الابتهاج بالجنائز.. والسيادة في شرعة الفلول..!
تاريخ النشر: 1st, November 2024 GMT
من أراد أن يحتفل بالضربات المتبادلة في هذه الحرب الخاسرة فليفعل ولا تثريب عليه..! ولكن ليعلم أن حصاد هذه الضربات التي (يرقص لها الراقصون) إنما هو قتل المواطنين وتدمير عيشتهم ومعيشتهم وتشريد النساء والأطفال وإخلاء الدور من أهلها ونقل الحرب إلى المساكن والمعاطن والحيشان والبيشان والغرف والكُجر وهتك الحرمات والمحارم واستباحة العروض والفروض.
لا تثريب على من يريد أن يحتفل بهذا النيران المتبادلة وكأنه يشاهد مباراة مبار ملاكمة هزلية..فالعالم لا يزال يحتشد بالعبط والجهل والتفاهات والنكرات..وبأهل الغفلة وأصحاب النوايا الطيبة الساذجة المجرّدة من البصيرة..والذين يسهل خداعهم للمرة المائة بعد )99 مرّة سابقة(..من (نفس الزول الكاتل ولدك/ وشال لي روحو الفاتحة وقلدك)..!
كيف يخدعكم الكوز؟ وهو ذات الشخص بعد أن حاول مسح وجهه العكر بدهان النيفيا و(كريمات تفتيح البشرة) ولكن ظل وجهه مسودّاً )وهو كظيم( من سوء ما يعتمل في ضميره المنخور النتن من شرور وخبث..!
أهل الغفلة هؤلاء لا نملك لهم غير الرثاء..! لقد خدعوهم بانتصارات وهمية في هذه الحرب وبلادنا (كلها مقابر) فخرجوا يهللون فرحاً بتراشق النيران وتبادل المواقع بين طرفين يخوضان على دماء السودانيين في حرب لعينة موجهة في الأساس ضد الوطن وضد ثورته وضد مواطنيه الأبرياء..!
حقيقة لا نملك غير الرثاء للذين لا تزال تنطلي عليهم ألاعيب الكيزان وأكاذيبهم وضلالهم الذي دمروا به الوطن وقتلوا وشردوا أهله في سلسلة من الجرائم البشعة والفساد السافر عبر عشرات السنين وعبر حلقات متصلة من الشعارات المضللة التي يغلفونها هازئين بغير أدب ولا احتشام بالآيات القرآنية ويظنون أنهم يخادعون الله ( وهو خادعهم )..ولسوف يحيق بهم (ما كانوا به يستهزؤون)..!
الأغرب هو اتهام الكيزان وجماعة الانقلاب للآخرين بالسير في ركاب الدول الأجنبية والأعجب حديثهم عن السيادة الوطنية.! هذا هو الجنون بعينه..!!
هذا هو الاستحقار والاستحمار بعينه..!! انتم تصنعون المليشيات وتسلحونها وتقتلون من يطالب مجرد مطالبة بتسريحها أو دمجها في الجيش..ثم تتهمون نفس الذين طالبوا بتسريحها بأنهم حاضنة مدنية لها..؟!
أما السيادة الوطنية فقد قام بتفسيرها كوز مستعبط يسمي نفسه نائب القائد العام للجيش عندما أعلن أن سواحل السودان على البحر الأحمر (طووووووويلة) وتكفي الجميع..! ولا بأس أن يأتي أي بلد ويقيم فيها ما يشاء من قواعد عسكرية ومحطات تموين ونقاط تزوّد وواجهات بحرية..!!
ثم ألم يوافق الكيزان على إقامة قاعدة روسية في ساحل السودان على البحر الأحمر..!
ألم يستقدم جنرالات الانقلاب والكيزان من الطرفين قوات من أوكرانيا ومرتزقة (منظمة فاغنر) بأسلحتها ومعداتها وضباطها وجنودها ومنحوها رخصة مفتوحة للتصدي للمدنيين..! من يحارب وحوش فاغنر ومستجلبو روسيا في بلادنا وما هي مهامهم في وطننا غير قنص السودانيين..؟!
ألم يبصم الكيزان ورئيسهم المخلوع على صفقة مريبة مع تركيا حول سواكن بعيداً عن عيون الشعب وحتى عن الهيئات المختصة بالدولة، ولا يدري احد شيئاً عن الذين قبضوا فيها الأتعاب والعطايا والهدايا والكوميشنات..!
