الثورة نت:
2024-11-01@01:14:23 GMT

فقه السياسة والتغيير والبناء

تاريخ النشر: 1st, November 2024 GMT

فقه السياسة والتغيير والبناء

 

في فقه السياسة المعاصر ليس هناك من فساد يمارس، بل هناك خطوات إجرائية فاسدة، ليس هناك من فساد في الدولة، بل هناك هيكل إداري فاسد ومترهل ولم تجدد وظائفه وأهدافه، عالم اليوم أصبح عالما مكشوفا ومفضوحا، ومن أراد إصلاح الشأن فإصلاح الشأن يرتبط بحركة الواقع ووعيه لأن حركة المجتمع ترتبط بالمعرفة، والمعرفة متسعة الأرجاء والآفاق، فحركة النمو في المجتمع لا تتحقق بالفطرة، ولكنها صناعة تعتمد على المعرفة العلمية للقواعد والأصول العامة في موازين الاقتصاد العامة، ومن لا يحمل مشروعا للحياة، قادر على تحقيق الحد الأدنى من الكرامة للإنسان فهو يحرث في بحر دون أن يعود بسمكة في آخر إبحاره ومطافه .


ومن يرى في نفسه الصلاح والخير دون أن ينظر إلى عموم الخيرية في سواه، بل يقدر سوء النوايا وفناء الخيرية، عليه أن ينظر إلى الأثر في الواقع، فإن كان الواقع يتحرك في مسارات طبيعية وفق المعيار العالمي للنمو فقد أصاب، وإن كان الواقع يتحرك في مسارات عكسية وبسرعة تراجع عالية فعليه أن يدرك أنه قد وقع في الخطأ، وأنه قد فاته العلم والمعرفة، فالقضايا الاجتماعية والثقافية والاقتصادية لا تكون اعتباطا وتسلية بمبررات واهية، قد يكون هذا الأمر مطلوبا في الزمن القديم لكنه في زمن الدولة الوطنية الحديثة هو الضياع والتيه بعينه، فكل تراجع يكون نتيجة لمقدمات، وكل مقدمة خاطئة طريقها الثابت النتائج الخاطئة ومن وقع في الخطأ لا ينفعه الندم ولات حين ندم .
نحن نسير في طريق واضح المعالم بمنهجية قرآنية، وفكرة الرؤية الوطنية لبناء الدولة فكرة عائمة تقوم على النظرية الرياضية الفيثاغورسية بالغة التعقيد وغير واضحة المعالم والأبعاد، ولذلك لم تؤت أكلها على مدى سنوات، لأنها تفتقر إلى الفلسفة، وإلى التسلسل، وإلى الخطوات المنطقية التي تتبعها الخوارزميات في حل القضايا، ولذلك تضع بينها وبين الواقع جبالا من ضبابية الرؤية والتفاعل، وهي غير قابلة للتحقق، وقد قالت الأيام لنا ذلك، وقد أصبح من المستحسن وضع قاعدة فلسفية والبناء عليها، والقاعدة موجودة وهي ذات رؤى واضحة من الهدي القرآني يمكن البناء عليها وفق قيم العصر وتشظياته وأبعاده النفسية والاجتماعية والثقافية مع الوعي بالمستوى الحضاري المعاصر.
