ويسكونسون.. «باربي» تحسم الصراع بين الريف والمدينة
تاريخ النشر: 31st, October 2024 GMT
أكرم ألفي (القاهرة)
ولاية ويسكونسون الأميركية، «ولاية الجبن الشهيرة»، تنحاز للديمقراطيين منذ انتخابات 1988، ولكن رجالها يرفضون انتخاب امرأة فانقلبوا على هيلاري كلينتون واللون الأزرق في انتخابات 2016، رغم أن فتيات ويسكونسون يعشقن الدمية «باربي» بألوانها الزاهية ويعتبرنها فخر الولاية وليس جبن الريف.
صراع المدينة والريف في الولايات المتحدة يظهر بقوة وبوضوح في ويسكونسون، هذه الولاية التي تنقسم بين مدينة هواها ديمقراطي وريف محافظ يرفض الخضوع لمنطق «باربي» وينحاز للمرشح الرجل ويفضل بوضوح في انتخابات 2024 دونالد ترامب.
ويسكونسون هي ساحة معركة مفتوحة في انتخابات الرئاسة الأميركية القادمة، فترامب يأمل في الحصول على أصوات الولاية الـ10 في المجمع الانتخابي في تكرار لمفاجأة انتخابات 2016 على نفس القاعدة، وهي أن المرشح الديمقراطي سيدة وبالتالي إمكانية حشد أغلبية ضخمة من مقاطعات الريف تبطل مفعول أصوات مدن الولاية التي ستصوت حتماً لصالح كامالا هاريس.
هذه الولاية، التي كانت مهد الحزب الجمهوري في القرن التاسع عشر، تحولت للحزب الديمقراطي خلال فترة الكساد الكبير والحرب العالمية الثانية، ولكن سرعان ما عادت لحضن «الفيل الجمهوري» في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، وانقلبت عليه في انتخابات 1988 لتصبح ولاية ديمقراطية بامتياز طوال 28 عاماً، ليكسر ترامب القاعدة بفوز استثنائي على هيلاري كلينتون بفارق لم يزد عن 0.7% دعمه الحشد الواسع للريف ضد التصويت لامرأة في منصب الرئيس.
ويسكونسون هي إحدى ولايات «الجدار الأزرق» مع ميتشغان وبنسلفانيا، باعتبارها جزءاً من الجدار الذي امتنع عن انتخاب المرشحين الجمهوريين «الحمر» طوال عقدين من 1992 إلى 2012. ولكن ترامب يسعى لاختراقها مجدداً مستغلاً زيادة حدة الصراع بين الريف والمدينة في هذه الولاية والذي ينعكس على تركيبة مجالسها التشريعية المحلية وتمثيلها في مجلسي النواب والشيوخ.
ترامب يدرك أهمية هذه الولاية لحسم السباق، فاختار مدينة ميلووكي في ويسكونسون للإعلان عن نائبه جيه دي فانس.
وبالتوازي، أعلنت هاريس صراحة أن «الطريق إلى البيت الأبيض يمر عبر ويسكونسون».
ارتفاع حظوظ ترامب في هذه الولاية، التي يقطنها 5.9 مليون نسمة، يرجع إلى أن الرجال من أصول أوروبية (80% من سكان الولاية) يرفضون انتخاب امرأة وخاصة هؤلاء الذين يقطنون المقاطعات الريفية.
في المقابل، فإن تراجع أعداد العمال في مصانع السيارات والمعدات الزراعية قاد لتراجع قوة النقابات العمالية التي مثلت «الرافعة الرئيسية» للمرشحين الديمقراطيين في الولاية منذ ثمانينيات القرن الماضي.
بالتوازي، فإن ارتفاع نسبة سكان الريف في الولاية بسبب معدلات النمو السكاني المرتفعة نسبياً في الريف مقابل التراجع الحاد للنمو السكاني في المدن، أعطى الجمهوريين دفعة ديموغرافية في هذه الولاية.
