تعد وسائل التواصل الاجتماعي الهندية مكانا عنيفا، فهي نافذة على الكراهية اليومية والعنف الذي استعمر البلاد في السنوات التسع الماضية، لكن الصور التي تأتي من ولاية مانيبور الشمالية الشرقية والتي بدأت في الانتشار في يوليو كانت مروعة حتى لو قسناها بهذه المعايير الوضيعة.
أظهر مقطع فيديو امرأتين تتعرضان للاعتداء الجنسي أثناء عرضهما عاريتين من قبل حشد من الرجال الذين اغتصبوا فيما بعد إحداهما بشكل جماعي، وفقا لشكوى قدمت للشرطة.
الهند دولة متنوعة، تتشابك فيها الخطوط الدينية والعرقية والطائفية والإقليمية والسياسية، ومنذ أن تولى مودي منصبه في عام 2014، مزق حزبه الحاكم هذه الخطوط بسياسات إقصائية خطيرة تهدف إلى شحذ قاعدة الحزب وتعزيز هدفه المتمثل في إعادة تشكيل جمهورية الهند العلمانية إلى دولة ذات أغلبية هندوسية. لم تكن هذه السياسات السيئة خافية عن العالم طوال تلك الفترة، لكن الوضع في مانيبور يظهر جليا ما ينتظر الهند، إنّ البلد الأكثر اكتظاظًا بالسكان في العالم يتدهور ببطء إلى منطقة صراع من العنف الطائفي.
في ظل حكومة مودي، يعطى المتطرفون والحراس الإذن لممارسة عنف الدولة، مما يجعل أولئك المستهدفين بعنف الغوغاء الذي تشهده الهند يعتقدون أنه لم يعد هناك ضمان للمساواة في الحقوق، وأنه لم يعد من الممكن التوفيق سلميا لحل الخلافات السياسية أو التوسط فيها بشكل عادل، وأن العنف هو السبيل الوحيد لمقاومة تلك الخلافات.
استهداف الأقليات -وخاصة المسلمين- من قبل المتطرفين الهندوس اليمينيين أصبح الآن أسلوب حياة في العديد من الولايات، فعصابات الحراسة، التي غالبًا ما تتجمع بشكل استفزازي أمام المساجد، تهاجم المسلمين بانتظام على مرأى من الشرطة التي لا تستطيع التدخل، بزعم أنها غير مجهزة وتعاني من نقص الموظفين. إن الإعدام خارج نطاق القانون والدعوات المفتوحة للإبادة الجماعية أصبح أمرا شائعا في الولاية، لذلك تصنف الهند الآن بين الدول العشر الأكثر تعرضًا لخطر القتل الجماعي وفقًا لمشروع الإنذار المبكر، الذي يُقَيّم مثل هذه المخاطر في جميع أنحاء العالم.
في مانيبور، يتحمل المسيحيون العبء الأكبر لأن حكومة حزب بهاراتيا جاناتا في الولاية تعمل على تأجيج حالة انعدام الأمن لدى الأغلبية العرقية من قبيلة ميتي، الذين يغلب عليهم الهندوس، فيما يصنف المسؤولون في الولاية شعب قبيلة الكوكي الذين يقطنون في مناطق التلال ومعظمهم من المسيحيين على أنهم متسللون من ميانمار، ويلقون باللوم عليهم في زراعة نبات الخشخاش المستعمل في تجارة المخدرات، وقد طردوا بعضهم من مساكنهم في الغابات. كان المحرك الرئيسي للعنف الحالي هو حكم محكمة في الولاية لصالح منح قبيلة ميتي صلاحيات التمييز الإيجابي وغيرها من المزايا التي طالما تمتع بها شعب الكوكي والقبائل الأخرى، مما أثار موجة احتجاجات من قبل المجتمعات القبلية المعارضة للحكم. كذلك بدأت حكومة ولاية مانيبور هذا العام حملة للتحقق من الجنسية تنتهك خصوصية شعب الكوكي، وبحسب ما ورد من معلومات، فقد أدت حملة مماثلة في ولاية آسام المجاورة تستهدف المسلمين إلى حرمان ما يقرب من مليوني شخص من حق التصويت.
