ليبيا.. هل ينتصر التوافق الإقليمي؟!
تاريخ النشر: 14th, August 2023 GMT
في الوقت الذي جذبت فيه أحداث الانقلاب في النيجر في منتصف الشهر الماضي أنظار الكثيرين في أفريقيا وخارجها، خاصة في ظل تهديدات المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا (إيكواس) بالتدخل العسكري، فإن التطورات التي شهدتها ليبيا لم تحظ بالاهتمام الكافي ليس فقط بسبب الانقلاب والمخاوف التي قد تترتب عليه بسبب الأوضاع في غرب أفريقيا، ولكن، أيضا، بسبب تعقد الأوضاع على الساحة الليبية ذاتها وتعدد الأطراف التي تحاول تأمين مصالحها الخاصة المتضاربة، وقدرة أكثر من طرف على عرقلة خطوات التقدم، بل وإثارة ما يعود بها إلى الخلف بشكل أو بآخر وقد يفسر ذلك، في جانب منه على الأقل، طبيعة الموقف الحالي في ليبيا وما قد يؤول إليه في الفترة القادمة فيما يتعلق بإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الليبية قبل نهاية العام الحالي كما هو مأمول ومعلن من جانب العديد من الأطراف الليبية، وإن كان كل يوم يمر دون تقدم حقيقي يعزز افتراضية أن تلك التصريحات هي أقرب إلى إبراء الذمة وتسجيل المواقف منه إلى الحديث الجاد الممكن تنفيذه على الأرض من جانب القوى السياسية والاجتماعية والقبلية الليبية.
أولا: إنه على مدى عدة اجتماعات منفصلة بين مجموعة (5+5) العسكرية من ناحية ومجموعة (6+6) بين مجلس النواب وبين المجلس الأعلى للدولة من ناحية ثانية، وكذلك بين رئيس مجلس النواب عقيلة صالح والرئيس السابق للمجلس الأعلى للدولة خالد المشري -الذي تمت الإطاحة به فجأة في أوائل هذا الشهر في انتخابات إعادة تشكيل رئاسة المجلس الأعلى للدولة- وهي ليست مصادفة أبدا، خاصة أن خالد المشري ظل رئيسا للمجلس الأعلى للدولة منذ تشكيله عام 2018 برغم الانتخابات السنوية الدورية لرئاسة المجلس، فإن الجهود التي بذلت من جانب الأطراف الليبية والأطراف الإقليمية الراغبة في المساعدة الصادقة في حل الأزمة الليبية قد نجحت بالفعل في الشهر الماضي في التوافق حول خريطة الطريق الخاصة بوضع الأساس القانوني لانتخابات مجلس النواب ورئيس الدولة وأحال مجلس النواب خريطة الطريق بالفعل إلى لجنة (6+6) المنوط بها وضع القوانين المنظمة للانتخابات القادمة وفقا للتعديل الدستوري 13 وهو ما ستبحثه اللجنة وتتوافق بشأنه ثم تحيله إلى مجلس النواب لبحثه وإقراره تمهيدا للعمل به في حالة الاتفاق.
وإذا كان الوصول إلى خريطة الطريق وإحالتها إلى لجنة (6+6) هو إنجاز كبير بالفعل بحكم تغلبه على خلافات عديدة بين مجلس النواب ومجلس الدولة، إلا أن ذلك لا يضمن السير نحو إجراء الانتخابات قبل نهاية هذا العام ليس فقط بسبب الجدل حول الإطاحة بخالد المشري وربط ذلك بمواقفه المناوئة في الأشهر الأخيرة من رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايته منذ ديسمبر 2021 عبدالحميد الدبيبة، ولكن أيضا بسبب تعديلات بدأ بعض النواب في طرحها على خريطة الطريق، وكان من المفروض أن يتم طرح تلك التعديلات قبل أن تحال خريطة الطريق إلى لجنة (6+6) وليس بعدها، هذا فضلا عن ظهور بوادر خلافات بين المبعوث الدولي لليبيا عبدالله باتيلي وبين لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الليبي، التي وصفت تصريحاته بشأن خريطة الطريق بأنها «مضللة وخبيثة» وكان باتيلي قد صرح بأن خريطة الطريق التي تم التوصل إليها «ليست كافية وحدها لإجراء الانتخابات هذا العام»، وقد طالب مجلس النواب الليبي من المبعوث الدولي بالالتزام بحدود مهمته في ليبيا «وعدم تجاوزها»، ويعيد ذلك نمط الخلافات التي نشأت في السنوات الأخيرة بين مجلس النواب وأكثر من مبعوث دولي عملوا من قبل في ليبيا ولم يكملوا مهمتهم، فهل يكمل باتيلي مهمته أم تصيبه لعنة الخلافات الحادة مع مجلس النواب؟ ويضطر إلى الاستقالة أو إلى الرحيل بشكل ما لتغطية الفشل الداخلي وتحميله مسؤولية لا يمكن أن يتحملها باتيلي بمفردة لأسباب معروفة أيضا.
