حكم الصلاة على النبي عند ذكر اسمه في الصلاة
تاريخ النشر: 14th, August 2023 GMT
قالت دار الإفتاء المصرية، إن الأصل المقرر أن الصلاة لا يصلح فيها إلا ما كان من جنسها؛ كالذكر والدعاء وقراءة القرآن الكريم؛ وذلك لما ورد عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله سلم أنه قال: «إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ» رواه مسلم.
أضافت دار الإفتاء، أنه يُشْرَعُ فيها من الدعاء ما يجوز للإنسان أن يدعو به خارجها؛ قال الإمام بدر الدين العيني في "عمدة القاري شرح صحيح البخاري": [قال الشافعي ومالك: يجوز أن يدعو فيها بكل ما يجوز الدعاء به في خارج الصلاة من أمور الدنيا والدين، مما يشبه كلام الناس، ولا تبطل صلاته بشيء من ذلك عندهما].
وتابعت: وممَّا لا يخفى أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله سلم دعاءٌ جليلٌ، ومن جلالته عدَّه العلماء من أفضل أنواع العبادات؛ فقد نقل الإمام القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" قول سهل بن عبد الله: [الصلاة على محمد صلى الله عليه وآله وسلم أفضل العبادات؛ لأن الله تعالى تولاها هو وملائكته، ثم أمر بها المؤمنين، وسائر العبادات ليس كذلك] اهـ، فهي دعاء جائزٌ في الصلاة على وجه العموم.
حكم الصلاة على النبي عليه السلام عند ذكر اسمه في الصلاة
أما الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم عند ذكر اسمه الشريف في الصلاة؛ فقد ذهب الشافعية إلى استحبابه، ويستوي في ذلك مَن كان ذاكرًا للاسم الكريم أو سامعًا له.
جاء في "حاشية الشرواني على تحفة المحتاج في شرح المنهاج": [لو قرأ المصلي آية فيها اسم محمد صلى الله عليه وآله وسلم نُدِبَ له الصلاة عليه في الأقرب بالضمير، كـ: صلَّى الله عليه وآله وسلم، لا اللهم صلِّ على محمد.. والظاهر أنه لا فرق بين أن يَقْرَأَ، أو يسمع].
وجاء في "حاشية قليوبي على شرح جلال الدين المحلي على المنهاج": [(تنبيه) قد علم أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم تكون ركنًا تارة كالتشهد الأخير، وبعضًا تارة كالأول، وسنة تارة عند سماع ذكره، ومكروهةً تارة كتقديمها على محلها، فإذا أتى بها في غير محلها فيتجه أنه لا يسجد إلا أن يقصد بها أحد الأولين فراجعه].
وقد نص بعض الشافعية على تحديد الصيغة التي يُصَلَّى عليه بها عند سماع أو ذكر اسمه الكريم صلى الله عليه وآله وسلم؛ قال العلامة أحمد بن قاسم العبادي الشافعي في "حاشيته على الغرر البهية": [لو قرأ المصلي آية فيها اسم محمد صلى الله عليه وآله وسلم نُدِبَ له الصلاة عليه في الأقرب بالضمير؛ كـ: صلَّى الله عليه وآله وسلم، لا بالظاهر نحو: اللهم صل على محمد؛ للاختلاف في بطلان الصلاة بركن قولي؛ أي: بنقله].
ولم يرَ السادةُ المالكيةُ بأسًا في الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم إذا ذُكر اسمه الكريم في الصلاة، بل نصوا على مشروعيتها، وقال الإمام الحطاب المالكي في "مواهب الجليل": [(فرعٌ) قال في "المسائل الملقوطة": إذا مرَّ ذِكْر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قراءة الإمام، فلا بأس للمأموم أن يصلي عليه].
الأدلة على مشروعية الصلاة على النبي عليه السلام أثناء الصلاةيدل على مشروعية الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم عند ذكر اسمه أو سماعه في الصلاة أيضًا -عمومُ ما رُوي عن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «البخيلُ مَن ذُكِرْتُ عِندَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ» رواه الترمذي في "السنن"، والحاكم في "المستدرك على الصحيحين" وصحَّحاه، والمراد: من ذُكر عنده اسمه صلى الله عليه وآله وسلم.
قال الصنعاني في "التَّنوير شرح الجامع الصغير": [(مَن ذُكرتُ عنده)، أي: ذكر اسمي عنده، قال في "الإتحاف": وكذا ذِكر كنيته وصفته وما يتعلق به من معجزاته]، والحديث مطلق غير مقيدٍ بوقت أو حالٍ؛ فيدل على أنها جائزة حينما يُذكر سواءٌ في الصلاة أو في غيرها.
والمقرر في علم الأصول أن الأمر المطلق يقتضي العموم البدلي في الأشخاص والأحوال والأزمنة والأمكنة. ينظر: "البحر المحيط في أصول الفقه" للزركشي، و"الأشباه والنظائر" لابن السبكي)؛ فإذا شرع الله تعالى أمرًا على جهة العموم أو الإطلاق فإنه يؤخذ على عمومه وسعته ولا يصح تخصيصه ولا تقييده بوجه دون وجه إلا بدليل، وإلا كان ذلك بابًا من أبواب الابتداع في الدين بتضييق ما وسَّعَه الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ممَّا يدلّ على جواز الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم عند ذكر اسمه الـعظيم في الصلاة.
