قانون الجرائم الإلكترونية في الأردن.. معضلة التوازن بين السلم الأهلي والحريات
تاريخ النشر: 1st, November 2024 GMT
"أداة للتعسف" و"معول هدم لأي تطلع لبناء الديمقراطية"، بهذه الكلمات يصف أمين عام حزب الوحدة الشعبية الديمقراطي الأردني، سعيد ذياب، قانون الجرائم الإلكترونية الذي أصبح نافذا أواخر العام 2023.
القانون الذي قوبل بانتقادات عديدة محلية ودولية، يؤكد ذياب في منشور له عبر حسابه في فيسبوك بأن إقراره "اقترن بتمادي السلطة التنفيذية بتنفيذ سياستها القمعية".
ونوه إلى أن العشرات من الأردنيين يقبعون في السجون بسبب هذا القانون، ومن بينهم الكاتب أحمد حسن الزعبي، والصحفية هبة أبو طه، وفي الفترة الأخيرة تم توقيف الرسام خليل غيث، والناشط ثائر مالك وغيرهم من الأشخاص.
قانون الجرائم الإلكترونية معول هدم. لاي تطلع للديمقراطية . بات في حكم المؤكد ان قانون الجرائم الإلكترونية ليس الا معول...
Posted by د.سعيد ذياب on Monday, October 28, 2024وفي مارس الماضي، لفت تقرير نشرته مجلة "ناشونال إنترست" إلى أن الحكومة الأردنية استندت إلى هذا القانون "التقييدي" لاعتقال مواطنين بسبب منشورات على شبكات التواصل الاجتماعي يعبر فيها البعض عن مشاعر مؤيدة للفلسطينيين، وينتقدون علاقة عمان بالحكومة الإسرائيلية.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي الأردني، مالك العثامنة، لموقع "الحرة" إن "تراكم المعتقلين ليس في صالح الدولة الأردنية خصوصا المعتقلين بسبب آرائهم، لأن هذا يغذي بالمقابل فكرة تحدي الدولة وسلطاتها بشكل أكبر ويسيء لسمعة الدولة ومؤسساتها".
ويؤكد أن الحل ليس "دائما ليس في تشريعات تقيد حرية التعبير بقدر ما نحتاج لتشريعات وقوانين تعيد تأهيل بنية الإعلام والمنظومة الإعلامية بكاملها، لتكون هي القناة التي يتلقى منها المتلقي المعلومات والحقائق، وهذا يتطلب إعادة بناء الثقة فيها وتعزيز مصداقيتها".
"جدلية التوازن"العين السابق وأستاذ القانون، طلال الشرفات، يرى في القانون "ضرورة للجم الأخطاء التي مست حالة السلم الأهلي، والاستقرار الاجتماعي في المملكة".
وقال في حديث لموقع "الحرة" أن بعض العقوبات "قاسية، ولكنها ضرورية"، إذ "نجح في الحد من التعرض لخصوصيات الناس وأعراضهم".
وأكد الشرفات أن "حرية التعبير مصانة، ولكن أي انحراف قد يواجه عقوبة"، وهو ما ساهم في "عقلنة الآراء السياسية ضمن المحددات القانونية".
وكانت 14 منظمة وجهة حقوقية على رأسها "آكسس ناو" و"هيومن رايتس ووتش" انتقدت في بيان في يوليو من 2023 القانون الذي "يهدد" الحقوق الرقمية وحرية التعبير وحق الوصول للمعلومات، وفق قولها.
الكاتب العثامنة بدوره يشرح الأزمة الحاصلة بسبب هذا القانون حيث "جدلية التوازن بين تحقيق العامل الأمني المستقر ويقابلها الحريات الشخصية وحرية التعبير".
وقال "في الأردن تلك الجدلية موجودة وحاضرة بقوة، خصوصا مع محيط غير مستقر وداخل أردني قلق ومقلق للجميع".
وأضاف العثامنة أن "وسائل التواصل الاجتماعي حالة فوضى في الأردن، كما قد يقول الجانب الرسمي والمؤيد له، ومن خلال تلك الوسائل يمكن النفاذ من ثغرات كثيرة لترويج إشاعات أو معلومات مضللة أو تحريضية في أجواء ساخنة أصلا".
لكن في المقابل، يقول العثامنة إن "البعض يجادل بأن الشفافية في المعلومات قد تكسر تغول التضليل في وسائل التواصل الاجتماعي"، لافتا إلى "هذا يتطلب بنية إعلامية رسمية وأهلية صحية ومتعافية لا تخاف من الحقيقة وتحمل المسؤولية في تقديم المعلومة الصحيحة".
