جمع الكاتب الشاب ثلاث شخصيات فلسطينية لاجئة: يوسف وسعيد ومريم؛ يمثل كل منهم حالة فلسطينية خاصة، أما يوسف فهو ابن بيت لحم المولود والمقيم فيها، من أصول لاجئة، في حين وفد سعيد مع العائدين عام 1994، ضمن مناضلي الثورة الذين شهدوا اجتياح لبنان عام 1982، في حين تمثل مريم اللجوء المتكرر، من لجوء الى الكويت والعراق وفرنسا، حيث تقيم هناك في باريس.

وأقام الكاتب علاقة حوارية عن المكان-الوطن، ما بين يوسف وسعيد عن التحولات هنا بعد قيام السلطة الوطنية، في حين أخذ الحوار مع مريم شكلا رومانسيا ووطنيا، وهو وإن ظل مجرد حوار في الفضاء الافتراضي الأزرق، فإنه كان له أثر على شخصية يوسف، التي صارت حيوية أكثر بوجود المرأة-الأنثى في فضائه الافتراضي، وهو الذي ظل وجود المرأة في فضائه الحقيقي محدودا.

بنى الكاتب في روايته أولا على التحول السياسي الفلسطيني، الذي بدأ الى الظهور عام 1993، عام توقيع اتفاقية أوسلو للسلام. في حين أفسح المجال ثانيا للحديث عن علاقة عاطفية عن بعد، لم يتحقق منها على أرض الواقع سوى بضع دقائق حين التقيا على هامش معرض الكتاب في عمان-الأردن، لم يتم فيها سوى النظر فقط.

الفكرة الأولى تلخصها هذه العبارة صفحة:175 "لم يدرك سعيد أن البلاد التي لم تعد تعجبه، هي ذاتها البلاد التي كانت تدهشه وهي تطحن سنوات عمره يوما وراء يوم.."

أما الثانية فتجلت في العلاقة العاطفية في التواصل الاجتماعي الذي ظهر فيه ميل عاطفي ملتبس لدى يوسف، وميل وطنيّ لدى مريم، يصاحبه الحنين، حتى وإن كان التعبير عنه متكلفا.

نقطة قوة الكاتب بهاء رحال هنا، هي في الوصف، والانطلاق من الذات، وهي تحمل إمكانيات قوية مستقبلا في سبر شخصياته، وإن كان من المهم أيضا سرد أحداث في الرواية، كذلك بناء علاقات بين الشخصيات.

مقتربا من نفس الراوي، راح الكاتب يحاول الاقتراب من الشخصيات والتحولات التي وجدت نفسها فيها، تماما كما علاقة يوسف بأكثر من امرأة، وبشكل خاص مع مريم. فكما إن العاطفة التي تنشأ عن بعد لا تكون واقعية، ولا تبرز أحداث وأفعالا وردود أفعال، فهكذا كان حال الراوي-الروائي مع الشخصيات والأحداث، حيث وجدناه يتحسس ملامحها لا يغوص بها كما ينبغي لروائي أن يفعل، كأنه رسام تجريدي يرسم الملامح لا التفاصيل.

تعبر شخصيات "يوسف" و"سعيد" و"مريم" بشكل أساسي، هي أهم الشخصيات التي يمكن تناولها؛ فيوسف المقيم في بيت لحم، واللاجئ من قريته...في فلسطين المحتلة عام 1948. كانت وصف الكاتب لسياق حياته اليومي موفقا، لكن تكلف حين تحدث عن اللجوء، الذي لم يمنحه ما يكفي، حتى عندما تسلل وزار قريته الأصلية التي هجرت أرته منها.

رسم الكاتب شخصية يوسف الذي يعيش وحيدا، عزل نفسه، اختبر الحياة في العمل، درس اللغة، لسبب غير كاف في الرواية يفصل من عمله في الجريدة. رجل في الأربعين، تظهر شخصيته النضالية (التي لم نعرف عنها) الا أنه اعتقل 4 سنوات أثناء انتفاضة عام 2000، فيروي الكاتب كيف أن سنوات المعتقل أثرت على حياته، لدرجة أن الكاتب اختار عنوان الرواية: الليل الأزرق، تعبيرا عن ظلمة السجن.