ألم يقدم الكيزان ونظامهم عرضاً للإدارة الأمريكية حول تسليم بن لادن ورفض الأمريكان عرضهم الخائب العايب وقالوا لهم وقتها: بن لادن ليس مطلوباً لدينا..!
ألم يذهب مدير جهاز أمنهم في طائرة خاصة لتسليم إخوتهم من الجماعات التي تشبههم..والتي لجأت إليهم طلباً للستر والحماية فقام الكيزان بتسليمهم باعتبارهم إرهابيين مطلوبين لأمريكا..وتم التسليم (بربطة المعلم) صرة في خيط على غرار (طرود البوسطة العمومية)..!
ألم يطير رئيس الكيزان المخلوع إلى روسيا طالباً من بوتين حماية نظامه من الأمريكيين..!
أي بلد في الدنيا طول العالم وعرضه بلغ حجم القوات الدولية فيه أكثر من 30 ألف جندي لحماية المدنيين من غارات جيش الكيزان وأجهزة أمنه وشرطته ومليشياته..؟!
من الذي أرسل قوات تابعة للجيش وباسم الجيش من اجل خوض حروب في بلاد أخرى بمقابل مالي بالدولار..؟!
الأمثلة من هذا النوع عديدة لا تحصى..فعلام طول اللسان وعدم الحياء وقلة الأدب ولوي الذنَب..؟!
لا بأس عند الكيزان من الاستعانة بإسرائيل وأسلحتها وتكنولوجيتها وأجهزة رصدها..وهذا طبعاً ليس سراً..وحتى عندما تحدث الناس عن إعادة الكيزان العلاقات الدبلوماسية مع إيران في ذلك التوقيت..تبرّع سفير الكيزان في الأمم المتحدة "الحارث إدريس" بالقول أن إعادة العلاقات مع طهران (لا تهدد امن إسرائيل)..!
من الذي طلب منك (يا سيد روحك) تطمين العالم على أمن إسرائيل.. وأنت تتحدث باسم السودان من منصة الأمم المتحدة ومجلس الأمن..؟!
هذه هي المصائب التي وقعت فيها بلادنا وشعبنا من الكيزان والانقلاب ودعاة الحرب و(المؤجرين)..وهذه هي النماذج البشرية التي يلخصها (أنكل توم هجو) الذي رفع عقيرته في (اعتصام الموز) وهتف بلهجة رخوة على غرار أغاني السيرة والسباتة (الليله ما بنرجع..إلا البيان يطلع)...!
هل تصدق يا صاحبي أن البيان المقصود هو بيان الانقلاب على الحكم المدني..؟! وان صاحب هذا النداء الرخو الخائب سياسي مخضرم ينسب نفسه لأحزاب الوسطية والديمقراطية ..الله لا كسّبكم..!
مرتضى الغالي
murtadamore@yahoo.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
ثلاث معضلات رئيسية شهدها السودان
تسببت الحرب التي تدور رحاها الآن في السودان منذ 15 أبريل/ نيسان 2023 في أضرار كبيرة وخراب واسع النطاق، ودمار في البنية الأساسية والمرافق الحيوية في الدولة، وخلفت وراءها عشرات آلاف القتلى من المدنيين والملايين من النازحين داخل السودان، واللاجئين إلى خارج الحدود، إلا أنه بالرغم من ذلك كان لها وجه آخر أفرزت فيه نتائج يمكن وصفها بالإيجابية، على قاعدة (رب ضارة نافعة).
وهي نتائج ما كان لها أن تبرز لولا اندلاع الحرب، ولم تكن مقصودة أو تم الترتيب لها مسبقًا من طرفٍ بالداخل أو بالخارج، بل تداعت بصورة تلقائية وولدت من رحم الحرب.
هذه النتائج سيكون لها دور كبير في طي معضلات أساسية مزمنة لازمت الحياة السياسية والاجتماعية في السودان منذ الاستقلال، وتسبب بعضها في أزمات وصراعات ونزاعات داخلية، كان أكبرها الحرب في جنوب السودان التي استمرت نحو 33 عامًا، وأفضت إلى انفصال جنوب السودان باستفتاء مشهود في يناير/ كانون الثاني 2011، ليصبح دولة مستقلة قائمة بذاتها.
