#تأملات_قرآنية
د. هاشم غرايبه
يقول تعالى في الآية 38 من سوة الحج: “إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُور”
إن من يرى كيف بلغ الإسلام مغارب الأرض ومشارقها، فلم تعد بقعة في الأرض تخلو من مسلمين، ويدرك كيف تمكن في نفوس المؤمنين بالله، حتى باتت لا تقدر عليهم أعتى القوى،…لا شك سيحمد الله الذي صدق وعده للمؤمنين الأولين الذين دخلوا الإسلام متسترين خوف أن يتخطفهم الناس، فربط على قلوبهم إذ قال: “وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا” [النور:55]، فصبروا على دينهم حتى اشتد ساعده، ثم انتشر حتى وصل ديارنا وأكرمنا الله بان هدى أجدادنا إليه، فصرنا بفضله تعالى مسلمين.
منذ اليوم الأول لانبثاق الدعوة، تحالف الطغاة مع المترفين وانضم إليهم ذوو النفوس الضعيفة المنقادة الى الشهوات، وشكلوا معسكرا شرسا ناصب منهج الله العداء، ولم يتركوا في سبيل القضاء على دعوة الدين الى الإصلاح وتزكية النفوس سلاحا إلا استخدموه.
ولأن الله لا يخلف وعده، لذلك فانتصار الإسلام أمر محتوم، سواء كان متبعوه أقوياء ممتلكين لوسائل القوة والغلبة، أو مستضعفين في الأرض ليس لهم من حول ولا قوة، فالنصر من عند الله أولا، وليس شرطه التفوق في القوة ثانيا.
لا شك أن سر ثبات المؤمنين رغم قلة عددهم وضعف إمكانياتهم مقابل تفوق جحافل الباطل، يعود الى محبة الله لهم، ورأفته بهم.
ولأن الله رحيم بعباده جميعا، فهو لا يكره أحدا منهم، لكن يكره أفعال الظالمين منهم، والتي وصفها بصيغة المبالغة (خوّان) أي الخائن المقيم على الخيانة.
السؤال هنا لماذا اعتبر الله الكافر خائنا وليس عاصيا؟.
عندما خلق الله نفوس البشر من ذرية آدم، وذلك قبل تخلقهم الفعلي في الحياة الدنيا كأجساد، سألهم: “أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ” فأقروا بذلك: ” قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا”، فرد عليهم تعالى بأن ذلك عهد عليهم لا ينكرونه يوم القيامة: “أن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ” [الأعراف:172].
قد يقول قائل: إنني لا أذكر أنني قد سُئلت هذا السؤال من قبل.
الجواب أن النفوس لم تكن مجسدة بحواس تسمع وتنطق، لذلك فقد كان ذلك الإشهاد بصورة فطرة مودعة في النفس، والفطرة مُلزِمة، ليس متاحا للنفس قبولها أو رفضها، من هنا سمي ذلك إقرارا.
بناء على ذلك فقد اعتبر الله تعالى من يخون العهد الذي عاهدت به النفوس خالقها بأن تؤمن به خالقا وإلهاً، خائنا، وعندما ترفض النفس بعد تجسدها وخروجها الى الوجود الدنيوي بصورة الإنس الإيمان، ثم لا تكتفي بذلك بل تحارب منهج الهداية وتسعى لرد المؤمنين عن إيمانهم، تكون قد أصرت على الخيانة المكررة، لذلك سمى الله الكافر خوانا وليس خائنا فقط.
لذا فالجدل في هذه المسألة، ينحصر في أنه هل الإيمان فطري أم مكتسب؟
المؤكد لعلماء الإنسان، أن الحاجات الفطرية الأساسية والثانوية، يجري إشباعها حسب قوة الدوافع تسلسليا، وأهمها ما يؤمن حياته بتوفير القوت، ثم أمنه وسلامته مما يهدد حياته، ثم بقاء نوعه بالتناسل والتكاثر، بعد ذلك يتفكر بسبب وجوده ومن الذي أوجده، وعندما يلاحظ أن كل الأشياء سواء الجمادات أو الأحياء محكومة بأنظمة صارمة تحكم كل علاقاتها ببعضها، يستنتج حتمية وجود من أوجدها ونظم علاقاتها، وهو بالقطع الضابط لدوام ذلك، هذا الاستنتاج نابع من تلك الفطرة الإيمانية المكنونة في النفس البشرية.
ولعل ذلك يرد على الإعتقاد البائس لمنكري وجود الله، بأن البشر هم الذين اخترعوا الآلهة.