ويُضاف إلى ذلك ما جاء في الآثار من أن الإنسان إذا كان في الصلاة، وقرأ أو سمع اسم سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم فإنه يصلي عليه؛ ومن هذه الآثار ما جاء في "المصنف" لابن أبي شيبة عن هشام، عن الحسن، قال: "إِذَا قَالَ الرَّجُلُ فِي الصَّلَاةِ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ﴾ [الأحزاب: 56] فَلْيُصَلِّ عَلَيْهِ"، وجاء فيه أيضًا عن المغيرة قال: "قلت لإبراهيم: أَسْمَعُ الرجل وأنا أصلي يقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ﴾ [الأحزاب: 56] أؤصلِّي عليه؟ قال: نعم إن شئت".
توجيه رأي الحنفية في هذه المسألة
لا يَرِد على ما قررناه ما جاء في نصوص الحنفية من فساد الصلاة إذا رد المأموم إذا سمع اسم الله تعالى فقال: جلَّ جلاله، أو النبي صلى الله عليه وآله وسلم فصلى عليه؛ حيث قال الإمام الحصكفي الحنفي في "الدر المختار" (1/ 621، ط. دار الفكر، ومعه "حاشية ابن عابدين"): [(فروع) سمع اسم الله تعالى فقال: جلَّ جلاله، أو النبي صلى الله عليه وآله وسلم فصلى عليه، أو قراءة الإمام؛ فقال: صدق الله ورسوله، تفسد إن قصد جوابه] ، لأنه محمولٌ على قصد الجواب، أما قصد التعظيم فلا يُؤثر في صحة الصلاة؛ لأنه لا ينافي أعمال الصلاة.
وهو ما قرره العلامة ابن عابدين الحنفي بقوله في "رد المحتار على الدر المختار": [(قوله: تفسد إن قصد جوابه) ذكر في "البحر" أنه لو قال مثل ما قال المؤذن، إن أراد جوابه تفسد، وكذا لو لم تكن له نية؛ لأن الظاهر أنه أراد به الإجابة، وكذلك إذا سمع اسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم فصلى عليه فهذا إجابة اهـ. ويُشْكِل على هذا كله ما مرَّ من التفصيل فيمن سمع العاطس فقال: الحمد لله. تأمل، واستفيد أنه لو لم يقصد الجواب بل قصد الثناء والتعظيم لا تفسد؛ لأن نفس تعظيم الله تعالى، والصلاة على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم لا ينافي الصلاة] اهـ؛ ومعلوم أن الذي يصلي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند ذكر أو سماع اسمه إنما يقصد تعظيمه صلى الله عليه وآله وسلم.
مراعاة عدم الجهر بالصلاة على النبي عليه السلام أثناء الصلاة
ينبغي لمن يصلي عليه صلى الله عليه وآله وسلم في الصلاة ألَّا يجهر بها، بحيث لا يُشَوِّشُ على غيره.
قال الإمام الباجي في "المنتقى شرح الموطأ": [والصلاة عليه من الأذكار التي لا تنافي بالصلاة، بل هي مشروعة فيها، وقد قال ابن حبيب: إذا سمع المأموم ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الصلاة والخطبة فصلى عليه أنه لا بأس بذلك، ولا يجهر به ولا يكثر منه، ومعنى قوله: "ولا يجهر به"؛ لئلا يخلط على الناس، ومعنى قوله: "ولا يكثر"؛ لئلا يشتغل بذلك عن صلاته].
وقال الإمام ابن أبي زيد القيرواني في "النَّوادر والزِّيادات": [قال: وإذا سمع المأموم ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أو ذِكْرَ الجنة والنار في الصَّلَاة، أو في الخطبة، فصلى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، واستعاذ من النار وسأل الجنة، فلا بأس بذلك، وليخَفِّف ذلك، ولا يُكْثر منه، قاله مالك].
الخلاصة
أوضحت الإفتاء، أنه بناءً على ذلك: فالصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند ذِكْر اسمه في الصلاة أمرٌ مشروع لا يؤثر في صحة الصلاة، بل هو مستحبٌّ كما نص على ذلك الشافعية، لكن ينبغي مراعاة التوسط والاعتدال في ذلك حتى لا يؤدي إلى التشويش على غيره.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: دار الافتاء الصلاة قراءة القرآن الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم الصلاة على النبی الله تعالى قال الإمام فی الصلاة ر اسمه ى علیه أنه لا ی علیه جاء فی
إقرأ أيضاً:
صلاة التراويح في رمضان.. اعرف أحكامها وعدد ركعاتها
في خلافة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أمر بأن يُجمع الناس على إمام واحد في صلاة التراويح، مؤكدًا على أن هذه الخطوة كانت من "نعمة البدعة" التي تعود على الأمة بالنفع.