ميزة المعتزلة أنها تقدم العقل على النقل، وميزة الزيدية أنها معتزلة، لذلك فالعقل هو الغالب في التفاعلات والتشريعات التي قالت بها الزيدية، والتسليم المطلق للنص عند الأشعرية عمل على تعطيل حركة التاريخ، وجعلها ثابتة دون تمايز للمراحل، والتسليم المطلق هو الضياع، ولذلك تتحدث السيرة النبوية عن قضايا التكامل مع الآخر التي انتهجها الرسول الأكرم فهو لم يستبد برأيه في الحروب التي خاضها ولا في القضايا الاجتماعية ولا السياسية، إذ الثابت أنه كان يطرح القضايا على طاولة النقاش وهو المعصوم، لذلك ففكرة التسليم المطلق تتناقض مع المنطق السليم ومع العقل، فالمرء مهما بلغت به المعرفة يظل في حاجة سواه حتى يكتمل به، ولو عمل العرب على تفعيل خواص التفكير لكانوا اليوم أمة عظيمة لكنهم تركوا غيرهم يفكر بالنيابة عنهم فذلوا وهانو وصغروا ونالهم من الصغار الشيء الكثير، فحالهم حال بائس يتقبلون القضايا من سواهم ككليات دون تحليل ونقاش ويخوضون غمار الأحداث دون وعي أو بصيرة، ويمكن قياس ذلك الحال على واقع السعودية ولنسأل مثلا .. ما الذي جنتيه السعودية من عدوانها على اليمن؟ الجواب: لا شيء، سوى توظيفها لمشاريع أعداء الأمة، وهذي معضلة في حد ذاتها، حين تصبح أداة طيعة بيد عدوك يسخرك فتطلق العنان لتنفيذ مهامه وتنوبه في حروبه معك .
نحن نحارب في جبهة واحدة اليوم تاركين بقية الجبهات وراء ظهرونا ولذلك من المستحيل أن نتوقع النجاح والفلاح، من أراد النجاح أخذ بأسبابه وتكامل في مشروعه، فالقوة لا تعني العتاد والسلاح ولكنها متعددة المعاني والأوجه فهي تعني القوة العسكرية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية فإذا تظافرت وتآزرت القوى تنتصر الأمة وإن لم تتظافر وتتآزر تفشل الأمم ونماذج الأمم من حولنا وفي التاريخ كثر لمن ألقى السمع أو كان بصيرا.
اليوم نحن أمام واقع جديد في اليمن وفي العالم كله، فالذي حدث خلال سوالف الأيام الماضية في المنطقة وخاصة في غزة ولبنان كان تحولا كبيرا في المسارات، وتلك التحولات سوف تترك آثارا عميقة في البناءات وفي مسارات اللحظة والمستقبل، تترك آثارا على اللحظة من خلال ما تتركه من ظلال على النظام العام والطبيعي، وتترك ظلالا على المستقبل من خلال ما تقوم به اللحظة من تأسيس لقضايا ستكون هي ملامح المستقبل، ولذلك فالصناعة تبدأ من اللحظة التي نعيش ونشهد تبدلاتها وتحولاتها العميقة سواء في المسار اليمني أم في المسار العربي والدولي فالمسارات تتكامل وتترك أثرا واضحا على الصناعة وعلى المستقيل .
وأمام مثل ذلك تصبح حاجتنا إلى المعرفة في البناء المتناغم مع الجذر التكويني والمتفاعل مع المتغيرات العصرية أكثر ضرورة وأشد إلحاحاً في ظل ما شهدناه من حالات جدل واسع حول بناء الدولة ولعل فكرة التغيير الجذري اليوم في محك التجربة اليوم فهي تحتاج الرعاية والتشذيب لتصل إلى مبتغاها.