يتعرف على مجموعة مثقفين، ينجذب لسوزان شقيقة سوار في أول لقاء يضم المجموعة، لكن سرعان ما تسافر، فيستبدل ميله لها بالميل لشقيقتها سوار. قدّم الكاتب يوسف مثقفا سرعان ما صار روائيا. لكن رغم بعض هذا النشاط إلا أن يوسف يظل محدود التواصل الحقيقي، سوى مع صديقه سعيد، فيعوض يوسف التواصل الطبيعي بالتواصل في العالم الافتراضي، فيكون اللقاء مع مريم في الفضاء الأزرق.

أما سعيد، الستيني المناضل العائد الى وطنه، والذي تم تقديمه كعسكري متقاعد، فقد تم وصفه بالمتذمر من الوضع العام، من منطلق وطني، لكن للأسف تم ذلك بشكل متكلف؛ فهو وقد عاد الى الوطن كان يدرك ما يعيشه، وكان متقبلا به وصولا لمنصب لواء، فليست هناك مصداقية لا في سلوكه، وقد انسحب ذلك على الوصف، فجاء متكلفا، فلم يحدث عنده هذا الصراع في رؤية الوطن، إلا بعد تقاعده. كانت شكواه شخصية، أكثر منها وطنية، فشخصية وصلت رتبة لواء، تكون قد تفهمت ما حدث بعد أوسلو 1993، لماذا يبدو الأمر مفاجئا. كما امتدت حالة الشكوى والإحباط إلى عجزه الجنسي فينقل للمستشفى نتيجة تعاطيه المقوي الجنسي الحبة الزرقاء المشهورة بالفياغرا، حيث يتندر عليه يوسف.

يربط الكاتب مصير سعيد، بمصائر آخرين عاشوا حياته النضالية، وانقطعت المسيرة بهم، مثل زياد صديقه الذي جمعتهما الثورة في بيروت، وتفرقا بعد الخروج من لبنان، ليكون مصير صديقه هو العيش في الولايات المتحدة، حيث يلتقيان بعد سنوات في رام الله، حيث يزور زياد الوطن. بيروت. يستعيد مشقة القدوم الى بيروت مرورا بعدد من العواصم صيف 1982، مستخدما أكثر من جواز سفر. كما يستعيد سعيد بعض الذكريات خاصة قصة حب قصيرة مع لبنانية.

في إقامته في بيت لحم، بالرغم من معاناته الشخصية والعامة، ما زال يحتفظ سعيد بالأمل، وتكون دعوات العجوز بالإفراج عن ابنها بمثابة أملا له كذلك.

ما عاشه الصديقان من حياة، جعلهما يتحركان في نطاق محدد، حيث أنهما أصبحا خراج سياقهما الاجتماعي، لكن في الوقت نفسه، لا يشكل موت الوالدين سببا للانكماش، ولا التقاعد.

الشخصية الثالثة، مريم من أسرة لاجئة، من فلسطين الى الكويت الى باريس، حيث تعمل طبيبة. مريم مطلقة. مثقفة ترتبط ثقافيا وإنسانيا مع يوسف. لا يلتقيان إلا في نهاية الرواية، دون أن يتحدثا، حيث يلتقيان في ندوة. ترتبط بمريم شخصيات نسوية، أمها، وجويس، وسيلينا. تزور جويس فلسطين ضمن حملات التطوع الدولية.

وبعد، إذا وجدت الشخصيات في الحياة، في محيط الكاتب فعلا، فإنها في عالم السرد الروائي يجب أن تكون مبنية وفق سياق يقود الى غاية ما، لعلها مقولة الرواية، ورسالتها. وهذا ما لم يتوفر إلا بشكل محدود.

