موسى حوامدة لـ "البوابة نيوز": العالم العربي يعيش أزمة حضارية وإنسانية بشكل مطلق (حوار)
تاريخ النشر: 14th, August 2023 GMT
يرى أن أمتنا تعاني من العجز الحضاري، وأننا لا يمكن أن نحقق نقلة حضارية دون أن نعطي الفلسفة أولوية قصوى، فبدونها لا يمكن لأي أمة التقدم أو النهوض، ونحن نرى الاهتمام على حفلات الاستعراض ومهرجانات الاستعراض حتى في الأدب والفنون، بينما المشروع الفلسفي التنويري ما زال غائبا عنا، ويكتب القصيدة الحديثة أو ما تسمى ظلما بقصيدة النثر لإيمانه بضرورة التحديث ولكن الشعر وحتى بقية الفنون ستظل ناقصة دون تنوير حقيقي يبدأ من المشروع الفلسفي.
الآن هو في مصر الشاعر الفلسطيني / الأردني "موسى حوامدة" في ضيافة "البوابة نيوز" وفي حواره تحدث عن ديوانه الأخير "جسد للبحر رداء للقصيدة" وعن أزمة النقد وطقوسه في شهر رمضان الكريم وأشياء أخرى.. وإلى نص الحوارـ
في ديوانك الأخير "جسد للبحر رداء للقصيدة" تدفق معنى الحنين، غربة الذات، هزائم الماضي ويحمل العنوان شفرة تنسحب على الديوان في أبسط صورها توحي للقارئ وتشير إلى اللامحدود في ضوء هذه الرؤية.. دعني أولًا أحدثك عن قصة الديوان، فهو الثامن تقريبًا، وقد طبع "جسد للبحر" أول الأمر في دار نون الإماراتية، والتي كان يشرف عليها الشاعر الفلسطيني السوري خالد سليمان الناصري، وأغلب قصائده كتبت في الأعوام الثلاثة من 2010 إلى 2013، وهذا يعني أنها تأتي زمنيًا قبل مجموعتي "سأمضي إلى العدم" التي صدرت عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 2017م.
وإذا كنتَ قد لمست في المجموعة تدفقًا للحنين، وغربةً للذات، وهزائم الماضي فهذا صحيح، فالحنين دائم إلى وطن مفقود، والحلم الذي لن يتحقق يواصل وطأته، أما الذات فهي في غربة دائمة، ليس في القصيدة فقط، بل وفي الحياة نفسها، ولهذا أسباب كثيرة، لا أملك تفسيرا لها.
كيف ترى أزمة الشعر؟
أسمع كثيرًا عن أزمة الشعر، ولا أدري حقيقة ما هي هذه الأزمة، ربما يصح هذا السؤال مشروعًا، لو قلنا أن العرب توقفوا عن كتابة الشعر، وأن الشعر انقرض، غير أني أرى الشعراء رغم التغييرات الهائلة التي حدثت في السنوات الثلاثين الأخيرة، يواصلون كتابة الشعر، صحيح أن هناك صراعًا لا زال مستمرًا بين الأشكال العشرية، لكني أعتقد أن قصيدة النثر، أو القصيدة الحداثية، قد فرضت نفسها، رغم تراجع الإقبال على الشعر، واختلاف النظرة لصورة الشاعر المنبري والجماهيري.
وصار هناك تراجع في حجم مبيعات المجموعات الشعرية، رغم ازدياد عدد الشعراء في مختلف الأنواع، ووفاة العديد من شعراء النصف الثاني من القرن العشرين، وانكباب القراء على الرواية أكثر، لكن الأزمة ليست أزمة شعر فقط، بل أزمة حضارية عربية وإنسانية بشكل مطلق.
ولا أبالغ إذا قلت أنها أزمة وجودية، ليس بمعنى الوجود البشري، بل بالمعنى الأخلاقي. بالنسبة لي شخصيأ أشعر بالأزمة حين تجافيني القصيدة، وقد شعرت بذلك منذ حطَّ وباء كورونا، فلم أكتب طيلة عامين حتى سافرت إلى اسطنبول، وهناك في شهر أكتوبر الماضي كتبت ثلاث قصائد، توقفت بعدها حتى نهاية شهر فبراير هذا العام، وكتبت قصيدتين في مصر، واحدة عن القاهرة والثانية عن الوقت، وشعرت أن الأمل لم يمت، ربما لو سألتني هذا السؤال قبل عام لقلت لك، إنني أعاني فعلًا من أزمة، وحتى لو افترضنا أن هناك أزمة في الشعر فهي ليست بعيدة ولا غريبة، فالأزمات العربية لم تتوقف عند الشعر نفسه ولا عند الكتابة بل وصلت إلى كل مناحي الحياة.