وكان من إفرازات تلك المعضلات أيضًا أزمة دارفور التي اندلعت في العام 2003، واستمرت 17 عامًا تخللتها 3 اتفاقيات سلام، منها اثنتان لم تصمدا طويلًا، وهما اتفاقيتا (أبوجا 2006)، و(الدوحة 2011)، أما الثالثة فتم توقيعها في أغسطس /آب 2020 في جوبا عاصمة دولة جنوب السودان، ولا تزال سارية حتى الآن.
إعلانوإذا أنعمنا النظر في طبيعة المعضلات الأساسية التي لازمت الحياة السياسية في السودان، نجد بعضها وبصورة أساسية نتاج أسباب جغرافية وديمغرافية وتاريخية موروثة، ولكن جلها كان نتاج ممارسات سياسية من قبل الأحزاب والكيانات السياسية التي وجدت بعد الاستقلال، وبسبب أخطاء ارتكبتها الأنظمة والحكومات المتعاقبة.
ويمكن تحديد هذه المعضلات بصورة إجمالية لأغراض هذا المقال دون الخوض في تفصيلها في ثلاث معضلات رئيسية هي:
أولًا: مسألة تداول السلطةبرزت هذه المعضلة بعد عامين فقط من استقلال السودان، ففي نوفمبر/ تشرين الثاني 1958، تسلم الفريق إبراهيم عبود قائد الجيش السوداني وقتها مقاليد الحكم من رئيس الوزراء المنتخب عبدالله خليل بعد إلحاح وملاحقة من هذا الأخير؛ بسبب احتدام الخلافات داخل كل حزب من الأحزاب السياسية، وفيما بين بعضها البعض، وهي مسألة تعكس مدى سوء الممارسة السياسية للأحزاب القائمة في ذلك الوقت.
وقد استمر الفريق عبود في الحكم باسم الجيش لمدة 6 سنوات، حتى تمت الإطاحة به في ثورة شعبية في أكتوبر/ تشرين الأول 1964.
وأعقب هذه الثورة إنشاء نظام ديمقراطي وحكومة منتخبة تمت الإطاحة بها بانقلاب عسكري دبره الحزب الشيوعي السوداني في 25 مايو/ آيار 1969 عبر ضباط بعضُهم كانوا منتمين للحزب، وآخرون لا ينتمون له، وكان الانقلاب بقيادة الرئيس الراحل جعفر نميري، والذي استمر حكمه 16 عامًا بعد أن تخلص من الشيوعيين بعد عامين من الانقلاب حين حاول الحزب الشيوعي الإطاحة به بانقلاب عسكري فاشل بواسطة ضباط شيوعيين داخل الجيش.
وقد تخلل فترة حكم نميري عدد من المحاولات الانقلابية باءت كلها بالفشل، حتى أطاحت به انتفاضة شعبية في أبريل/ نيسان 1985، أعقبتها انتخابات وشكلت حكومة منتخبة برئاسة زعيم طائفة الأنصار الراحل الصادق المهدي، حيث شهدت فترة حكمه اضطرابات كثيرة وسادت حالة سيولة أمنية وتردٍ في الحالة الاقتصادية، وسوء في الممارسة السياسية، وتفشٍ للفساد السياسي، قبل أن يطيح بحكومته انقلاب عسكري بقيادة عمر البشير في يونيو/ حزيران 1989.
إعلانوقد استمر حكم البشير زهاء 30 عامًا، وتخللتها أحداث سياسية كبرى وطالت السودان فيها مهددات وتحديات عديدة كان جلها خارجيًا، وقد أطاحت بنظامه ثورة شعبية مدعومة من الخارج في أبريل / نيسان 2019. وتم بعدها تشكيل مجلس سيادة انتقالي برئاسة الفريق أول عبدالفتاح البرهان، وتعيين عبدالله حمدوك رئيسًا لمجلس الوزراء.
وشهدت هذه الفترة بدورها اضطرابات عديدة، وتميزت بعدم الاستقرار والتشاكس والعداء للجيش من قبل القوى المدنية التي تصدرت المشهد السياسي، وكانت نتيجة ذلك كله محاولة هذه القوى المدنية التي تحالفت مع قائد قوات الدعم السريع ونائب رئيس مجلس السيادة حينها (حميدتي) الاستيلاء على السلطة بقوة السلاح بواسطة قوات الدعم السريع في 15 أبريل/نيسان 2023، وهي المحاولة التي فشلت وأشعلت الحرب التي لا تزال دائرة حتى اليوم.
