بروفيسور حسن بشير محمد نور
أشار تقرير حديث لصندوق النقد الدولي إلى انكماش الاقتصاد السوداني بنسبة 20% خلال عام 2024، وهو انكماش (يضاف لما سبقه في العامين 2022 و 2023 بسبب انقلاب اكتوبر 2021 ومن ثم بسبب الحرب الكارثية) يمثل ضغطاً كبيراً على مختلف القطاعات، خاصة القطاع المصرفي والمالي الذي يواجه تحديات غير مسبوقة في مجالات الودائع، التمويل، الاستثمار، وكفاية رأس المال.

تأتي هذه التحديات في وقت يعاني فيه السودان من ويلات الحرب ومن عدم استقرار سياسي وتزايد مستمر في معدلات التضخم وارتفاع في تكاليف الانتاج والمعيشة، مما يزيد من صعوبة استقرار النظام المالي.

تشير الأزمة الحالية إلى تراجع حاد في الودائع المصرفية، حيث يخشى الأفراد والشركات من إيداع أموالهم في البنوك وسط عدم اليقين السياسي والاقتصادي. هذا التراجع يؤدي إلى تقلص السيولة المتاحة لدى البنوك، مما يحد من قدرتها على تقديم التمويل الضروري، ويضعف دورها في تنشيط الاقتصاد. كما أن الاعتماد الكبير على العملات الأجنبية في الاحتياطيات وعدم استقرار سعر الصرف يفاقمان من أزمة الثقة في القطاع المصرفي.

من جهة التمويل، أدى التراجع الاقتصادي إلى ارتفاع تكلفة الاقتراض، حيث تجد البنوك صعوبة في تمويل المشروعات الاقتصادية، والتي تعتبر أحد أهم المحركات لخلق فرص العمل وزيادة الإنتاج. أدى ذلك إلى تراجع الاستثمارات، سواء كانت داخلية أو خارجية، حيث أصبح المستثمرون يتجنبون المخاطر التي تنطوي على الدخول في بيئة غير مستقرة. ومع تراجع التمويل، تأثرت الشركات المحلية وأُجبرت بعضها على تقليص عملياتها أو التوقف الكامل أو مغادرة البلاد، مما أدى إلى فقدان العديد من فرص العمل وبالتالي تراجع مكاسب عوامل الانتاج باكملها (خاصة عائدات رأس المال والعمل والعائدات من الزراعة والقطاع العقاري).
يضاف لما تقدم تأثير الأزمة الحالية بشكل مباشر على كفاية رأس المال والملاءة المالية للبنوك، حيث أدى تراجع العائدات وزيادة مخاطر الديون المعدومة إلى تدهور قدرة البنوك على الوفاء بالتزاماتها. البنوك الصغيرة والمتوسطة تأثرت بشكل أكبر، مما أدى إلى مخاوف من عدم قدرتها على الاستمرار في ظل تزايد الالتزامات المالية وانخفاض الإيرادات.
تجدر الاشارة الي ان الوضع النقدي داخل وخارج النظام المصرفي يعاني من التشتت والتضارب، حيث انخفضت كمية النقد المتداولة داخل النظام المصرفي في مقابل زيادة السيولة خارج القطاع الرسمي. أدى ذلك إلى ضعف الرقابة على حركة الأموال، وزيادة الاعتماد على التعاملات غير الرسمية، مما يزيد من صعوبة وضع سياسات نقدية فعّالة تسهم في ضبط الاقتصاد والتحكم في التضخم والسيطرة علي السيول والتحكم في الكتلة النقدية, التي كانت خارج القطاع المصرفي بنسبة تقدر ب 87% في اكثر التقديرات تفاؤلا قبل الحرب. في هذا السياق نؤكد ان طباعة العملة في هذه الظروف لن تجدي نفعا وستتسرب ببساطة خارج الجهاز المصرفي فالمشكلة ليست في العملة في حد ذاتها وانما في النظام والوضع في البلاد بمجملها أنها معالجة الظل والعود اعوج.
بذلك يُعد انكماش الاقتصاد عاملاً ضاغطاً على السياسة النقدية، حيث تواجه السلطات تحدي موازنة السيولة النقدية مع محاولة ضبط التضخم ودعم العملة المحلية. ومع تراجع الإنتاج وفقدان الوظائف، يشهد الاقتصاد السوداني انخفاضاً في مستويات التشغيل، مما يؤثر سلباً على النشاط الاقتصادي الكلي. يؤدي هذا الوضع إلى انخفاض الطلب المحلي وتباطؤ في الاستثمار، مما يضعف النمو الاقتصادي ويزيد من معدلات البطالة، وخاصة بين فئة الشباب.
مع استمرار الأوضاع الحالية والحرب القائمة، فمن المتوقع أن يظل الوضع المالي والنقدي في السودان تحت ضغوط كبيرة. التحديات المرتبطة بتدني مستويات الإنتاجية، وتضخم الديون، وغياب الاستقرار السياسي ستزيد من صعوبة تحقيق التعافي الاقتصادي. وفقاً للمؤشرات الاقتصادية الكلية، سيؤدي استمرار الحرب، حتما إلى مزيد من التراجع الاقتصادي، حيث ستتقلص فرص العمل وستنخفض الثقة في المؤسسات المالية، مما يؤدي إلى تراجع رؤوس الأموال المحلية والأجنبية.