وماذا عن أزمة النقد؟
نعم ربما تكون هناك أزمة نقدية فأغلب ما يكتب عن الشعر إما يعيد استرجاع قائمة الأسماء الشعرية المعروفة، أو يتم تناول الشعر الجديد على استحياء ما، وكثير مما يكتب عبارة عن انطباعات، وليس نقدا ممنهجا، ولا نجد تنظيرًا نقديًا للشعر الحداثي، وكأن النقاد اقتنعوا بما قدمه السابقون القدماء أو المحدثون. وربما سبب غياب المشاريع النقدية يعطي الانطباع بأزمة الشعر.
وكيف ترى الشعر كجنس أدبي في المستقبل؟
-أعجني حديث للشاعر الكبير أحمد عبد المعطي حجازي سمعته منه شخصيًا قبل أيام في بيت الشعر (بيت الست وسيلة التاريخي)، تحدث فيه عن حاجتنا إلى الشعر، وأعتقد أنه مصيب فسوف يظل الإنسان بحاجة إلى الشعر والشعرية، كما أن اللغة العربية، كونها لغة حية وليست ميتة تحتاج إلى الشعر، وأقصد هنا حاجتها إلى كتابة الشعر فاللغة التي تتوقف عن كتابة الشعر تتحنط، وأعتقد أن لغتنا قوية وقادرة على مجاراة الزمن رغم الهجوم الشرس عليها حتى من أبنائها بسبب حالة التشرذم والهزيمة التي نعيشها، والافتتان بكل ما يأتينا من الغرب. لكننا لسنا بحاجة إلى إعادة كتابة الشعر، حسب الطرق التقليدية بل أرى أن الشعر الحداثي هو الذي سيبقى لأنه ابن عصره، أما اجترار الماضي فلن يضيف لجمال شعرنا القديم شيئًا جديدًا.
كيف تقيم الصحافة الثقافية في العالم العربي؟
هناك تراجع في الصحافة الثقافية فغالبية الصحف العربية وبسبب تراجع مبيعاتها نتيجة شيوع وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية وتراجع مداخيلها المادية وإعلاناتها التجارية، قلصت صفحاتها وملاحقها الثقافية وبعضها ألغى صفحات الثقافة نهائيًا، كما أن العديد من الدول العربية لا تضع الثقافة كأولوية لها، فتجدها تنفق على الرياضة أو الإعلام أضعاف أضعاف ما تنفقه على الثقافة.
كما أن التلفزيونات العربية تتسابق لبث المسلسلات والأعمال الفنية وبرامج التسلية والترفيه والطبخ وحتى عمل الرقية والسحر، تعمل البرامج الثقافية إلا ما ندر، ولا توجد خطط حضارية للتعامل مع الثقافة ورصد ميزانيات كافية للمشاريع الثقافية وللمؤسسات الثقافية سواء المختصة بالإبداع أو الفنون أو الآداب أو التراجم أو الفلسفة أو الفكر، وبعض المجلات الثقافية تم إغلاقها، وللأسف يتم التعامل مع الثقافة بميزان الربح والخسارة المباشرين، ويتم الاستهتار بحقوق المبدعين والكتاب، ونادرًا ما نجد في عالمنا العربي كتابًا يعيشون من كتابتهم، فلا تطبق معايير حضارية لتوفير قوت يومهم فكيف سيتمكن الكاتب بدون دخل مناسب من شراء الكتب والتفرغ للإبداع وهو مضطر للعمل لتوفير الحد الأدنى من تكاليف الحياة.
هل يحمل الشعر المصري الحديث خصائص تميزه؟
ربما يحمل شعر العامية المصرية تميزًا واضحًا، لا أعني الشعراء الراحلين مثل بيرم التونسي وأحمد فؤاد نجم وعبد الرحمن الأبنودي وصلاح جاهين وفؤاد حداد ونجيب سرور وسيد حجاب ومجدي الجابري وفؤاد قاعود ومرسي جميل عزيز ومأمون الشناوي وغيرهم والذين قدموا تجارب كبيرة وجددوا كثيرا في شعر العامية بل ربما وصلوا إلى مصاف شعراء الفصحى، وما زال شعراء العامية المعاصرون يواصلون الاجتهاد والبحث عن طرق جديدة للتعبير.
