أكرم ألفي (القاهرة) 
ولاية ويسكونسون الأميركية، «ولاية الجبن الشهيرة»، تنحاز للديمقراطيين منذ انتخابات 1988، ولكن رجالها يرفضون انتخاب امرأة فانقلبوا على هيلاري كلينتون واللون الأزرق في انتخابات 2016، رغم أن فتيات ويسكونسون يعشقن الدمية «باربي» بألوانها الزاهية ويعتبرنها فخر الولاية وليس جبن الريف.
صراع المدينة والريف في الولايات المتحدة يظهر بقوة وبوضوح في ويسكونسون، هذه الولاية التي تنقسم بين مدينة هواها ديمقراطي وريف محافظ يرفض الخضوع لمنطق «باربي» وينحاز للمرشح الرجل ويفضل بوضوح في انتخابات 2024 دونالد ترامب.


ويسكونسون هي ساحة معركة مفتوحة في انتخابات الرئاسة الأميركية القادمة، فترامب يأمل في الحصول على أصوات الولاية الـ10 في المجمع الانتخابي في تكرار لمفاجأة انتخابات 2016 على نفس القاعدة، وهي أن المرشح الديمقراطي سيدة وبالتالي إمكانية حشد أغلبية ضخمة من مقاطعات الريف تبطل مفعول أصوات مدن الولاية التي ستصوت حتماً لصالح كامالا هاريس.
هذه الولاية، التي كانت مهد الحزب الجمهوري في القرن التاسع عشر، تحولت للحزب الديمقراطي خلال فترة الكساد الكبير والحرب العالمية الثانية، ولكن سرعان ما عادت لحضن «الفيل الجمهوري» في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، وانقلبت عليه في انتخابات 1988 لتصبح ولاية ديمقراطية بامتياز طوال 28 عاماً، ليكسر ترامب القاعدة بفوز استثنائي على هيلاري كلينتون بفارق لم يزد عن 0.7% دعمه الحشد الواسع للريف ضد التصويت لامرأة في منصب الرئيس. 
ويسكونسون هي إحدى ولايات «الجدار الأزرق» مع ميتشغان وبنسلفانيا، باعتبارها جزءاً من الجدار الذي امتنع عن انتخاب المرشحين الجمهوريين «الحمر» طوال عقدين من 1992 إلى 2012. ولكن ترامب يسعى لاختراقها مجدداً مستغلاً زيادة حدة الصراع بين الريف والمدينة في هذه الولاية والذي ينعكس على تركيبة مجالسها التشريعية المحلية وتمثيلها في مجلسي النواب والشيوخ. 
ترامب يدرك أهمية هذه الولاية لحسم السباق، فاختار مدينة ميلووكي في ويسكونسون للإعلان عن نائبه جيه دي فانس.
وبالتوازي، أعلنت هاريس صراحة أن «الطريق إلى البيت الأبيض يمر عبر ويسكونسون». 
ارتفاع حظوظ ترامب في هذه الولاية، التي يقطنها 5.9 مليون نسمة، يرجع إلى أن الرجال من أصول أوروبية (80% من سكان الولاية) يرفضون انتخاب امرأة وخاصة هؤلاء الذين يقطنون المقاطعات الريفية.
في المقابل، فإن تراجع أعداد العمال في مصانع السيارات والمعدات الزراعية قاد لتراجع قوة النقابات العمالية التي مثلت «الرافعة الرئيسية» للمرشحين الديمقراطيين في الولاية منذ ثمانينيات القرن الماضي. 
بالتوازي، فإن ارتفاع نسبة سكان الريف في الولاية بسبب معدلات النمو السكاني المرتفعة نسبياً في الريف مقابل التراجع الحاد للنمو السكاني في المدن، أعطى الجمهوريين دفعة ديموغرافية في هذه الولاية. 
ففي شمال وغرب ويسكونسون، يمكنك مشاهدة جمهور ريفي محافظ يرفض الدعاية الديمقراطية لحق الحياة بعنف قد لا تشاهده في ولاية جنوبية مثل تكساس. إن هذه الولاية ذات الأغلبية من أصول أوروبية منقسمة بين مدينة حضرية متحررة وليبرالية تتفاخر بأن الدمية «باربي» من إبداعاتها، وريف محافظ بشدة ما زال يأمل في عودة أميركا التقليدية ويرفض ثقافة كاليفورنيا ونيويورك. 
بالنسبة لفريق هاريس، فإن تكرار سيناريو هيلاري كلينتون شبه مستحيل وهو يؤمن أنها ستحقق النصر في هذه الولاية المتأرجحة لتحسم سباق البيت الأبيض، ولكن ترامب كان رده: «يقولون إن ولاية ويسكونسون ربما تكون أصعب الولايات المتأرجحة للفوز، لا أعتقد ذلك». 
إن هارس تراهن على صوت المرأة في هذه الولاية الصعبة، حيث تكثف دعايتها ليس فقط وسط النقابات العمالية بل بين تجمعات النساء دفعاً عن حقوق المرأة، فهاريس تدرك أنه في حال أنها كسبت 60% من أصوات نساء الولاية إلى جانب أصوات رجال المدن من ذوي الأصول الأوروبية فإنها ستنتصر حتماً.
وفي المقابل، فإن رهان ترامب هو الفوز بأصوات أغلبية كبيرة من رجال الريف المحافظين والرافضين لمنطق «باربي المتحررة».
وفي النهاية، فإن صراع الريف والمدينة سيكون شرساً في انتخابات ويسكونسون 2024، وفي خلفية هذا الصراع تظهر صورة «باربي» لحسم الأصوات في اللحظات الأخيرة مع أو ضد «حق الحياة». 

