كيف يفهم الغربيون تعدد الفرق الأسلامية واختلافاتها؟ كتاب يجيب
تاريخ النشر: 1st, November 2024 GMT
الكتاب: "الفرق في الإسلام: مدخل إلى دراسة الدين الإسلامي"
الكاتب: هنري لاوست
ترجمة: راضي علوش
الناشر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ـ الدوحة 2024
يعتبر المستشرق الفرنسي هنري لاوست (Henri Laoust) أحد أبرز المؤرخين الغربيين المتخصصين في الدراسات الإسلامية، وخصوصاً في العقائد والفرق الإسلامية. ولد لاوست في عام 1905 وتوفي في عام 1983، وقد عرف بأعماله التي تناولت الفِرق الإسلامية، مثل الشيعة، والمعتزلة، والإباضية، بالإضافة إلى دراسات حول الشخصيات الإسلامية البارزة مثل ابن تيمية.
ويعد كتاب "الفرق الإسلامية: مدخل إلى دراسة الدين الإسلامي"، الصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ضمن سلسلة "ترجمان" من أبرز مؤلفات لاوست، وهو دراسة تحليلية معمّقة للفرق الإسلامية المتنوعة ونشأتها وتطورها عبر التاريخ. في هذا الكتاب، استعرض لاوست الظروف التاريخية والاجتماعية التي أدت إلى ظهور الفرق مثل الخوارج، والشيعة، والمعتزلة، والأشاعرة، والمرجئة، وغيرها. اعتمد في دراسته على النصوص الإسلامية الأصلية وكذلك على أعمال مؤرخين مسلمين قدامى.
يتميز الكتاب بأسلوبه الأكاديمي التحليلي، إذ يحرص لاوست على عرض الأفكار والنقاشات بين الفرق بشكل حيادي، مع التركيز على الدوافع الفكرية واللاهوتية التي قادت إلى نشوء هذه الفرق. يسعى من خلال ذلك إلى توضيح مدى تنوع الفكر الإسلامي وثرائه، كما أنه يكشف عن كيفية تطور المدارس الفكرية الإسلامية بمرور الوقت.
إن ما يجمع المسلمين ما إن يتمّ الدخول في الإسلام شيء واحد فحسب؛ هو النطق بالشهادتين. أما بعد دخوله، ففي الأمر سعةٌ؛ لتعددية مذهلة تُنتج فرقًا وشِيَعًا ومذاهب ومدارس تتصارع فكريًّا وعقليًّا واجتهاديًّا،مساهمات لاوست في دراسة الفرق الإسلامية جاءت كجزء من مساعيه لفهم أعمق للثقافة الإسلامية وأصولها الفكرية. وقد كان كتابه "الفرق الإسلامية" مرجعًا هامًا للباحثين في تاريخ الأديان وعلم اللاهوت الإسلامي، حيث يعتبر من المراجع الأساسية التي تلقي الضوء على التنوع داخل الإسلام من منظور علمي بعيدًا عن الأحكام المسبقة.
لقد ساهم كتابه هذا، إلى جانب أعماله الأخرى، في تزويد الغرب بمعلومات دقيقة عن الفكر الإسلامي، وأصبح جزءًا من المناهج الدراسية في الجامعات الغربية التي تعنى بالدراسات الإسلامية.
وقد قدم المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات تعريفا موجزا بالكتاب نورد هنا جزءا منه.
مستشرق يقرِّب الغرب من الإسلام
ألَّف لاوست كتابه الفرق في الإسلام: مدخل إلى دراسة الدين الإسلاميLes schismes dans l'Islam: Introduction à une étude de la religion musulmane بطلب من دار "بايّو" للنشر Payot، التي أصدرت منه بالفرنسية طبعتين (الأولى عام 1965، والثانية عام 1983)، لكنه لم يستجب لذلك إلّا بعد تردّد وإحجام مبعثهما ـ كما يقول ـ أنّ الأمر مشروعٌ فائق الجرأة، وعندما قرر خوضه "بالأمانة تجاه نفسي" كما يقول في مقدمة كتابه، وجّهه إلى الطلاب الغربيين عمومًا والفرنسيين خصوصًا، لما يفتقرون إليه من مؤلفات تعمّق معرفتهم بالدين الإسلامي؛ وذلك انطلاقًا من إيمانه بمسؤولية الأوروبيين الأخلاقية عن إرساء علاقات تفاهم متبادل مع العالم الثالث "الجار" والدين الأهم فيه، كما أراد له أن يكون مؤلَّفًا يقدّم تعريفًا متكاملًا للدين الإسلامي في تحقُّقِه التاريخي المتمثلِ في الفرق والطوائف الإسلامية المختلفة، وفهْمِ كلٍّ منها للإسلام في سياق زمانها، مع الإشارة إلى أنّ في هذا الفهم ما هو مشترك بين الطوائف جميعها، وفيه ما يميز بعضها من بعضها الآخر تمييزًا قد يتسع أو يضيق، وهو ما سماه "تعددية في إطار الوحدة".