لكن ما لمسته أن بعض شعر العامية في مصر صار يكتب بطريقة قصيدة النثر نفسها، وهذا شيء مدهش فعلًا. أما الشعر الفصيح، فأجد أن الشعر في مصر مثله مثل غيره من الشعر في الأقطار العربية، والتجارب مفتوحة على بعضها البعض، لكن لم تعد هناك جماعات متنافسة في قصيدة الحداثة، وربما هناك ردة في الكتابة إلى الشعر التقليدي، ولكن لا زال للشعر حضوره في مصر، وهناك إقبال عليه، وهناك أسماء تحترم على المستوى العربي.
حدثنا عن أعمالك الإبداعية تحت النشر
هناك مجموعة شعرية بعنوان "أترك النهر هامشًا وأمضي" ربما تصدر في القاهرة هذا العام، كما أنني أسعى للانتهاء من كتابة سيرة الطفولة وقد كتبت فيها الكثير، وقد وجدت أن استكمالها يحتاج إلى وقت طويل ففكرت بنشر الجزء الذي فرغت منه.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: العالم العربي إلى الشعر فی مصر کما أن
إقرأ أيضاً:
ربما لأنه هدف سهل!
معاوية الرواحي
وتستمر الظاهرة الرقمية الجديدة! كما تستمر الحياة، وكما يمضي الوقت، ونعيش نحن الذين في الأربعين غربةً تكشفُ لنا غربة من قبلنا، عندما عاشوا في زمانٍ غير زمانهم، وعرفوا أن السنن الجديدة معبَّاة بالغربة، والاختلاف، وتغيير ماهية المعايير، والطبيعي، والمنطقي، بل وأحيانا، في عصر الدماء والحروب، الإنساني! نحن لا نعيش في زمانٍ عادي، على كل الأصعدة، أصعدة اليمين واليسار العالميين، أصعدة التناقض البشري الهائل، أصعدة الحروب التي تُعاقب فيها بعض الدول، وتُسامح فيها بعض الدول الأخرى، وكأن الدماء لها ملصق تسعير، يحدد إنسانيو العالم أسعارها كما يحبون ويشاؤون.
أمام كل هذا الاحتدام العالمي، تبرز تلك الظواهر الجانبية التي أصبحت رئيسيةً من فرط قوة معتنقيها، قضايا الصوابية السياسية العالمية، وجمهور الضحالة والتفاهة، النابذ للمعرفة، والعلم، والتفكير النقدي، جيل التكتوك والرقص من أجل المشاهدات، جيل التصوير العمودي، والذي إن وجه للخارج نزع السياق وحول الحكاية إلى لحظة، جيل التسعين ثانية والمشاهد البصرية السريعة، جيل الملل، وكراهية القراءة، وبمعونة الصناعة، والهواتف، والمنصات التي تساعدك على إدمان التصفح المرئي القصير، فرض هذا الجيل شروطه على المنتج الرقمي، فحدث لدينا ما حدث من شيء اسمه هذا العالم الذي نعيش فيه، وهذه الظاهرة الرقمي التي نشتكي منها.
وإنه لسؤال محيّر حقا، بأي أداة يمكنك أن تتصدى لهذه التفاهة؟ فهي ظاهرة عالمية، ولا تقتصر على بلادٍ دون أخرى؟ ما الحل حقا؟ لأن ظاهرةً أخرى رديفة أيضا موجودة في عصرنا الحالي، لكنها ليست حديثة مثل أجيال (الفرفشة) والسطحية، وإنما هي مستمرةٌ ضمن استخدام الواقع الرقمي (الجاد للغاية) والذي ينتظر من العالم أن يقدم لها ما يناسب عينيه، وكأن الأدب توقف، وكأن السينما توقفت، وكأن الإبداع البشري يتأثر بهؤلاء الذين يتعاملون مع معطيات الزمن الرقمي الحديث، وما حملته ثوراته الصناعية. لم يتوقف الإبداع، ولم يعدم العالم ذلك (المحتوى) الذي يجد فيه المهتم بالتفكير النقدي والحقائق بغيته.
يظن البعضُ أن إصلاح العالم يحدث بصناعةِ العبر، وهذا متفهمٌ للغاية في سياقات كثيرة، إلا في سياقٍ واحد فقط، عندما يتعلق الأمر بصانع محتوى يصفه أحد النخبة بالتافه. يمتلئ الواقع الرقمي بعشرات النماذج التافهة، والشرسة، والعدوانية، والمتنمرة، هُنا ترتكس الجموع من كهنة الوعي العميق لتفكر في خطوتها القادمة، فما الذي يجعل إنسان يتعرض لصانع محتوى شرس، مليء بالشرور، يُسمى في الرائج من تسميات الأجيال الجديدة (جلادا) وتُردد في تعليقات منصاته كلمة (اجلدهم يا فلان) هذا لا يستحق طبعا تأنيبا عامَّا، ولا يستحق أن تتحرك الجموع الصوابية ضدَّه، لأنه هدف صعب، وقادر على الدفاع عن نفسه.