ولا يرى الخبير القانوني الشرفات بأن "القانون يساهم في لجم حرية التعبير، أو استخدامه في ملاحقة المواطنين".
وشدد أن المملكة تتعامل مع "مبدأ سيادة القانون"، وأن من يشكو من القانون ربما "تريد حالة الانفلات الاجتماعي، والتي ربما تقوض منظومة السلم الأهلي".
وكان أمين عام حزب الوحدة الأردني، ذياب قد قال في منشوره "لا لقانون الجرائم الإلكترونية.. نعم لحرية التعبير".
قوانين الجرائم الإلكترونيةالخبير الأردني في قوانين الإعلام، يحيى شقير، يشرح أن هناك حوالي 137 قانونا للجرائم الإلكترونية في العالم، 13 منها في دول عربية.
ويقول في حديث لموقع "الحرة" إن القواسم المشتركة في هذه القوانين لتجريم أفعال يستخدم فيها ذوي الميول الجرمية التكنولوجيا لارتكاب جرائم كالابتزاز والاحتيال والتهديد للحصول على أموال وهذه مقبولة ومن ضمنها القانون الأردني.
ويضيف أن "قوانين الدول غير الديمقراطية ومنها القانون الأردني تنفرد بتجريم أفعال تقع تحت حرية الرأي والتعبير السياسي وفرضت على المخالفين عقوبات مغلظة بالحبس وغرامات فلكية بهدف حماية المسؤولين الحكوميين".
وأضاف أنه "بعد سنة من إقرار قانون الجرائم الإلكترونية الأردني يقبع في السجون عدد من الصحفيين والحزبيين والنشطاء ومنهم نساء بسبب آرائهم في القضايا العامة والأخطر أن القانون يتيح التوقيف (الحبس الاحتياطي) في هذه القضايا قبل صدور قرار قضائي من المحاكم".
ويقول شقير أن "القانون يتيح للحكومة التعسف في استخدامه لوجود مصطلحات فضفاضة في مثل نشر الأخبار الكاذبة والزائفة واغتيال الشخصية وازدراء الأديان بدون وجود تعريفات واضحة لها بما يتيح التوسع في تفسير الأفعال الجرمية وعدم تعيين دائرتي الإباحة والتجريم بشكل دقيق".
وزاد أن "هناك بعض النشطاء أغلقوا حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي بعد إقرار القانون أو قللوا من منشوراتهم بسبب زيادة الرقابة الذاتية عندهم والخوف من عدم القدرة على التنبؤ بنتيجة آرائهم. كل ذلك أتاح للنخبة الحاكمة السيطرة على الحوار العام وتقليل الرقابة الشعبية على السلطة".
وقال الخبير القانوني شقير إنه "مع بقاء القانون بمجملة مع إجراء تعديلات جوهرية على المواد 15 و16 و17 و21 منه والمتعلقة بحرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة ومنع التوقيف قبل صدور قرار قطعي من المحكمة".
ويعاقب القانون الجديد في المادة 15 منه "كل من قام قصدا بإرسال أو إعادة إرسال أو نشر بيانات أو معلومات عن طريق الشبكة المعلوماتية.. تنطوي على أخبار كاذبة أو ذمّ أو قدح أو تحقير أي شخص بالحبس مدة لا تقلّ عن ثلاثة أشهر وغرامة لا تقل عن عشرين ألف دينار ولا تزيد على 40 ألف دينار".
وحُددت "الأخبار الكاذبة" التي تستوجب العقوبة بتلك "التي تؤثر على السلم المجتمعي والأمن الوطني"، وخُفضت الغرامة لتصبح "لا تقل عن 5 آلاف دينار ولا تزيد على 20 ألف دينار".
ولا تحتاج الملاحقة في هذه الجرائم إلى تقديم شكوى، إذا كانت موجهة إلى سلطات الدولة أو هيئات رسمية أو موظف عام أثناء قيامه بوظيفته.
وتجرم المادة 16 "اغتيال الشخصية" معنويا بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات وبدفع غرامة من 25 ألف دينار (35 ألف دولار) ويمكن أن تصل إلى 50 ألف دينار (70 ألف دولار).
وانتقد متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، في يوليو من 2023، القانون الذي "يمكن بتعريفاته ومفاهيمه الغامضة أن يقوض جهود الإصلاح الاقتصادي والسياسي في الأردن".
