يمن محمد
أكثر من عام على معركة “طوفان الأقصى”، وهي المعركة الأطول والأكبر في تاريخ الحروب العربية الإسرائيلية. عام برزت فيه قوة المقاومة كقوة دافعة لا تنكسر. قوة ليست مُجَـرّد تكتل عسكري مزود بمعدات متطورة، بل إنها رمز لإرادَة أُمَّـة ترفض الاستسلام وتسعى للعيش بكرامة. وعلى الرغم من كثرة الهجمات التي تعرضت لها، والطعنات التي تلقتها من الأقربين قبل البعيدين، ورغم وحشية الاحتلال وأعوانه، واستشهاد عدد من قادتها البارزين، إلا أن المقاومة لا تزال تقاتل بشجاعة، وتتصاعد عملياتها يوماً بعد يوم.
قد يختصر البعض نجاح المقاومة في معارك عسكرية محدّدة، ويعتقدون أن استشهاد بعض قادتها يعكس ضعفها وانهيارها، لكن هذه الرؤية تتعارض مع الحقيقة. فالقوة الحقيقية للمقاومة تكمن في تصميمها الثابت وعزيمتها التي لا تنكسر، ولنعلم أن الحروب هي من تحيي الشعوب من حالة الركود التي أصابتها نتيجة الاستعمار الفكري، والشعوب التي تضحي هي الشعوب الحرة، التي لا يمكن أن يدنس وطنها محتلّ أَو يستقر فيه.
عامٌ من العدوان المُستمرّ، ارتكب المحتلّ جرائمَ بشعة بحق المواطنين العزل، اغتال القادة، واقتحم المنازل، وعاث في الأرض فسادًا، ورغم اعتقاده أنه بهذا سيحقّق نصراً، إلا أنه يتزلزل يوماً بعد يوم، ويصاب بالإحباط والانكسار. مع كُـلّ ضربة قوية من المقاومة، يزداد عدد الجبهات ويتكبد الاحتلال خسائر فادحة في الأفراد والمعدات والمعسكرات، فقد تضاعف عدد القتلى بشكل كبير، سواء على الحدود اللبنانية أَو داخل الأراضي الفلسطينية، أَو في ضربات المقاومة التي تصل إلى قواعد ومعسكراته. وهذا بفضل الله يعد إنجازا عظيمًا، وهو ما دفع نتنياهو إلى التصريح بقوله “سننتصر حتى لو كان الله معهم”. فهو يعلم يقيناً، من خلال الأحداث أن الله مع المقاومة، فزاد من تجبره ليواجه الله، وهذا يعد قمة الجنون والتخبط. لقد فقد الأمان على نفسه وعائلته، فكيف لشعبه؟
عام من العدوان، سطر فيه المجاهدون أعظم الملاحم البطولية، والتي تم توثيق بعضها عبر الشاشات والكثير منها سيسجله التاريخ في الكتب والروايات. ومع هذا، يتحدث المنافقون بقولهم: “وأي انتصار وغزة قد أُبيدت؟”، ونحن نؤكّـد أن غزة لا تزال تقاوم ولن تستسلم، فما زالت أرضها مليئة بالعبوات التي ستنفجر في جنود العدوّ ومعداته، غزة لا تزال ولادة بالأبطال، لا تزال حية في قلوب الشعوب الحرة.
فالانتصار لا يكون لمن يقتل أكثر، إذ إن أي شخص يمكنه ارتكاب الجرائم، ولكنه في النهاية سيزول وينهزم. الانتصار هو الثبات والصمود والمقاومة وعدم الاستسلام. إنه القدرة على البقاء صامداً، مقاوماً، ومواجهة كُـلّ هذه الجرائم بكل ما تملك، حتى لو كان بالعصا، كما فعل القائد الشهيد يحيى السنوار الذي قاوم وبقي شامخًا حتى آخر نفَس له، مما وضع أمامنا درسًا عظيمًا في المقاومة والصمود.
أيضًا، يتكرّر الحديث من المنافقين بقولهم: “لو لم تقم المقاومة الفلسطينية بالهجمات في السابع من أُكتوبر لما ارتكبت إسرائيل كُـلّ هذه الجرائم”، لكنهم يتجاهلون أَو ينسون أن إسرائيل منذ نشأتها ارتكبت أبشع المجازر في غزة وكل فلسطين، فكانت تعيث فسادًا في الأرض دون أي فعل من المقاومة. فقط المقاومة في السابع من أُكتوبر هي من بدأت الهجوم قبل أن تتلقى الضربات المتوقعة. الحقيقة الواضحة للجميع: المقاومة قوية وما زالت قوية وستبقى كذلك حتى تطهر الأرض الفلسطينية بالكامل من دنس المحتلّين ولن تنكسر.