ففي شمال وغرب ويسكونسون، يمكنك مشاهدة جمهور ريفي محافظ يرفض الدعاية الديمقراطية لحق الحياة بعنف قد لا تشاهده في ولاية جنوبية مثل تكساس. إن هذه الولاية ذات الأغلبية من أصول أوروبية منقسمة بين مدينة حضرية متحررة وليبرالية تتفاخر بأن الدمية «باربي» من إبداعاتها، وريف محافظ بشدة ما زال يأمل في عودة أميركا التقليدية ويرفض ثقافة كاليفورنيا ونيويورك.
بالنسبة لفريق هاريس، فإن تكرار سيناريو هيلاري كلينتون شبه مستحيل وهو يؤمن أنها ستحقق النصر في هذه الولاية المتأرجحة لتحسم سباق البيت الأبيض، ولكن ترامب كان رده: «يقولون إن ولاية ويسكونسون ربما تكون أصعب الولايات المتأرجحة للفوز، لا أعتقد ذلك».
إن هارس تراهن على صوت المرأة في هذه الولاية الصعبة، حيث تكثف دعايتها ليس فقط وسط النقابات العمالية بل بين تجمعات النساء دفعاً عن حقوق المرأة، فهاريس تدرك أنه في حال أنها كسبت 60% من أصوات نساء الولاية إلى جانب أصوات رجال المدن من ذوي الأصول الأوروبية فإنها ستنتصر حتماً.
وفي المقابل، فإن رهان ترامب هو الفوز بأصوات أغلبية كبيرة من رجال الريف المحافظين والرافضين لمنطق «باربي المتحررة».
وفي النهاية، فإن صراع الريف والمدينة سيكون شرساً في انتخابات ويسكونسون 2024، وفي خلفية هذا الصراع تظهر صورة «باربي» لحسم الأصوات في اللحظات الأخيرة مع أو ضد «حق الحياة». أخبار ذات صلة
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: الانتخابات الرئاسية الأميركية ويسكونسن كامالا هاريس دونالد ترامب فی هذه الولایة فی انتخابات
إقرأ أيضاً:
بولندا على موعد مع انتخابات رئاسية حاسمة
تعيش بولندا على وقع الحملات الانتخابية تحضيرا لسباق الرئاسة المقرر في 18 مايو/أيار المقبل، وتراقب معها أوروبا عن كثب ما إذا كان مجلس الوزراء برئاسة دونالد توسك الموالي لأوروبا سيحصل على حليف في القصر الرئاسي في وقت صعب بالنسبة لبولندا وأوروبا.
تحتل بولندا موقعا إستراتيجيا في أوروبا، حيث تُعد خامس أكبر دولة في الاتحاد الأوروبي من حيث عدد السكان، كما تتمتع بنفوذ قوي داخل المؤسسات الأوروبية مثل البرلمان والمفوضية الأوروبيين.
وتاريخيا، لعبت بولندا دورا رئيسا في التحولات السياسية الأوروبية، بدءا من مقاومة الهيمنة السوفياتية في القرن الـ20، مرورا بحركة "تضامن" بقيادة ليخ فاونسا التي ساهمت في إسقاط الشيوعية، وصولا إلى دورها الحالي كحليف رئيس للغرب في مواجهة التهديدات الروسية.
يتنافس في هذه الانتخابات عدة مرشحين يمثلون تيارات سياسية متباينة، بدءا من المؤيدين للاتحاد الأوروبي وصولا إلى التيارات القومية واليمينية المتطرفة.
رافاو تشاسكوفسكيمرشح حزب "المنصة المدنية"، ويشغل منصب عمدة وارسو، وهو من أبرز المدافعين عن التكامل الأوروبي. يركز على قضايا الديمقراطية الليبرالية، ودعم أوكرانيا، وتعزيز الحريات المدنية.
إعلان كارول ناوروكيمرشح "القانون والعدالة، وهو محافظ يدعو إلى تعزيز السيادة البولندية، ويركز على قضايا الأمن القومي، ودعم العلاقات الوثيقة مع الولايات المتحدة، رغم الخلافات مع إدارة دونالد ترامب.
