مأساة وائل الدحدوح: لم أستطع البكاء على أطفالي مثل أي شخص آخر
تاريخ النشر: 31st, October 2024 GMT
سلطت صحيفة "الغارديان" البريطانية الضوء على قصة صحفي قناة "الجزيرة" المعروف وائل الدحدوح الذي برز اسمه بقوة على وقع تغطيته للشهور الأولى من عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة وقتل "إسرائيل" عددا من أفراد عائلته بما في ذلك زوجته وحفيده وثلاثة من أولاده.
ونشرت الصحيفة تقريرا مطول أعدته الصحفية نسرين مالك وترجمته "عربي21"، قالت فيه إن وائل كان على الهواء مباشر عندما أدرك أن هناك مشكلة ما.
ومن زاوية عينه، لمح الدحدوح ابن أخيه حمدان، المنتج في قناة الجزيرة، وهو يبدو مضطربا. ثم بدأ هاتفه يدق، فمد حمدان يده وأخرج الهاتف وأجاب عليه. كان من الغريب أن يفعل ذلك أثناء وجودهما على الهواء، فقال وائل لحمدان. "من هو؟"، وكان صوته لا يزال مسموعا للمشاهدين. وبعد بضع ثوان على الهاتف، ركل حمدان بغضب الحائط. سأل وائل: "ماذا يحدث؟" فأجاب حمدان: "ابنتك في المستشفى. لقد ضربوا المكان الذي توجد فيه زوجتك وعائلتك".
تناول الدحدوح الهاتف. وبينما استمر المشاهدون في رؤية المشاهد الحية من غزة، سمعوا قلق الدحدوح المتزايد وتعليقات حمدان المضطربة في الخلفية. ثم انقطع الإرسال إلى الاستوديو في الدوحة.
كانت على الهاتف ابنة الدحدوح البالغة من العمر 21 عاما، خلود، التي كانت في حيرة من أمرها وغير قادرة على إعطائه فكرة واضحة عما كان يحدث. أغلق الهاتف وهرع إلى مخيم النصيرات على بعد سبعة أميال، حيث كانت زوجته وسبعة من أطفاله الثمانية يحتمون في منطقة آمنة خصصتها "إسرائيل".
وعندما وصل بعد حوالي 40 دقيقة، وجد الدحدوح مشهدا فوضويا. كان الناس يحفرون بين الأنقاض بأيديهم، مستخدمين مصابيح هواتفهم المحمولة لرؤية ما يجري. وفي الأنقاض، وجد الدحدوح حفيده البالغ من العمر 18 شهرا، آدم، مغطى بالغبار، فاقدا للوعي. حمل الدحدوح الصبي بين ذراعيه، وهرع إلى مستشفى شهداء الأقصى على بعد 15 دقيقة.
ووسط الجموع خارج المستشفى، وجد الدحدوح خلود. وعندما رأت جسد آدم بين ذراعي والدها، بدأت تصرخ وتداعب وجه ابن أخيها. ثم انهارت، وأخذت الدحدوح معها إلى الأرض، وهي لا تزال ممسكة بالطفل الصغير. ترنح الدحدوح على قدميه. داخل المبنى، سلم آدم إلى طبيب وبدأ يبحث عن بقية أفراد عائلته، متمايلا بين الحشود بحثا عن أحبائهم أيضا، عبر الممرات المليئة بالجرحى.
تقول الصحيفة إن الدحدوح اكتسب شهرة واسعة في غزة بفضل تقاريره، وبينما استمر في البحث، متسائلا عما إذا كان أحد قد رأى زوجته وأطفاله، بدأ يدرك أن الناس يتجنبونه، وكأنهم يعرفون شيئا لا يعرفه. ثم أحضرت سيارة إسعاف ابنه الأصغر يحيى البالغ من العمر 12 عاما. كانت جمجمته مكشوفة ورأسه غارق في الدماء، لكنه كان واعيا.
هرع الدحدوح به إلى طبيب بدأ في خياطة جروحه على الفور. لم يكن هناك أي مخدر. صرخ يحيى من الألم، حتى تم العثور أخيرا على جرعة من المخدر وإعطائه. وبينما كان ينتظر بجانب يحيى، تم نقل ابنة أخرى من بنات دحدوح، فضلا عن حماته والعديد من أبناء عمومته، إلى المستشفى. علم منهم أن والدة آدم وثلاث من بناته الأخريات نجين من الضربة. وكان ابنه الأكبر حمزة البالغ من العمر 27 عاما في جنوب غزة سالما.
