موقع 24:
2025-02-04@17:11:18 GMT

عسكرة الدبلوماسية الإسرائيلية

تاريخ النشر: 1st, November 2024 GMT

عسكرة الدبلوماسية الإسرائيلية

للسياسي الفرنسي المعروف جورج كليمنصو مقولة شهيرة وهي (إن الحرب أمر جلل لا يجب أن يترك للعسكر فقط)، وقد أثبتت العديد من وقائع التاريخ صحة هذه المقولة، فقرارات الحرب والسلام يجب أن يشارك فيها الدبلوماسيون لتجنب الحرب وفرض السلام قدر الإمكان، وهذا لا يعني تجاهل آراء ومقترحات العسكر بل يجب أن تؤخذ في الحسبان عندما تعجز الدبلوماسية عن إيجاد الحلول لتجنب قرار الحرب، كونها الوسيلة الوحيدة لدعم الاستقرار وبسط سيطرة الدولة على أراضيها.

الحروب عادة لا تحل الصراعات والمشكلات من جذورها، بل تمنح الطرف المنتصر بعض المزايا لفترة من الوقت حتى يتمكّن الطرف المنهزم من إعادة ترتيب أوراقه ومعاودة الهجوم مرة أخرى، ويظل الأمر هكذا بين كر وفر قد يستمر لعقود طويلة، فما أن يفوز طرف حتى يسعى الطرف الآخر لمعاودة القتال، وخلال هذه الرحلة يفقد كلا الطرفين الكثير من مواردهما المالية والبشرية ويكاد يتساوى كل منهما سواء عند النصر أو الهزيمة، وتظل المشكلة قائمة بلا حل جذري ومعرِّضة فترات الهدنة المؤقتة للانفجار مرة أخرى. 
غير أن الدبلوماسية أمر مختلف تماماً، فالحلول الدبلوماسية ترتكز على مواجهة المشكلة والبحث في جذورها والتوصل لحل عميق لكافة جوانبها، وهو ما يعني مخاطبة جميع الأطراف المعنية ومناقشة متطلباتهم ثم التوصل لتسوية ترضي جميع الأطراف؛ حيث يحصل كافة الأطراف المنخرطين في الصراع على مزايا متقاربة، كما يقدّم كل منهم تنازلات متساوية، وبالتالي يتم -من خلال عقد عدة جولات تفاوضية هادفة- الحصول على حلول مستدامة ونهائية تضمن عدم خوض أي صراع أو حروب مستقبلية، فالتفاوض يسعى لتجنب الحرب في المستقبل خاصة إذا كان كلا الطرفين جاداً في رغبته في إنهاء النزاع، والدبلوماسية يجب ألا تضغط على طرف لصالح طرف آخر، بحيث تبقي أحدهما مضطرباً محتقناً على أهبة الاستعداد لتوفر اللحظة المواتية للانقضاض على الطرف الآخر، وبالتالي تستديم حالة الاضطراب المحفوفة بالخطر طيلة الوقت وتخيم على شعوب كلا طرفي النزاع.
من الملاحظ أن إسرائيل منذ نشأتها وحتى يومنا هذا لا تعتمد مفهوم الدبلوماسية مع العرب، فهي لا تنتهج سوى نهج عسكرة السياسة، ولا تؤمن إلا بلغة القوة كلغة حوار مع جيرانها، كما أنها لا تؤمن إلا بمنطق التفوق العسكري ولا تعتقد أنه بإمكانها التواجد بسلمية وسط محيطها العربي دون أن تتفوق عليهم عسكرياً، ومن المؤسف أن تكون هذه الأفكار الصراعية أيضاً أفكار بعض الدول العظمى؛ فبعض الدبلوماسيين في الدول الغربية يؤمنون بأن التفاوض يأتي بعد شعور الطرف الضعيف بالملل والانكسار، وهذا المبدأ تتبعه إسرائيل خلال مفاوضاتها مع الفلسطينيين حتى تستطيع أن تحصل منهم على أكبر قدر ممكن من التنازلات.
لا شك أن هذه السياسة التعسفية تدل على سطحية قادة إسرائيل وتبرهن على افتقاد زعمائهم لأبسط قواعد الفهم السياسي والحكمة المطلوبة لدى الساسة لقيادة أي دولة، ولو نظر قادة إسرائيل للمأزق السياسي الذي تعاني منه إسرائيل منذ نشأتها فسيجدون أن دولتهم منذ تأسيسها وهي في حالة حرب مستمرة مع الدول العربية؛ فهي تخوض أنواعاً مختلفة من الصراعات العسكرية، بعضها داخلي مع الفلسطينيين وبعضها خارجي مع جيرانها، ولا شك أن أول من عانى من تلك السياسة الرعناء هو الشعب الإسرائيلي، والذي وجد نفسه منخرطاً في صراعات هنا وهناك دون ظهور أية بوادر للسلام، فدوي صفارات الإنذار وهلع جموع الشعب وحالات الطعن والدهس والقتل تمثل أرقاً دائماً للشعب الإسرائيلي، غير أنها نتيجة مباشرة لممارسات زعمائه المتطرفين التواقين للحرب، فإسرائيل لا تفكر إلا بلغة العسكر، وهم المسيطرون على سياسة إسرائيل الخارجية البعيدة عن دبلوماسية الحوار.
لا شك أن قادة إسرائيل لا يتمتعون بأية فطنة سياسية من أي نوع، فلو كانوا يمتلكون أقل القليل منها لأدركوا أن سياسة القوة والتهديد لا يمكن أن تؤتي ثمارها أبداً على المدى الطويل، فالعرب لم ولن يتنازلوا أبداً عن حقوقهم المشروعة، وأن القتل المستمر والممنهج للفلسطينيين لا يعني موت القضية، فسيولد جيل جديد يحمل القضية في قلبه وفي أعماقه، فالقضية لن تموت أبداً، وقادة إسرائيل المتطرفين لا يرون من البحر سوى سطحه، لذا فإن الدموية المفرطة وعدم مناقشة القضايا الخلافية بالجدية الكافية سيجعل المنطقة مسرحاً للصراع لعقود وربما لقرون قادمة حتى يعود الحق لأصحابه. 