شيمون هوفنازعيم حزب "بولندا 2050″، يدعو إلى نهج وسطي يجمع بين القيم القومية والتوجه الأوروبي، مع التركيز على الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية.
سلافومير مينتسنمرشح اليمين المتطرف من حزب "الكونفدرالية"، يرفض استقبال اللاجئين، ويعارض تقديم أي دعم عسكري أو اقتصادي لأوكرانيا، ويدعو إلى تعزيز الاستقلالية الاقتصادية لبولندا.
ماجدالينا بيات وأدريان زاندبرجمرشحا اليسار البولندي، يركزان على العدالة الاجتماعية، وزيادة دور الدولة في الاقتصاد، وتبني سياسة خارجية أكثر توازنا تجاه الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
غريزغور براونمرشح يميني متطرف، معروف بموقفه المناهض للاتحاد الأوروبي، ويرفض وجود القوات الأميركية في بولندا، ويدعو إلى سياسة انعزالية.
تلعب الحرب في أوكرانيا وما تستتبعه من سياسات دفاعية سواء على مستوى بولندا أو على المستوى الأوروبي، بالإضافة إلى ضغوط الاقتصاد وقضايا أخرى دورا في توجيه دفة الناخبين في الانتخابات الرئاسية المرتقبة.
ومع بدء الحرب في أوكرانيا في فبراير/شباط 2022، لعبت بولندا دورا رئيسا في دعم كييف، سواء من خلال تقديم المساعدات العسكرية أو استضافة ملايين اللاجئين الأوكرانيين.
ومع استمرار الحرب، أصبحت تكاليف هذا الدعم موضوعا سياسيا حساسا، حيث تتباين مواقف المرشحين في 3 مستويات:
1- دعم مطلق لأوكرانيا (كما هو الحال مع تشاسكوفسكي وهولونيا).
2- دعم مشروط (مثل موقف ناوروكي، الذي يضع المصالح البولندية أولا).
3- رفض الدعم نهائيا (كما يدعو إليه مرشحو اليمين المتطرف مثل مينتسن وبراون).
العلاقات مع واشنطنبعد فوز الرئيس دونالد ترامب في الانتخابات الأميركية 2024، سادت مخاوف في أوروبا من تبني واشنطن نهجا أكثر انعزالية.
إعلانفقد هدد ترامب خلال حملته الانتخابية بتقليص دعم بلاده لحلف شمال الأطلسي (ناتو)، وطالب الدول الأوروبية بتحمل تكاليف أكبر للدفاع عن نفسها.
ويسعى المرشحون المحافظون مثل ناوروكي إلى إبقاء العلاقات البولندية الأميركية قوية رغم صعوبة التعامل مع ترامب، بينما يميل المرشحون الليبراليون مثل تشاسكوفسكي أكثر إلى تعزيز الشراكة مع الاتحاد الأوروبي بدلا من الاعتماد الكلي على واشنطن.
أما مرشحو اليمين المتطرف، مثل براون ومينتسن، فيدعون إلى تقليل الاعتماد على كل من واشنطن وبروكسل، والتركيز على سياسة خارجية أكثر استقلالية.
الاقتصاد والضغوط الاجتماعيةتعاني بولندا من تداعيات اقتصادية خطيرة بسبب التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة، التي تفاقمت بفعل الحرب في أوكرانيا والعقوبات المفروضة على روسيا.
وتستغل الأحزاب اليمينية هذه الأزمة للدعوة إلى خفض المساعدات الخارجية والتركيز على تحسين الأوضاع الاقتصادية الداخلية.
الموقف من الحرب على غزةرغم أن بولندا كانت من أوائل الدول الأوروبية التي اعترفت رسميا بدولة فلسطين منذ عام 1988، فإن موقفها الرسمي من العدوان الإسرائيلي الأخيرة على غزة ظل مترددا.