إن المعركة اليوم في غزة ليست بين فلسطين وإسرائيل فقط، بل هي أَيْـضاً بين المقاومة الفلسطينية وكل دول العالم العظمى، من أمريكا إلى أُورُوبا إلى آسيا. فقد اجتمعت إسرائيل وأمريكا وبريطانيا وفرنسا لتزويد الاحتلال بأحدث الأسلحة المتطورة التي تُلقى على منازل المواطنين في غزة ولبنان، ولن ينتصروا ويحقّقوا أحلامهم، بجرائمهم وتُعلن المقاومة الاستسلام كما أعلنت اليابان الاستسلام بعد إلقاء أمريكا القنابل عليها. الشيء الذي يجهلونه هو أننا مسلمون لا نستسلم ولا نخاف الموت، بل نعشق الشهادة، ونعلم أن قضيتنا قضية حق، وإن الله معنا. ومادام الله معنا، فلا نخاف أي قوة في العالم لأننا مؤمنون بالله ونثق بوعده، ونمضي تحت أوامره وقوانينه.
ولقد كانت اليمن مثالًا في الصبر والصمود والقوة، فقد تعرضت لعدوان العالم بأكمله وارتُكبت فيه أبشع المجازر، ومع ذلك، بقي اليمن صامدًا مقاومًا، لم يستسلم، وحتى استهلك العدوّ كُـلّ قوته ووجد أن الخطر أصبح مُحدِقًا به، استسلم العدوّ ودعا للسلام. وها هي اليوم، اليمن أصبحت بفضل الله قوة أمام العالم، على عكس ذلك ما حصل في جنوب اليمن، حَيثُ أصبح حالهم اليوم فاقدين للحرية والكرامة، وحتى لقمة عيشهم قطعوها عليهم.
أخيرًا نؤكّـد إن الأمل في النصر راسخ في قلوب المؤمنين، ستبقى قصص الصمود والتضحية ملهمة للأجيال القادمة، ولن تُنسى تضحيات أُولئك الذين ضحوا بدمائهم؛ مِن أجلِ الدفاع عن أوطانهم وحقهم في العيش بكرامة.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: لا تزال
إقرأ أيضاً:
نقطة التحول: صمود غزة وإطلاق شرارة التحرير وبداية انهيار “إسرائيل”
نقطة التحول: #صمود #غزة وإطلاق شرارة #التحرير وبداية #انهيار ” #إسرائيل “
#احمد_ايهاب_سلامة
لقد فقدنا، قبل أيام، رمزاً من رموز النضال، رمزاً لقائد فذ مغوار..خسرنا رجلاً قضى 62 عاماً من حياته، عاش منها فعلياً 32 عاماً، بما في ذلك 12 سنوات قضاها طفلاً لا يدرك شيئاً عن الحياة، لذا، في هذه المعادلة، لم يعش إلا 20 سنة من 62 عاماً.
عاش 22 عاماً في السجن، قبل أن يحكم عليه بستة أشهر دون محاكمة، وقبلها سنتين من الملاحقة، حيث تم سجنه عدة مرات لشهر وشهرين. في المجمل، قضى في السجون الإسرائيلية تقريباً 30 عاماً، منها 22 عاماً متواصلة و8 أعوام متفرقة..إنه لم يكن مجرد مناضل، بل كان أسطورة تجسد في 42 عاماً من الكفاح.
مقالات ذات صلة «لن أنسى أبدًا أني كنتُ عبدك ليلة» 2024/10/30أما الآن، فمن يعتقد أن “إسرائيل” بعد استشهاد السنوار، ستتمكن من القضاء على حماس فهو ساذج، صحيح أن القادة لهم تأثير كبير في العمليات العسكرية والاستراتيجية، لكن دعونا نتذكر أنه قبل السنوار، ارتقى 122 شهيداً، كان آخرهم الشهيد إسماعيل هنية، ليلتحق السنوار ليصبح رقم 123.. ورغم فقدان القادة، تواصل المقاومة نضالها دفاعاً عن أرضها، وكلما رحل قائد، أتى من هو أشد حنكة وذكاء، التاريخ يشهد على ذاك تطور قدرات حماس عبر السنوات.
لا أقول إن الأمر سهل، فدمعة طفل غزاوي كفيلة أن تحرق القلب، ويكفي أن نتذكر 45 ألف شهيد حتى اليوم.. لكن للصمود عنوان، والتاريخ أكبر برهان.. فقد احتلت فرنسا الجزائر وقدمت تضحيات جسام بمليون و400 ألف شهيد لنيل حريتها، وفي العراق أُبيد مليون عراقي على يد الأمريكان في عام واحد، وفيتنام شهدت مقتل 3 ملايين و800 ألف، بينما في حرب البوسنة والهرسك قُتل أكثر من 39 ألف مسلم من المدنيين.