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله السنوار الانتخابات الأمريكية غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية عام على حرب غزة

إقرأ أيضاً:

حسام زكى: اليمين المتطرف فى إسرائيل الأقل مرونة تجاه القضية الفلسطينية

قال السفير حسام زكى الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، أن اليمين المتطرف فى إسرائيل هو الأكثر تشددا فى النواحى الدينية والأقل مرونة تجاه القضية الفلسطينية. 

أضاف حسام زكى، خلال حواره مع برنامج "على مسئوليتى"، المذاع عبر قناة "صدى البلد"، تقديم الإعلامى أحمد موسى،المواطن الإسرائيلي لم يعد يقبل بـ 22% من الأراضي للشعب الفلسطيني، رغم موافقة الفلسطينين على الأمر.

حسام زكى: التعافي من آثار الحرب غزة يحتاج بين 3 و5 سنواتحسام زكى: ترامب "رجل صفقات"سياسية وليس صاحب رؤيةحسام زكي: موقف مصر والأردن أغلق الباب أمام ملف تهجير الفلسطينيينحسام زكي: الموقف العربى صلب ومتوافق ضد تهجير أهل غزة إقامة دولة فلسطينية 

أوضح حسام زكى، إلى أن هناك دول قليلة لا ترغب في إقامة دولة فلسطينية بينما الأغلبية من دول ترغب في التوصل إلى إقامة دولة فلسطينية وحل الدولتين.

أنه حال لم تقتنع إسرائيل بإن إقامة دولة فلسطينية ضرورة لإحلال السلام فإن الحرب الأخيرة على غزة لن تكون آخر مواجهة.

مقالات مشابهة

  • روسيا تدعم إسرائيل في وجه التعديات الإسرائيلية
  • المعارضة الإسرائيلية: وقف إطلاق النار لن يسقط حكومة نتانياهو
  • الأمم المتحدة: قلقون من استخدام إسرائيل لـ تكتيك الحرب القاتلة في الضفة
  • محلل سياسي: العملية الإسرائيلية بالضفة الغربية تأتي في وضع أمني معقد لتل أبيب
  • الاتحاد الأوروبي: الصين هى الطرف المستفاد من الحرب التجارية بين أمريكا وأوروبا
  • أكثر من 61 ألف شهيد.. الإعلام الحكومي بغزة يكشف أرقاما  لخسائر حرب الإبادة الإسرائيلية
  • هل تذهب تركيا إلى الحرب مع إسرائيل من أجل سوريا؟
  • باحث في الشؤون الإسرائيلية: الولايات المتحدة غطت العجز الاقتصادي لتل أبيب
  • حسام زكى: اليمين المتطرف فى إسرائيل الأقل مرونة تجاه القضية الفلسطينية
  • جيش المليشيات.. كتاب صادم لضابط إسرائيلي يفضح آلة الحرب الإسرائيلية