الثورة نت:
2025-05-01@19:52:31 GMT

فقه السياسة والتغيير والبناء

تاريخ النشر: 1st, November 2024 GMT

فقه السياسة والتغيير والبناء

 

في فقه السياسة المعاصر ليس هناك من فساد يمارس، بل هناك خطوات إجرائية فاسدة، ليس هناك من فساد في الدولة، بل هناك هيكل إداري فاسد ومترهل ولم تجدد وظائفه وأهدافه، عالم اليوم أصبح عالما مكشوفا ومفضوحا، ومن أراد إصلاح الشأن فإصلاح الشأن يرتبط بحركة الواقع ووعيه لأن حركة المجتمع ترتبط بالمعرفة، والمعرفة متسعة الأرجاء والآفاق، فحركة النمو في المجتمع لا تتحقق بالفطرة، ولكنها صناعة تعتمد على المعرفة العلمية للقواعد والأصول العامة في موازين الاقتصاد العامة، ومن لا يحمل مشروعا للحياة، قادر على تحقيق الحد الأدنى من الكرامة للإنسان فهو يحرث في بحر دون أن يعود بسمكة في آخر إبحاره ومطافه .


ومن يرى في نفسه الصلاح والخير دون أن ينظر إلى عموم الخيرية في سواه، بل يقدر سوء النوايا وفناء الخيرية، عليه أن ينظر إلى الأثر في الواقع، فإن كان الواقع يتحرك في مسارات طبيعية وفق المعيار العالمي للنمو فقد أصاب، وإن كان الواقع يتحرك في مسارات عكسية وبسرعة تراجع عالية فعليه أن يدرك أنه قد وقع في الخطأ، وأنه قد فاته العلم والمعرفة، فالقضايا الاجتماعية والثقافية والاقتصادية لا تكون اعتباطا وتسلية بمبررات واهية، قد يكون هذا الأمر مطلوبا في الزمن القديم لكنه في زمن الدولة الوطنية الحديثة هو الضياع والتيه بعينه، فكل تراجع يكون نتيجة لمقدمات، وكل مقدمة خاطئة طريقها الثابت النتائج الخاطئة ومن وقع في الخطأ لا ينفعه الندم ولات حين ندم .
نحن نسير في طريق واضح المعالم بمنهجية قرآنية، وفكرة الرؤية الوطنية لبناء الدولة فكرة عائمة تقوم على النظرية الرياضية الفيثاغورسية بالغة التعقيد وغير واضحة المعالم والأبعاد، ولذلك لم تؤت أكلها على مدى سنوات، لأنها تفتقر إلى الفلسفة، وإلى التسلسل، وإلى الخطوات المنطقية التي تتبعها الخوارزميات في حل القضايا، ولذلك تضع بينها وبين الواقع جبالا من ضبابية الرؤية والتفاعل، وهي غير قابلة للتحقق، وقد قالت الأيام لنا ذلك، وقد أصبح من المستحسن وضع قاعدة فلسفية والبناء عليها، والقاعدة موجودة وهي ذات رؤى واضحة من الهدي القرآني يمكن البناء عليها وفق قيم العصر وتشظياته وأبعاده النفسية والاجتماعية والثقافية مع الوعي بالمستوى الحضاري المعاصر.
ميزة المعتزلة أنها تقدم العقل على النقل، وميزة الزيدية أنها معتزلة، لذلك فالعقل هو الغالب في التفاعلات والتشريعات التي قالت بها الزيدية، والتسليم المطلق للنص عند الأشعرية عمل على تعطيل حركة التاريخ، وجعلها ثابتة دون تمايز للمراحل، والتسليم المطلق هو الضياع، ولذلك تتحدث السيرة النبوية عن قضايا التكامل مع الآخر التي انتهجها الرسول الأكرم فهو لم يستبد برأيه في الحروب التي خاضها ولا في القضايا الاجتماعية ولا السياسية، إذ الثابت أنه كان يطرح القضايا على طاولة النقاش وهو المعصوم، لذلك ففكرة التسليم المطلق تتناقض مع المنطق السليم ومع العقل، فالمرء مهما بلغت به المعرفة يظل في حاجة سواه حتى يكتمل به، ولو عمل العرب على تفعيل خواص التفكير لكانوا اليوم أمة عظيمة لكنهم تركوا غيرهم يفكر بالنيابة عنهم فذلوا وهانو وصغروا ونالهم من الصغار الشيء الكثير، فحالهم حال بائس يتقبلون القضايا من سواهم ككليات دون تحليل ونقاش ويخوضون غمار الأحداث دون وعي أو بصيرة، ويمكن قياس ذلك الحال على واقع السعودية ولنسأل مثلا .. ما الذي جنتيه السعودية من عدوانها على اليمن؟ الجواب: لا شيء، سوى توظيفها لمشاريع أعداء الأمة، وهذي معضلة في حد ذاتها، حين تصبح أداة طيعة بيد عدوك يسخرك فتطلق العنان لتنفيذ مهامه وتنوبه في حروبه معك .
نحن نحارب في جبهة واحدة اليوم تاركين بقية الجبهات وراء ظهرونا ولذلك من المستحيل أن نتوقع النجاح والفلاح، من أراد النجاح أخذ بأسبابه وتكامل في مشروعه، فالقوة لا تعني العتاد والسلاح ولكنها متعددة المعاني والأوجه فهي تعني القوة العسكرية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية فإذا تظافرت وتآزرت القوى تنتصر الأمة وإن لم تتظافر وتتآزر تفشل الأمم ونماذج الأمم من حولنا وفي التاريخ كثر لمن ألقى السمع أو كان بصيرا.
اليوم نحن أمام واقع جديد في اليمن وفي العالم كله، فالذي حدث خلال سوالف الأيام الماضية في المنطقة وخاصة في غزة ولبنان كان تحولا كبيرا في المسارات، وتلك التحولات سوف تترك آثارا عميقة في البناءات وفي مسارات اللحظة والمستقبل، تترك آثارا على اللحظة من خلال ما تتركه من ظلال على النظام العام والطبيعي، وتترك ظلالا على المستقبل من خلال ما تقوم به اللحظة من تأسيس لقضايا ستكون هي ملامح المستقبل، ولذلك فالصناعة تبدأ من اللحظة التي نعيش ونشهد تبدلاتها وتحولاتها العميقة سواء في المسار اليمني أم في المسار العربي والدولي فالمسارات تتكامل وتترك أثرا واضحا على الصناعة وعلى المستقيل .
وأمام مثل ذلك تصبح حاجتنا إلى المعرفة في البناء المتناغم مع الجذر التكويني والمتفاعل مع المتغيرات العصرية أكثر ضرورة وأشد إلحاحاً في ظل ما شهدناه من حالات جدل واسع حول بناء الدولة ولعل فكرة التغيير الجذري اليوم في محك التجربة اليوم فهي تحتاج الرعاية والتشذيب لتصل إلى مبتغاها.