ثانيا: إن القضية الأخرى التي عرقلت ولا تزال تعرقل التحرك الليبي الفعال نحو إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية أو على الأقل تعميق وتوسيع التوافق نحوها تتمثل في رفض رئيس حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس عبدالحميد الدبيبة ترك السلطة ورفض تسليمها منذ انتهاء مهمات حكومته قانونيا في ديسمبر 2021 إلا بعد الانتخابات القادمة، كما أنه يرفض تشكيل حكومة انتقالية لإجراء الانتخابات ولا يوافق على اقتراح أن تكون هناك فترة انتقالية بزعم أنه لن يسلم السلطة إلا إلى حكومة منتخبة، وأنه سوف يترشح للرئاسة في الانتخابات القادمة، والأكثر من ذلك أنه يتمترس في العاصمة طرابلس معتمدا على الميليشيات المسلحة الموالية له وعلى الحرس الوطني الذي عمل على تشكيله لمنع أية قوات غير موالية له من دخول طرابلس، وكان ذلك سببا في إطاحة مجلس النواب بحكومة باشاغا مؤخرا، ولا يزال الدبيبة متمسكا بهذا الموقف حتى الآن على الأقل وهو ما يعرقل أي تحرك جاد لفتح الطريق أمام إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية قبل نهاية العام كما يأمل الكثيرون ولكن دون جدوى. وعلى الصعيد العملي لا يبدو أن هناك جهود وساطة ليبية داخلية يمكن أن تنجح -حتى الآن على الأقل- في التقريب بين الدبيبة وعقيلة صالح نظرا لما حدث بينهما من خلافات في الفترة الماضية. والنتيجة العملية هي تجمد الوضع في ليبيا رغم ما قد يبدو فيه من حراك ظاهري في الواقع.
ثالثا: إنه مع الوضع في الاعتبار استبعاد اللجوء إلى القوة العسكرية سواء من جانب قوات الفريق خليفة حفتر أو من جانب ميليشيات الدبيبة، لأسباب مختلفة في ضوء ما حدث من قبل، فإن ما يدعم ذلك في الواقع هو التغير الإيجابي في العلاقات المصرية التركية في الأشهر الأخيرة، وهو تغير وإن كان لم يصل بعد إلى ذروته، إلا أنه يطرح نتائج تؤثر إيجابيا على مجمل الأوضاع في ليبيا، خاصة أن الجانبين المصري والتركي أكدا على اتفاقهما على احترام والالتزام بوحدة ليبيا واستقلالها وعلى التعاون فيما بينهما للحفاظ على مصالحها. ومع التأكيد على أهمية هذا الموقف الذي تم التوافق عليه بين القاهرة وأنقرة إلا أنه يشكل في الواقع إطارا واسعا وفضفاضا يضم في نطاقه مجمل القضايا على الساحة الليبية وفي العلاقات الثنائية أيضا وهو ما يفتح المجال أمام مفاوضات طويلة ومعقدة ومتشعبة بين مصر وتركيا خلال الفترة القادمة والأرجح أنها دائرة الآن على مستويات مختلفة وذلك بحكم المصالح التركية والمصرية الكبيرة في ليبيا والتي عملت تركيا بكل السبل من أجل تعميقها وتوسيعها في كل مجالات الحياة والاقتصاد الليبي في السنوات الأخيرة. ومع إدراك أن التقارب المصري التركي سيتواصل في الفترة القادمة، خاصة أن هناك ترحيبا أمريكيا وروسيا أيضا بهذا التقارب من منطلقات مختلفة، فإنه من المهم والضروري أن تتمكن أنقرة والقاهرة من بناء أرضية ترتكز على الثقة المتبادلة والقدرة على التوافق لتحقيق المصالح المشتركة والمتبادلة بينهما وعلى نحو تكون فيه ليبيا بمثابة عنصر التقاء وتقريب بينهما وليست مجال منافسة وتصارع ورغبة في الاستحواذ من جانب طرف على حساب الآخر ومع إدراك صعوبة ذلك إلا أنه ليس مستحيلا خاصة أن مصالح كل من مصر وتركيا وليبيا تحتم ذلك حتى ولو تطلب ذلك بعض الوقت، ومن المأمول أن ينتصر التوافق الإقليمي هذه المرة لصالح كل الأطراف.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الانتخابات الرئاسیة والبرلمانیة بین مجلس النواب الأعلى للدولة خریطة الطریق على الأقل فی لیبیا من جانب إلا أن
إقرأ أيضاً:
كيف دفع تشاك شومر الرئيس الأمريكي «بايدن» للانسحاب من الانتخابات الأمريكية؟
تعد لحظة انسحاب الرئيس الأمريكي جو بايدن من الانتخابات الرئاسية، واحدة من أبرز اللحظات الدرامية في تاريخ الرئيس وحياته السياسية، ويزعم الديمقراطيون أن التأخير في انسحابه كان سببًا في فوز دونالد ترامب بولاية جديدة وخسارة نائبته كامالا هاريس.
