الحد الأدنى من تكاليف الحياة.

 هل يحمل الشعر المصري الحديث خصائص تميزه؟ 

ربما يحمل شعر العامية المصرية تميزًا واضحًا، لا أعني الشعراء الراحلين مثل بيرم التونسي وأحمد فؤاد نجم وعبد الرحمن الأبنودي وصلاح جاهين وفؤاد حداد ونجيب سرور وسيد حجاب ومجدي الجابري وفؤاد قاعود ومرسي جميل عزيز ومأمون الشناوي وغيرهم والذين قدموا تجارب كبيرة وجددوا كثيرا في شعر العامية بل ربما وصلوا إلى مصاف شعراء الفصحى، وما زال شعراء العامية المعاصرون يواصلون الاجتهاد والبحث عن طرق جديدة للتعبير.

لكن ما لمسته أن بعض شعر العامية في مصر صار يكتب بطريقة قصيدة النثر نفسها، وهذا شيء مدهش فعلًا. أما الشعر الفصيح، فأجد أن الشعر في مصر مثله مثل غيره من الشعر في الأقطار العربية، والتجارب مفتوحة على بعضها البعض، لكن لم تعد هناك جماعات متنافسة في قصيدة الحداثة، وربما هناك ردة في الكتابة إلى الشعر التقليدي، ولكن لا زال للشعر حضوره في مصر، وهناك إقبال عليه، وهناك أسماء تحترم على المستوى العربي. 

حدثنا عن أعمالك الإبداعية تحت النشر

هناك مجموعة شعرية بعنوان "أترك النهر هامشًا وأمضي" ربما تصدر في القاهرة هذا العام، كما أنني أسعى للانتهاء من كتابة سيرة الطفولة وقد كتبت فيها الكثير، وقد وجدت أن استكمالها يحتاج إلى وقت طويل ففكرت بنشر الجزء الذي فرغت منه.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: العالم العربي إلى الشعر فی مصر کما أن

إقرأ أيضاً:

البابا تواضروس: أزمة العالم ليست اقتصادية.. بل في نقص المحبة

أجرت الإعلامية مارتا زابلوكا حوارًا صحفيًّا مع قداسة البابا تواضروس الثاني، لصالح وكالة الأنباء البولندية (P. A. P). 

الجوع الى المحبة 

وحول سؤال من يعايشون أزمات إيمانية أو الشك، أضاف البابا: “الابتعاد عن الله يدخل الإنسان في دائرة الشك واليأس، مما يؤدي إلى مشكلات خطيرة مثل الإلحاد والانتحار. العالم اليوم بحاجة إلى المزيد من الحب، فالجوع الحقيقي في العالم ليس للمادة بل للمحبة."

وشدد قداسة البابا على أهمية المحبة والخدمة في دور الكنيسة لمساعدة كل إنسان.

وعن رؤيته لتحقيق الوحدة بين المسيحيين، أوضح قداسة البابا تواضروس أن الطريق يتطلب عدة خطوات:
أولاً: إقامة علاقات محبة مع كل الكنائس. ثانيًا: إجراء دراسات متخصصة لفهم تاريخ وعقائد كل كنيسة. 
ثالثًا: السير في خطوات حوار لاهوتي معمق. 
وأخيرًا: أن نصلي من أجل تحقيق هذه الرغبة، لأن رغبة المسيح أن يكون الجميع واحدًا.

تحقيق الوحدة 

وفيما يخص تحقيق الوحدة على أرض الواقع، أشار قداسته إلى أن هناك بالفعل خطوات حقيقية قائمة، وقال: هناك محبة متبادلة، وحوارات لاهوتية جادة، مثل الحوار القائم بين الكنيسة الأرثوذكسية والكنيسة الكاثوليكية، والذي ساعدنا على فهم بعضنا البعض بشكل أعمق. ولا ننسى أن الانشقاق وقع عام ٤٥١ ميلاديًا، أي منذ خمسة عشر قرنًا، ولذلك فتصحيح المسار يحتاج إلى وقت طويل وجهد مستمر.