الآن، تم العثور على ستة من أطفاله الثمانية - إما سالمين أو، مثل يحيى، مصابين ولكنهم على قيد الحياة. لكن زوجة الدحدوح واثنين آخرين من أطفاله ما زالوا في عداد المفقودين. كانت المشرحة هي المكان الوحيد الذي لم يبحث فيه.
في المشرحة، وجد الدحدوح جثث ابنه محمود البالغ من العمر 15 عاما، وابنته شام البالغة من العمر سبع سنوات، وزوجته أمينة. حمل دحدوح شام، وتحدث إليها وقد ارتسم الحزن على وجهه. ثم جثا على ركبتيه بجوار جثة زوجته وأمسك بيدها. وما إن ركع بجوار جثة محمود الملطخة بالدماء حتى أطلق صرخته الأولى، ثم نطق بعبارة ترددت أصداؤها في أنحاء العالم العربي: "بينتقموا منا بالأولاد.. بينتقموا منا بالأولاد.. معلش".
لم تمر سوى ثلاثة أسابيع منذ بدء الحرب، ولكن الخسائر المقدرة شملت بالفعل آلاف الأطفال، وأصبح أطفال الدحدوح رمزا لكل الأطفال الآخرين الذين تم انتشالهم من تحت الأنقاض. كما أصبحت المخاطر التي يواجهها الصحفيون في غزة واضحة. فقد قُتل نحو عشرين صحفيا، وهو رقم وصفه أحد كبار المسؤولين في لجنة حماية الصحفيين بأنه "غير مسبوق".
وما إن خرج الدحدوح من المستشفى حتى بدأت المقابلات معه. فلأسابيع ظل يروي أخبار وفاة آخرين، والآن أصبح هو القصة. ففي الغارة الجوية التي أودت بحياة زوجته واثنين من أبنائه، قُتل أيضا خمسة من أحفاد شقيق دحدوح ــ كلهم دون سن العاشرة. كما أُعلن عن وفاة حفيده آدم في المستشفى. وفي أول مقابلة له مع دحدوح، بعد دقائق من اكتشافه جثث عائلته، قال لزملائه في قناة الجزيرة: "كنا نشك في أن الاحتلال الإسرائيلي سوف يعاقب الفلسطينيين في غزة جماعيا على ما حدث في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر. ولكن للأسف، هذا ما حدث".
وبحسب التقرير، فإن ما فعل الدحدوح بعد ذلك جعله رمزا ليس فقط لخسائر الحرب، بل وأيضا لقوة الإصرار في مواجهة الخسارة الفادحة. ففي فترة ما بعد الظهر من يوم 26 تشرين الأول/ أكتوبر، كانت الكاميرات تلاحقه وهو يؤدي صلاة الجنازة على أسرته. كان يحيى، ابن الدحدوح، يقف إلى جواره مضمدا وجثة أمه ملفوفة ببطانية على الأرض أمامه. وتعالى صوت الدحدوح بالدعاء. وبعد الصلاة، قام الدحدوح بمداعبة رأس الطفل آدم، الملفوف بكفن أبيض صغير، للمرة الأخيرة قبل دفنه.
بعد ساعات قليلة، وبعد عدة محاولات من قبل محرريه لثنيه، عاد الدحدوح إلى الهواء. وعلى الشاشة، تلقى التعازي من المذيع في استوديوهات الدوحة، ثم بدأ يتحدث بوضوح وهدوء عن دوره كصحفي. وقال إنه "واجب، في مثل هذه الظروف التاريخية والاستثنائية، أن نواصل تغطيتنا باحترافية وشفافية، على الرغم من كل شيء". ثم بدأ في تقديم تقرير عن آخر التطورات في غزة.
لم يدرك الدحدوح أن التأثير سيكون ضخما إلى هذا الحد. لقد أصبح الصحافي الذي كرس نفسه لمهمته لدرجة أنه عاد إلى العمل بعد ساعات من دفن عائلته قصة عالمية.