أخبار ذات صلة «5 كتل تصويتية» تحسم نتائج انتخابات الرئاسة الأميركية نبراسكا.. هل تحسم «النقطة الزرقاء» السباق الرئاسي الأميركي؟ انتخابات الرئاسة الأميركية تابع التغطية كاملة

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: الانتخابات الرئاسية الأميركية ويسكونسن كامالا هاريس دونالد ترامب فی هذه الولایة فی انتخابات

إقرأ أيضاً:

دروس الثورة السورية

لعلي ممن يعتبرون أن تحرير سوريا قد تم بمعية الله، حيث تم بشكل لا يمكن تصوره أو توقعه بالطريقة التي تم بها. وكل ثورة تواجه ثورتين كأمر طبيعي وقد ذقنا مرارتهما في مصر بعد ثورة يناير، وهما أولا: الثورة المضادة يديرها من قامت عليهم الثورة ومؤيدوهم وأصحاب المصالح المتضررة وكل الدولة العميقة وبقايا النظام القديم، وهذا الأمر لا بد من مواجهته بالعقل والحكمة والوعي والحسم السريع في نفس الوقت. ثانيا، ثورة التوقعات، وتلك هي الأخطر لأن أصحابها هم المحرومون، من الشعب الذي حُرم من حقوقه لسنوات طويلة فيجد في الثورة فرصة لحريته وطلباته واحتياجاته الكثيرة المتعددة فيبدو كأنه خرج من نعين السلطة السابقة إلى جحيم الإدارة الجديدة، وهذا يحتاج بجانب الحكمة والصبر سعيا كبيرا لمحاولة إشباع احتياجات الناس الأساسية دون الرضوخ لتنفيذ ما لا يمكن تنفيذه ولا الإمكانات تسمح به.

والدروس التي يمكن أن يتعلمها الإخوان المسلمون وكل الطيف الوطني المصري من تطورات الصراع في "تحرير سيناريو الصراع السوري"، في إشارة إلى الثورة السورية والمواجهات ضد نظام الأسد منذ 2011، تعتمد على قراءة الأحداث ونتائجها المعقدة، والتي تشمل تدخلات إقليمية ودولية وعوامل داخلية. وهنا نناقش معا بعض الدروس المهمة:

الدروس التي يمكن أن يتعلمها الإخوان المسلمون وكل الطيف الوطني المصري من تطورات الصراع في "تحرير سيناريو الصراع السوري"، في إشارة إلى الثورة السورية والمواجهات ضد نظام الأسد منذ 2011، تعتمد على قراءة الأحداث ونتائجها المعقدة، والتي تشمل تدخلات إقليمية ودولية وعوامل داخلية
1- خطر التشرذم وغياب الوحدة الثورية

- أحد أسباب فشل المعارضة السورية في تحقيق أهدافها كان الانقسام الحاد بين الفصائل الإسلامية والعلمانية، المدعومة من دول مختلفة).