بتحريض من خطابات حكومة الولاية، شجعت ميليشيات قبيلة الميتي في مانيبور على عمليات الاغتصاب والسرقة ونهب أسلحة الشرطة وحرق القرى، إذ أحرقت أكثر من 250 كنيسة. إن الرجال الذين كانوا في مقطع الفيديو المرعب الذي مدته 26 ثانية كانوا من قبيلة ميتي يعتدون جنسيا على امرأتين من الكوكي، وقد صُوّر الفيديو في أوائل شهر مايو إلا أنه لم يظهر للعلن إلا في يوليو ربما بسبب حظر حكومي على الإنترنت فرض في الولاية ردًا على أعمال العنف. خلال تلك الفترة وردت بلاغات عن العديد من الهجمات المماثلة على نساء الكوكي، فيما وصف مودي حادثة الاغتصاب بأنها «مخزية» لكنه لم يقل سوى القليل عن الفوضى الواقعة في ولاية مانيبور.
إن تأثير سياسات العنف لحزب مودي الاستقطابية محسوس بشكل كبير أيضا في المناطق المركزية الهندية، إذ شهدت المنطقة القريبة من مركز للتكنولوجيا والمالية في ضواحي نيودلهي أعمال عنف خلال الأسابيع الماضية، إذ اشتبك متطرفون هندوس ينظمون موكبا دينيا مع المسلمين، وتعرضت المساجد للهجوم، وقتل إمام مسجد، وأحرقت المحال التجارية ونهبت، وفر مئات المسلمين.
وبالتوازي مع قيام حزب بهاراتيا جاناتا بشيطنة ما يقرب من 200 مليون مسلم في الهند، يُجَنّدُ التلفزيون والسينما ووسائل التواصل الاجتماعي لدعم تطرف الأغلبية الهندوسية، مما يضخ تيارًا مستمرًا من الإسلاموفوبيا والرسائل المبطنة الدنيئة، فهذه الجماعات المتطرفة، التي يبدو أن إحداها على الأقل قد تلقت الدعم الحكومي من رئيس الوزراء، تتصرف دون عقل، إذا اعتقل مسلمون بسبب تأديتهم للصلاة، وقتلت ماشيتهم ودمرت أعمالهم التجارية وهُدمت منازلهم، وأصبحت الجرافات، التي تُستخدم لهدم المنازل، رمزًا معاديًا للمسلمين، يستعرضها بفخر أنصار حزب بهاراتيا جاناتا في تجمعاتهم السياسية.
كما أشرنا أنا وجون كين في كتابنا لقتل الديمقراطية: عبور الهند إلى الاستبداد، أن التكتيك المميز لطغاة العصر الحديث هو تشديد قبضتهم على السلطة من خلال إعادة تعريف من ينتمي إلى النظام السياسي ونبذ الآخرين. ومن أجل الوصول للهدف النهائي وهو تخريب الديمقراطية، فإنّ الحكومة هي من تقوم باختيار الأشخاص، بدلا من أن يقوم الأشخاص باختيار الحكومة.
إن الهند بلا شك هي اتحاد معقد من الهويات الإقليمية، والعديد من هذه الأقاليم تعد نفسها متميزة عن شمال الهند الناطق باللغة الهندية حيث توجد القاعدة الشعبية القوية لحزب مودي، وهذا الهيكل الفيدرالي متماسك من خلال روابط دقيقة من التوافق الاجتماعي والسياسي، لكن هذه الروابط بدأت تذبل بسرعة تحت حكم مودي، الذي ليس لديه ميول للحفاظ عليها، مما يقلص مساحة المنافسات السياسية السلميّة، لذلك ترى بعض الأحزاب السياسية الإقليمية أن توجه حزب بهاراتيا جاناتا نحو سياسة الهندوس أولا هو أمر مفروض من خارج الثقافة الهنديّة، مما يجعلهم يهاجمون هذا التوجه بالأسلوب نفسه الذي يثير الانقسام في الهند.
ديباسيش روي شودري كاتب مقيم في هونج كونج.
«خدمة نيويورك تايمز»
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی الولایة
إقرأ أيضاً:
نظرة على معاهدة نهر السند التي قد تشعل حربا بين الهند وباكستان
ألقت صحيفة "ذا نيوز إنترناشونال" الباكستانية نظرة قانونية على معاهدة تقاسم مياه نهر السند المبرمة بين باكستان والهند، التي أعلنت نيودلهي تعليق العمل بها في أعقاب هجوم شنه مسلحون يوم الثلاثاء في الشطر الهندي من كشمير، وأودى بحياة 26 شخصا.