بدأت اللوحات الجدارية التي تصور الدحدوح وهو يرتدي خوذته وسترة واقية من الرصاص تظهر ليس فقط في إدلب في شمال سوريا، بل وفي لندن ودبلن. فقط بعد أن بدأت مثل هذه التكريمات في الظهور، واكتسبت الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين زخما في شوارع المدن الغربية في تشرين الثاني/ نوفمبر، أدرك عدد المشاهدين. لقد غطى الدحدوح أربع حروب في غزة على مدى العقدين الماضيين، لكنها لم تجتذب نفس مستويات الاهتمام العام والتعاطف والتعبئة. كانت هذه الحرب مختلفة. ولم يعد الدحدوح مجرد مراسل رفيع المستوى، بل أصبح يحمل حزن غزة ورمزا لشخصية شعبها، حسب التقرير.
ولد الدحدوح لعائلة كبيرة - وهو واحد من ثمانية أشقاء وثماني شقيقات - في شمال غزة عام 1970. عاش آل دحدوح هناك، يزرعون الأرض، لأجيال. كانت حياة قاسية، تعتمد على العمل المرهق جسديا، ولكن بالنسبة لمعظم طفولة الدحدوح، كانت حياة طبيعية أيضا. كان هناك دائما ما يكفي من الطعام وسقف فوق رؤوس الجميع. وكانت فترة شبابه "فترة غنية"، مليئة بالأنشطة والأصدقاء. وقال إن السباحة كانت "حبه الأول".
بعد أن أصبح أول فرد في عائلته يكمل المدرسة الثانوية، حصل دحدوح في عام 1988 على منحة دراسية لدراسة الطب في العراق. ولكن الانتفاضة الأولى، التي بدأت في غزة في كانون الأول/ ديسمبر 1987 وانتشرت إلى بقية الأراضي المحتلة، أفسدت خططه. فقبل أيام من سفر الدحدوح إلى العراق لبدء دراسته الطبية، جاء الجيش الإسرائيلي إلى منزله في منتصف الليل واعتقله. وكان عمره آنذاك 17 عاما. وبعد ثلاثة أشهر من الاستجواب والاحتجاز، بإلقاء الحجارة، وحرق إطارات السيارات، والمواجهات مع القوات المسلحة. وحُكِم عليه بالسجن لمدة 15 عاما. وهدمت السلطات الإسرائيلية منزل عائلته. وقال إنه خلال السنوات السبع التي قضاها في السجن، لم يُسمح له إلا بزيارتين من عائلته.
بعد إطلاق سراحه في عام 1995 في سن الرابعة والعشرين، حاول الدحدوح مرة أخرى متابعة دراسته الطبية في العراق، لكن السلطات الإسرائيلية منعته من المغادرة. لم تكن هناك كليات طبية في ذلك الوقت في غزة، لكن الجامعة الإسلامية في غزة أطلقت مؤخرا درجة جديدة في الصحافة ودراسات الإعلام. التحق الدحدوح بالجامعة وتزوج. في عام 1998، بدأ في العمل كمراسل لصحيفة القدس، أكبر صحيفة في الأراضي الفلسطينية، وبعد عامين، أثناء الانتفاضة الثانية، بدأ الدحدوح في الحصول على بعض العمل المستقل في الإذاعة والتلفزيون.
كان هذا وقتا أصبحت فيه القنوات الفضائية قوة كاسحة في جميع أنحاء المنطقة. وبالنسبة لدحدوح، بدت هذه الفترة وكأنها من نسج الخيال. فقبل بضع سنوات فقط كان في السجن. والآن، بصفته صحفيا إذاعيا ناشئا، أصبح جزءا من ثورة إعلامية. وبحلول عام 2004، كان يعمل لصالح قناة الجزيرة. لقد انقطعت الحياة التي كان يخطط لبدئها خارج غزة قبل أن تبدأ، ولكن هنا، في وطنه، وجد شيئا أشبه بدعوة إلى الواجب.
لقد غطى الدحدوح كل الصراعات في غزة منذ انسحاب السلطات الإسرائيلية من القطاع في عام 2005. وعلى مر السنين، أصبحت تغطية الحرب نوعا من الصناعة المنزلية في غزة. عندما كان العمل نادرا، كان بإمكان السكان المحليين العمل لحسابهم الخاص كمنتجين ومشغلي كاميرات وسائقين ومساعدين، وبناء مجتمع موثوق حيث يتعلم الصغار من كبار المهنيين مثل الدحدوح حيث أصبح "مدرسة" للصحفيين الأصغر سنا بحسب ابن أخيه حمدان.
