الوجه المضيء للبشاعة
تاريخ النشر: 14th, August 2023 GMT
الوجه المضيء للبشاعة
ناهد محمد الحسن
أوقات الأزمات الشديدة التي تهدد بإنهيار الإنسان و الأشياء، و حين يبدو القاع قريبا جدا، تلوح فرصة كبيرة جدا للتغيير، لأن الازمة من شأنها زعزعة الاستقرار خصوصا ذلك الاستقرار الشبيه بالاستكانة و الاستسلام، الأشياء التي كان الشخص يغض عنها الطرف، أو ينكر خطورتها لكي لا يضطر للمواجهة او هي مواجهة مؤجلة كان يأمل الا يأتي زمانها.
عقب الثورات الكبيرة ، و الحروب، يدخل الناس في فترة توهان قيمي، قد يلجأون للغيب و الخرافة لتطمين مخاوفهم وقد يبدأون في الشك في كل شيء، و ربما يغرقون في الحنين إلى الماضي هربا من الحاضر. و لكن نحن موجودون الان و نحدق في المستقبل بقوة، تعلمنا كثيرا من هذا الخراب و من لحظات انكسارنا و انتصاراتنا، و ان كنا فقراء و نبدو ضعفاء الا اننا مسلحون بخبرة قل إن تتوفر لشعب بهذه الكثافة، عرفنا شيئا عن أهمية التنوع الثقافي و ثراءه، عن الدين، و سهولة التلاعب به من أجل السلطة، عن الرجال السودانيين و النساء السودانيات، ليس فقط الذين انجبونا، و لا أنفسنا فحسب و لكن ايضا أولادنا و بناتنا، الذين كنا نظن انهم ينتمون لثقافة أخرى و بعيدون عنا يحلقون في عوالم بعيدة، رأيناهم، شجاعتهم، اعتناقهم للحرية، و عنادهم الذي لطالما أغضبنا، كيف صار عاصفة و وعي في وجه تجار الدين و لوردات الحروب، و الانتهازيين، و المرتشين، و العسكر، العسكر الذين يحلم كل واحد منهم بحكمنا و التسلط على رقابنا، الذين لم يطلقوا رصاصة واحدة في وجه العدو أو من أجل الوطن ، كانت رصاصاتهم دائما في صدورنا نحن، و الحدود مستباحة للطائرات في الوقت الذي ظلت فيه لعقود ميزانية الدولة تستكثر على التعليم و الصحة و توفر لشركات الجيش و الدفاع، و لا توظف لتطوير الجيش أو لخدمات المنتسبين اليه و لكن تذهب لشركات الاستثمار في السلع الغذائية و تطير لبنوك تركيا و ماليزيا، و حين احتاجت البلاد للحماية، يطالب المدنيين بحمل السلاح للدفاع عن أنفسهم و حراسة ممتلكاتهم و التخلص من المليشيات المتمردة! هذا الشعب كان وحيدا يسند نفسه لعقود، في العلاج و الصحة ، يرتكز على ارثه الافريقي في التضامن و الايثار، ذلك الإرث الذي اكتشفنا في ساحة الاعتصام ان سنوات الإنقاذ العجاف لم تنال منه ، انبعث نابضا بالحياة، لكن عملية البعث هذه تم بترها قبل أن تكتمل، بمجزرة القيادة، و اتبعتها الحرب التي أطلقت الغرائز البشرية في ظل الجوع و التهديد بفقدان الحياة، نعيش الهلع و الطمع و صدمة الحرب ، و سنكتشف سويا في مقبل الايام من نحن؟ ما القيم التي تعبر عنا، و ماهي القيم التي سنعتنقها و نتمثلها في حياتنا؟ هل سنقبل الهزيمة ؟ ام سنتسلح بكل ما فهمناه و اختبرناه و نكمل مشروع ثورتنا إلى نهاياته؟
سوق دقلو:
يقال ان الإمام ابو حنيفة امتنع عن أكل اللحم حين سمع بأن هنالك بهيمة مسروقة في الحي، خشية ان يأكل اللحم الحرام! هنالك مواقف قد تبدو صغيرة و تخص الشخص، لكنها في جوهرها كبيرة و تخص المجتمع، قد لا نستطيع أن نحمي بيوتنا من السرقة و ليس لدينا قانون يحمينا من السرقة، لكن يمكننا أن نوقف السرقة حين لا نتعاطى مع السارق، و نهجر سوقه!