ويتّضح من هذا السرد المجمل لمسألة تداول السلطة في السودان منذ الاستقلال حجم الأزمة، وحالة الاحتقان وعدم الاستقرار والاضطراب الذي تميزت به هذه المسألة على مدى 69 عامًا.
ثانيًا: وضع الجيشوهي المعضلة الثانية، فقد ظل وضع الجيش السوداني منذ الاستقلال محلًا للتجاذبات والمزايدات والكيد السياسي بين الأحزاب والقوى السياسية في السودان، كما أنه واجه عداءً شديدًا من كثير من هذه الأحزاب خاصة أحزاب اليسار السوداني، وتعرض لكثير من الإهمال المتعمد، وأخضع لعمليات إضعاف مقصودة، وكان ذلك بغرض شلّ قدرته على التدخل في السياسة، والحيلولة بينه وبين توسع نفوذه بما يمكنه من توجيه بوصلة الحياة السياسية أو استيلائه على السلطة عبر الانقلابات.
وقد تصاعدت حالة العداء للجيش من قبل الأحزاب السياسية بشكل واضح في فترتين من فترات الحكم المدني:
الفترة الأولى، وهي فترة حكم الصادق المهدي في التجربة الديمقراطية الثالثة، حيث تعرض الجيش السوداني لعملية إضعاف ممنهجة لم يتعرض لها من قبل، رغم أن الحرب في الجنوب كانت في أوج استعارها، ووصل هذا الإضعاف الممنهج من قبل حكومة الصادق المهدي أن جنود الجيش في جبهات القتال بالجنوب كانوا يقاتلون حفاة وبلا مؤن ويعانون نقصًا حادًا في قطع السلاح، بل وصل الأمر حد إرسال ذخائر ألعاب نارية لوحدات الجيش المقاتلة على جبهة القتال، وهي واقعة مشهودة ومعروفة تم تبريرها بأنها تم شحنها بالخطأ..!! إعلانوقد استطاعت قوات التمرد الجنوبي بقيادة جون قرنق الاستيلاء على العديد من المناطق والمدن في جنوب السودان بسبب هذا الإضعاف الممنهج.
أما الفترة الثانية التي تعرض فيها الجيش للإضعاف المتعمد فهي التي تلت الإطاحة بالبشير وتحديدًا ما بين أبريل / نيسان 2019، وأكتوبر/تشرين الأول 2021، حيث تعرض الجيش السوداني لأكبر محاولة ليس فقط لإضعافه، وإنما لتفكيكه كلية وإحلال قوات الدعم السريع مكانه، وذلك بزعم أن الجيش يهيمن عليه التيار الإسلامي الذي كان ممسكًا بمقاليد السلطة طوال 30 عامًا، وقد سميت عملية التفكيك تدليلًا وتخفيفًا لها بـ (إعادة الهيكلة).وتعرض الجيش في هذه الفترة لكثير من التهكم والسخرية والتقليل من شأنه ودوره، وكان شباب الثورة المنتمون إلى الأحزاب اليسارية يرددون أهازيج تسخر من الجيش وتتهكم به، وتمجد قوات الدعم السريع وتعلي من شأن قائدها حميدتي.
ووصل ازدراء القوى السياسية والمؤسسات الرسمية المدنية بالجيش أن تقدم رئيس الوزراء عبدالله حمدوك – دون مشورة رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش البرهان – بخطاب للأمين العام للأمم المتحدة يطلب منه بموجب الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة إرسال بعثة سياسية تضم قوات أممية مهمتها ما سماه "بناء السلام". وقد كانت هذه الواقعة أولى محطات التوتر في العلاقة ما بين البرهان وحمدوك.
ثالثًا: التنمية وتوزيع السلطة والثروةوهي ثالثة أثافي أزمة السودان ومعضلته المزمنة. فهذه المعضلة هي الأكثر رواجًا وسط الاتجاهات والتيارات والحركات المطلبية التي عرفها السودان.