- الدرس: الوحدة التنظيمية والاستراتيجية بين القوى المعارضة ضرورية لمواجهة نظام قوي مدعوم إقليميا ودوليا، بغير ذلك ستمر سنون والجميع يناوش الجميع بعيدا عن المستهدف.

2- التدخل الخارجي سلاح ذو حدين

- اعتماد بعض فصائل المعارضة على دعم خارجي (تركيا، الخليج، الغرب) خلق تبعية وأضعف شرعيتها الشعبية، خاصة مع تناقض أجندات الداعمين.

- وهذا يمهد بل يؤكد أن التحالفات الخارجية يجب أن تُدار بحذر لضمان عدم فقدان الاستقلالية أو تحويل الصراع إلى وكالة لمصالح أجنبية. فالقضية مصرية خالصة لن تحقق هدفها لو تلونت بغير حقيقتها

3- خطورة العسكرة المفرطة دون استراتيجية سياسية

- تحول الثورة السورية من حركة احتجاجية سلمية إلى صراع مسلح بفعل عنف النظام وأطراف أجنبية أدى إلى تدمير البنية الاجتماعية، وتصاعد التطرف، وتشويه صورة الثورة دوليا.

- ورغم أن هذا لا يناسب الحالة المصرية رغم العنف الذي مورس ضد الثوار في الشوارع والمساجد والسجون، وهنا تظهر عبقرية الشعار في وقتها "سلميتنا أقوى من الرصاص"، لكن لا بد من العلم بأن الجمع بين المقاومة الخشنة والدبلوماسية السياسية ضروري، مع الحفاظ على الخطاب المعتدل لجذب التعاطف الدولي.

4- القمع الأمني قد يضعف الثورة لكنه لا يقتل روحها

- نظام الأسد استخدم القوة المفرطة (مثل مجازر حماة وحمص وحلب)، لكن ذلك لم يُنهِ الثورة، بل زاد من شراسة المقاومة.

- وهذا رغم تكراره بغباء في بعض المواقف بشكل أقل في مصر اعتمادا لفكرة الردع الذي يخيف الناسـ، لكنه زاد أهل الثورة إصرارا على التغيير لذا فالصمود التنظيمي والقدرة على إعادة البناء رغم القمع هي مفتاح الاستمرارية، مع تجنب التكرار في السياسات والتكتيكات الفاشلة المجربة من قبل.

5- أهمية الحاضنة الشعبية والخدمات الاجتماعية

- في المناطق التي سيطرت عليها المعارضة، مثل إدلب، كانت الفصائل الأكثر نجاحا هي تلك التي وفرت خدمات أساسية (مستشفيات، مدارس) للحاضنة الشعبية، بل وقد مكنها هذا من تصدير خبراتها للدولة الأم فيما بعد.

-وهذا يؤكد على نهج الإخوان في بناء شرعيتهم عبر الخدمات اليومية والتي يمكن بها كسب التأييد الشعبي أكثر من الخطاب الأيديولوجي المجرد.

6- التحديات الأيدولوجية والهوية

- ظهور جماعات متطرفة (مثل داعش) شوّه صورة الثورة السورية، وأعطى النظام ذريعة لقمع المعارضة تحت مسمى "مكافحة الإرهاب". والكل يعلم من أنشأ هذه التنظيمات المتطرفة التي لم تقتل عدوا بل كل قتلاها من "المسلمين المرتدين" وجعلها مسمار جحا في كل مكان أراد لأصحابها والنظم الفاشية الوصول إليه أو البقاء فيه.

- وهنا مع كل الحذر يجب الفصل الواضح بين الخطاب الإسلامي المعتدل والمتطرف، مع تعزيز الهوية الوطنية الجامعة لتجنب الاستقطاب الطائفي.