وتبدأ صلاة التراويح في أول ليلة من ليالي شهر رمضان، بعد أن تعلن دار الإفتاء المصرية، بعد غروب شمس يوم التاسع والعشرين من شعبان، رؤية هلال شهر رمضان، ويثبت أن اليوم التالي هو شهر رمضان، فتصلي في نفس يوم الرؤية عقب صلاة العشاء.
وتعتبر صلاة التراويح سنة مؤكدة، وعدد ركعات التراويح هو عشرون ركعةً مِن غير الوتر، وثلاث وعشرون ركعة بالوتر، وهذا ما عليه معتمَد المذاهب الفقهية الأربعة المتبوعة؛ فمن تركها فقد حُرِم أجرًا عظيمًا، ومَن زاد عليها فلا حرج عليه، ومَن نقص عنها فلا حرج عليه، إلا أن ذلك يُعَدُّ قيامَ ليلٍ، وليس سنةَ التراويح.
مع أمْرِ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بها والحث على المواظبة عليها امتنع من صلاتها في المسجد جماعةً؛ خشية أن تفرض عليهم وتأكيدًا على عدم اشتراط صلاتها في المسجد؛ إشفاقًا عليهم ورأفة بهم.
صلاة التراويح في المنزل أم المسجد؟وأكد الدكتور شوقي علام، مفتي الديار المصرية السابق، أن صلاة التراويح هي صلاة قيام الليل في شهر رمضان المبارك، وهي سنة مؤكدة تُؤدى بعد صلاة العشاء، مشيرا إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرغب في قيام رمضان دون أن يُلزم الناس بذلك، بل كان يُرغبهم فيه بالترغيب، حيث قال: "من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه"، مؤكدًا أن هذه الصلاة تحمل أجرًا عظيمًا وتغفر الذنوب.
وأشار مفتي الديار المصرية السابق، خلال فتوى له، إلى أنه في خلافة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أمر بأن يُجمع الناس على إمام واحد لصلاة التراويح، مؤكدًا على أن هذه الخطوة كانت من "نعمة البدعة" التي تعود على الأمة بالنفع.
وأضاف أن الصلاة في الجماعة في المسجد أفضل، حيث أنها تعين المسلم على المواظبة عليها وتزيد من أجرها، وأن أداء صلاة التراويح في المنزل جائز أيضًا، ولا حرج في ذلك، مشيرًا إلى أن مذهب المالكية يُندب للإنسان أن يصلي في بيته إذا كان ذلك لا يؤدي إلى تعطيل المساجد من أداء الصلاة، والصلاة في المسجد تبقى الأفضل عمومًا، إذ تعود على المسلم بثمرات عظيمة.
الذكر في صلاة التراويحويظن بعض الناس أن الصلاة على النبي والذكر بين ركعات صلاة التراويح من مكروهات التراويح ومن البدع التي لم ترد عن النبي، ولذلك أجابت دار الإفتاء المصرية، عن سؤال ورد إليها عبر موقعها الرسمي مضمونة:"ما حكم الصلاة على النبي والذكر قبل إقامة صلاة العشاء وبين ركعات التراويح؟ فقد اعتاد الناس في بعض المساجد في شهر رمضان المُعظَّم قبل صلاة العشاء أن يُصَلوا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالصيغة الشافعية: اللهم صل أفضل صلاة على أسعد مخلوقاتك سيدنا محمد.. إلى آخرها، ثم يقيموا صلاة العشاء، وبعد صلاة سنة العشاء يقوم أحدهم مناديًا: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، صلاةَ القيام أثابكم الله، ثم يصلون ثماني ركعات، بين كل ركعتين يصلون على النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرة واحدة، فاعترض أحد المصلين على ذلك بحجة أنها بدعة يجب تركها. فما حكم الشرع في ذلك؟".
لترد دار الإفتاء موضحة: أن أمر الله تعالى بالصلاة والسلام على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فقال سبحانه: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56]، ومن المقرر شرعًا أن أمر الذكر والدعاء على السعة؛ لأنَّ الأمر المطلق يستلزم عموم الأشخاص والأحوال والأزمنة والأمكنة؛ فإذا شرع الله تعالى أمرًا على جهة الإطلاق وكان يحتمل في فعله وكيفية أدائه أكثر من وجه، فإنه يؤخذ على إطلاقه وسعته ولا يصح تقييده بوجه دون وجه إلا بدليل، وإلا كان ذلك بابًا من الابتداع في الدين بتضييق ما وسَّعَه الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
وكذلك الحال في الذكر قبل صلاة التراويح وأثناءها وبعدها؛ فإنه مشروع بالأدلة الشرعية العامة، فقد ورد الأمر الرباني بالذكر عقب الصلاة مطلقًا في قوله تعالى: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ﴾ [النساء: 103]، والمطلق يُؤخَذ على إطلاقه حتى يأتي ما يقيّده في الشرع، وقد ورد في السنة ما يدل على الجهر بالذكر عقب الصلاة؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: "كُنْتُ أَعْلَمُ إِذَا انْصَرَفُوا بِذَلِكَ إِذَا سَمِعْتُهُ" متفق عليه.