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

قراءة في موازين القوة والتأثير: الكيزان وقوى الحرية والتغيير وسط غبار الحرب السودانية

تعيش الساحة السياسية السودانية اليوم واحدة من أكثر مراحلها تعقيدًا، حيث تتشابك القوى والنفوذ على خلفية صراعات وتناقضات تفاقمت مع مرور الزمن. وفي ظل هذا الوضع المتشابك، يظهر لنا تساؤل محوري: من يمتلك القدرة والتأثير في مسار الحرب السودانية، وما هي الأدوار الحقيقية للكيزان وقوى الحرية والتغيير (قحت)؟
خلفية الصراع: ثلاثون عامًا من النفوذ وسنتان من الشراكة
على مدى ثلاثين عامًا، استحوذ الكيزان على السلطة بانفراد، ما خلق منظومة واسعة ومعقدة من النفوذ السياسي، الاقتصادي، والعسكري، متغلغلة في مفاصل الدولة. هذه المنظومة دعمت وجودهم في المؤسسات العسكرية والأمنية، وحتى بعد سقوط النظام في 2019، لم يتراجع نفوذهم بل أعادوا تنظيم أنفسهم داخل القوات المسلحة والدعم السريع، وأسسوا مليشيات مستقلة مرتبطة بهم.
أما قوى الحرية والتغيير (قحت)، فقد أدارت فترة انتقالية في ظروف صعبة مليئة بالتحديات، وعقدت شراكة مع المؤسسة العسكرية لمدة عامين. ورغم ما واجهته من انتقادات، كانت هذه الفترة قصيرة ومليئة بالتحديات، خاصة في ظل التدخلات المستمرة والمحاولات للالتفاف على العملية الديمقراطية. وقد رحبت قوى الحرية والتغيير بتغيير النظام في 2019 وسعت إلى خلق أرضية ديمقراطية مستقلة عن سيطرة الكيزان.
الكيزان وحضورهم في مسار الحرب الحالية
يمكن القول إن الكيزان، رغم تغير أوجه حضورهم، لم يفقدوا نفوذهم بشكل كامل. فالعديد منهم اليوم منغمسون في مفاصل القوات المسلحة والدعم السريع، وأقاموا شبكات داخلية قوية تتيح لهم التأثير على مسار النزاع وتوجيه الأحداث بما يخدم مصالحهم. في الواقع، يشير هذا الحضور إلى أن الكيزان قد تمكنوا من تأمين موطئ قدم ثابت لهم ضمن تشكيلات عسكرية متعددة، مما يسمح لهم بإعادة تنظيم صفوفهم وتأمين نفوذ عسكري مباشر.
وهذا الحضور يوضح قوة تأثير الكيزان، الذين وإن كانوا غير ظاهرين في الساحة الإعلامية بشكل مباشر، إلا أن تأثيرهم المستتر يساهم في تسيير الصراع من وراء الكواليس. فتواجدهم العسكري وسط القوات النظامية وغير النظامية يكشف أن الكيزان، بفضل حضورهم المتغلغل، لا زالوا قادرين على تغيير معادلة الحرب وفقًا لمصالحهم السياسية والأيديولوجية.
الإعلام وتركيزه على قوى الحرية والتغيير: سؤال عن ازدواجية المعايير
أما على الجانب الإعلامي، فإن التركيز يبدو مسلطًا بشكل غير متوازن على قوى الحرية والتغيير، التي تُعتبر من بين القوى المدنية الرافضة للحرب والساعية إلى الحلول السلمية. هذا التركيز المكثف على قحت، بينما يتم تجاهل دور الكيزان ودعمهم للمجموعات المسلحة، يشير إلى ازدواجية واضحة في التعامل الإعلامي مع الأطراف المتصارعة. يُمكن تفسير هذا التركيز على أنه محاولة لصرف الانتباه عن القوى التي تساهم بشكل مباشر في تأجيج الصراع.
من يمتلك التأثير الفعلي؟ قراءة بين السطور
يمكن القول بأن الكيزان، بفضل امتلاكهم للقدرة المالية والشبكات المعقدة، يظلون لاعبين مؤثرين في الساحة السياسية والعسكرية السودانية، حتى لو لم يظهروا على السطح. بينما قوى الحرية والتغيير، ورغم شعبيتها المدنية ووقوفها ضد الحرب، تجد نفسها تحت هجوم إعلامي مكثف، الأمر الذي يُضعف موقفها ويجعل من دورها كعامل استقرار أقل فعالية في عيون المتابعين.
ولكن من يمتلك العقل يميز فعلى الرغم من المحاولات الإعلامية لصرف النظر، يبقى واقع الحال أن الكيزان، بنفوذهم الخفي ودعمهم المباشر وغير المباشر للمجموعات المسلحة، يلعبون دورًا رئيسيًا في مسار النزاع الدائر.

zuhair.osman@aol.com  

مقالات مشابهة

  • معيط: سيكون هناك مراجعات قوية من الدولة مع صندوق النقد الدولي
  • حمدان بن محمد: ندعم نقل رسائل الأمل والتغيير الإيجابي من دبي للعالم
  • الرملي: البعثة الأممية من ضمن المآسي التي مرت بها الدولة الليبية منذ انهيار نظام القذافي
  • محمود القيسي: متفائلون بانتهاء الأزمة اليوم بانتخاب شيخ السياسة
  • وزير التموين: هناك فرص استثمارية واعدة بمصر في قطاع التجارة الداخلية والصناعات
  • بن شرادة: القرارات الأحادية التي يتخذها المجلس الرئاسي تزيد إرباك المشهد الليبي
  • رئيس الدولة ومحمد بن راشد يبحثان شؤون الوطن وأهمية الشراكات التنموية التي تقيمها الإمارات مع دول العالم
  • قراءة في موازين القوة والتأثير: الكيزان وقوى الحرية والتغيير وسط غبار الحرب السودانية
  • خبير: الدولة تمنع التصالح على المباني التي تهدد أرواح المواطنين