لكن، قبل الانسحاب في شهر يوليو الماضي، كانت هناك لحظات وكلمات فارقة، سعى تشاك شومر، زعيم الأقلية في مجلس النواب إلى إخبار «بايدن» بها لإقناعه بالانسحاب، بعد أن اختاره الديمقراطيون لهذه المهمة الحرجة، وهو ما كشفته صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية.
جلس السيناتور تشاك شومر في بهو منزل الرئيس بايدن في ريهوبوث بيتش، متعبًا ومتوترًا، لم يكن قد نام الليلة السابقة، وخلال الرحلة التي استغرقت 4 ساعات بالسيارة من بروكلين إلى ديلاوير، كان يتدرب بصوت عالٍ على ما يخطط لقوله، ويراجع بطاقات الملاحظات بينما كان يستعد لما اعتقد أنه قد يكون الخطاب الأكثر أهمية الذي سيلقيه على الإطلاق، لكن ذلك الخطاب كان أمام شخص واحد فقط، هو جو بايدن.
كان «تشومر» يعتقد أنه لو كان هناك اقتراع سري بين أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين، لقال 5 منهم فقط أن «بايدن» يجب عليه الاستمرار في الترشح، كما قد قدر خبراء استطلاعات الرأي التابعون لـ«بايدن» أن فرصته في الفوز على دونالد ترامب تبلغ نحو 5%، وكان «شومر» سيخبره بهذه المعلومات، التي كانت على ما يبدو بمثابة خبر جديد بالنسبة للرئيس الأمريكي، لكن ماذا في حال جادل «بادين» ورفض نصيحة «شومر».
العواقب ستكون وخيمة.. وإرثك سيكون كارثيًايرى «شومر» أنه في حال جادل «بايدن» سيخبره أن العواقب ستكون وخيمة على الديمقراطيين و«ترامب»، وإرثه بعد نصف قرن من الخدمة العامة سيكون كارثيًا.
وقال «شومر» لـ«بايدن» بعد اللقاء التاريخي بينهما، والذي كان له نتائج واضحة في انسحاب الرئيس الأكبر سنًا في تاريخ الولايات المتحدة: «إذا ترشحت وخسرت أمام ترامب، وخسرنا مجلس الشيوخ، ولم نتمكن من استعادة مجلس النواب، فإن هذا العمل الرائع الجميل الذي دام 50 عامًا سيذهب أدراج الرياح.. ولكن الأسوأ من ذلك أنك ستُسجَّل في التاريخ الأمريكي كواحد من أكثر الشخصيات ظلامًا».
حثه على عدم الترشحواختتم حديثه: «لو كنت مكانك، لما ترشحت، وأنا أحثك على عدم الترشح».
كان اللقاء الذي استغرق نحو 45 دقيقة وجرى في شرفة منزل «بايدن» المُغطاة والمطلة على بركة، أكثر حدة وعاطفية مما كان معروفًا في السابق، وساعد في تفسير كيف تعامل الرئيس الأمريكي مع الأزمة، وبعدها اتخذ «بايدن» قرارًا بعد أكثر من أسبوع بإنهاء حملته.