وبينما لم تدن الحكومة الحالية إسرائيل بشكل مباشر، خوفا من تأثير ذلك على علاقتها بواشنطن، دعت المعارضة، خاصة من اليسار، إلى موقف أكثر وضوحا في إدانة المجازر الإسرائيلية.
وشهد المجتمع المدني البولندي احتجاجات داعمة لفلسطين، وهذا يضع ضغطا على المرشحين لاتخاذ مواقف أكثر جرأة.
تضع الانتخابات الرئاسية المقبلة البلاد أمام مفترق طرق في السياسات الخارجية، ففوز كل مرشح يفرض سيناريو مختلفا عما إذا فاز الآخرون.
ففي حال فوز تشاسكوفسكي (الليبرالي الأوروبي)، من المنتظر تعزيز علاقات بولندا مع الاتحاد الأوروبي، واستمرار دعم أوكرانيا، ولكن مع بحث حلول دبلوماسية لإنهاء الحرب، وموقف أكثر انفتاحا تجاه اللاجئين وتحقيق توازن في العلاقات مع واشنطن.
إعلانوفي حال فوز نافروتسكي (القومي المحافظ)، من المتوقع تعزيز التعاون مع الولايات المتحدة، رغم صعوبة التعامل مع إدارة ترامب، وزيادة الإنفاق العسكري، مع إبقاء الدعم لأوكرانيا محدودا، وسياسات أكثر تشددا تجاه المهاجرين واللاجئين.
أما في حال فوز مرشح اليمين المتطرف مينتسن أو براون، فمن المتوقع حصول تقارب أكبر مع روسيا أو تبني سياسة أكثر انعزالية، إضافة إلى وقف الدعم لأوكرانيا وتقليل التعاون مع الاتحاد الأوروبي، ورفض استقبال اللاجئين وتشديد القوانين الداخلية.
اتجاهات الناخبينأظهر استطلاع "إيبريس" الأخير لبرنامج "إيفينتس" التابع لـ"بولسات" أن رافاو تشاسكوفسكي يتصدر الجولة الأولى من الانتخابات بنسبة تأييد تصل إلى 35.7%.
في المقابل، حصل كارول نافروتسكي، مرشح حزب "القانون والعدالة"، على نسبة تأييد بلغت 25.6%، وهذا يشير إلى فارق يبلغ حوالي 10 نقاط مئوية لصالح تشاسكوفسكي.
أما شيمون هوفنا، زعيم حزب "بولندا 2050″، فقد حصل على نسبة تأييد بلغت 15.2%، وهذا يجعله في المرتبة الثالثة بين المرشحين.
وتشير هذه الأرقام إلى أن تشاسكوفسكي قد نجح في تعزيز موقعه الانتخابي، مستفيدا من تراجع شعبية حزب "القانون والعدالة" في الأشهر الأخيرة.
من ناحية أخرى، يعكس دعم هوفنا رغبة شريحة من الناخبين في تبني سياسات وسطية تجمع بين التوجه الأوروبي والإصلاحات الداخلية.
تغيير محتملمع استمرار الحملات الانتخابية، سيظل المشهد السياسي البولندي متغيرا، وقد تلعب المناظرات والفعاليات القادمة دورا حاسما في تحديد توجهات الناخبين النهائية. ومع ذلك، فإن التقدم الحالي لتشاسكوفسكي يشير إلى إمكانية حدوث تغيير في القيادة السياسية لبولندا في الانتخابات المقبلة.
وتشكل الانتخابات الرئاسية البولندية لحظة حاسمة تحدد مستقبل بولندا، ويمتد تأثيرها على المشهد الأوروبي والدولي، في ظل تصاعد التوترات العالمية.
إعلانوستكون قرارات وارسو مؤثرة في ملفات كبرى مثل أوكرانيا، ومستقبل الاتحاد الأوروبي، وستكشف والنتائج ما إذا كانت بولندا ستواصل مسارها الحالي أم ستتجه نحو نهج قومي أكثر انعزالا.