إن من رحمة الله بعباده ومحبته لهم أنه ما خلقهم إلا ليسعدهم، ففي الدنيا سخّر لهم كل شيء، وهداهم لنيل ثوابه العظيم في الآخرة، أنه لم يكتفِ بما أودعه فيهم من فطرة إيمانية، بل أتبعها بهدي مباشر منه، عبر رسل وأنبياء أرسلهم تترى، لهدي البشر الذين رفضوا الإستجابة للفطرة، لذلك كان الإيمان استجابة فطرية أولا، ثم قناعة معززة بالأدلة العقلية والإثباتات المادية (المعجزات) ثانيا.
بعد كل ذلك، أليس صحيحا: “إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ” [غافر:61]؟. مقالات ذات صلة مقاومة المَدّ الإسرائيلي: العودة إلى الخيار القومي ؟؟ 2024/10/31
المصدر: سواليف
إقرأ أيضاً:
حزب الله يستعيد توازنه في مواجهة إسرائيل وليس مستعجلاً لوقف النار
أكد مصدر سياسي لبناني على صلة وثيقة بـ"الثنائي الشيعي"تراجع فرص الحل السياسي، قائلاً إن «الكلمة الفصل تبقى أولاً وأخيراً للميدان، ما دام أن رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو ماضٍ في تدميره وجرفه للبلدات الواقعة على طول الخط الأمامي قبالة الشمال الإسرائيلي؛ لفرض أمر واقع يتيح له السيطرة بالنار على جنوب الليطاني وامتداده إلى شماله، لتفريغ الجنوب من سكانه وتحويله أرضاً محروقة؛ بغية فرض شروطه لتطبيق القرار الدولي 1701».
ويكشف المصدر لـ«الشرق الأوسط»، أن «حزب الله» أجرى تقويماً للمسار العام لحربه مع إسرائيل، «وتمكنت قيادته العسكرية من تجاوز الأخطاء التي أدت إلى إحداث خلل في المواجهة، وبدأ يستعيد توازنه في الميدان، حيث تمكن في الأيام الأخيرة من الأسبوع الفائت من تحقيق تقدم تمثل بإلحاق خسائر غير مسبوقة بالجيش الإسرائيلي».
ويؤكد المصدر لـ«الشرق الأوسط» أن الحزب «استطاع أيضاً تصحيح الخلل الناجم عن انقطاع التواصل بين غرفة عملياته المركزية وبين مجموعاته المنتشرة على امتداد خطوط المواجهة مع إسرائيل، وتمكن من تبديل معظم المجموعات المرابطة على خط المواجهة، بتطعيمها بوحدات من قوة الرضوان أدت إلى تحصين تموضعها في الخطوط الخلفية لخفض الخسائر البشرية المترتبة على اندلاع الحرب في أسابيعها الأولى».
ويوضح أن القيادة العسكرية زوّدت مقاتليها «بأسلحة صاروخية متنوعة ومتقدمة؛ ليكون في وسع المجموعات المتقدمة على طول هذه الخطوط، التدخل في الوقت المناسب للتصدي لوحدات الكوماندوز الإسرائيلي لدى توغلها لاحتلال النقاط الاستراتيجية الواقعة على أطراف البلدات المطلة على نهر الليطاني، مؤكداً أن الحزب في تقويمه مسار المواجهة توصل إلى تبيان الثغرات وأوجد الحلول لها بما يسمح له بالتصدي لإسرائيل ووقف توغلها في عمق الجنوب».
ويلفت المصدر إلى أن «إعادة تموضع المجموعات تلازم مع إعادة انتشارها في مواقع محدثة على طول الخطوط الخلفية. ويؤكد أنه تم تدعيم خلاياها النائمة على نحو يسمح لها باستهداف معظم المستعمرات الإسرائيلية الواقعة على تماسٍ مباشر مع الحدود اللبنانية؛ ما يعني أن تدميرها وجرفها للبلدات الأمامية لم يمكّناها من الضغط على المقاومة لإخلاء مواقعها التي تبقيها تحت نارها».
وأكد المصدر إشراف «خبراء» من «الحرس الثوري» على المعارك التي يخوضها الحزب في جنوب لبنان، لكنه نفى وجود مقاتلين إيرانيين.
ورداً على سؤال عن التقارير الغربية عن وجود متطوعين إيرانيين للقتال في لبنان، قال المصدر إن «لا أساس لكل ما يقال على هذا الصعيد». وسأل: «إذا كان هذا صحيحاً، فهل يُعقل أنه لم يسقط في المواجهة سوى مقاتلين من الثنائي الشيعي؟ ولو كان صحيحاً هل يمكن إخفاء مقتل أي إيراني في بلد يوجد على أرضه أجهزة مخابرات متعددة من كبرى الدول التي لا هم لبعضها سوى التقصي عن كل ما يتعلق بأنشطة الحزب وتتابع سير المعارك على أرض الجنوب؟».