ولكن ماذا عن الهدف السهل؟ ذلك الإنسان الطيّب زيادةً عن اللازم؟ هنا تتحرك الظاهرة الرقمية الرديفة، صناعة العبر، وتحطيم البشر، واندفاع جموع هائلة من الناس كانت تنتظر السانحة لكي تصبَّ جام لومها للعالم على شخص واحد، وكلما كان هذا الإنسان (على نيّاته) كان من الأسهل على من هبَّ ودبَّ أن يطلق العنان لمعوله، وسهل على النصال أن تنطلق مصوبةً إلى ذاتِه، ووجوده، فحرية التعبير مشروطة ليست بالقانون، وإنما أيضا مشروطة بالتفضيلات الشخصية، فما هو كوميدي تافه بالنسبة لزيد، وضحل بالنسبة لعمر، أما ما هو مؤذٍ (وجلاد) ويسيّس، ويثير النعرات، وطائفي، هنا تسكت شهرزاد عن الكلام المباح، لأن الهدف السهل موجود، ولأن الهجوم على شخص واحد كفيل بصناعة الإشباع الشخصي الذي يجعل إنسان يعبر عن رثائه للمعنى في هذا العالم بالانتقاص والتهكم من إنسان حقَّا لم يكن يفكر يوما بطريقة التهجم، والفعل، ورد الفعل!!
ربما لأنه هدف سهل، ضحيةً أخرى من ضحايا الصوابية التي تُنصر بالتطاول، ولم لا؟ فالكياسة يستحقها أشخاص آخرون، الذين تحسب حسابًا إن تعرضت لهم، الذين سيستغلون منصاتهم للدفاع عن أنفسهم، بشراسةٍ مضادة، وأيضا يستخدمون المقاربة الرائجة، يحاول البعض أن يجعل منهم عبرةً فيختارون عبرةً مضادةً من هذه الجموع، وعلى من تقع القرعة؟ هنا تتراجع الجموع المندفعة، ولا سيما تلك التي تريد أن ترمي بزجاجها الحاد فقط بعد أن تطمئن، هذا شرطٌ بشري فادح، وهذا ما يجعل هجومًا جماعيا رقميا مستساغا، ومباحا، ومتاحا، فقط لأنَّك أمنت ردة الفعل، ولهذا يسقط الطيبون، يفترسون رقميا بكل شدَّة ممكنة، لأنهم هدف سهل، لن يختار عبرةً مضادة، أمَّا الذي يعرف لغة الشر، والأذى، والتنمر، والتحطيم، أو ما يسمى (جلادًا) فسيعرف كيف يدافع عن نفسه، وكيف يعترك الشر بالشر، مؤسف هذا العالم عندما تنقلب الصوابية إلى انتقاء لا يسد الذرائع، وإنما هو إشباع آخر آثم، لا يختلف عن إزاحة البعض لضيقه من الحياة ليحوله على فريق رياضي، وليهنأ شجعان الصوابية بهدف جديد وراء آخر، وعندما يصنع من هذا الزخم إنسانٌ غاضبٌ، ساخطٌ جاهز لرد الصاع صاعين، وقتها ستغادر هذه الجموع إلى هدف سهلٍ آخر، وهكذا دواليك، تستمر الظاهرة البشرية، كالظاهرة العالمية، كالظاهرة الرقمية في هذا العصر الذي أصبح كامرةً عموديةً توجه للآخر كسهم، وتوجه للذات كمرآة.
مقاربات كثيرة يمكنها أن تعيد توازن صناعة المحتوى، مقاربات إبداعية، وتحتاج إلى أشخاص لديهم سعة البال، والإيمان بالآخر، والتعاطف مع أحلامه، واحترام حريته، ونسج الخيارات أمامه، مقاربات بنَّاءة كثيرة تختلف عن التأنيب، والتقريع، والتنمر، والإلغاء، مقاربات لا نهاية لها، مرمية في أرصفة الفنون، والنقد، ولكن لم إنفاق الوقت في تنمية تجربة إنسان آخر، تحطيمه يكفي، وصناعة عبرة منه تكفي، لأنَّه هدف سهل، وهذا يكفي لكي نعبر عن أسوأ ما فينا تجاه إنسان نعرف جيدا أنه لا يملك من الشر ما يكفيه للدفاع عن نفسه! زمان عجيب نعيش فيه، ولعلنا سنرى الأعجب في رجبٍ أقرب!
رابط مختصر