التكايا موروث تاريخي لمجابهة أزمات السودان
تاريخ النشر: 31st, October 2024 GMT
الخرطوم- بتعب بادٍ على محياها، تتحدث السودانية "زينب" (اسم مستعار) عن اعتمادها على تكية الحي الذي تقيم فيه بأم درمان لإطعام أطفالها التسعة.
وتقول السيدة للجزيرة نت إنها منذ أشهر لم تطبخ الطعام في المنزل، لأنها لا تملك ما تعد به الوجبات، لذلك تأتي للتكية يوميا وتأخذ وجبتَي الفطور والغداء، وبفضلها لا تجوع هي ولا أبناؤها.
ومع طول أمد حرب السودان منذ منتصف أبريل/نيسان 2023، وتحذيرات منظمات أممية من أن نحو 97% من السكان يواجهون "مستويات خطيرة من الجوع، ونحو 25 مليون شخص يواجهون انعداما حادا للأمن الغذائي"، برز دور التكايا في عدد من المناطق، خاصة التي تشهد معارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
ملاذباتت التكايا ملاذا لبعض المواطنين والنازحين موفرة العلاج والطعام، حيث تقدم وجبات مختلفة كالفول المصري والعدس والأرز.
وفي مدينة أم درمان غربي العاصمة الخرطوم كانت تكية "مسيد شيخ الأمين" في حي بيت المال، الذي لم يغادر سكانه مع اندلاع الحرب، وظل المسيد (المصلى وخلوات تحفيظ القرآن الكريم والضيافة) ملاذا يقدم الطعام والدواء.
وقال الشيخ الصوفي الأمين عمر الأمين -للجزيرة نت- إن تكية المسيد من أوائل التكايا المستمرة منذ عام، وتقدم 3 وجبات إلى جانب العلاج وصرف الدواء مجانا عبر أطباء وصيادلة، لنحو 5 آلاف شخص.
وأضاف أنه منذ نشأة المسيد عام 1992 زاوية صغيرة، كانت بها تكية، ولكن ليست بسعتها الحالية بعد الحرب، وأنهم بدؤوا بتقديم مائدة رمضان وتوسعت خدمات تقديم الوجبات مع توافد أعداد المتأثرين بالحرب.
ويعمل القائمون على التكايا في ظروف بالغة التعقيد، لا سيما في المناطق التي تقع تحت سيطرة قوات الدعم السريع، ويواجه العالقون فيها شحا في الغذاء والدواء مع انتشار الأوبئة وانقطاع خدمات الاتصال والكهرباء والمياه، إلى جانب ارتفاع أسعار السلع الغذائية، مما أدى إلى توقف عدد من التكايا بالخرطوم، خاصة في مناطق "جنوب الحزام".
غرف طوارئوفي وقت سابق، قالت غرفة طوارئ الجريف -للجزيرة نت- إنها تدعم 18 مطبخا توقف معظمها "لضعف التمويل والنهب المستمر من الدعم السريع"، مما يهدد الأمن الغذائي لنحو 7 آلاف أسرة تعتمد على تكية المنطقة. ويعتمد معظم العاملون في التكايا على جمع التبرعات من الخيرين.
ومن شمالي أم درمان، تبرز تكية "فكة ريق" بمسارات مختلفة لتقديم العون للنازحين والمتضررين من الحرب.
ويقول عثمان الجندي -للجزيرة نت- إن التكية تقدم الغذاء والكساء والدواء، وتدعم النساء الناشطات اقتصاديا بتمويل مشاريعهن الإنتاجية وتسويقها في مناطق سكنهن لمساعدتهن على الخروج من دائرة الفقر.
ووفق الجندي، تقدم تكية "فكة ريق" وجبات متنوعة لأكثر من 300 عائلة بمعدل 5 أشخاص في الأسرة الواحدة، وتتضمن الفول والعدس والأرز والمعكرونة، وذلك بدعم من الجهات الرسمية والخيرين في الداخل والخارج.
لم تكن التكايا وليدة تداعيات الحرب، ووفق الشيخ الأمين عمر، فإن تاريخها ضارب في القِدم منذ دخول الإسلام السودان وبدأت عبر الطرق الصوفية، وهي إرث صوفي، وأي "مسيد" يجب أن تنشأ معه التكية. وارتبطت بـ"الزعماء الدينيين" وشيوخ هذه الطرق وخلوات تحفيظ القرآن الكريم.
من جانبه، وصف الكاتب الصحفي محمد مصطفى جامع -للجزيرة نت- التكايا بأنها أحد مظاهر التكافل المجتمعي الذي اشتهر به السودان على مدى التاريخ، وبعد الحرب صارت مصدر إعاشة رئيسيا لآلاف الأسر التي تقطعت بها السبل في مناطق الحرب في الخرطوم ودور الإيواء.
وأضاف أن معظم الناس في مناطق الحرب فقدوا مصادر دخلهم بفعل النهب الممنهج وهجمات الدعم السريع على الولايات الآمنة، الأمر الذي تسبب في ازدياد حجم المحتاجين للمساعدات الإنسانية.
ومع اتساع رقعة تقدم الجيش، يقول وزير الرعاية والتنمية الاجتماعية بولاية الخرطوم صديق فريني إن أرقام التكايا في تزايد مع ارتفاع عدد المستفيدين من خدماتها، وإن طبيعة الصراع جعلت الولاية تفكر في جعل التكية النموذج المعتمد للعون الغذائي.
وأضاف -في حديثه للجزيرة نت- أن عدد التكايا النموذجية في العاصمة 7 والخيرية 314، وأن عددها متغير، "وتحظى جميعها باهتمام والي الخرطوم عبر تقديم الدعم العيني والمالي". وبرأيه، فإن تجربة التكايا تعبير دقيق عن تقدّم المجتمع على الدولة في المبادرة، وأثبتت قدمه في إغاثة الملهوف وإطعام الجائع، وهي نموذج متقدم في العون الإنساني.
ووفقا لفريني، بلغ عدد المتلقين للوجبات الجاهزة من التكايا حتى الأسبوع الماضي 75 ألفا. و"بعد اعتداءات الدعم السريع على قرى شرق ولاية الجزيرة، زاد عدد المترددين عليها بمعدل 10 آلاف، يجري حصرهم والترتيب لاستيفاء احتياجاتهم".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الدعم السریع للجزیرة نت فی مناطق
إقرأ أيضاً:
هل تسعى الدعم السريع لتقسيم البلاد؟
مع تسارع الأحداث بالسودان، بين التقدم الميداني المتواصل للجيش السوداني وارتفاع مستويات النشاط السياسي الإقليمي لإيجاد مسارات تؤدي لإنهاء الحرب الأهلية، برز تفصيل جديد مرتبط بسير الأحداث العامة يبدو أنه سيكون له أثر كبير، على الأقل في الوقت الحالي، على مجريات الأحداث. دخلت كينيا، الدولة الواقعة إلى الجنوب الشرقي لجنوب السودان، على خط الحدث السوداني، واستضافت مؤتمرا ضم قوات الدعم السريع، أعلن فيه عن توجه لتشكيل حكومة سودانية موازية. ماذا يعني هذا الكلام؟ وهل يتجه السودان نحو تقسيم جديد؟
اتهمت الحكومة السودانية كينيا بانتهاك سيادة السودان، من خلال استضافة حدث يرتقب أن تعلن خلاله قوات الدعم السريع حكومة موازية الجمعة.
وأدانت الخارجية السودانية كينيا لسماحها باستضافة الحدث، وفي بيان صدر مساء الثلاثاء قالت الوزارة “هذا يعني تشجيع تقسيم الدول الأفريقية وانتهاك سيادتها والتدخل في شؤونها، في خرق لميثاق الأمم المتحدة والأمر التأسيسي للاتحاد الأفريقي والقواعد التي استقر عليها النظام الدولي المعاصر”.
الحكومة الموازية التي يعتزم الدعم السريع ومجموعة من القوى السياسية والحركات المسلحة الإعلان عنها في مناطق سيطرة الدعم السريع، تأتي في وقت عصيب يمر به السودان حيث تعاني البلاد من انقسام سياسي وفوضى أمنية.
ويأتي قرار قوات الدعم السريع بالتوقيع على ميثاق مع الفصائل السياسية الموالية لها وإعلان حكومة في الأراضي التي تسيطر عليها، في الوقت الذي تسعى فيه إلى تعزيز قبضتها على دارفور ما سيؤدي فعليا إلى تقسيم السودان.
“نظام حكم جديد في السودان”
عبد العزيز الحلو، رئيس الحركة الشعبية شمال، وهي إحدى التشكيلات التي شاركت بالمؤتمر في كينيا وقاتلت الحكومات السودانية المتعاقبة من قواعدها في جبال النوبة، تعهد بالعمل على وضع نهاية للحروب في السودان، والانخراط مع الأطراف الداعية لبناء نظام حكم جديد في البلد.
وأكد الحلو في خطابه خلال فعاليات توقيع ميثاق تشكيل حكومة مدنية في السودان في العاصمة الكينية نيروبي الثلاثاء، أن “الحركة الشعبية شمال ستعمل مع الأطراف السودانية لوضع حلول جذرية لأزمة البلاد”، التي قال إن جلها يتمثل في “هيمنة المركز وتجاهل قضايا الهامش ومحاولة فرض دولة دينية في بلد متعدد الأعراق والثقافات”.
وأضاف الحلو أن الحرب كشفت عن جوهر الصراع في السودان، موضحا “السودان يعيش صراعا بين المركز والهامش، مركز استأثر بالسلطة والثروة والتفوق الاجتماعي، وهامش محروم من كل شيء”.
وقال الحلو “نحن بحاجة إلى دستور جديد وصياغة عقد اجتماعي جديد من شأنه أن يحل السؤال الأبدي حول كيفية حكم السودان”.
كما قدم متحدثون آخرون قوات الدعم السريع على أنها حركة مؤيدة للديمقراطية، وبُثت صور عدة خلال الاجتماع لزعيم المجموعة محمد حمدان دقلو من شاشة ضخمة وسط هتافات صاخبة.
“حكومة موازية ستؤدي للتقسيم”
صحيفة “نيويورك تايمز” اعتبرت في تقرير أن السودان بات على طريق التقسيم، حيث أن الجماعات الانفصالية التي شاركت في مؤتمر كينيا اقتربت الثلاثاء من الإعلان عن حكومة انفصالية.
وجاء في تقرير الصحيفة أن اجتماع كينيا جاء بمثابة “لحظة رمزية مذهلة” لقوات الدعم السريع، التي تعاني من ضربات مستمرة من الجيش السوداني ومن خسارات متتابعة لمواقعها في عدد من المحاور.
وعليه، تأمل الدعم السريع إنهاء سلسلة الهزائم وتعزيز مطالبها بالحكم، من خلال تشكيل حكومة تسيطر من خلالها على المساحات الشاسعة التي تسيطر عليها من السودان.
ومنذ نيسان/أبريل 2023، تسببت الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع بمقتل عشرات الآلاف وتشريد أكثر من 12 مليون شخص، وبأكبر أزمة إنسانية في العالم.
وفيما يسيطر الجيش على شرق وشمال السودان، تسيطر قوات الدعم السريع على كل منطقة دارفور تقريبا ومساحات من الجنوب. وفي الأسابيع الأخيرة، قاد الجيش هجوما في وسط السودان واستعاد المدن الرئيسية وكل العاصمة الخرطوم تقريبا.
مونت كارلو
إنضم لقناة النيلين على واتساب