وهي الخلفية التي مثّلت متكأً لهذه التيارات، وشعارًا ظل مرفوعًا في وجه الحكومات المتعاقبة، وتقوم سردية هذا الاتجاه على أن هناك – ومنذ الاستقلال – خللًا حادًا في التنمية، وفي توزيع السلطة والثروة بين أقاليم السودان المختلفة لصالح إقليم واحد، هو ما أطلق عليه في أولى مراحل تطور هذا الاتجاه المطلبي بـ (الشمال) الذي يشمل حاليًا ولايتي نهر النيل والشمالية، ثم لاحقًا أطلق عليه مسمى (الشريط النيلي)، ثم مؤخرًا، ومع اندلاع الحرب الحالية، ابتكرت القوى المتحالفة مع مليشيا الدعم السريع مصطلحًا محدّثًا لنفس المسمى، وهو (دولة 56).
إعلانوكل هذه المسميات تنطوي على اعتقاد معتنقيها أن ثمة احتكارًا ممنهجًا للتنمية والسلطة والثروة من جانب سكان إقليم (شمال السودان)، وحرمانًا لسكان بقية أقاليم السودان منها، والذين أطلق عليهم أصحاب هذا الاتجاه مصطلح (المهمشين)!!
كل الحركات التي حملت السلاح في وجه الحكومات المركزية المتعاقبة منذ الاستقلال كان منطلقها الأساسي هو هذا المفهوم: (التهميش). كل الدماء التي أريقت وسفحت في الحروب والنزاعات التي شهدها السودان كانت بفعل رفع هذه الراية، من لدن تمرّد الجنوب وحتى تمرد مليشيا الدعم السريع، الذي يعيش الشعب السوداني فصوله المأساوية الآن.
إن قضية التهميش هي واحدة من أكبر وأخطر إفرازات الممارسة السياسية الخاطئة في السودان، وإحدى كبريات الموبقات التي ارتكبتها بعض النخب السياسية السودانية في سعيها نحو الاستحواذ على السلطة ومتعلقاتها الاقتصادية والاجتماعية.
فإقليم شمال السودان لا يختلف عن بقية أقاليم السودان، التي يجمع بينها قاسم مشترك، وهو التخلف وما ينطوي عليه من فقر وجهل ومرض ونقص في التعليم والصحة والخدمات الأساسية، وانعدام البنية التحتية من طرق ومرافق حيوية واتصالات، وغيرها من مظاهر التخلف الأخرى. فكل أقاليم السودان الطرفية ظلت تعاني من هذه المظاهر، والعاصمة الخرطوم التي تتوسط السودان لم تسلم منها.
فجغرافيا السودان وتضاريسه وتقاعس وفشل الأنظمة التي تعاقبت على الحكم في إحداث التنمية المطلوبة، كل ذلك ساهم في خلق هذا الخلل الذي هو حتى الآن موجود.
ويطل السؤال المهم برأسه عند هذه النقطة: ما هي النتائج الإيجابية المترتبة عن الحرب الحالية والتي يمكن أن تساهم في الحل الجذري لهذه المعضلات الثلاث المذكورة آنفًا؟
أولًا: في شأن تداول السلطة، وهي المعضلة الأولى، فإن الدرس الذي ينبغي أن تعيه النخبة السياسية السودانية من واقع الحرب الحالية، هو أن الوسيلة الفضلى والمثلى لتداول السلطة في هذا البلد شديد التنوع، هي الاحتكام إلى إرادة الشعب والنزول عند اختياره عبر نظام ديمقراطي (نزيه) مبرأ من كل الشوائب والأخطاء والخطايا التي وقعت في التجارب السابقة.
إعلانوبمفهوم المخالفة فإن الاستيلاء على السلطة بالقوة في سودان ما بعد الحرب، يجب أن يكون مجرَّمًا ومحرَّمًا بالدستور والقانون، وقبل ذلك أن تتواثق القوى السياسية على استبعاد هذه الوسيلة تمامًا من أجندتها اعتبارًا واتعاظًا بما حدث، وأن تحصر هذه القوى خلافاتها داخل السياج الوطني ولا تشرك في شأن الوطن أيادي أجنبية.
