القوى المدنية السودانية بين الخيار السياسي والأخلاقي- صراع الثوابت ومتغيرات المرحلة
تاريخ النشر: 1st, November 2024 GMT
في السودان، تعيش القوى المدنية اليوم حالة من التشتت والتقلب بين الأهداف الأخلاقية التي تدعو إلى حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، والأهداف السياسية التي تفرضها ظروف الصراع العسكري والأزمة الاقتصادية. ومع تعقيد المشهد الداخلي وتراكم التحديات، أصبح من الصعب التمييز بين المواقف النابعة من دوافع أخلاقية بحتة، وتلك التي تخدم أجندات سياسية معينة، خاصةً في ظل التفاعل المكثف مع تطورات الأوضاع الأخيرة.
إحدى تجليات هذا الصراع برزت فور سماع القوى المدنية بوصول عبد الله حمدوك، رئيس الوزراء الأسبق، إلى لندن؛ حيث تحول النقاش على وسائل التواصل الاجتماعي بسرعة نحو حمدوك، ليتحول التضامن مع الأحداث المأساوية في ولاية الجزيرة إلى استهداف مكثف لحمدوك وتحالف قوى الحرية والتغيير (قحت). هذه الظاهرة تعكس صورة أوسع عن التفاعلات السياسية في السودان؛ إذ إن الأصوات المعارضة لا تتوقف فقط عند حد البكاء على الأوضاع الإنسانية، بل تتحول في كثير من الأحيان إلى حملة منظمة تستهدف مواقف وأشخاص معينين.
خيار القوى المدنية: بين السياسة والمبادئ
بالنظر إلى الأهداف المعلنة للقوى المدنية السودانية، يتضح أن هناك تأكيدًا على أهمية تحقيق التحول الديمقراطي، وضمان سيادة القانون، والمطالبة بالعدالة للمواطنين. هذه الأهداف تضع القوى المدنية في موقع أخلاقي يُلزمها بالدفاع عن حقوق الإنسان ومكافحة الانتهاكات، مثل تلك التي تُرتكب في ولاية الجزيرة ومناطق أخرى. إلا أن التفاعل المتقلب مع شخصيات مثل عبد الله حمدوك، يشير إلى تأثير الأجندات السياسية التي تتخطى أحيانًا حدود التضامن الإنساني.
استغلال معاناة الشعب وتحقيق المكاسب السياسية
اتجاه القوى المدنية - أو بعض الجهات المرتبطة بها - إلى التفاعل الانتقائي مع الأزمات قد يوحي بأن المعاناة تُستخدم لتحقيق مكاسب سياسية معينة. فعندما تحولت هاشتاقات التضامن مع الجزيرة إلى حملة ضد حمدوك وتحالف "قحت"، أُظهر جانب من الانقسام الواضح في الخطاب السياسي للقوى المدنية. هذا التفاعل الانتقائي أثار شكوكاً حول صدق النوايا الإنسانية، وطرح تساؤلات حول مدى إخلاص القوى المدنية لمبادئها.
التخلي السريع عن هاشتاقات التضامن، والانتقال إلى مهاجمة حمدوك، يكشف عن تحالفات وأجندات خفية تهدف إلى إضعاف أي قوة مدنية قد تمثل جزءًا من النظام الذي ساهم في التغيير. بل يظهر أن بعض القوى لم تكن ترى في مسألة الانتهاكات إلا فرصة مؤقتة للضغط على خصومها السياسيين، وأنها قد تكون مستعدة للتغاضي عن أية انتهاكات إن كانت تأتي من حلفاء محتملين أو أطراف غير معادية.
التوازن بين السياسة والأخلاق
أمام هذه التحديات، تواجه القوى المدنية معضلة أساسية: هل يجب أن تستمر في التركيز على الأجندات السياسية البحتة، أم عليها أن تُعطي الأولوية للأخلاقيات التي تأسست عليها من الأصل؟ الإجابة على هذا السؤال معقدة، لأن القوى المدنية تواجه خصومًا من عدة جهات، بما في ذلك الفصائل العسكرية، وبعض التيارات المتحالفة مع المليشيات.