بعد الضربة الإسرائيلية التي قتلت زوجته وأطفاله، بقي دحدوح في مدينة غزة، بينما أرسل بناته الأربع وابنه يحيى إلى مكان آمن نسبيا في وسط قطاع غزة. وتصاعدت الغارات الجوية، بينما كانت إسرائيل تمهد الطريق لحصار مدينة غزة وتوسيع الغزو البري الذي بدأ في 28 تشرين الأول/ أكتوبر.
بدأ دحدوح وفريقه في تلقي رسائل من العائلة والأصدقاء يتوسلون إليهم المغادرة. أراد دحدوح البقاء، ولكن بعد مناقشة مع فريقه، توصل إلى أنه إذا بقوا، فمن المؤكد أنهم سيُقتلون أو يُحتجزون، وأن عملهم سينتهي. لذلك في 10 تشرين الثاني/ نوفمبر، خلعوا ستراتهم الصحفية وخوذاتهم وغادروا المكتب. بعد لحظات من مغادرتهم، وصلت الدبابات إلى مدخل مبنى الجزيرة.
كان مغادرة شمال غزة، المكان الذي نشأ فيه وحيث كان القتال على أشده، "تجربة مريرة للغاية، للغاية للغاية" بالنسبة للدحدوح، حيث قال: "لقد شعرت بالهزيمة". وقام هو وفريقه بتأسيس عملية جديدة في خانيونس وبدأوا في إرسال التقارير من مختلف أنحاء وسط قطاع غزة ورفح في الجنوب.
في 15 كانون الأول/ ديسمبر، ذهب الدحدوح والمصور سامر أبو دقة إلى موقع الغارة الجوية على مبنى مدرسة في خانيونس. سافرا إلى الموقع في سيارة إسعاف، برفقة ثلاثة أفراد من قوات الدفاع المدني، وهي إدارة حكومية مسؤولة عن خدمات الطوارئ، والتي حصلت، من خلال الصليب الأحمر، على إذن من الجيش الإسرائيلي للتواجد في المنطقة.
وصلا عند الظهر. وبينما كانت مسيّرات إسرائيلية تحلق في السماء، ظل دحدوح وأبو دقة في الموقع لأكثر من ساعتين. ثم، بينما كانا في طريق العودة إلى سيارتهما، ضربتهما مسيّرة. وقال دحدوح إنه شعر وكأن عاصفة تجتاحه. وفي اللحظات التي سبقت إغمائه، كان مقتنعا بأن وقته قد حان.
ولكنه استعاد وعيه. فقد سمعه وخدر ذراعه. وبينما كان يترنح نحو مكان آمن، أدرك أن الدماء كانت تنزف من كتفه. وفي مكان قريب، وجد جثث عمال الدفاع المدني الثلاثة. ثم رأى أبو دقة على مسافة ما، على الأرض ولكنه كان واعيا، ويشير بيده. وكان ينزف بشدة، وحاول الحصول على مساعدة لزميله وصديقه القديم، ولكن عندما وجد عمال الإسعاف في مكان قريب، قالوا إنهم لا يستطيعون الوصول إلى أبو دقة، خوفا من أن يصابوا هم أيضا.
وتظهر اللقطات في المستشفى بينما كان الأطباء يحاولون إيقاف نزيفه كان ينادي لإنقاذ أبو دقة. "كان سامر معي في المكان. كان سامر يصرخ"، ظل الدحدوح يردد بين صرخات الألم أثناء علاجه. وقال: "نسقوا مع الصليب الأحمر. اجعلوا شخصا يذهب ويحضره".
واتبع مدير مكتب الجزيرة في رام الله وليد العمري البروتوكول من خلال الاتصال باللجنة الدولية للصليب الأحمر لطلب الحصول على إذن إسرائيلي لإرسال سيارة إسعاف. ومرت ساعات حاسمة بينما كانت طواقم الإنقاذ تنتظر موافقة الجيش الإسرائيلي للوصول إلى الموقع بأمان. وبعد حوالي خمس ساعات من الغارة الجوية، تم منح الإذن والتسهيلات للوصول إلى الموقع. وعندما وصلت سيارات الإسعاف إليه بعد نصف ساعة، وجدت أبو دقة ميتا. وكان أول صحفي في الجزيرة يُستشهد في غزة منذ بدء الحرب.