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

السياسة في زمن الرمادة والعته

في زمن الرمادة يصيب القحط كل شيء حتى العقول والألسنة، فتستبدل اللغة الدبلوماسية بلغة جديدة تخرج الكلمات فيها من غير مخرجها الطبيعي. هذه اللغة الجديدة وصفها العرب قديما بأنها "بعرة خرجت من غير مخرجها"، فأحدثت دخانا يحجب الرؤية، ورائحة تزكم الأنوف، فإن كنت جادا في التعرف على هذه اللغة الجديدة فمن فضلك "سد أنفك" واستعد:

اللغة الجديدة اسمها لغة "أولاد الكلب"، والمصطلح الجديد: "أولاد الكلب" هو مفردة من مفردات ثقافة العبث والعته السائدة في مجتمعاتنا، ولكن نظرا لصدوره من مستوى سياسي كبير يحتل "مسمى رئيس" في نظر البعض فإنه قطعا سيسجل في موسوعة "أدب الكلاب" كبراعة اختراع، وسيدون أيضا كمبادرة حرة تدعو إلى السلام ونبذ العنف لدى بعض الأطراف المتصارعة.

- في عالم السياسة دائما يختفي الصدق ويحل محله الكذب.

- وتختفي الصداقات لتحل محلها المصالح.