وأضاف أنه "يقلل من الحيز المدني المتاح أمام عمل الصحافيين والمدونين وغيرهم من أفراد المجتمع المدني في الأردن".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: قانون الجرائم الإلکترونیة التواصل الاجتماعی حریة التعبیر ألف دینار فی الأردن
إقرأ أيضاً:
معضلة «اليوم التالي»
أعاد استئناف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة قضية «اليوم التالي» للحرب، إلى الواجهة، بكل ما فيها من تعقيدات ورؤى متضاربة ما بين عدم وجود رؤية إسرائيلية واضحة ومحددة، وتمسك السلطة الفلسطينية بحكم غزة ومقترح ترامب لإقامة «ريفييرا شرق أوسطية» وخطة مصرية تبنتها أخيراً القمة العربية في القاهرة لإعادة الإعمار بوجود الفلسطينيين على أرضهم، وهو الأمر الذي يشكل معضلة حقيقية لإنهاء الصراع.
وكي لا نبتعد كثيراً، فإن الحرب الإسرائيلية الدائرة الآن في غزة ولدت من رحم الرفض الإسرائيلي للانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق يناير/كانون الثاني الماضي لوقف إطلاق النار، وهي المرحلة التي كان يفترض أن يجري التفاوض فيها حول إنهاء الحرب وبحث قضية «اليوم التالي».
وكما هو معروف، فقد سعى نتنياهو، منذ اللحظة الأولى، لإفشال الاتفاق الذي وافق عليه مكرهاً بسبب الضغوط الأمريكية، وأنه انتظر اللحظة المناسبة للعودة إلى خيار الحرب، مباشرة بعدما تعثر مقترح المبعوث الأمريكي ويتكوف. ومع أن استئناف الحرب جاء تحت عنوان ممارسة الضغط العسكري لإطلاق سراح بقية الرهائن المحتجزين، إلا أن هناك من الإسرائيليين وبينهم عائلات الرهائن أنفسهم من يشكك في نوايا نتنياهو، وما إذا كان يهتم أصلاً بإطلاق سراح هؤلاء الذين يجازف الآن بحياة من تبقى منهم أحياء.
ما تشهده إسرائيل اليوم من انقسام مجتمعي، وخلافات حادة بين السياسيين والعسكريين، ومن تظاهرات حاشدة ضد استئناف الحرب على غزة وضد إقالة رئيس «الشاباك»، ومحاولات الإطاحة بالمستشارة القانونية للحكومة، يشي بأن الأمر أكبر من قضية الرهائن، وأن هناك أجندات أخرى وراء إعادة إشعال الحرب في غزة.
الكثير من الإسرائيليين يعتقدون أن نتنياهو يواصل الهروب إلى الأمام جراء الأزمات المتلاحقة التي يواجهها، إن على صعيد قضايا الفساد، أو التحقيقات في هجوم 7 أكتوبر والخشية من تفكك ائتلافه الحكومي وفقدانه السلطة، أو الهروب من استحقاق «اليوم التالي». ويرون أن حديثه عن استكمال أهداف الحرب وتحقيق «النصر المطلق» مغلفاً بإطلاق الرهائن والقضاء على الفصائل الفلسطينية ليس أكثر من ذريعة لإدامة بقائه في السلطة.
لكن ذلك كله يضعه في مواجهة مع حقيقة أنه لا يملك تصوراً إسرائيلياً ل«اليوم التالي»، والتي ظل يرفضها منذ اليوم الأول لاندلاع الحرب. ولن يفيده بشيء تكرار رفضه لحكم غزة من قبل «حماس» والسلطة الفلسطينية معاً، أو تشبثه أخيراً بمقترح ترامب لتهجير سكان القطاع، رغم التراجع الأمريكي عنه، بل هناك ما يتردد عن موافقة أمريكية مبدئية على الخطة العربية لإعادة إعمار القطاع بدون تهجير سكانه.
أما إذا كان «اليوم التالي» بالنسبة لنتنياهو هو إعادة احتلال القطاع والاستيطان فيه إرضاء لليمين المتطرف، فمن المرجح أنه سيقود المنطقة إلى حالة من الفوضي وعدم الاستقرار، ناهيك عن أن جيشه سيكون مجبراً على خوض حرب استنزاف طويلة ومكلفة لإسرائيل، ولا أحد يمكنه التكهن بنتائجها منذ الآن.