أمضى الدحدوح ليلة واحدة في العناية المركزة. وفي اليوم التالي كان في جنازة صديقه، يمسح وجهه ويبكي. وقف ابنه الأكبر حمزة خلفه وتشكل بحر من الجثث مرة أخرى حول الدحدوح بينما كان يدفن أحد أحبائه. ومرة أخرى، عاد الدحدوح إلى الهواء بعد ساعات، هذه المرة مع ضمادة على ذراعه وأنابيب تخرج من معصميه.
قال الدحدوح: "أنا رجل عنيد"، موضحا سبب اختياره عدم المغادرة بعد إصابته. لقد عانى الكثير من الخسارة، وشهد الكثير من الموت، وكان على وشك الموت لدرجة أنه لم يعد يشعر بأي خوف. بالنسبة له، "أصبحت الحياة والموت سيّان". كل ما كان يهمه هو أن يموت "واقفا". كان على يقين من أنه طالما كان على قيد الحياة، بغض النظر عن مدى خطورة إصابته، فإنه سيبقى في غزة ويواصل تقديم التقارير.
اتصل به العديد من الشخصيات البارزة لإقناعه بمغادرة غزة وخاصة أنه في غياب الرعاية الطبية العاجلة، ربما يفقد ذراعه. وقالوا إن خطر استهدافه من قِبَل إسرائيل أصبح أعلى من أي وقت مضى.
بعد ثلاثة أيام من الغارة الجوية، قرر الدحدوح أنه سيوافق على الخطوات المطلوبة لمغادرة غزة ــ ولكنه كان يخفي خطة سرية. فإذا سُمح لعائلته بالمغادرة عبر معبر رفح، فسوف يذهب معهم إلى الحدود. وبمجرد عبورهم، سوف يعود أدراجه. وسوف يأتمن حمزة على مسؤولية عائلته.
وفي أواخر كانون الأول/ ديسمبر، حصلت نقابة الصحفيين المصريين على موافقة لمغادرة الدحدوح وأبنائه وأحفاده المتبقين وزوجاتهم على المغادرة في 2 كانون الثاني/ يناير، عبر معبر رفح. وبدأوا الاستعدادات، ولكن في الليلة التي سبقت رحيلهم، أدرك الدحدوح أن قائمة الموافق عليهم كانت تفتقر إلى أسماء إحدى بناته وحفيدين.
ثم في 7 كانون الثاني/ يناير، بينما كان الدحدوح في الميدان، تلقى أنباء تفيد بأن حمزة أصيب. توجه إلى موقع الهجوم، وألقى نظرة سريعة على السيارة التي كان ابنه يستقلها عندما تعرضت للقصف، فعرف أنه لقي حتفه. ثم وجده في مشرحة المستشفى الكويتي.
وفي يوم جنازة حمزة، التف الجمهور حول الدحدوح. ومرة أخرى، أصبح الدحدوح بمثابة قناة لنقل حزن مجتمع بأكمله. وتجمع الأطفال حوله بينما كان يتلقى التعازي. لقد وضعت امرأة مسنة يدها على رأس الدحدوح ودعت له. لقد أصبحت مأساة الدحدوح خبرا دوليا.
بعد يومين من مقتل حمزة، ذهب الدحدوح مع عائلته إلى الحدود، ومعه تصاريح للجميع. وتأكد من السماح لهم جميعا بالمرور بأمان، ثم عاد أدراجه كما كان يخطط دائما. كان مكانه في غزة، حتى وإن بدا الأمر وكأنه مسألة وقت قبل أن يُقتل هو أيضا.
ولكن بعد بضعة أيام من عبور عائلته، بدأ الدحدوح يستسلم. لقد غير موت حمزة كل شيء. وبدون حمزة، شعر الدحدوح بأنه أقل يقينا بشأن مصير عائلته في الخارج. وأصبح منطق الرحيل، الذي رفضه في السابق، أكثر إقناعا. وقال الدحدوح، وهو يشرح تغيير رأيه: "في الحرب، النساء والأطفال هم من يكسرون ظهرك". في جنازة حمزة، قبلت إحدى بنات الدحدوح جثة أخيها ثم لفَّت يديها حول والدها وهي تبكي. "من فضلك ابق معنا"، توسلت، "لم يبق لنا أحد غيرك".