ثانيًا: وفي شأن وضع الجيش ومُقامَه بين مؤسسات الدولة، فإن تجربة الحرب الحالية أشاعت قناعة ويقينًا ظل يترسخ في أذهان الشعب السوداني وفي وجدانه، مفاده أن الجيش هو صمام الأمان للدولة وعمودها ورأس الأمر فيها، ووجوده متماسكًا وقويًا ومتسلحًا بالعتاد العسكري كمًّا ونوعًا هو أمر ضروري ولا غنى عنه البتّة.وانعكس هذا اليقين الشعبي في الوقفة الصلبة التي وقفها الشعب السوداني بكل طيفه السياسي والاجتماعي والمناطقي خلف الجيش بالتأييد والمساندة، وتشهد بذلك يوميات الحرب وأحداثها، حيث يتجه النازحون من المناطق التي تدخلها مليشيا الدعم السريع إلى المناطق التي يسيطر عليها الجيش، ويتم استقبال قوات الجيش حين تحرر منطقة من قبضة الدعم السريع بمظاهر الفرح والاحتفال والشعور بالطمأنينة.
وهو أمر له دلالة عميقة ويعتبر نقلة نوعية في نظرة الشعب السوداني إلى الجيش بعد أن شابها في الماضي بعض (الضبابية) بتأثير من حملات (الشيطنة) التي شنتها بعض القوى السياسية المعادية للجيش.
بل أكثر من ذلك، فإن حركات الكفاح المسلح التي ظلت تقاتل الجيش في الماضي قد انحازت إلى صف الجيش تقاتل مليشيا الدعم السريع تحت إمرته وقيادته في الحرب الآن، وأعلنت قيادات هذه الحركات التي تعرف بالقوات المشتركة أنها ستدمج قواتها في الجيش بعد أن تضع الحرب أوزارها وفقًا لقواعد الدمج والتسريح المعروفة.
وشددت هذه القيادات على أنه لن تكون هناك قوات موازية للجيش في سودان ما بعد الحرب. ويعد هذا تطورًا شديد الأهمية سيكسب الجيش وضعًا أكثر تميزًا مضافًا إليه اكتسابه خبرات جديدة ومراسًا قويًا بسبب الحرب وبلائه فيها بلاءً مهنيًا حسنًا ومشهودًا.
إعلان ثالثًا: أما بخصوص المعضلة الثالثة والأخيرة وهي التنمية وتوزيع السلطة والثروة، فقد كشفت الحرب للجميع أن ما يسمى بالتهميش هو القاسم المشترك الذي ينتظم كل أقاليم السودان، وعلى رأسها الشمال، حيث ساعد على هذا الكشف عاملان اثنان: الأول؛ هو أن الحرب بدأت في العاصمة الخرطوم، وهي بمثابة القلب للسودان وكبرى مدنه، وتقطنها كل مكوناته الإثنية شمالًا ووسطًا، شرقًا وغربًا وجنوبًا، وهو مؤشر على أن كل سكان تلك الأقاليم جاؤوا إلى الخرطوم بحثًا عن أوضاع أفضل من تلك التي تسود في أقاليمهم، بمن فيهم أهل الشمال. وأما الثاني؛ فإن الذين نزحوا من العاصمة وولاية الجزيرة وسنار، بسبب الحرب واتجهوا شمالًا وشرقًا رأوا بعيونهم أحوال هذه الأقاليم والمناطق والتي هي مشابهة لمناطقهم الأصلية، ولا تتميز عنها بشيء وتعاني نفس مشاكل التخلف.أضف إلى هذا وذاك أن مليشيا الدعم السريع استعْدَت كل المكونات الإثنية والطائفية والدينية في السودان من خلال ارتكابها مجازر مروعة وانتهاكات بشعة في حق أهالي المناطق التي سيطرت عليها مما وحد هذه المكونات ضدها وضد مشروعها لحكم السودان، وفوق ذلك كله ارتباطها بالأجنبي وتنفيذها أجندة أجنبية، وجلبها مرتزقة أجانب لقتل مواطنيهم وشركائهم في الدين والوطن.
ومن عجب أنَّ القوات الدارفورية التابعة لحركات دارفور التي كانت تناصب (الشمال) العداء على خلفية مزاعم التهميش، هي الآن تقف دفاعًا عن الشمال وعن إنسان الشمال من هجمات مليشيا الدعم السريع، وأن الجيش السوداني الذي كانت تقاتله في السابق، أصبح الآن حليفًا وصديقًا ستلتئم معه وتندمج فيه دفاعًا عن السودان كله.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية