إصرار على مفاوضات في الدوحة بلا أفق سياسي
تاريخ النشر: 1st, November 2024 GMT
لا تزال الولايات المتحدة تصر على عدم وقف المفاوضات بشأن صفقة الأسرى بين إسرائيل وحركة حماس، وكلما تعثرت جولة في القاهرة أو الدوحة أو أي عاصمة أوروبية، سعت إلى استئنافها، في خضم حرب يصمم رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتانياهو على مواصلتها حتى آخر فلسطيني في القطاع. فالجولة التي عقدت في قطر قبل أيام لم تتوفر لها مقومات النجاح ولم تختلف في هيكليتها عن سابقاتها.
تؤكد هذه المعلومة التي جرى تسريبها عمداً أن الولايات المتحدة تريد تحقيق إنجاز رمزي يساعد المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس في الانتخابات المقبلة، ويتم تسويقه باعتباره نجاحاً لإدارة الرئيس جو بايدن التي عملت لأكثر من عام على وقف إطلاق النار في غزة بلا جدوى، لأنها تواطأت في أوقات كثيرة مع نتانياهو لإنجاز مهمته، ولم تكن وساطتها فاعلة بالشكل المطلوب الذي يفضي إلى نتيجة. لكنها تشعر الآن أن هذا التقاعس أو الفشل له مردودات سلبية على المرشحة هاريس، بعد أن تيقنت واشنطن أن نتانياهو يسعى إلى تأجيل أي صفقة لما بعد الانتخابات الأمريكية، دعماً لحليفه المرشح الجمهوري دونالد ترامب.
لم تخفق مفاوضات الدوحة في تحقيق تقدم فقط، بل عززت تواضع ما تريد إسرائيل التفاوض حوله، وقلة حيلة حركة حماس، التي جعلتها تقبل التفاوض على أي صفقة محدودة، بل وضعت الأولى سقفاً مرتفعاً لمطالبها في وقت سابق. وما يكشف الأوزان على الأرض أن نتانياهو لم يكتفِ بهدم غزة وتشريد سكانها وتدمير البنية العسكرية لحماس، بل تحلل من قيود وضغوط أهالي الأسرى والمعارضة، ولا توجد مواقف دولية تحضه على تعديل سلوكه، وحوّل الأنظار نحو جبهة لبنان، التي باتت غزة بجوارها شيئاً هامشياً، مع أن آلة الحرب الجهنمية لم تتوقف يوماً في القطاع.
أنقذ اشتعال جبهة لبنان نتانياهو من الحديث عن مفاوضات جادة حول ما يجري في غزة، وأرسل وفده للدوحة أخيراً وهو يعلم صعوبة الخروج بنتيجة ملموسة، لكن وفقاً لسياسته أراد الإيحاء بأنه يتجاوب مع نداء التسوية بلا تسوية، خاصة أن الزمان والمكان والحرب وكل شيء تقريباً، يلعب لصالحه. فلماذا ينخرط في عملية سياسية وهو يضع سيفه على رقبة حماس؟
يجب أن تدرك الحركة خطورة التطورات المتلاحقة التي تقف ضدها، وتعمل على تغيير خطتها التفاوضية، عبر مشاركة السلطة الفلسطينية وفصائل أخرى لتنفي فكرة تمسكها بالاستحواذ على القطاع وتمسكها بفرض هيمنتها الشاملة، وهو أحد المرامي المركزية التي أدت إلى استمرار الحرب حتى الآن.
الميزة التي قدمتها مفاوضات الدوحة أنها وضعت غزة في الضوء مرة أخرى، بعد أن انصب الاهتمام على إيران وجنوب لبنان وحزب الله. وإن لم تحقق تقدماً، فقد أكدت ضرورة وضع حد للمأساة المتواصلة في القطاع، وهذه قد تنقطع مع تزايد الزخم حول لبنان وفيه، مع وصول المبعوث الأمريكي عاموس هوكشتين للمنطقة الخميس، والذي يحمل في حقيبته معالم مبادرة لوقف الحرب، أو على الأقل تهدئتها، وهو ما ستكشفه الساعات المقبلة، لأن الحديث عن خطة بدا متسارعاً أخيراً، من دون خداع بإمكانية تطبيقها.
ويكمن الخوف في تحولها إلى عملية سياسية أخرى بلا جدوى، تسعى إلى تجميل وجه إسرائيل ومنحها براحاً من الوقت لترتيب أوضاعها عسكرياً وسياسياً، وفي الوقت نفسه تستطيع الإدارة الأمريكية التي تلملم أوراقها حالياً أن تروّج لفكرة انخراطها في محاولات وقف إطلاق النار، على المنوال الذي عملت به على جبهة غزة.
تعلم العديد من الأطراف الإقليمية والدولية المتداخلة في جهود التسوية على الجبهتين (غزة ولبنان) أن الأفق السياسي لهما ليس إيجابياً، وكل الضجيج الذي يدور بشأنهما تقف خلفه أهداف متباينة، أبرزها محاولة منع حدوث انفجار كبير في المنطقة، وجعل الحرب محصورة في نطاق هاتين الجبهتين.
لكن هذه المهمة غير مضمونة، لأن نتانياهو أعلن أكثر من مرة رغبته في إعادة رسم خارطة المنطقة بالشكل الذي يحقق أهدافه الإستراتيجية، ولأن الإدارة الأمريكية أصبحت بطة عرجاء فعلاً، ولا تستطيع تحريك أيّ من الملفات المهمة خطوة إلى الأمام. ناهيك عن أن التوقف عند هذه المرحلة يعني أن إيران لم تفقد كل أذرعها الإقليمية، ويمكنها إحياء دورها لاحقاً، وهو ما تدركه إسرائيل التي تعتقد أن الصيد الثمين تكبيل طهران، أو تحجيمها بصورة تساعدها على عدم قيامها بإزعاجها في المستقبل.