- وتختفي البراءة وحسن النية ليحل محلها الخبث واللؤم المنمق.

"أولاد الكلب" هو مفردة من مفردات ثقافة العبث والعته السائدة في مجتمعاتنا، ولكن نظرا لصدوره من مستوى سياسي كبير يحتل "مسمى رئيس" في نظر البعض فإنه قطعا سيسجل في موسوعة "أدب الكلاب" كبراعة اختراع، وسيدون أيضا كمبادرة حرة تدعو إلى السلام ونبذ العنف لدى بعض الأطراف المتصارعة
- وتختفي الأحقاد والضغائن لتحل محلها الابتسامات البلاستيكية المصطنعة.

- وتختفي أخوّة الوطن أو أخوة الدين ليحل محلها العناق المتكلف.

- وفي تقاليد وأعراف أولاد الكلب ليس من العار ولا من الجريمة أن تنتقل الإنسانية من صف البشر المكرم إلى صف الوحوش، فهذا تدوير عكسي مستحب ولا بأس به.

يقول خبراء الخيانة والخنوع والذل: إن نظرية "أولاد الكلب" تشكل خلاصة لخبرة أصحابها في عالم السياسة وحنكتهم في عالم الحيوانات المستأنسة والمتوحشة معا.

من أطلق المصطلح وصرح به لم يكن يعبر عن نفسه فقط، وإنما كان مجرد متحدث جريء عن رموز ضالة استطاعوا أن يعقدوا صفقات مع الوحوش وكل حيوانات الغابة؛ يتولون هم بمقتضى تلك الاتفاقيات تدريب الفريسة على استسلام الشجعان حتى تؤكل في سكون وأمان. وضمن مهام أصحاب هذه النظرية الكشف عن كل حر أبي شريف من "أولاد الكلب"، والتحريض عليهم والتعريض بهم وإغراء الأطراف الأخرى بالقضاء عليهم كلما هب هؤلاء بالدفاع عن أهليهم وأرضهم، وكرامة شعوبهم، وحماية أطفالهم، وأعراضهم، ونسائهم.. ليس في غزة وحدها وإنما في عموم الوطن الكبير وربوعه كلها.

يقول الخبراء أيضا: إن نظرية "أولاد الكلب" قناعة جيل جديد من الرموز شديد المكر إلى حد الخبث، لديه حساسية الاستشعار عن بعد ضد كل رجولة وبطولة، فيحدث ضجيجا كلما استشعر في الأمة وعيا أو يقظة، ويطلق مصطلحاته وفق خبرته العبقرية في التحذير عند اكتشاف الرجولة، فيحذر فورا من "أولاد الكلب" الذين يدافعون عن أرضهم وكرامتهم وحياة شعوبهم المسلوبة. ومن ثم يجب أن تكون مواطنا شريفا ومسالما، ولا تقاوم الاحتلال واغتصاب الأرض وحرق البيت والحقل الذي يلغي الوجود ويجلب الجنون والإحباط واليأس، حتى لا تحسب ضمن "أولاد الكلب".

بعض البشر تكاليف الحرية ثقيلة عليهم حتى ليخيل إليك أنهم ولدوا ليكونوا عبيدا، حتى لو وصلوا لقمّة الهرم الاجتماعي مالا وسلطة، فهم دائما يبحثون عن سيد. وهؤلاء عند أصحاب نظرية" أولاد الكلب" هم الأدباء والعقلاء والنبلاء وأهل الذوق الرفيع والمناضلون.

تعبير عن السياسة والعته في زمن الرمادة، وهي تنكيس للفطرة، وتزييف للتاريخ وقلب لكل الحقائق، وذلك كله لا يحرر الأرض، ولا يعلم الجاهل، ولا يطعم الجائع، ولا يفك الحصار عن شعب. والرضا بقلب الحقائق لن يردع الطامع، ولن يحيل سمسار عقارات أو مختل بائع لدينه وأمته إلى حكيم الزمان ولو كان رئيسا لسلطة بائسة أو حتى رئيسا لدولة
وبعض الناس ولدوا أحرارا، فالحرية بالنسبة لهم هي نسيم الوجود وإكسير الحياة، حتى لو بدلوا من سعة الأرض قضبان السجن، فهم يعيشون دائما أحرارا ولو كانت القيود والأغلال في أيديهم وأعناقهم. وهؤلاء هم "أولاد الكلب" عند أصحاب هذه النظرية.