منهج لاوست في كتاب "الفرق"
قسّم لاوست كتابه بحسب نهجين: الأول طولي تاريخي، من الزمان الأقدم إلى ما يليه، ابتداءً من عهد الصحابة وانتهاءً بالعصر الحديث. والثاني أفقي جغرافي، وفيه يرصد فِرَقَ الزمن الواحد وأماكنها المتنوعة (من الهند إلى المغرب)، ويسجل اختلافها وأهم أعلامِها ومقولاتِها وآرائِها بإيجاز غير مخلٍّ. وقد نأى بنفسه عن جعل أي طائفة معيارًا لتاريخ الفرق الأخرى، فكان يسرد المقولات الزمانية والمكانية لكل فرقة، وعلاقاتها بالفرق الأخرى، ويعرّف كل منها بما تخالف به غيرها، مركّزًا جهده على الفرق الكلامية الكبرى، ثم الفرق ذات العلاقة بالفلسفة والتصوف.
إنّ كتاب الفرق بمنزلة عرضٍ تاريخي بانورامي، أشبه بخريطة ذهنية شاملة لسيرورة المدارس الكلامية والفلسفية والصوفية في الإسلام، من دون التعمق في تحليل أقاويل أي فرقة على نحو تفصيلي، بل إنّ المؤلف يذكر ما يرى أنه الأهم من أقوالها في ظل الأوضاع السياسية التي عاشتها، رابطًا الأشخاص بالأفكار والأحداث بطريقة مميّزة من شأنها أن تسهّل البحث للدارسين؛ طلابًا مبتدئين كانوا، أم قرّاءً مهتمين، أم علماء متخصصين، فهو لم يَدَع ـ وإن تجنب الإفاضة في كلامه ـ الإشارات واللفتات التحليلية العابرة.
كتاب "تلخيص الفرق": ما له وما عليه
يؤاخذ كتاب الفرق في الإسلام بمحدودية مراجعه، واستقائه من مراجع وسيطة وعامة بدلًا من المصادر المتعلّقة بالموضوع البحثيّ مباشرة؛ مثل إحالته على دائرة المعارف الإسلاميةEncyclopédie de l'Islâm، ومدخل إلى تاريخ الشرق الإسلاميIntroduction à l'histoire de l'Orient Musulman لكلود كاهين Claude Cahen، والفلسفة واللاهوت الإسلاميان Islamic Philosophy and Theology لمونتغومري وات W. Montgomery Watt، وتاريخ الفلسفة الإسلاميةHistory of Islamic Philosophy لهنري كوربان Henry Corbin، ومدخلإلىالشريعةالإسلامية An Introduction to Islamic Law لجوزف شاخت Joseph Schacht. وكلها، كما هو واضح، ليست مصادر في الفرق الإسلامية، بل في الفلسفة والتاريخ، وكذا إحالته على الكتب الوسيطة للمؤلف ذاته من دون العودة إلى المصادر الأصلية، مع عدم إغفال المرحلة التي أخرجه فيها؛ فالعديد من من المصادر الأصلية لم تكن محققة ومنشورة في زمان إصدار الكتاب.
ومع هذا، فالكتاب يزخر فوائدَ؛ من حيث العرض التاريخي البانورامي الموجز في آنٍ واحد. ومن فوائده عرض مسائل يمكن أن يتناولها القارئ بتعمق إذا رغب في ذلك، وهو نوع من الكتابات ما زلنا نحتاج إلى التمكن منه بعقول وأيدٍ ونظرات عربية، بدلًا من البحث النصوصي المحض، والمتحيز في كثير من الأحيان.