ومع ذلك، يبقى على القوى المدنية، التي تنادي بالحرية والتغيير، واجب العودة إلى مبادئها الأساسية وإظهار التزام حقيقي بقضايا المواطنين والمظلومين، لا سيما عندما يكونون في خطر مباشر. إن فقدان المصداقية تجاه قضايا الشعب وتحويلها إلى أدوات سياسية سيعمق فجوة الثقة بينها وبين الشعب، ويقلل من الدعم الشعبي الذي تحتاجه للبقاء.
الحاجة إلى رؤية موحدة
من المهم أن تتحلى القوى المدنية برؤية موحدة تتجاوز التوترات الداخلية والتنافس على السلطة. فالقوى المدنية، إذا أرادت تحقيق تأثير طويل الأمد وموثوق، تحتاج إلى تقوية تحالفاتها وجعلها ترتكز على أسس متينة لا تتغير بتغير الأحداث. من دون هذا التجديد، قد يصبح وجودها مُهدداً بالتآكل نتيجة للانقسامات الداخلية وعدم الاستمرارية في الدفاع عن حقوق الإنسان.
وفي نهاية المطاف، يحتاج السودان إلى قوى مدنية تنأى بنفسها عن الصراعات الفارغة وتضع المصالح الوطنية فوق كل اعتبار. القوى المدنية، إذا التزمت بمبادئها وابتعدت عن الأجندات السياسية الملتبسة، قد تتمكن من قيادة التحول نحو الديمقراطية وحماية حقوق المواطنين بشكل شامل.
zuhair.osman@aol.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: القوى المدنیة
إقرأ أيضاً:
شكوكٌ ومؤشراتٌ حول حقيقة الجولاني
محمد أحمد البخيتي
إخواننا الأحرار في الرياض، يقال إن الجولاني من مواليد الرياض، ولم يحدّد من أية منطقة بالتحديد، فهل يعرف أحد منكم الجولاني، أَو كان الجولاني الملقب حديثًا بـ”الشرع” صديق طفولته أَو زميله بالدراسة، فقط للتقصي حتى لا يقع السوريون في فخ الموساد الذي وقع فيه الليبيون سابقًا والذي تثبته اعترافات قائد الثوار الإرهابيين في ليبيا.
خُصُوصًا وهنالك مؤشرات كثيرة تضع حول الجولاني الشكوك وتدل على تبعيته للمـوساد والتي أذكر منها الآتي:
تغيير لقبه من الجولاني إلى الشرع.
صمته المشكوك فيه أمام التوغل الإسرائيلي.
تركه للقواعد العسكرية التي لا يستطيع سلاح جو العدوّ تدميرها دون حراسة لتقتحمها قوات الاحتلال وتدمّـرها بسلاسة والتي منها قواعد ألوية الصواريخ 155 و156 و157 و158.
تركه مروحيات الاحتلال تعبر الحدود السورية بعد سقوط نظام الأسد لتدمّـر منشآت الصواريخ الاستراتيجية تحت الأرض.
صمته عن سلسلة الاغتيالات للعـلماء.
تصريحه الأخير الذي قال فيه: “لن ندخل في صراع مع إسرائيل” أَو “لسنا بصدد دخول صراع جديد مع إسرائيل”.
والمؤشر الأخير وهو الأخطر والذي يفضي إلى مصادرة سلاح الشعب السوري ليبقى شعباً أعزل بلا سلاح كما فعلت بريطانيا سابقًا مع الشعب الفلسطيني بذريعة أن تبقى كُـلّ الأسلحة تحت سيطرة وزارة الدفاع فقط.
هذا ما استحضرته من المؤشرات، وهنالك من يمتلك المزيد من المؤشرات والأدلة التي تدفع الجميع على الشك والتساؤل.