ووفقا لنظرية أولاد الكلب فإن المفاهيم في نظرهم يجب أن تصحح:

- فالقاتل مثلا لا يجب أبدا أن يحاكم.

- والضحية يجب أن يلام.

- ومن العار أن يفلت المقتول من العقاب لمجرد أنه خسر وجوده في تلك الحياة.

والخلاصة:

إذا كانت السياسة في نظر البعض تعني فن الكذب، وتجيد تغليف الشر بغلاف مزركش بحيث يبدو مغريا ومثيرا، فإنها تطورت في أساليب الخداع والتمويه وتجريف العقول فسوغت وسوقت مفهوم الأضداد، فصورت حالات القتل الجماعي بأنها إفراط في القوة، وأطلقت على الثوار الأحرار وطلاب الحرية وصف المتمردين، وصنفت كل مقاومة وطنية شريفة بأنها إرهاب، ووصفت الملتزم بدينه بأنه متشدد، ومن يحافظ على هويته ويلتزم بالحلال في طعامه وشرابه بأنه انعزالي يجب أن يراقب. وظهرت بوضوح في الأزمة الحالية في غزة صورة الخذلان المخزي من كل شعوب العالم الإسلامي.

وهكذا تستعمل المصطلحات المضللة في عكس معناها. وهذا الخداع ليس جديدا، فقد نبه إليه مفكرون كثر، منهم العالم النابه سعيد النورسي حين قال: "لقد وضع الظلم على رأسه قلنسوة العدالة، ولبست الخيانة رداء الحمية، وأطلق على الجهاد اسم البغي، وعلى الأسر اسم الحرية، وهكذا تبادلت الأضداد صورها".

كما عبر عنها المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي بقوله: "مصطلحات السياسة لها معنيان، أحدهما معناها المعجمي المتعارف عليه، والثاني معناها الذي يخدم استراتيجية الأقوى، ومن ثم فالحرب هي السلام، والحرية هي العبودية، والجهل هو القوة". وهكذا تتبادل الأضداد أدوارها.

إن نظرية "أولاد الكلب" تعبير عن السياسة والعته في زمن الرمادة، وهي تنكيس للفطرة، وتزييف للتاريخ وقلب لكل الحقائق، وذلك كله لا يحرر الأرض، ولا يعلم الجاهل، ولا يطعم الجائع، ولا يفك الحصار عن شعب. والرضا بقلب الحقائق لن يردع الطامع، ولن يحيل سمسار عقارات أو مختل بائع لدينه وأمته إلى حكيم الزمان ولو كان رئيسا لسلطة بائسة أو حتى رئيسا لدولة.

مقالات مشابهة

  • زراعة طنطا تستضيف ندوةً «الدين والحياة بين الواقع والتغيير» لمركز الأزهر للفتوى
  • جيهان مديح: عمال مصر سواعد الأمة وأعمدة التنمية والبناء
  • المنارات التي شيدها أول مايو: النقابة وإنسانيتنا الإسلاموعروبية
  • حكومة التغيير والبناء: على العدو البريطاني أن يحسب حساب ورطته وأن يترقب عواقب عدوانه (إنفوجرافيك)
  • السياسة في زمن الرمادة والعته
  • الطبلقي: هناك دول تطمع بثروات الشعب الليبي
  • هل جامعتك ضمنها؟.. تعرف على الجامعات التي عطلت الدراسة اليوم بسبب العاصفة
  • رئيس الدولة يستقبل الداعمين والشركاء في مبادرة “صندوق البدايات” التي أطلقتها مؤسسة محمد بن زايد للأثر الإنساني
  • رئيس الدولة يستقبل الداعمين والشركاء في مبادرة «صندوق البدايات» التي أطلقتها مؤسسة محمد بن زايد للأثر الإنساني
  • أشرف زكي: هناك بعض الصور التي لا نرضى عنها جميعا في تغطية الجنازات