عن السلاح:
حين اختار السودانيون الثورة السلمية، لم يكن هذا عجز أو قلة حيلة ، هنالك كثير من السودانيين اختاروا مرغمين حمل السلاح لتحقيق العدالة، لكن كل من حمل و يحمل السلاح يدرك ان السلاح له كلفة واجبة الدفع. هو أداة تحملها في البداية و تتحكم فيها لكنها سرعان ما تحملك هي و تتحكم فيك، و مع أول دم يراق، لن تعود انت ذات الشخص ، و لن تعود للحياة ذات القيمة. حين مد فيدل كاسترو قبعته ليجمع تبرعات الكوبيين اللاجئين من أجل معركة الحرية، كانت في داخله ثورة كبيرة ضد المستعمر، و قد قادته تلك العاصفة إلى شراء مركب مع ٨١ شخص اخرين بينهم شقيقه راؤول و جيفارا إلى محيط لا يرحم و عدو متربص عند المرسى، تبقى من جيشه الصغير ٣٢ شخص هم الذين حققوا لكوبا حلمها الابدي بالحرية ، و لكن السلاح سرعان ما تحكم بفيدل و اختفى بسرعة رفقاء السلاح الثلاثون ، جيفارا وحيدا في بوليفيا، و محرر هافانا اختفت طائرته و لم تظهر و البقية بين التخوين و السجون. و القصة تتكرر في الحركة الشعبية، في حرب التحرير الاريترية، في صدام و مافعله بالرفاق في حزب البعث، و هكذا، فهل يا ترى لدينا طريق اخر غير النضال الوطني المدني الموحد؟و هل يمكن لكفاح مدني ان يحقق الحرية بدون التضامن التام؟ بعيدا عن ما هو شخصي و ما هو حزبي، هل بمقدورنا ان ننهض من القاع و ننتصر؟
Yes we can
نواصل
الوسومالاستقرار الحرب المواجهة ناهد محمد الحسنالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الاستقرار الحرب المواجهة
إقرأ أيضاً:
ماذا يعني وضع حماس السلاح بالمقلوب خلال تسليم المحتجزين؟ «فيديو»
خلال عملية تسليم المحتجزين الإسرائيليين التي تمت صباح يوم السبت ضمن الدفعة السابعة من المرحلة الأولى من اتفاقية وقف إطلاق النار في قطاع غزة، أثار استعراض حركة حماس الجدل من الرسائل التي بثتها والتي كان منها وضع السلاح بالمقلوب الذي قام به مقاتلو الفصائل الفلسطينية، فماذا يعني هذا؟
ماذا يعني وضع السلاح بالمقلوب؟وبحسب التقاليد العسكرية العالمية، يحمل المقاتلون أسلحتهم بالمقلوب في حالات إعلان نهاية المعركة لصالحهم، ما يمكن تفسيره كرسالة مفادها أن حماس تفرض شروطها وليس العكس.
وعندما يحمل مقاتلون سلاحهم بالمقلوب أثناء مراسم رسمية، فإنهم يرسلون إشارة بأنهم الطرف المسيطر والمتحكم في مجريات الأحداث، وهذه الحالة تعني أن الفصائل في غزة نجحت في فرض معادلة التبادل رغم الضغط الإسرائيلي.
السلاح المنكس ليس مجرد غنيمة. إنه إعلان انهيار لغة القوة الوحيدة التي يتكلم بها الاحتلال.#حماس ترفعه مقلوباً؛لتعلم العالم أن هزيمتهم تبدأ حين تصبح أدوات إرهابهم شهودًا على عجزهم.
كل بندقية مسلبة هي قصيدة كرامة:تحول رصاص الظلم إلى حروف حرية تنقش على جبين الأرض#كتائب_القسام pic.twitter.com/fK5qCLmnyU
ورفع السلاح بالمقلوب خلال تسليم المحتجزين الإسرائيليين أمام العالم قد يكون رسالة نفسية لدولة الاحتلال الإسرائيلي، مفادها أن الفصائل تملي شروطها وتدير العملية من موقع قوة، وليس تحت ضغط عسكري أو استسلامي، وفق ما نشر موقع الدفاع العربي.
وفي بعض السياقات، يُنظر إلى حمل السلاح بالمقلوب كرمز لعدم الحاجة لاستخدام القوة في تلك اللحظة، وكأن المقاتل يقول: «لقد انتهت المعركة بشروطنا»، وهو ما يتماشى مع رؤية الفصائل للصفقة على أنها إنجاز سياسي وعسكري.