يوسف وسعيد، ويوسف ومريم، ما الذي أراد به الكاتب من بناء للشخصيات وعلاقاتها؟

ثمة تشابها في صراعات داخلية واغتراب لكليهما، كل على حدة، لكن إذا كان الكاتب يريد التعبير عن الصداقة، لمجرد الصداقة، فهذا لم يتحقق، بل ظهر في النص ما يخبئه يوسف عن سعيد، كذلك لم يكن كلاهما ذا تأثير حقيقي في حياة أي منهما. فلا يمكن لعلاقة ثقافية أن تصير بديلا عن بناء حياة إنسانية ممكنة، ويمكن التعبير السردي عنها. أما علاقة يوسف بمريم، فكانت علاقة افتراضية، لا واقعية، هي مجرد تبادل رسائل لم ترتق لعلاقة إنسانية فضلا عن كونها غير عاطفية.

أما التحولات التي ظهر الحديث عنها من خلال سعيد بشكل خاص، فلم تكن ظاهرة بما يكفي، ودلالة ذلك، إنه إذا قرأ الرواية من ليس له علم بتاريخ فلسطين آخر 3 عقود، فلن يلمس تلك التحولات، والتي وجدت فقط لدى الكاتب، ولم تتجل في النص. ويبدو أن نور ابنة سعيد المتقاعد العسكري، قد نجت بنفسها باختيارها مكان جديدا وزمان كذلك.

أما المكان، فربما نجح في التعبير عن المكان التلحمي، وقليلا عن باريس، وهذا يتفق مع واقعية خبرة الكاتب، ففي الوقت الذي استطاع التعبير عن بيت لحم، فإنه لم يعبر عن مكان مريم في باريس بشكل يمنح الخصوصية.

في الأسلوب:

مثّل الفصل الأول مقدمة سردية جميلة ومشوقة امتدت 14 صفحة، إن دل فإنما يدل على امتلاك الكاتب قدرة السرد، لكن بعد الاستمرار بالقراءة، يتغير الانطباع.

ترى ما الفكرة في هذا النص؟ وما السردية؟

نقبل عادة على قراءة الرواية كونها ممتعة ومشوقة من جهة، وكنها رافعة من روافع الفكر، بما يمكن أن توصلنا إليه من عمق رؤيا للحياة، أكانت وصفا أو نقدا، فلماذا الرواية؟ ما الذي تقوله؟ ما رسالتها؟

ماذا يعني وجود صديقين يبوحان بضيق ما ويتذمران؟

فمثلا بالنسبة لشخصية سعيد، كان ممكن سرد تجربته في الحصارين: بيروت 82 وكنيسة المهد في الانتفاضة الثانية، لكن ذلك لم يحدث. كما لم يصور الكاتب مثلا نضال يوسف ولا تجربة السجن، ولا استطاع بناء أي شكل إنساني أو عاطفي، فجاءت الشخصيات متشظية. ربما كانت بناء شخصية مريم مقبولة لولا التكلف في الشعور والأفكار. لقد جاء الحديث عن الشخصيات من خلال حديث الراوي، لا من خلال السرد.

كان من الممكن جعل تكرار حادثة الكلب الشبق، في الممارسة الوهمية مع الدمى رمزا ما لشخصية يوسف، لكن بناء شخصية يوسف، لم تكن منسجمة بما يكفي لتبرير رمزي ما ليكون خلفية إشارية إيحائية. لقد جاء ذلك متكلفا تم الزج به دون توظيف دلالي.

في الوقت الذي افتقر النص للسرد، راح الكاتب يستخدم صفحات مقالية، وصفحات أخرى كان من الممكن حذفها دون أن يؤثر ذلك على السياق الروائي. كما لم يعن سرد مقتل السيدة التلحمية أي شيء له علاقة بالرواية وسياقها.

لقد فجأنا الراوي بكون مريم روائية في صفحة 191، ثم فجأنا بإطلالة سوار في صفحة 221 التي كدنا ننساها في النص. لقد غابت ثم حضرت بلا معنى في الغياب والحضور.

أما اللغة فكانت مشجعة على القراءة، كونها لغة عادية ملائمة للسرد. يمتلك الكاتب لغة سردية مدهشة، لكنها لم تسرد ما يكفي لبناء رواية. الوصف وحده لا يكفي حتى ولو كان عميقا.

وللحق، فإن الكاتب الشاب يملك عنصرا آخر مهما، نتمنى أن يتم توظيفه، ألا وهو المونولوج، والحديث الداخلي التحليلي.

لقد ظهر "الليل الأزرق" من خلال الفضاء الأزرق في العالم الافتراضي، بسبب طول العلاقة بين يوسف ومريم. في حين لم نرى تجليات السجن على حياة يوسف، إلا إذا قصد أيضا برودة اللون الأزرق، والذي يعني يرودة الحياة وتوقفها.

*صدرت حديثاً عن "مكتبة كل شيء" في حيفا 2023 ووقعت في 250 صفحة من القطع المتوسط.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: شخصیة یوسف التعبیر عن بیت لحم ما یکفی من خلال فی حین

إقرأ أيضاً:

اللبنانية حنين الصايغ: رواية ميثاق النساء رسالة محبة للمجتمع الدرزي

منشغلة بما يعتمل في دواخل الإنسان وتعقيداته النفسية، تغوص الروائية اللبنانية حنين الصايغ (1986) بروايتها "ميثاق النساء" في المجتمع الدرزيّ الغني ثقافيا وروحانيا وإنسانيا، وتحاول تفكيك بنيته الاجتماعية والذهنية، من خلال بطلة روايتها "أمل بو نمر"، التي تعيش حياة ريفيَّة محافظة في قريتها في جبل لبنان، وفيها تشتبك بالعادات والتقاليد وبأسئلة الحياة التي يهرب منها الآخرون، لترسم لنفسها مستقبلا مخالفا للمستقبل الذي شكّله الأب لها ولأخواتها بصورةٍ تتناسب مع عالمه المحدود.

رواية "ميثاق النساء" الصادرة عن دار الآداب ببيروت سنة 2023 هي الإصدار الروائي الأول للكاتبة اللبنانية التي تعمل في التدريس والترجمة الأدبية، بعد 3 مجموعات شعرية: "فليكن" (2016)، و"روح قديمة" (2018)، و"منارات لتضليل الوقت" (2021).

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2الفانتازيا وتاريخ النكسة.. "صلاة القلق" تفوز بالجائزة العالمية للرواية العربيةlist 2 of 2المترجم سامر كروم: لماذا يحب العرب الأدب الروسي؟end of list

وبالإضافة إلى نجاح الصايغ عن طريق روايتها الأولى -التي تعتبرها رسالة محبة للمجتمع الدرزي- في بلوغ القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية لعام 2025، فإنها نقلت تفاصيل هذا المجتمع إلى القارئ الألماني، بعد صدور ترجمة "ميثاق النساء" باللغة الألمانية في مارس/آذار 2024 عن دار "دي تي في" (DTV).

عن روايتها -التي تقول إنها كُتبت بشفافية كبيرة وصدق مع الذات- وما يرتبط بها من موضوعات، كان للجزيرة نت هذا الحوار مع حنين الصايغ:

إعلان جئتِ إلى الرواية بعد 3 مجموعات شعرية، ما الذي تتيحه الرواية لحنين الصايغ ولا يتيحه الشعر؟

الشعر بطبيعته يميل إلى استخدام لغة مكثفة ومشفرة من أجل التعبير عن مشاعر غامضة ومتذبذبة، وغالبا ما تكون للقصيدة تأويلات بعدد قرائها. وأنا حين أكتب القصيدة لا يعنيني كثيرا كيف سيفهمها القارئ.

أما حين لجأتُ للرواية، كنت أسعى إلى الوضوح في التعبير عن أفكار وقضايا تؤرقني. وجمهور الرواية كثيرا ما يشتبك مع تلك المواضيع، فيؤيدها أو يعارضها، مما يساهم في انتشارها أكثر.

حين كنت أكتب الشعر، كان محيط قرائي محدودا جدا ولا يتخطى بعض الدوائر الثقافية، أما الرواية فجعلت لي جمهورا عريضا بين المحيط والخليج، لأن الأسئلة والقضايا التي طرحتها في روايتي تهم كثيرين بغض النظر عن انتماءاتهم وخلفياتهم الثقافية والاجتماعية.

بالإضافة إلى انشغالك بموضوعات الحرية وحقوق النساء، ما الذي يشغلك في العمل الإبداعي، سواء كان رواية أو شعرا؟

تشغلني دواخل الإنسان وتعقيداته النفسية. كما تشغلني الشخصيات المهمشة في الحياة وفي الأدب، ويهمني أن يتماهى القارئ مع الأفكار أو الشخصيات التي أقدمها في أعمالي الأدبية، لذلك لا تستهويني الفنتازيا ولا الدستوبيا كثيرا، وأميل أكثر للكتابة الواقعية.

يهمني أيضا أن يكون النص متعدد الطبقات بحيث يفهمه كل متلقٍّ حسب درجة وعيه وقدرته الأدبية. ولذلك أحاول أن تكون لغتي، رغم ولائها للمعايير الأدبية، متاحة للقارئ العادي ولا تتعالى عليه، وهي معادلة صعبة جدا.

كيف استقبلتِ خبر وصول "ميثاق النساء" إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية، وهل كنت تتوقعين أن يحظى عملك الروائي الأول بكل هذا الاحتفاء؟

تروَّيتُ كثيرا قبل كتابة هذه الرواية، ولم أبدأ بكتابتها إلا بعد أن أصبحت على يقين أنَّي سأقدم عملا أصيلا وناضجا، ومع ذلك فأنا بطبيعتي أُبقي توقعاتي منخفضة دائما، لذلك فاجأني الاحتفاء الكبير من النقاد والقراء والانتشار الكبير للرواية منذ الشهور الأولى لصدورها.

إعلان

أما أن تختار لجنة من نقاد ومترجمين من بلدان مختلفة الرواية كأحد أهم أعمال السنة، فهو شيء مفرح ويجدد أملنا في أن الأعمال الجيدة حتما ستنال نصيبها من الظهور والاحتفاء.

قلتِ في إحدى مقابلاتك السابقة أنك تكتبين لتفهمي العالم، هل ساعدتِك هذه الرواية على تعميق فهمك لعالم الدروز؟

لكي نتعاطف مع مجموعة من البشر، نحتاج إلى أن نعيش بينهم ونفهم دوافعهم قبل أن ننتقد بعض سلوكياتهم، وهذا ما حاولت فعله في روايتي. وعالم الدروز هو عالم غني ثقافيا وروحانيا وإنسانيا، ولكنه فقط المسرح الذي تدور عليه أحداث الرواية، والعمل الأدبي بطبيعته يتخطى حدوده الجغرافية والثقافية ويطرح قضايا عالمية تخص الإنسان على وجه العموم.

وقد أثبت التفاعل الكبير مع روايتي في ألمانيا بعد ترجمتها أن ثيمات الرواية لا تخص الدروز أو المجتمع العربي فحسب. وبالعودة إلى سؤالك، فقد ساعدتني هذه الرواية على فهم نفسي في المقام الأول. وفهم الذات هو الشرط الأول كي يفهم الإنسان العالم أكثر. والقدرة على التعاطف هي المفتاح الأول للفهم.

على ذكر ترجمة الرواية إلى اللغة الألمانية، كيف وجدت استقبال القارئ الألماني لها؟

أيضا في ألمانيا استُقبلت الرواية بحفاوة من النقاد والقراء، ولم يكن اهتمامهم بالمجتمع الدرزي ولا حتى بالمجتمع اللبناني ككل هو سبب احتفائهم بها، بل أشادوا بالقيمة الأدبية للعمل وبأهميته للمرأة في كل مكان في العالم، خاصة في ما يتعلق بسيكولوجية المرأة وثنائية الأمومة والشعور بالذنب.

كما أشادت قارئات كثيرات بثيمة الحرية التي تناولتها الرواية، إذ كانت رحلة "أمل" في الرواية هي رحلة تحرر داخلية قبل أن تكون رحلة تحرر من مجتمع أبوي أو زوج سلطوي.

وأثنى كثير من القراء على فكرة أن تحرر "أمل" لم يأتِ بسبب رجل منقذ أو منظمة نسوية، بل بسبب الصدق مع الذات والتعليم والعمل، مما يكسر الصورة النمطية عن المرأة في المجتمعات العربية.

إعلان يربط كثير من القراء بينك وبين بطلة الرواية "أمل بو نمر"، خاصة أنك رسمتِ لها مسارا مشابها لمسارك في الحياة، كيف تنظرين إلى هذا الربط؟

أنا لا أكتب إلا عما أعرف وعما أحس، لذلك من الطبيعي أن تتقاطع روايتي الأولى مع بعض الأحداث التي عشتها أو عايشتها. ولكن الرواية ليست سيرة ذاتية، لأنها تتكئ في مواضع كثيرة على الخيال وعلى اختلاق شخصيات وأحداث ليست موجودة في الواقع.

في معظم بلدان العالم، توقَّف النقاد والقراء عن البحث عن الكاتب أو الكاتبة بين سطور الرواية، لأن ما يعنيهم في المقام الأول هو جودة العمل أدبيا وإنسانيا.

ولكن لا يزال التلصص هو أحد الأمراض عند بعض القراء، الذين يفوّتون فرصة البحث عن أنفسهم في العمل الأدبي، ويبحثون -عوضا عن ذلك- عن الحياة الشخصية للكاتبة أو الكاتب. ولكن ليس لهذا وُجِد الأدب.

اللغة الشاعرية التي تميز هذه الرواية، تقطعها حوارات قصيرة باللهجة اللبنانية، ما أسباب هذا التوظيف؟

التأسيس الثقافي واللغوي للمكان الذي تدور فيه أحداث الرواية هو تقنية أدبية مهمة. ثم يأتي التأسيس للشخصيات، بأن تكون لكل شخصية صفاتها الخارجية وعوالمها الداخلية ولغتها الخاصة. واستخدام اللهجة القروية اللبنانية في بعض الحوارات كان يهدف إلى إضفاء مصداقية على الشخصيات والمكان الذي تدور فيه الأحداث.

تعتبرين "ميثاق النساء" رسالة محبة للمجتمع الدرزي المحافظ، كيف تلقّى هذا المجتمع رسالتك؟

الصدق هو أول شروط المحبة، سواء مع الذات أو مع الآخر. والصدق سلاح ذو حدين، فهو يلامس القلوب التي تتوق إلى الفهم والعقول التي تتطلع إلى التغيير.

ولكنه أيضا يصدم العقول المجبولة على الطاعة وتمجيد الجمود. وأنا كتبت "ميثاق النساء" بشفافية كبيرة وصدق مع الذات، والصدق مرآة يرى فيها الآخر حسناته وعيوبه بدون تجميل أو تزييف وبعض الناس لا تحب أن ترى عيوبها.

إعلان

بالطبع تعرضت الرواية لهجوم شديد من بعض الدوائر في المجتمع الدرزي التي لا تقبل النقد ولا تقبل حتى الإضاءة على مجتمع الأقليات، ولكن ذلك لا يُقارَن بالاحتفاء الشديد الذي لاقته الرواية، ليس فقط من مثقفات ومثقفين دروز، بل أيضا من شيخات درزيات كتبن لي رسائل مؤثرة جدا شكرنني فيها على تسليط الضوء على حيواتهن ومعاناتهن وصلابتهن.

مقالات مشابهة

  • "رسيني" لـ بهاء سلطان تستمر في حصد المشاهدات عبر "يوتيوب"
  • خالد الجندي يوضح شروط جواز رواية الحديث النبوي بالمعنى
  • جامعة دمشق تكرم الفريق البحثي الفائز بجائزة يوسف بن سعيد لوتاه للعلماء ‏الشباب عن فئة “الكيمياء الخضراء”‏
  • اللبنانية حنين الصايغ: رواية ميثاق النساء رسالة محبة للمجتمع الدرزي
  • وفاة الكاتب الرياضي محمد الشنيفي
  • “الحوت الأزرق”.. الصين تكشف غواصة خارقة تتحدى الأعاصير
  • الموسم بدأ.. الفوائد الصحية لأكل التوت
  • "رسيني "و "اترموا".. أنجح أغاني ألبوم بهاء سلطان تتصدر المشهد بفضل ألحان مدين
  • المجد للبندقية التي حرست المواطن ليعود الى بيته الذي كانت قحت تبرر للجنجويد احتلاله
  • الكاتب واليسناريست أحمد فوزي صالح: مسلسل ظلم المصطبة مكتوب من 7 سنوات