وفي الأسبوع الثاني من شهر كانون الثاني/ يناير، صلى صلاة الاستخارة، وبعدها شعر الدحدوح بالرضا بعد الصلاة في قراره بمغادرة غزة والانضمام إلى عائلته.
في 16 كانون الثاني/ يناير، عبر الدحدوح إلى مصر، ثم غادر إلى الدوحة. وسلم العمل إلى صحافي أصغر سنا، إسماعيل الغول، في شمال غزة، الجزء الأكثر خطورة في القطاع، وأخبره أنه إذا رغب هو أيضا في التوقف عن العمل واللجوء إلى عائلته في الجنوب، فلن يلومه أحد. رفض الغول. وبعد بضعة أشهر، استشهد هو أيضا.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية الدحدوح الاحتلال غزة الفلسطينيين فلسطين غزة الاحتلال الدحدوح صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة البالغ من العمر الغارة الجویة کانون الثانی الدحدوح إلى تشرین الأول بینما کانت بینما کان دحدوح فی کان على أبو دقة ما کان فی عام بدأ فی فی غزة
إقرأ أيضاً:
الأطفال ذوو الإعاقة.. مأساة صامتة بدوامة حرب لبنان
من أحد مراكز الإيواء المزدحمة ببيروت، وبصوت متعب، تروي فاطمة عبر الهاتف، وهي أم لطفل يبلغ من العمر سبع سنوات يعاني من الشلل الدماغي، محاولاتها المستمرّة من أجل تلبية احتياجات ابنها في ظل ظروف قاسية.
تتحدّث فاطمة بحزن لموقع "الحرّة" عن رحلتها بعد نزوحها من الضاحية الجنوبيّة نتيجة النزاع المتصاعد بين إسرائيل وحزب الله فتقول: "لم أكن أتصوّر أنّ ابني سيعيش في مكان يفتقر لكلّ شيء. لا خدمات طبية، لا خصوصيّة، ولا حتى إحساس بالأمان. حياتنا باتت مجرّد صراع يومي لتأمين الأساسيات".
ولكن مأساة فاطمة ليست الوحيدة. أم محمد، التي نزحت من الجنوب مع طفلتها البالغة من العمر خمس سنوات والمصابة بشلل نصفي، تصف معاناتها أيضًا: "لا أستطيع حملها طوال الوقت، والمركز ليس مهيأ لاستقبال أطفال بمثل حالتها. بالكاد نجد الماء والكهرباء، فما بالك بالخدمات الطبية؟".
هذه قصص مئات العائلات التي هربت من أهوال الحرب، لتجد نفسها في مراكز إيواء تفتقر إلى الحد الأدنى من الخدمات الأساسيّة على حدّ تعبيرها، خاصة للأطفال ذوي الإعاقة الذين يحتاجون لرعاية خاصة. تقول فاطمة: "أحيانًا أشعر أنني تركت الحرب لأدخل حربًا أخرى، حرب البقاء".
هذه المآسي اليوميّة تسلط الضوء على واقعٍ مرير تواجهه الأسر النازحة، حيث يصبح الأطفال ذوو الإعاقة الضحايا الأكثر تهميشًا في ظل غياب الدعم الطبي والاجتماعي الضروري.
وفقًا لمصدر مسؤول في وزارة الشؤون الاجتماعية لموقع "الحرة"، فإن "الجهود تُبذل لتأمين مساحات خاصة للأطفال ذوي الإعاقة في مراكز الإيواء، خصوصًا أولئك الذين يعانون من حالات خاصة".
ويشير المصدر إلى أن الوزارة "تعمل على توفير غرف مهيأة لهذه الفئة لضمان بيئة تشبه بيئتهم المعتادة. ولكن يبقى التحدي الأكبر في استدامة هذا الدعم وسط الموارد المحدودة والتحديات الاقتصادية".
المبادرات الحكومية والتمويل الدولي
وأكد وزير الشؤون الاجتماعية، فيكتور حجار في وقت سابق أنّ "الوزارة بدأت بتنفيذ سلسلة من المساعدات المالية المخصصة لحاملي بطاقات الإعاقة، سواء كانوا نازحين أم لا، وتشمل هذه المساعدات: مساعدة مالية طارئة بقيمة 100 دولار لحاملي بطاقات الإعاقة، تمويل شهري بقيمة 40 دولارًا للأطفال ذوي الإعاقة بين 0-14 سنة، بدعم من اليونيسف بالإضافة إلى تمديد الدعم للشباب ذوي الإعاقة بين 15-30 سنة، بتمويل من الاتحاد الأوروبي وهولندا".