لكنه أقر بوجود «خبراء» من «الحرس الثوري» الإيراني «يشرفون على سير المعارك، إلى جانب كبار القياديين العسكريين في الحزب». ويقول: «إننا لا نخفي أسماء الخبراء الذين قضوا أثناء وجودهم مع الأمين العام لـ(حزب الله) حسن نصر الله، ورئيس المجلس التنفيذي هاشم صفي الدين، وآخرين من قيادات الصف الأول في المقاومة الإسلامية أثناء قيام إسرائيل باغتيالهم».
وكتب رصوان عقيل في" النهار": تمكن "حزب الله" في الأسبوع الأخير من إعادة التوازن إلى ماكينته العسكرية في الجنوب وتكبيد الجيش الإسرائيلي خسائر بشرية. ولم يقفل في الوقت نفسه باب المفاوضات.
تعترف جهات ديبلوماسية غربية في بيروت من خلال تقارير ملحقين عسكريين لدى أكثر من عاصمة متابعة لمجريات ما يحصل جنوبا، بأن الآلة العسكرية للحزب تمكنت من استعادة قدرتها على مستوى التصدي للتوغل الإسرائيلي وجبهه بنموذج حرب العصابات، ورفع وتيرة إطلاق الصواريخ والمسيّرات نحو حيفا وتل أبيب وغيرهما. ولا يعني هذا التطور لدى الحزب التقليل من حجم ضربات إسرائيل في الضاحية وأكثر من منطقة، ولا من أعمال جرف أكثر من بلدة حدودية.
ويقول قيادي إن وحدات الحزب في الجنوب تمنع منذ نحو شهر إسرائيل من تثبيت جنودها في أي بقعة حدودية، ولو أنها دخلت أكثر من قرية وحولتها إلى مربعات محروقة لتحقيق السماح لها بكشف كل الأماكن التي أقام عليها الحزب نقاطا عسكرية.
ويبقى الأهم عند الحزب العمل على نقطتين:
- لا يستعجل وقف النار وفق الشروط الإسرائيلية، علما أن وحداته لا تزال قادرة على المواجهة رغم كل التضحيات التي قدمتها، إذ إن رفاق الشهداء لن يتراجعوا عن مبدأ ثبات الدفاع عن أرضهم.
- لا يفهم من هذا الموقف أن الحزب يعارض وقف النار إذا تمكن لبنان من تحقيق الأمر في مفاوضاته مع الأميركيين بواسطة الرئيس نبيه بري "الذي لدينا كل الثقه بإدارته هذا الملف". ويعبّر الحزب في الوقت نفسه عن ارتياحه إلى أداء الحكومة ورئيسها نجيب ميقاتي في ما يقوم به من اتصالات في الخارج والعمل على إيواء النازحين. ويركز الحزب على أنه إذا تمكن المعنيون من التوصل إلى هدنة مقبولة فلا مانع من السير بها، وإذا لم تكن محل قبول عند إسرائيل، فلا بأس باستمرار أعمال المقاومة.
ويؤكد أنه لن يعرقل المساعي التي يعمل عليها بري، مع التذكير بأن لديه سبعة أسرى لدى إسرائيل.
ومن عناصر استعادة الحزب توازنه بحسب أحد قيادييه، أن العدد الأكبر ممن أصيبوا بتفجيرات "البيجر" قد عادوا إلى متابعة مهماتهم في القطاعات حيث كانوا، مع عدم التقليل من الخسائر التي استهدفت جسم الحزب وأصابت عموده الفقري، وكان أخطرها خرق شبكة أجهزة اتصالاته، الأمر الذي مكّن إسرائيل من اغتيال نخبة من قادته.
تزامنا، تعاين البعثات الديبلوماسية في بيروت وقائع ما يحصل جنوبا واستمرار إسرائيل في تدمير أحياء عدة في الضاحية والجنوب والبقاع. ويعترف ديبلوماسي لا يؤيد سياسات الحزب بأنه "لا يمكننا غض النظر عن أعمال نتنياهو وجيشه في لبنان، الأمر الذي يسبب لنا المزيد من الإحراج. ومن الأسلم التوجه إلى تطبيق الـ 1701 بكل مندرجاته بما يصب في مصلحة الجميع".