لم تتشكل الملامح النهائية للموقف على جبهتي غزة ولبنان بَعْدُ، ما يشير إلى أخذ وردّ، ومدّ وجزر، وحرب ومفاوضات. فالأفق السياسي العام دخل منطقة رمادية، يصعب معه توقع المآلات، ولا يوجد من يدعم الحرب على طول الخط ومن يعمل على وقفها دائماً. فالحسابات المتغيرة، والتقديرات الغائمة، والتحالفات الخفية، تجعل من مسألة الرهان على خيار محدد عملية عصية، فكلما أنجزت إسرائيل خطوة طالبت بخطوات أخرى أشد قسوة.
كما أن فترة الانتخابات الأمريكية، إلى حين تسلم الإدارة الجديدة مهام عملها في يناير المقبل، يمكن التعامل معها على أنها مرحلة ركود، وغالباً سوف تستمر الأوضاع على حالها، ما يمنح نتانياهو فسحة من الوقت لاستكمال أغراضه، والتفاخر بعدم وجود من يلجمه أو يردعه. فحماس أُنهكت تماماً، وحزب الله ضعفت قوته، وإيران لن تكون بعيدة عن دخول بيت الطاعة الأمريكي للحفاظ على مصالحها.
ولذلك من راهنوا على أفق سياسي في الدوحة كانوا يعلمون صعوبته، ورهانهم الحقيقي انصب على الخوف من مغبة الجمود في غزة، لأن عدم وجود آلية للمفاوضات يساعد على خلق سيناريوهات أشد قتامة.
وتعلم قطر أن هناك مرحلة لحسابها آتية لا محالة بسبب علاقتها الوطيدة مع حماس، وما لم تفتح الدوحة خطوطها مع إسرائيل والولايات المتحدة بالطريقة التي تخفف من وطأة المحاسبة المنتظرة، سوف تتعرض لضغوط كبيرة، ما جعلها تسعى إلى عدم غلق نافذتها السياسية، وتبذل جهوداً لتبقى عرّابة في الحلقات الضيقة، استعداداً لمرحلة حتما سوف تتغير فيها المعطيات التي بزغ فيها دورها كجهة وسيطة وربما راعية للحركات الإسلامية خلال الفترة الماضية، وتريد حجز مكان لها في المقاعد الأمامية بدلاً من الجلوس في المقاعد الخلفية أو خارج المسرح برمته.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله السنوار الانتخابات الأمريكية غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية عام على حرب غزة
إقرأ أيضاً:
الدوحة: تقدم بالمفاوضات حول غزة والجهود متواصلة بشأن صفقة في لبنان
الثورة نت/..
أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية ماجد الأنصاري اليوم الثلاثاء، أنّ الجهود والاتصالات مستمرة بشأن صفقة في لبنان.. قائلاً في إشارة إلى المشاورات الأخيرة بشأن غزة التي شهدتها الدوحة: إنّ تقدماً أُحرز خلال المفاوضات، لكنه أكد أنه “لا يمكن الحديث عن محتوى ما جرى، والاتصالات ما زالت جارية”.
وخلال إفادة صحفية دورية، أكد الأنصار أن قطر تؤيد الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار وعودة النازحين إلى منازلهم، وأنّ الاتصالات والاجتماعات مستمرة في الدوحة والقاهرة.. متمنياً أن تسفر هذه المفاوضات “عن اختراق”.
وأضاف: “منذ بداية التصعيد في غزة نحاول منع حرب إقليمية ونحن على اتصال مع جميع دول المنطقة بهدف تخفيف التوتر (…) ما يجري سببه عجز المجتمع الدولي عن وقف المجازر والتجويع المستمر في غزة والتدمير في لبنان”.. مشدداً على أنّ دولة قطر لن تتوانى عن القيام بدورها لإنهاء الحرب في غزة ولبنان رغم التحديات.
كما أكد المتحدث القطري، الحاجة إلى خفض التصعيد في المنطقة.. قائلاً: إنّ الأمور مرتبطة ببعضها.
وأضاف: “نحن في الوساطة القطرية لا نحكم على المسار التفاوضي من خلال التصريحات الصحفية، بل من المواقف داخل قاعات التفاوض وليس من خلال وسائل الإعلام”.
ودان الأنصاري تواصل المجازر الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، والجرائم التي ترتكبها “إسرائيل” في لبنان.ز داعياً إلى تطبيق معايير الحرب الدائرة في أوكرانيا على الحرب التي تجري في قطاع غزة ولبنان.
وقال إنّ المواقف القطرية كانت دائماً إدانة كل عدوان وإدانة جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان.
وفيما يتعلق بقرار الكنيست الإسرائيلي، مساء الاثنين، بحظر عمر وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة (أونروا) داخل الأراضي المحتلة، قال الأنصاري: إنه “لا يمكن للمجتمع الدولي أن يقف صامتاً أمام الإجراءات الصهيونية، ومنها حظر أونروا والوكالة موجودة ونطالب بدعم دورها”. مضيفاً: “سنواصل العمل مع الإدارة الأمريكية الحالية والمقبلة في جهود الوساطة للوصول إلى حل”.