وعن الحروب العالمية، تجاوز عدد الضحايا 200 مليون إنسان.. ما اريد الوصول اليه ان الخسائر البشرية كانت دوماً جزءاً من الحروب، فما بالك بمن يضحون لأجل وطنهم لأجل أولى القبلتين وثالت الحرمين.. فحتمًا النصر قادم، وكلما اشتد الظلم، اقترب النصر أكثر.
أما عن قدرة إسرائيل على مواجهة الوضع، فهي تتآكل.. لو حاربت إسرائيل بغرض السيطرة على غزة لأسابيع وفشلت، لكان ذلك خيراً لها من القتال لمدة عام كامل دون جدوى. بل لو واجهت غزة بفرقة واحدة وفشلت، لكان ذلك أهون من مواجهة غزة بستة فرق ثم الفشل.
منذ بداية الألفية، يتصاعد عنف إسرائيل، لكنه يضعف تأثيرها.. فهي تتعرض لانتكاسات مع كل زيادة في عنفها، كما هو حال الحياة، كل زيادة فيها تقابلها نقصان.
لقد قتلت إسرائيل 45 ألف فلسطيني، وجرحت أكثر من 80 ألفاً، ويتّمت نحو 20 ألف طفل، مما يجعل مجموع الضحايا من شهيد وجريح ما يقارب 9% من سكان غزة..ومع بقاء قرابة المليون في شمالها، بعد أن زعمت السيطرة عليه، تتكبد خسائر كبيرة دون أن تحرر أسرى أو تقضي على قدرات خصومها، سواء في البر أو الجو.
إن إسرائيل، التي أُنشئت لتكون ملاذاً امنا لسكانها، صارت أخطر مكان عليهم، وهي التي بُنيت لتكون عاصمة لمصالح الدول الاستعمارية الكبرى في بلادنا، مثل النفط وقناة السويس، فالان أصبحت تستغيث بالدول الكبرى طلباً للحماية، فانتقلت من كونها أداة استراتيجية إلى عبء استراتيجي على حلفائها.
اليوم، تُظهر إسرائيل، التي تسيطر على وسائل الإعلام وتتحكم سياسياً واقتصادياً في المنطقة، ضعفاً غير مسبوق.. فكل جندي تفقده، وكل بناية في تُقصف من قبل أطراف المقاومة، وكل عملية بطولية تُنفذ في المدن المحتلة، تساهم في تعزيز قوة المقاومة وصمود أهل غزة، الذين يرفضون الاستسلام.. هذه الهزائم التي يتلقاها المحتل يضعفه يوماً بعد يوم.
من كان يصدق أن “إسرائيل”، التي تمتلك أكبر ترسانة دفاع جوي، أصبحت هدفاً سهلاً لأي شخص يستطيع أن يحمل صاروخاً ويقصف فيه المدن المحتلة، والقبة الحديدية عاجزة تماماً، فقد هاجر أكثر من نصف مليون مستوطن عبر مطار بن غوريون إلى الدول الغربية، وخسرت إسرائيل حتى الآن ما يقارب 280 مليار دولار، بالإضافة إلى فقدانها يومياً دبابات وطائرات وجنود وخسائر مادية وبشرية، وهو ما لم يحدث منذ بداية النكبة عام 1948 وما لم يحدث منذ احتلال فلسطين.
لأول مرة، تُظهر الأرض تراجع قدرات إسرائيل، والدليل حيث يعبر الجنود عن غضبهم وانتقامهم على الأبرياء والمدنيين العزل وعن المبان والمنازل، فاعلم انهم فقدوا قوة الردع واصبحوا فريسة سهلة لخصومهم ولو دافعت مع المقاومة قوى اخرى بجيش منظم اقصد “دولة”.. لهُزمت اسرائيل في غضون ايام .
الصبر مفتاح الفرج والنصر قريب وقد اطلقت غزة شرارة بداية الحرب العالمية الثالثة بل اطلقت شرارة بداية تحرير فلسطين، من اين سيبدأ الخراب كيف ومتى.. للحكاية بقية ..
لكن غزة اشعلت شرارة التحرير والعودة لانتصار الاسلام من بوابة القطاع.
الألم والفراق والدمار كبير جداً، لكن بعد أكثر من عام على بداية القتال، لا تزال غزة تقاوم.. لا تزال المقاومة تنكل بالاحتلال، تدمر دباباته الهشة، وتقنص جنوده كما تُصاد الكلاب الضالة.. ولا زالت الأمهات ينجبن مقاومين، والشيوخ يدعون الله ويتضرعون اليه.. وما زال الأمل يسير نحو النصر والتحرير.
ما زال اهلها مرابطون وصامدون وثابتون
ولنتذكر أن النصر ات لا محال وهذا وعد الله، والله لا يخلف وعده.