7- الدور الإعلامي وحرب السرديات

- نجاح نظام الأسد في تصوير المعارضة كـ"إرهابيين" عبر الإعلام الدولي مما أضعف موقف الثوار لفترات طويلة، وحتى الآن المغرضين لا يذكرون أحمد الشرع إلا "أبو محمد الجولاني" إمعانا في تشويه الصورة الذهنية.

- وهنا لا بد أن ندرك أهمية الإعلام وضرورة استثمار الموارد البشرية والمادية في الإعلام الدولي والمحلي لنقل الرواية الحقيقية للصراع، وكسب التعاطف المحلى والعالمي.

8- الواقعية السياسية مقابل المثالية الثورية

- لعل هذا اتضح أكثر بعد وحدة الفصائل وممارسة دور سياسي بامتياز خاصة في إدلب ومن ثم بعد التحرير الكامل لسوريا. ولعل الحوار مع الاستعداد للحسم العسكري تكون له الأولوية في إنهاء مشكلة قسد المدعومة أمريكيا وصهيونيا في شمال شرق سوريا.

- وهنا لا بد أن ندرك لكل مقام مقال ولكل حال مآل، فالمرونة في التفاوض وقراءة موازين القوى قد تحقق مكاسب جزئية بدلا من خسارة كل شيء.

9- التكيف مع التحولات الجيوسياسية

- التدخل العسكري الروسي المباشر عام 2015 غيّر مسار الحرب لصالح النظام، مع الدعم الإيراني المباشر وقتها مما يُظهر أهمية قراءة الخارطة الجيوسياسية وتأثير القوى العظمى.

- لهذا لا يمكن فصل الصراع الداخلي عن الصراعات الإقليمية والدولية؛ مع ضرورة تطوير استراتيجيات تتكيف مع هذه الديناميكيات في الإقليم والعالم.

10- دور المجتمع الدولي بين الوهم والواقع

- الاعتماد على وعود المجتمع الدولي (مثل قرار تدخل أمريكا في  عهد أوباما بعد مذبحة الغوطة واستعمال الكيماوي، ثم التخلي ببساطة عن ذلك لمصالح أخرى)، فقد تبين أنه وهمي، حيث لم تتحرك القوى الكبرى لوقف مجازر النظام.

- وهنا نعيد التأكيد على أنه لا يمكن الاعتماد على الضمير الدولي؛ بل القوة الذاتية والحلول المحلية هي الضمانة الوحيدة.

الخلاصة:

تجربة الصراع السوري تُظهر أن النجاح في مواجهة الأنظمة الاستبدادية يتطلب توازنا دقيقا بين:

- الوحدة الداخلية والمرونة السياسية.

- المقاومة المسلحة والدبلوماسية.

- بناء الشرعية الشعبية عبر الخدمات لا الأيديولوجيا.

- تجنب الاستقطاب الطائفي أو التطرف.

مقالات مشابهة

  • سرطان القولون.. 3 أعراض تحسم الإصابة بالمرض
  • والي الولاية الشمالية ومدير عام قوات الشرطة يدشنان مكتب جوازات الأجانب بكريمة
  • دروس الثورة السورية
  • 14 ولاية أمريكية ترفع دعاوى ضد ترامب وماسك
  • والي الولاية الشمالية ومدير عام قوات الشرطة يفتتحان قسم شرطة تنقاسي السوق بمحلية مروي
  • 14 ولاية أمريكية ترفع دعوى قضائية ضد ترامب بسبب إيلون ماسك
  • لجنة أمن الخرطوم تقرر الانتقال للمرحلة الثانية من إجراءات ضبط الوجود الاجنبي بترحيل الأجانب خارج الولاية
  • طقس المملكة.. أمطار على الرياض والباحة والمدينة المنورة
  • المحكمة تحسم قضية سعد الصغير: “رأفنا بحالك”
  • والي الخرطوم: مؤسسات التعليم العالي من أوائل المؤسسات التي بادرت باستئناف نشاطها من داخل الولاية