وكانت الهند قد اتهمت على الفور باكستان بالوقوف وراء الهجوم الذي استهدف سياحا هنودا في أثناء زيارتهم أحد المعالم الطبيعية في بلدة بهلغام السياحية الواقعة في جبال الهيمالايا، وهو اتهام نفته إسلام آباد وطالبت بتحقيق محايد.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 26 أسئلة تشرح آثار وتداعيات تعليق الهند معاهدة تقاسم المياه مع باكستانlist 2 of 2اشتباكات محدودة بين باكستان والهند لليلة الرابعةend of listوفي مقال نشرته الصحيفة، قال الكاتب حافظ إحسان أحمد خوخار -وهو محام ممارس في المحكمة العليا في باكستان- إن هذه ليست المرة الأولى التي تهدد فيها الهند بتعطيل معاهدة مياه السند أو التخلي عنها من جانب واحد.
وأضاف أنه من الضروري دراسة التطورات الأخيرة المتعلقة بمعاهدة مياه السند وتعليق العمل باتفاقية شيملا الموقعة بين البلدين في 1972. وبرر البحث في تلك التطورات بسبب ما تضمره الهند من عداء مستمر تجاه باكستان، يتسم بانتهاكات متكررة للالتزامات الثنائية والدولية.
ويعتقد الكاتب أن المعاهدة والاتفاقية أساسيتان للعلاقة القانونية والجيوسياسية بين البلدين، مضيفا أنه بموجب القانون الدولي، فإن موقف باكستان مبدئي وقائم على أسس سليمة ويمكن الدفاع عنه.
إعلانوتعد معاهدة مياه نهر السند، التي وقعتها الهند وباكستان عام 1960 مع البنك الدولي كضامن لها، ملزمة للطرفين.
وتتقاسم الدولتان، وفق المعاهدة، 6 أنهار، حيث خصصت السيطرة على الأنهار الشرقية (رافي وباس وسوتليج) للهند، بينما منحت حقوقا على الأنهار الغربية (السند والجيلوم وتشيناب)، مع مراعاة بعض القيود.
اتفاقية ملزمةوأفاد المحامي الباكستاني -في مقاله- بأن الأهم من ذلك أن المادة (12) من المعاهدة تنص صراحة على أنه "لا يجوز إنهاؤها إلا باتفاق الحكومتين"، مما يجعل أي محاولة للانسحاب منها من جانب واحد باطلة قانونيا وغير مقبولة دوليا. واعتبر أن أي إجراء تقوم به الهند يوحي بانسحابها من المعاهدة يعد انتهاكا مباشرا لبنودها الصريحة ومبادئ القانون الدولي.
وأشار إلى أن المسؤولين الهنود أدلوا بتصريحات استفزازية في ما يتعلق بتحويل تدفق المياه المخصصة قانونا لباكستان، وهو ما اعتبرته إسلام آباد عملا عدائيا يرقى إلى إعلان حرب، حسب تعبير المحامي خوخار.
وأكد أن باكستان لديها عديد من السبل المتاحة بموجب القانون الدولي للطعن في سلوك الهند، مثل آليات تسوية المنازعات المضمنة في المعاهدة، واللجوء إلى محكمة العدل الدولية، ومحافل التحكيم الدولية الأخرى.
وشدد على ضرورة أن تتبنى باكستان إستراتيجية قانونية استباقية للدفاع عن حقوقها المائية، بما في ذلك الاحتكام إلى ما ورد في الملحقين (و) و(ز) المتعلقين بتسوية المنازعات في المعاهدة. وأردف قائلا إن لباكستان أسبابا تبرر لجوءها أيضا إلى الأمم المتحدة ودعوة البنك الدولي لضمان الالتزام بأحكام المعاهدة.
ومضى إلى القول إن الهند أساءت استخدام اتفاقية شيملا لعقود من الزمن للحيلولة دون أن تحظى قضية كشمير بالاهتمام الدولي، وأن تظل في إطار طابعها الثنائي بين البلدين.
ومن وجهة نظر المحامي، فإن باكستان تقف على أرضية قانونية صلبة فيما يتعلق بمعاهدة مياه السند.
إعلان