تقتضي اي رؤية اقتصادية فعالة اعتماد سياسات هيكلية تهدف إلى استعادة الاستقرار النقدي والمالي، من خلال تحسين كفاءة القطاع المصرفي وزيادة الدعم للمشروعات الصغيرة والمتوسطة التي يمكن أن تخلق فرص عمل وتحسن من الإنتاجية. يتطلب الوضع أيضاً تدابير طارئة لضمان استقرار السياسة النقدية، كتعزيز الرقابة على العملات الأجنبية وزيادة الحوافز للمدخرين والمستثمرين لضمان استمرارية تدفق السيولة وتحفيز النشاط الاقتصادي، لكن هذا كله بعيد المنال إذا لم يصمت صوت المدافع ويحل السلام والاستقرار السياسي.
يواجه الاقتصاد السوداني اذن تحديات جسيمة تتطلب جهودا جبارة من أجل تحقيق الاستقرار المالي والنقدي، وتهيئة بيئة مواتية لوضع مسار للتعافي وللتنمية . في حال استمرت الظروف الحالية، ستظل التوقعات قاتمة، إذ لا يمكن تحسين الوضع من خلال سياسات نقدية ومالية مدروسة تهدف إلى استعادة الثقة وتعزيز مرونة القطاع المصرفي، مما قد يسهم في تحقيق نمو اقتصادي مستقبلي مستدام يعيد للسودان قدرته على التنافس ويعزز من استقراره، لا يمكن ذلك إلا بوقف الحرب واتمام الترتيبات اللازمة لايجاد بيئة تمكن من الحياة والعمل بشكل (مقبول).

 

mnhassanb8@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: القطاع المصرفی

إقرأ أيضاً:

بعد تراجع ترامب عن معاقبة كولومبيا.أسعار النفط تهبط

نزلت أسعار النفط الإثنين بعد تراجع الولايات المتحدة عن العقوبات على كولومبيا ما قلل المخاوف من عرقلة إمدادات للخام.

وانخفضت العقود الآجلة لخام برنت 40 سنتاً أو 0.51% إلى 78.10 دولاراً للبرميل، في حين نزل خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 41 سنتاً أو 0.55% إلى 74.25 دولاراً.
وأعلن البيت الأبيض مساء الأحد، تراجع واشنطن سريعاً عن خطط لفرض عقوبات ورسوم جمركية على كولومبيا بعد أن وافقت على استقبال مهاجرين مرحلين من الولايات المتحدة. كولومبيا تتراجع أمام تهديدات وعقوبات ترامب - موقع 24قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الأحد، إن الولايات المتحدة ستفرض عقوبات واسعة النطاق ورسوما جمركية على كولومبيا بسبب رفضها استقبال طائرتين عسكريتين أمريكيتين، كانتا تقلان مهاجرين جرى ترحيلهم.

وأظهرت بيانات شركة كبلر أن كولومبيا أرسلت في العام الماضي نحو 41% من صادراتها من النفط الخام المنقول بحراً إلى الولايات المتحدة.
وقال بيارن شيلدروب كبير محللي السلع الأولية لدى إس.إي.بي: "حتى لو لم تفرض العقوبات، فإن هذا لا يزال يتسبب في توتر من فكرة أن ترامب سيهدد الجميع لتحقيق ما يريد".
وكرر ترامب يوم الجمعة دعوته لأوبك لخفض أسعار النفط لإلحاق الضرر بالقدرات المالية لروسيا الغنية بالخام ومن ثم المساهمة في إنهاء الحرب في أوكرانيا.
وقال ترامب: "من الطرق لوقف الحرب بسرعة هي أن تتوقف أوبك عن جني الكثير من المال وتخفض أسعار النفط... ستتوقف الحرب على الفور".
كما هدد ترامب باستهداف روسيا "والدول المشاركة الأخرى" بالضرائب والرسوم الجمركية والعقوبات إذا لم يتسنى التوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب في أوكرانيا قريبا.
وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم الجمعة إن عليه أن يلتقي بترامب لمناقشة حرب أوكرانيا وأسعار الطاقة.
ولم ترد أوبك ولا تحالف أوبك+،، الذي يضم المنظمة وحلفاء من بينهم روسيا، بعد على دعوة ترامب، وأشار ممثلون عن التحالف إلى خطة لزيادة إنتاج النفط اعتباراً من أبريل (نيسان).
وفي الصين، جاءت بيانات الأنشطة الصناعية اليوم الاثنين أضعف من المتوقع، مما زاد مخاوف الطلب على الطاقة.

مقالات مشابهة

  • القطاع المصرفي الإماراتي الأكبر في الشرق الأوسط بإجمالي أصول 4.457 تريليون درهم
  • الانتهاء من تقرير تحليل الوضع الحالي لمركز سقارة وإعداد خطة استراتيجية لرفع كفاءته
  • بنك السودان يصدر توجيهات جديدة لـ”التمويل المصرفي”
  • تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري مع جمهورية صربيا
  • مصر تنطلق نحو المستقبل| تسويق سندات دولية بـ 2 مليار دولار لدعم النمو الاقتصادي.. وخبير يعلق
  • ما هو تأثير تراجع أسعار النفط على الاقتصاد والأسواق العالمية؟.. خبير يجيب «فيديو»
  • تسجيل إصابات جديدة بالكوليرا وحمى الضنك في السودان
  • إسبانيا ترفض تهجير سكان غزة: القطاع جزء من الدولة الفلسطينية المستقبلية
  • بعد تراجع ترامب عن معاقبة كولومبيا.أسعار النفط تهبط
  • لجنة نيابية: الحكومة تركز على دعم الإيرادات غير النفطية وجذب الاستثمارات العالمية