فحوى الكتاب والهدف من تأليفه
إن ما يجمع المسلمين ما إن يتمّ الدخول في الإسلام شيء واحد فحسب؛ هو النطق بالشهادتين. أما بعد دخوله، ففي الأمر سعةٌ؛ لتعددية مذهلة تُنتج فرقًا وشِيَعًا ومذاهب ومدارس تتصارع فكريًّا وعقليًّا واجتهاديًّا، على الرغم من أنها تتبادل الاتهامات الغليظة أحيانًا. لقد زالت فرق إسلامية كثيرة عبر الزمن، لكنّ بعضها حتى أيامنا هذه بحيوية لافتة وتصميم راسخ على الديمومة والاستمرار، مع التسلّح بما ورثته عن سلفها من مخزون إيماني وأفكار واعتقادي. فكيف السبيل إلى توضيح الملابسات الدينية والتاريخية في هذه الظاهرة؟ أيكون في الانطلاق من مذهب معيّن للحكم على بقية المذاهب، بمعنى جَعْلِه "أرثوذكسية" تكون هي مصدر الحكم، أم في الانكباب على معرفةِ أعمق تفتقر إلى المستندات والوثائق؟
لئن كانت حقبة الخلافتَين الراشدة والأموية مهمة في ولادة الانشقاقات الأولى وتشكُّل البناء التركيبي للإسلام نفسه، فقد فتحت أدبيات العصر العباسي باب الانشقاقات الإسلامية وكرّست بقاءَها واستمرارها على مختلف الصُّعُد المذهبية العقدية؛ مع الشيعة وكتّاب الحقبة البويهية (الشيخ المفيد، وأبو جعفر الطوسي، وغيرهما)، ومع السنّة (أبو حامد الغزالي، وفخر الدين الرازي)، ومع التصوف (الجنيد، وأبو طالب المكي، وابن عربي)، ومع المعتزلة (القاضي عبد الجبار، وابن أبي الحديد).لقد ظهرت جميع الفرق والمذاهب والمدارس خلال تاريخ طويل مشحون بالأحداث السياسية أو الاجتماعية: السنّة، والخوارج، والشيعة، والمعتزلة، والفلاسفة، والمتصوفة، وغيرها. ومن خلال اتّباع ترتيب زمني، هدف الكتاب إلى إبراز العلاقات المتبادلة بين هذه الحركات التي عارض بعضُها بعضها الآخر، على الرغم من انتمائها كلّها إلى المنظومة الدينية ذاتها. ولئن كانت حقبة الخلافتَين الراشدة والأموية مهمة في ولادة الانشقاقات الأولى وتشكُّل البناء التركيبي للإسلام نفسه، فقد فتحت أدبيات العصر العباسي باب الانشقاقات الإسلامية وكرّست بقاءَها واستمرارها على مختلف الصُّعُد المذهبية العقدية؛ مع الشيعة وكتّاب الحقبة البويهية (الشيخ المفيد، وأبو جعفر الطوسي، وغيرهما)، ومع السنّة (أبو حامد الغزالي، وفخر الدين الرازي)، ومع التصوف (الجنيد، وأبو طالب المكي، وابن عربي)، ومع المعتزلة (القاضي عبد الجبار، وابن أبي الحديد).
يستبعد الكتاب طريقة البحث هذه ويركّز على الخلافة الراشدة من خلال إبراز عصر ازدهار عقائدي مكثف ارتبط لاحقًا بالهلينية في زمن الأمويين وطلائع العباسيين، ويتتبَّع ذلك منذ ترسيخ مذهب السنّة في زمن المتوكل، إلى ما أحدثته الحملة الفرنسية من أثر نهضوي غربي، وولادة كتّاب ومؤلفين من الطراز الأول في العصر المملوكي. أما التاريخ العثماني، فهو في نظر المؤلّف لا يزال يثقل عالمنا الحاضر بشدة، على الرغم من أنه لم يُدرَس جيّدًا، ثمّ إنّ النهضة الشيعية الأهمّ، التي ربط الصفويون اسمَهم بها، متعلّقة على نحو وثيق بدراسة الوقائع المعاصرة. وأخيرًا، شهد القرن التاسع عشر أشكالًا من الإصلاح الديني والتحديث أثّرَا ـ ولا يزالان يؤثّران ـ في المجتمعات الإسلامية.