ورغم هذه الجهود، يشير المحامي شربل شواح في حديث لموقع "الحرة" إلى أن "الاستجابة القانونية والمالية الحالية لا تزال غير كافية لتلبية احتياجات الأطفال ذوي الإعاقة"، ويضيف "أن القوانين اللبنانية، مثل القانون رقم 220/2000، تضمن حقوق هذه الفئة، لكنها تفتقر إلى آليات تنفيذ فعّالة، خاصة في ظل النزاعات".
وأكد شواح أن "الإصلاحات مطلوبة لضمان حماية الأطفال ذوي الإعاقة في لبنان، يجب اتخاذ خطوات ملموسة على المستويات القانونية والاجتماعية، منها: تعديل القوانين لتشمل احتياجات الأطفال ذوي الإعاقة في النزاعات. إنشاء مراكز متخصصة توفر خدمات شاملة لهذه الفئة. تعزيز الشراكات مع المنظمات الدولية لزيادة التمويل والدعم ونشر الوعي حول حقوق الأطفال ذوي الإعاقة لضمان وصول الأسر إلى الدعم اللازم".
الأطر القانونية: بين النظرية والواقع
على المستوى القانوني، وبحسب شواح، "يتمتّع الأطفال ذوو الإعاقة بحماية مضمونة في الدستور اللبناني والقوانين المحلية، بالإضافة إلى الاتفاقيات الدولية مثل اتفاقية حقوق الطفل واتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة".
لكن "تطبيق هذه القوانين يواجه عوائق كبيرة، منها: ضعف الموارد المخصّصة لتنفيذ القوانين، التمييز في الوصول إلى الخدمات، ونقص الوعي القانوني لدى الأسر، مما يحدّ من قدرتها على المطالبة بحقوقها"، وفق المتحدث الذي يؤكد أن "المجتمع المدني والمبادرات المجتمعية تلعب دورًا أساسيًا في تأمين بيئة حاضنة لذوي الاحتياجات الخاصة".
مبادرات إنسانية
يروي سامر لموقع "الحرة"، وهو والد طفل مصاب بالتوحّد نزح من بعلبك إلى دير الأحمر، تفاصيل معاناته اليومية مع ابنه مجد. ويوضح أنّ "المدرسة التي تحوّلت إلى مركز إيواء تفتقر إلى البنية التحتيّة المناسبة لاحتياجات الأطفال ذوي التوحد"، فيقول: "لا يوجد مكان مخصّص لابني. صراخه المستمرّ يزعج الآخرين، وأنا أشعر بالعجز التام عن مساعدته".
في ظل هذه الظروف، برزت مبادرة إنسانية تحمل اسم "آدم"، أطلقها الدكتور علي زبيب، بهدف دعم الأطفال النازحين المصابين بطيف التوحد. المبادرة تسعى إلى توفير بيئة تعليميّة وتأهيليّة تلبي احتياجاتهم الخاصة، مع التركيز على تدريب الأهل وتمكينهم من التعامل مع تحديات أطفالهم بشكل أفضل.
وفي حديثه لموقع "الحرة"، يوضح زبيب أنّ "المبادرة تهدف إلى تخفيف الأعباء النفسيّة والاجتماعيّة على الأطفال وأسرهم، لكنها تواجه تحديات كبيرة تتعلق بضرورة تأمين دعم مادي وإستراتيجي أكبر لضمان استمراريتها وتوسيع نطاق خدماتها لتشمل أكبر عدد ممكن من الأطفال المتضرّرين".
وبينما تزداد معاناة الأطفال ذوي الإعاقة في لبنان بسبب النزاع، يبقى الحل في تكاتف الجهود بين الحكومة والمجتمع المدني والمنظّمات الدوليّة لضمان وصول هذه الفئة إلى حقوقها الأساسيّة.
قصّة مجد ومبادرة "آدم" تمثّلان أملًا صغيرًا وسط واقع صعب، لكنهما تذكراننا بأنّ حماية حقوق الأطفال ليست مجرد التزام قانوني، بل واجب إنساني يجب أن نسعى إلى تحقيقه.