تعميق الفهم 

وعن كيفية تعميق الفهم بين الكنيستين، قال: "من الضروري أن تتعرف الكنيسة الكاثوليكية أكثر على عقائدنا وتقاليدنا. فلدينا تراث كبير وكنوز روحية من شروحات الآباء الأوائل، والكنيسة القبطية تسير في خط مستقيم منذ أيام المسيح وحتى اليوم. وأضاف: "لدينا أكثر من ٢٠٠ يوم مخصصة للأصوام كل عام، ولدينا ألحان كنسية عظيمة باللغة القبطية، وفنون الأيقونات المقدسة، وزيارة أديرتنا والتعرف على حياتنا الرهبانية يشكل خطوة مهمة للتقارب"

وحول زيارته لبولندا، أوضح أن هذه هي الزيارة الأولى لقداسته لها، وقال: “قرأت كثيرًا عن بولندا منذ وقت قداسة البابا يوحنا بولس الثاني، البولندي الأصل، كما تعرفت على مدينة كراكوف والرئيس البولندي الشهير ليخ ڤاونسا. وازدادت رغبتي في زيارتها بعد زيارة الرئيس البولندي الحالي وقرينته إلى مصر، واستقبلناهما في كاتدرائية مار مرقس بالعباسية، والتقيا كذلك بفخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي.

وعن عدد الأقباط في أوروبا وخارج مصر، قال قداسته: "يبلغ عدد الأقباط خارج مصر حوالي ٣ ملايين، من أصل ٩ ملايين مصري مقيمين بالخارج. الولايات المتحدة وفرنسا وأستراليا تضم أكبر عدد من الأقباط. ولدينا كنائس وأديرة هناك، تخدمهم" ومسؤولية الكنيسة أن ترعى كل إنسان حتى لو كان في بلد لا يوجد به سوى ثلاثة أو أربعة أفراد، حيث يزورهم الكاهن كل ستة أشهر"

مشكلات الأسرة 

تحدث قداسة البابا عن أبرز المشكلات التي تواجه الأسر المسيحية في حياتهم بصفة عامة، فأشار إلى أن: "أول مشكلة هي المشكلات الاقتصادية، ولا سيما لدى الأسر المحتاجة منهم. ثانيًا التعليم، حيث أن التعليم الجيد مكلف للغاية. ثالثًا تأثير الإعلام الرقمي، الذي أثر على فكر وأخلاقيات الشباب، وهو أمر لا يتماشى مع ثقافتنا الشرقية. وهنا يأتي دور الكنيسة أن تحافظ على نقاوة الفكر وتحصين أبنائها من هذه المؤثرات"

كما أكد أن مصر رغم التحديات، لا تعاني من اضطهاد ديني بين المسلمين والمسيحيين، قائلاً: "نعيش في محبة وتلاحم منذ قرون. نعمل ونتعلم ونتعالج معًا. التقارير التي تصدر عن حقوق الإنسان كثيرًا ما تكون مسيسة. أدعوكم لزيارة مصر ورؤية الحقيقة بأنفسكم."

عن مصادر الدعم الروحي، قال: “الدعم الحقيقي يأتي من الله وحده، ومن الكنائس والأديرة. الله محب لكل البشر، صانع للخير، وضابط للكل. لذلك، نحيا في طمأنينة وسلام، ونكرر كل يوم: يا ملك السلام، أعطنا سلامك.”

طباعة شارك البابا تواضروس البابا تواضروس الثاني قداسة البابا تواضروس الكنيسة الأرثوذكسية الكنيسة الكاثوليكية

مقالات مشابهة

  • أحمد موسى يعلق على أزمة انقطاع الكهرباء في إسبانيا
  • 7مايو توزيع جوائز الإبداع في خدمة العربية بالبرلمان العربي
  • تقرير دولي: تداعيات غير مباشرة على ليبيا ودول المغرب العربي بسبب أزمة التجارة العالمية
  • البابا تواضروس: أزمة العالم ليست اقتصادية.. بل في نقص المحبة
  • القمة الثقافية في أبوظبي تناقش تبدلات توزيع القوى والأقطاب العالمية
  • العراق ثالث أكبر مستورد للدجاج البرازيلي في العالم العربي
  • أسعار الذهب في الأسواق العربية
  • وزير الخارجية يبحث خلال اجتماع مع السفراء والمندوبين الدائمين للدول العربية لدى مجلس الأمن تعزيز التنسيق العربي المشترك
  • قرار مفاجئ من ريال مدريد يُنهي أزمة نهائي الكأس مع برشلونة
  • موسى عكريش: سيناء ستظل البوابة الشرقية الحارسة لمصر