يختتم المؤلّف مقدمة كتابه بإبداء رأيه المتمثّل في أنّ الإسلام دين لن يستنفد رسالته تحت أي ظروف ورغم أيّ صعوبات، ويرى أنه من المهم أن يسارع الناس إلى التعرّف إلى ما ينقله إلى أتباعه من تراث وعادات وتقاليد وتطلعات.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب الكتاب عرض قطر كتاب عرض نشر كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الفرق الإسلامیة الدین الإسلامی الإسلامیة ا فی الإسلام السن ة
إقرأ أيضاً:
أين يجب أن يتحسن مبابي؟ أنشيلوتي يجيب
حذر كارلو أنشيلوتي المدرب الإيطالي لريال مدريد الإسباني منافسي بطل "الليغا" ودوري أبطال أوروبا لكرة القدم من أن فترة تأقلم النجم الفرنسي كيليان مبابي مع نادي العاصمة قد انتهت الآن.
وقدم قائد المنتخب الفرنسي أداء متذبذبا مع ريال منذ انتقاله إليه الصيف الماضي قادما من باريس سان جرمان، لكنه أظهر رغم ذلك لمحات من السحر الذي جعله أحد أفضل اللاعبين في العالم.
وسجل مبابي 13 هدفا في 23 مباراة خاضها بألوان ريال في جميع المسابقات، وتوقع أنشيلوتي المزيد من الأهداف في المستقبل.
وقال أنشيلوتي في مؤتمر صحافي "أعتقد أن فترة التأقلم قد انتهت، لقد أظهر نسخة جيدة من نفسه، ولا يزال بإمكانه التحسن، لكنه كان جيدا في المباريات الأخيرة وتجاوز الإصابة الطفيفة التي تعرض لها".
وأضاف المدرب الإيطالي عن النجم الفرنسي ابن 26 عاما "إنه الآن أكثر تحفزا وحماسة وهو سعيد بوجوده هنا. لقد مر بفترة تأقلم، وهذا شيء طبيعي يحتاجه أي لاعب، لكنها انتهت".
وبعد عودته من إصابة في الفخذ، سجل مبابي في فوز ريال على باتشوكا المكسيكي 3-0 منتصف الأسبوع في نهائي كأس القارات للأندية (إنتركونتننتال) في دوحة قطر.
وواجه مبابي هذا الموسم مشاكل خارج الملعب، إلى جانب معاناته في إيجاد المكان الملائم له بين النجوم الآخرين في ريال، لاسيما البرازيلي فينيسيوس جونيور والإنجليزي جود بيلينغهام.
مبابي عانى هذا الموسم في إيجاد المكان الملائم له بين النجوم الآخرين في ريال (الفرنسية) توقعات أنشيلوتيوتساءل أنشيلوتي "أين يجب أن يتحسن مبابي؟" مجيبا "فقط في الثبات (من ناحية المستوى). عليه أن يحاول القيام بالتحركات التي لا يستطيع أحد غيره القيام بها، بقدر الإمكان".
إعلانوأضاف "لا أطلب منه أن يشارك كثيرا في بناء الهجمات، وذلك بسبب خصائصه.." بل "أن ينهي الكرة في المرمى بعد أن يتحرر (من الرقابة)".
ويتصدر برشلونة الترتيب بفارق الأهداف عن أتلتيكو مدريد قبل الموقعة المرتقبة بينهما اليوم السبت، بينما يحتل ريال المركز الثالث بفارق نقطة قبل أن يستضيف إشبيلية غدا على ملعب "سانتياغو برنابيو".
وتوقع أنشيلوتي أن يستمر السباق على اللقب حتى نهاية الموسم، قائلا "سيكون دوريا تنافسيا أكثر بكثير من المواسم الأخيرة. أتلتيكو لديه كل ما هو بحاجة إليه للقتال من أجله وسيفعل ذلك. سيكون سباق اللقب مثيرا جدا ويمكن أن يُحسم (التتويج) بأقل من 90 نقطة".